الدعاء - بقلم الداعية الإسلامية الدكتورة غنى حمود

الدعاء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حديثنا اليوم عن عبادة نسيها البعض منا وهي الدعاء، فالدعاء عبادة لله سبحانه وتعالى، البعض منا يقول أنه يدعو الله ولكن الله لا يستجيب له، فلم يعد يريد أن يدعوه.

الله سبحانه وتعالى حين قال: " ادعوني أستجب لكم " فهو سيستجيب إن شاء الله رب العالمين. والذي يدعو الله عز وجل فإنه يمرّ بثلاثة أشياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، أي إما أن يحققها الله له في الدنيا وإما أن يعطيه بدلاً منها حسنات يوم القيامة، وإما أن يكون سينزل عليه البلاء فيصرفه الله عنه بدعائه. فمن الممكن يوم القيامة أن يتمنى الشخص بأن يكون الله لم يستجب له أي دعاء في الدنيا وادّخرها له حسنات، إلى هذا اليوم. والإنسان عندما يدعو الله تعالى يحسّ بأنه بحالة افتقار وتواضع وتذلل. فقد كان الأنبياء عليهم السلام كثيري الدعاء، فإذا كان الأنبياء كذلك فكيف بنا نحن؟

وكما نعلم أن الكلام الطيب يصعد إلى الله سبحانه وتعالى، وهل هناك أجمل من أن يقف الشخص ويدعو ربه ويقول: يا رب أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، أسألك أن ترضى عني وتغفر لي وترحمني وإلخ من الدعاء.

والدة السيدة مريم عليها السلام، نذرت وهي حامل، ولداً فولدت مريم عليها السلام، ودخل مرة سيدنا زكريا عليه السلام عند السيدة مريم فوجد عندها طعاماً في غير موسمه فسألها من أين أتت به فقالت رضي الله عنها: " هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" . فعندها دعا زكريا عليه السلام ربه وقال: " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء" . فبشرته الملائكة بولده يحيى عليه السلام.

فإذا جالسنا الذين يدعون الله فإن مجالستهم تشجعنا على الدعاء وعلى التضرع لله سبحانه وتعالى، وقد قال سيدنا إبراهيم عليه السلام: "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء".

كان الصحابة في يوم مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فعلت أصواتهم وهم يكبّرون ويدعون ربّهم فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم (أي على مهلكم) فإنكم لا تدعون أصماًّ ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً ". فالله عز وجل ليس بغائب عنا، هو حاضر معنا بعلمه وقريب منا بجوده وكرمه.

وهنالك أوقات يستجاب بها الدعاء أكثر من غيرها من الأوقات كوقت السحر، فقد وصف الله أهل التقوى بأنهم يستغفرون بالأسحار " وبالأسحار هم يستغفرون ".

سيدنا يونس عليه السلام عندما ترك دعوته وسافر في البحر التقمه الحوت في قاع البحر، فدعا ربه سبحانه وتعالى وسبّح وذكر، فهنيئاً له أين ذكر الله وسبّحه فقال تعالى عن سيدنا يونس: " فلولا أنه كان من المسبحين* للبث في بطنه إلى يوم يبعثون". أي أنه لو لم يكن من المسبحين الداعين المعظمين لله عز وجل لبقي في بطن الحوت، ولكن الله أنجاه.

وكذلك في الصلاة وخصوصاً في السجود يكون الدعاء مستجاباً؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء". فإن رحمات الله عز وجل أقرب ما تكون إلينا ونحن ساجدون فلنكثر من الدعاء في السجود كطلب الرحمة والمغفرة والرزق لنا ولأجيالنا وللمؤمنين في بقاع الأرض.

فلنكثر من الدعاء في السجود، في شهر رمضان والأيام المباركة، يوم الجمعة، عند نزول المطر، وعند الآذان، فالدعاء ما بين الآذان والإقامة مستجاب.

ويقول العارفون في الله أنه حين يريد أحد أن يدعو ربه فليصل على النبي وآل بيته في أول الدعاء وليعد الصلاة عليه في آخر الدعاء فالله سبحانه وتعالى يستجيب الصلاة على الرسول في الأول، وكذلك في الآخر، وبذلك يستجيب ما بين الصلاتين كرماً منه وفضلاً فالله حيي كريم يستحيي أن يرفع العبد يديه بالدعاء فيردهما صفراً خائبتين.

وإن سيدنا علي رضي الله عنه وهو على فراش الموت أوصى أولاده فقال لهم: "أوصيكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألا تدعون فلا يستجاب لكم" . هنالك آيات كثيرة في القرآن فيها عن السؤال مثلاً : " يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله". وكذلك " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً". وكذلك "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي". ولكن حين سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء : "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي ".

فلنلاحظ في هذه الآية عدم وجود كلمة قل لأن الدعاء بين العبد وربه مباشرة. فكما يستجيب الله لدعائنا فلنستجب لأوامره ولما يطلبه منا ولننته عما ينهانا عنه. الله عز وجل في القرآن الكريم يقول: "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين". أي إذا كنا بالبحر فلندع الله ولنقل يا الله، يا رحمن يا رحيم فالله سميع قريب.

أحد الأولياء ابراهيم ابن أدهم كان في السفينة نائماً فهاج البحر وتمايلت السفينة وبدأ الناس يصرخون ويبكون خوفاً من الموت. ففتح عينه فرآهم يبكون فقال : " اللهم أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك وعفوك"، فسكن البحر. فهؤلاء أولياء الله إذا دعوا يستجاب لهم، ونحن كذلك لو دعونا من قلب غير ساه ولا لاه يستجاب كذلك لنا، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة". فيجب أن ندعو الله بقلب واع وحاضر فنقول يا الله نريد هذا الشيء ونحن موقنون بأن الله سيستجيب لنا.

والإنسان عندما يدعو ربه ويقول الحاضرون : "آمين" (أي اللهم استجب)، فإن الله تعالى يستجيب. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلاّ أجابهم الله" .

فدعاء الإنسان لأخيه الإنسان في غيابه يستجاب والملك الموكل بهذا الإنسان يقول : "آمين ولك بمثله". فإذا دعا أحدهم لشخص آخر كدعائه له : "اللهم اغفر له، اللهم ارزقه"، والخ من الدعاء فالملك يقول : "آمين، اللهم استجب له، وله بمثل ما دعا لصاحبه". ولا يجب أن يدعو أحد على غيره لأنه يمكن أن يختم له بالإيمان ويختم لمن دعا بسوء الختام، وكذلك إن قال الإنسان: " يا رب، يا رب، يا رب، يا رب" يقول الله تعالى: " لبيك عبدي سل تعط". ونحن كذلك نقول يا رب ونسأله وإن شاء الله يستجيب لنا. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بقلم الشيخة غنى حمود حفظها الله تعالى لنا وللإسلام

__________________

عزيزتي لغة الاحساس

أسعدني مرورك الطيب

بارك الله بك