فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم May 13, 2007, 09:36 AM
 
فصل من رواية تفاحة الصحراء


انطلق بعربته " الجيب " الرمادية بسرعة جنونية ، يده اليسرى على مقودها ، واليمنى تقبض على بندقية سريعة الطلقات ، دار في منعطفات ضيقة بين التلال الدائرية ، خرج منها إلي براح لا نهاية له ، متتبعًا الظل المذعور الذي تلقيه الشمس المتوهجة تحت أرجل غزالة هاربة من صوت رصاصات بندقيته ، التى تشده بنشوة انطلاقها إلي تتبع تلك الرقيقة ، ذات الجسد المنتفض هلعًا ، قلبها يدق بعنف مفرزاً خوفًا يبلل الرمال خلفها ، قفزت إلي وادي " الحديج " ، والعربة تقترب أكثر من قفزاتها ، والقناص لا ترمش له عين ، كله إصرار على ذبحها ، كادت دقاتها تخرج دفعة واحدة حين أحست بسحبة الزناد ، والرصاصة تتجه نحو صدرها بمجرد أن وقفت تنظر حولها للحظة ، تتطلع إلي ذلك العنيد .
تهلل وجهه وهو ينزل من العربة متجهًا إليها ، وهى مكومة على أطرافها تئن ، دماءها تسيل وقد انحصرت في الوادي ذي الأرض المنبسطة الكاشفة لكل حشرة فيها ، والتي كانت بمثابة الشرك لها ، فبدت التلال الصغيرة من بعيد كحوائط مرتفعة تمنعها من الهرب ، فسهلت له قنصها .
حملها بين ذراعيه مبتهجًا ، رأسها متدلٍ إلي أسفل ، عيناها على العشب – مأكلها ووطنها – وهى تبتعد عنه للمرة الأخيرة ، أطلقت دموعها لتروى مكان قدميها ، فربما يجد تلك الدموع أحباء من بنى جنسها فتتذكرها ، أو ربما تتشمّم آثار العجلات العائدة بها ، فتنطلق خلفها ، تقف أمام الموضع الذي سيحوى عظامها ، وتنبش الأرض بحوافرها .
ألقاها في خلفية العربة على أخريات صريعات ملوثات بدماء حارة ، أجسامها تترجرج مفسحة لها . تحسس رؤوسها مزهواً ، ألقى إليها قُبلة طائرة .
ركب العربة ، داس على قلبها ، وهو ينتزعها من بيتها إلي مكان تجهله .. أخرجت مِسكها فى خامه الصمغي البني ، أسالته من غدة تبرز من بطنها ، رشته في الهواء مُطلقة نباحها المتقطع ، مستغيثة بأوراق وجذور العشب ، الذي اندس خجلاً بين حبيبات الرمل .

*
على جانبي الوادي من الناحية الغربية يقف تَلان عاليان كهرمين فرعونيين ، فوق كل تل سور من الحجر الجيري المائل إلي الاصفرار ، ملتف في نصف دائرة ، ارتفاعه يقترب من المتر ، من خلف السور تخرج ماسورة مدفع يبدو من هيئته أنه من النوع الصائد للطائرات .
لم يكن يدرى أن الغزالة سحبته إلي تلك الفخاخ التي لم يرها وهو يرمح وراءها ، توجس قليلاً ، صعد في اتجاه أحد التلين ، شعر بقطع الصخر تهز الإطارات وترنحه في مقعده ، انقلبت الأرض تحته من رمال ناعمة مكسوة بطبقات العشب الأخضر الجاف إلي قطع من صخور " الكونجلومرايت " الزلطية الصلدة ، المتراكمة فوق بعضها في أشكال هندسية مختلفة ، على طول الطريق الصاعد إلي أعلى في مجرى حلزوني ضيق .
خلف السور كان هيكل المدفع غير مكتمل ، من حوله طلقات ضخمة مبعثرة ، بعضها فارغ والبعض الآخر ما زال بكبسولته الخلفية ، تحسسها بلمسة خاطفة ، كمن يجس سلك كهرباء مكشوف ، ثم جذب يده .
شعور داخلي شحنه بشحنة عالية خدرته ، وقعت عيناه المتوجستان على بعض المعلبات الفارغة المهترئة بفعل الصدأ ، والذخيرة ذات الأحجام المختلفة مرصوصة في ركن إلي جانب نهاية السور الحجري ، التقط عدداً من الطلقات ، وضعها في الخلفية ، في مكان فارغ بين أرجل الغزلان .
وقف ينظر أمامه ، رأى امتداداً لا نهاية له ، دار ببصره في كل الجهات ، هاله ما شاهده من فراغ منكشف ، فأي شئ سيقترب من ذلك التل لابد أن يراه الواقف عليه حتى لو كان مجرد نملة تصعد متخفية .
ذلك ما جعله يستدير إلي المدفع النائم أمامه ، اقترب منه ، تحسس ماسورته ، وجد الندى عالقًا بها ، يتكثف في قطرات تتدحرج إلي الأرض ، تروى عشبًا نديًا ينمو متسلقًا الأحجار ، اخضراره زاهٍ ، ونبات شوكي مورد يشربه طازجًا ، يضخه فى زهوره الحمراء ، فتنبت في التو أسراب النحل على رائحته ، تمتص الرحيق وتنقله إلي معاملها .

*
هاجمته صورة المعركة الضارية ، من مكانه شعر أن صفوفًا من الجنود والدبابات تنتشر في الصحراء في اتجاهات مختلفة ، رأى أمامه جنود المدفع وهم يعبئونه ، يدورون به ضاربين تلك الجموع المتحركة ، التي تبدو من بعيد كجيوش خراف هزيلة ، أنهكها السير فى صحراء مزروعة بالحرارة المرتفعة ، والشوك المدبب يملأ فوالق الصخور المفتتة .
و" مونتجمرى " وسط الجنود يضع النظارة المعظمة على عينيه ، يرى أشباح جيش خصمه " روميل " تقترب منه ، مخترقة الفخاخ التي بعثرها في كل مكان ، يتملكه الرعب ، يلتقط قلمه ، يخط رسالة إلي زوجه ، علها تكون آخر شئ يصلها منه :
( إن المعركة عنيفة ، والعدو يسحقنا ، وأنا أرقد في الليل مفتوح العينين ، أفكر في وسيلة للخروج بقواتي البائسة ، المحظوظون هم فقط الأموات ) .
سيطرت على القائد أذرع الفزع . فكيف استطاع الثعلب أن يتخطى رؤوس الشيطان المزروعة في أكثر من 1772 حقلاً لغميًا في مساحة طولها اثنين وسبعين ونصف كيلومتراً مربعًا ، وعرضها ثلاثة وخمسين كيلومتراً مربعًا ، موزعة بعشوائية لا مخرج منها ، لا عربة أو حيوان أو حشرة أو إنسان يمكنه أن يفلت ، حتى الطيور التي في الجو لابد أنها هالكة .
ضرب الخوف مسماراً في رأسه ، أمسك البوق ، نادى في آذان جنوده إذا هوجمنا فلن ننسحب ولن نتراجع ، وإذا لم نستطع الثبات في مواقعنا ، ونحن على قيد الحياة ، سنبقى هنا جثثًا فوق الرمال ) .

*
قطف وردة حمراء من تحت المدفع ، ابتسم وقال :
يا له من مكان عبقري !
.. كيف اهتدوا إليه ..
.. لابد أنهم قد اعتمدوا على البدو في السير والتنقل ، وإلا غرقوا
في تلك المتاهة الجهنمية .
رأى الشمس على وشك أن تدخل في قلب السماء ، ركب عربته ، نزل بتأنٍ وهدوء . حين لامست العجلات أرض وادي " الحديج " دفع البنزين ، هرب في اتجاه الممر الذي أتى منه ، دخل في الطريق الممهد بالحصى في اتجاه البريمة ، التي يعمل بها .

*
عَفّرت العربة الفضاء خلفها ، مكونة سحابة من الغبار التفت حوله ومنعت عنه الرؤية ، ضاعف سرعته خوفًا من الغرق في موج التراب الهائج ، دقق النظر أمامه ، أبصر كتلة كبيرة تسد عليه الطريق ، هبط على الفرامل بقوة ، فزعقت تحت قدمه ، دفعت العربة إلي الدوران حول محورها .
تطاير دم الغزلان ، سال من فوق كتفيه ، نتيجة ارتطامها بظهر مقعده ، خرج متأففًا ، وهاشًا الجملين النائمين في عرض الطريق غير عابئين به ، فقط حركا رأسيهما في اتجاه الزوبعة التي صنعها ، ورجعا يلوكان ما تحت أضراسهما ، ويكملان حوارهما .
اقترب منهما ، فأرغيا وأزبدا .. تراجع خوفًا .
تساءل : ما العمل ؟
نظر في ساعته ، متكئًا بجذعه على مقدمة " الجيب ". فعلى جانبي الطريق الممهد الأرض مفخخة بالألغام ، لم يتم مسحها مثلما مُسحت المنطقة التي يذهب للصيد فيها ، التي تحتوى على إرشادات بالحجر الجيري المدهون بالطلاء الأبيض الناصع – حجر كبير أو حجرين فوق بعضهما على مسافات متقاربة – تبدو كهياكل آدمية منحوتة بالتجوية ، واقفة فى الخلاء كرؤوس مُعممة ، فوق أجساد متكئة على جوانبها ، ملتفة فى حلقة سمر ، نارها الهادئة تلمع فى ضوء القمر ، شايها وقهوتها يُسربان رائحة " الشيح " ، فيستطيع أن يميزها حتى في الليل ويمشى على هديها .
وقف تائهًا فى الفراغ المحيط به ، يفكر فى المدى اللانهائي ، الذي ضاق حوله فجأة ، ولا يجد ممراً ينفلت منه إلي موقع الحفر .
تخلف الجملان عن القافلة الشاردة في الصحراء في أماكن خطرة ، لا يجرؤ أحد على أن يطأها بقدمه ، فمع كل خطوة من خفوفها ينتظر الناظر إليها أن يهب لغم من نومه وينثرها أشلاءً في الهواء .

*
رغم تلك التداعيات التي صحت فى مخه وأربكته ، قيدت حركته فى المكان الذي يقف فيه منتظراً أن ينهى الجملان حديثهما ، يتركا له شريط المرور ، إلا أنه شاهد صبيًا حرقت بشرته الشمس ، يقترب منهما ببطء ، ناظراً في اتجاهه .
لوح له بذراعه ، فأسرع إليه ، وعود الحطب يرقص بين يديه .
سأله :
ما اسمك ؟
صميدة .
هل هذه جِمالك ؟
لا .. إنني أرعاها فقط .
أضاف :
حضرتك مهندس في البريمة ؟
نعم .
كنت أريد أن أعمل بها مع إخواني ، لكن الحاج ناجى– المقاول - منعني .
ضحك ضحكة عالية . قال :
هيا حرك الجملين ؟
هل ستشغلني ؟
نعم .. مُر علىَّ غداً في البريمة .
تقافز صميدة تجاههما ، زعق فيهما ، ضربهما بعود الحطب ، غارسًا طرفه فى ظهريهما . قاما من بركهما على مضض في حركة كسولة ، أفسحا له الطريق ، وأعينهما تستغرب إصراره على أن يزعجهما ، بدا كغريم يتربص بأوقات الخلوة لمنافسه ، فقد بذل الذكر جهداً مضنيًا للفوز بتلك اللحظات مع رفيقته ، بعيداً عن تلصص الأعين ، وتفتح الآذان من حولهما .

*
ركب مسرعًا .. من بعيد أتاه صوت الصبي الذي انتبه لتحركه المفاجئ ، سأله وهو غير موقن أن سؤاله سيصله :
-أسأل على مَن ؟
رد عليه بصوت عالٍ مستغربًا ظهوره ، فهو واقف أمام العربة منذ فترة ولم يره ، ولم يكن يتوقع أن يجد في ذلك الخواء اللانهائي قدمًا تسير .
الجيولوجي تامر " الدكر " .
__________________
يابحر خلني اجلس على شواطيك المملوءه قهر
خلني اواسيك بجيتي لكن مواساتي تكون باحزاني
جروحي يابحر عييت تداوي.. وجيتك كلي امل تشفيها
ادري يابحر ماملاك غير دمووع البشر
وهاذي عيوني تذرف من دمعها تايهه وماغيرك يحتويها
الله عليك يابحر غريب طبعك
-------------------
للتواصل عبر الاميل او الماسنجر
اسف على التاخر في الرد عليكم
رد مع اقتباس
  #2  
قديم May 13, 2007, 09:41 AM
 
رد: فصل من رواية تفاحة الصحراء

مشكور
__________________
اللهم
إني أستغفرك لكل ذنب خطوت إليه برجلي أو مددت إليه يدي
أو تأملته ببصري أو أصغيت إليه بأذني أو نطق به لساني
أو أتلفت فيه ما رزقتني ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني
ثم استعنت برزقك على عصيانك فسترته علي
وسألتك الزيادة فلم تحرمني
ولا تزال عائدا علي بحلمك وإحسانك
يا أكرم الأكرمين
اللهم إني أستغفرك من كل سيئة
ارتكبتها في بياض النهار و سواد الليل
في ملأ و خلاء و سر و علانية و أنت ناظر إلي
اللهم أستغفرك و أتوب إليك
قولا و فعلا و باطنا وظاهرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصحراء, تفاحة, رواية, فصل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية بنات الرياض ، للكاتبة رجاء الصانع ، نسخة كاملة للتحميل بو راكان الروايات والقصص العربية 136 April 29, 2018 05:42 PM
عنب "اليونسكو" الحامض !! (قراءة مُغرضة في رواية دنسكو لغازي القصيبي ) بو راكان روايات و قصص منشورة ومنقولة 2 December 25, 2011 06:59 PM
اذا ممكن رواية ((الغابة النرويجية)) ...؟ rozana أرشيف طلبات الكتب 2 November 24, 2009 05:31 PM
رواية غادة الأساطير الحالمة بو راكان روايات و قصص منشورة ومنقولة 2 May 18, 2007 04:01 PM
انا من هالأرض .. أمي الصحراء .. احضنتني رمالها حمودي الرساوي شعر و نثر 2 April 2, 2007 02:45 PM


الساعة الآن 04:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر