فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم January 11, 2009, 04:48 AM
 
رد: رواية ( ذاكرة الجسد ) .رواية رائعة للكاتبه أحلام مستغانمي ...كاملة !!




كان يطلق الرصاص على كل شيء حوله.. بعدما لم يعد يثق في شيء!

آخ.. كم كان زياد مدهشاً!

لا بد أن أعترف اليوم أنه كان مدهشاً حقاً، وأنني كنت أحمق. كان لا بد أن أحدثك عنه وأنا أتوهم أن الجبال لا تلتقي..

لماذا كنت أحدثك عنه بتلك الحماسة، وبتلك الشاعرية؟

أكنت أريد التقرب إليك به، وأقنعك من خلاله أن لي قرابة سابقة بالكتاب والشعراء، فأكبر بذلك في عينيك؟

أم كنت أصفه لك في صورته الأجمل، لأنني كنت أعتقد حتى ذلك اليوم أنني أشبهه، وأنني كنت أصف لك نفسي لا غير..

ربما كان كل هذا حقاً.. ولكن..

كنت أريد أيضاً، أن تكتشفي العروبة في رجال استثنائيين، كما لم تنجب هذه الأمة.

رجال ولدوا في مدن عربية مختلفة، ينتمون إلى أجيال مختلفة، واتجاهات سياسية مختلفة، ولكنهم جميعاً لهم قرابة ما بأبيك.. بوفائه وشهامته، بكبريائه وعروبته..

جميعهم ماتوا أو سيموتون من أجل هذه الأمة.

كنت لا أريد أن تنغلقي في قوقعة الوطن الصغير، وأن تتحولي إلى منقّبة للآثار والذكريات، في مساحة مدينة واحدة.

فكل مدينة عربية اسمها قسنطينة. وكل عربي ترك خلفه كل شيء وذهب ليموت من أجل قضية، كان يمكن أن يكون اسمه الطاهر..

وكان يمكن أن تكون لك قرابة به.

كنت أريد أن تملأي رواياتك بأبطال آخرين أكثر واقعية، أبطال تخرجين معهم من مراهقتك السياسية، ومراهقتك العاطفية.

ألم أقل لك ذلك اليوم _بحماقة_ "لو عرفتِ رجالاً مثل زياد.. لما أحببت بعد اليوم "زوربا" ولما كنت في حاجة إلى خلق أبطال وهميين. هنالك في هذه الأمة أبطال جاهزون بفوقون خيال الكتّاب..".

لم أكن أتوقع يومها أن يحصل كل الذي حصل، وأن أكون أنا الذي سيتحوّل ذات يوم إلى منقب يبحث بين سطورك عن آثار زياد، ويتساءل من منّا أحببت أكثر، ولمن بنيت ضريحك الأخير، وروايتك الأخيرة..

ألي.. أم له؟

في ذلك اليوم، وضعتِ فجأة قبلة على خدّي. وقلت بلهجة جزائرية ونحن على وشك أن ننهض للذهاب:

" خالد.. انحبك.."

توقف كل شيء لحظتها حولي، وتوقف عمري على شفتيك. وكان يمكن وقتها أن أحتضنك، أو أقبّلك.. أو أردّ عليك بألف.. ألف أحبك أخرى.

ولكنني جلست من دهشتي، وطلبت من النادل قهوة أخرى، وقلت لك أول جملة خطرت آنذاك في ذهني:

" لماذا اليوم بالذات؟"

أجبتني بصوت خافت:

- لأنني اليوم أحترمك أكثر. إنها أول مرة منذ ثلاثة أشهر تحدثني فيها عن نفسك. اكتشفت اليوم أشياء مدهشة. لم أكن أتصور أنك حضرت إلى باريس لهذه الأسباب. عادة يأتي الفنانون هنا بحثاً عن الشهرة أو الكسب لا أكثر. لم أتوقع أن تكون تخليت عن كل شيء هناك، لكي تبدأ من الصفر هنا..

قاطعتكِ مصحِّحاً لكلامك:

- لم أبدأ من الصفر.. نحن لا نبدأ من الصفر أبداً عندما نسلك طريقاً جديداً. إننا نبدأ من أنفسنا فقط. أنا بدأت من قناعاتي.

شعرت يومها أننا ندخل مرحلة أخرى من علاقتنا، وأنك عجينة تأخذ فجأة كل قناعاتي، وشكل طموحاتي وأحلامي القادمة.

تذكّرت جملة قرأتها يوماً في كتاب عن الرسم لأحد النقّاد تقول:

"إنّ الرسام لا يقدم لنا من خلال لوحته صورة شخصيّة عن نفسه. إنه يقدم لنا فقط مشروعاً عن نفسه ويكشف لنا الخطوط العريضة لملامحه القادمة".

وكنتِ أنتِ مشروعي القادم.

كنت ملامحي القادمة، ومدينتي القادمة. كنت أريدك الأجمل، أريدك الأروع.

كنت أريد لك وجهاً آخر، ليس وجهي تماماً، وقلباً آخر، ليس قلبي، وبصمات أخرى، لا علاقة لها بما تركه الزمن على جسدي وروحي من بصمات زرقاء.

يومها عرضت عليك بعد شيء من التردّد، أن تزوري ذات يوم مرسمي، لأريك ما رسمته في الأيام الأخيرة.

وكنت سعيداً أن تقبلي عرضي دون تردد أو خوف. فقد كنت أحرص على ألا تسيئي الظنّ بي. وكنت قررت أن ألغي ذلك العرض نهائياً إذا ما ضايقك.

ولكنك فاجأتني وأنت تصيحين بفرح طفلة عُرض عليها زيارة مدينة للألعاب:

- أو... رائع يسعدني حقاً أن أزوره!

في اليوم التالي، طلبتني هاتفياً لتخبريني أن عندك ساعتين وقت الظهر، يمكنك أن تزوريني خلالهما.

وضعت السماعة.. ورحت أحلم، أسبق الساعات، وأسبق الزمن.

أنت في بيتي.. أحقاً سيحدث هذا؟

أحقاً ستدقّين جرس هذا الباب، ستجلسين على هذه الأريكة، ستمشين هنا أمامي.

أنتِ.. أخيراً أنتِ؟

أخيراً سأجلس إلى جوارك، وليس مقابلاً لك. أخيراً لن يلاحقنا نادل بطلباته وخدماته. لن تلاحقنا عيون روّاد المقهى، ولا عيون الغرباء من المارة.

أخيراً يمكننا أن نتحدث، أن نحزن ونفرح، دون أن يكون من شاهد على تقلباتنا النفسية.

رحت من فرحي أشرع الباب لك مسبقاً، وأنا أجهل أنني أشرع قلبي للعواطف والزوابع.

أيّ جنون كان.. أن آتي بك إلى هنا، أن أفتح لك عالمي السريّ الآخر، أن أحوّلك إلى جزء من هذا البيت.

هذا البيت الذي أصبح جنّتي في انتظارك، والذي قد يصبح جحيمي بعدك.






أكنت عندئذٍ أعي كلّّ هذا؟ أم كنت سعيداً وأحمق كأيّ عاشقٍ لا يرى أبعد من موعده القادم؟

تساءلت بعدها.. إن كنت حقاً لا أريد غير إطلاعك على لوحتي الأخيرة.. وعلى حديقتي السرّيّة للجنون.

تذكّرت كاترين، وتلك اللوحة التي رسمتها لها اعتذارا لأنني ذات يوم، كنت عاجزاً عن أن أرسم شيئاً آخر غير وجهها، بينما كان الآخرون يتسابقون في رسم جسدها العاري، المعروض للوحي في قاعة للفنون الجميلة.

تذكّرت يوم عرضت عليها أن تزورني لأريها تلك اللوحة..

لم أتوقع أن تكون تلك اللوحة البريئة، سبباً بعد ذلك في علاقة غير بريئة دامت سنين.

أليس في دعوتي لك لزيارة مرسمي، شيء من قلّة التعقّل، ورغبة سرية لاستدراج الظروف لأشياء أخرى؟

تراني كنت أفعل ذلك، وأنا أستعيد جملة كاترين، وهي تستسلم لي في ذلك المرسم، وسط فوضى اللوحات المرسومة، واللوحات البيضاء المتّكئة على الجدران، وتقول لي بإشارة متعمدة:

- هذا مكان يغري بالحب..

فأجبتها بشيء من الواقعية:

- لم أكن أعرف هذا قبل اليوم..

فهل كان مرسمي يغري بالحب؟ أم أن في كل مكان للخلق جاذبية ما تغري بالجنون؟

ولكن، ورغم هذا كنت أدري أنك لم تكوني كاترين.. ولن تكونيها. فبيننا من الحواجز ما لن يحطمه أيّ جنون..

اليوم، بعد ستّ سنوات على تلك الزيارة، أستعيد ذلك اليوم، وكأنني أعيشه مرة أخرى، بكل هزّاته النفسية المتقلبة.

ها أنت تدخلين في فستان أبيض (لماذا أبيض؟)، يسبقك عطرك إلى الطابق العاشر. يسبقك القلب إلى المصعد ويهرول أمامك.

ها أنا أكاد أضع قبلة على خدك.. وإذا بي أصافحك (لماذا أصافحك؟).

أسألك هل وجدت البيت بسهولة فتأتي الكلمات بالفرنسية (لماذا أيضاً بالفرنسية؟) تراني كنت أبحث عن حرّيّة أو جرأة أكثر، داخل تلك اللغة الغريبة عن تقاليدي وحواجزي النفسية؟

على تلك الأريكة جلستِ.

قلت وأنت تلقين نظرة عامة على غرفة الجلوس:

- لم أكن أتصور بيتك هكذا. إنه رائع ومؤثث بكثير من الذوق!

سألتك:

- كيف كنت تتصورينه إذن؟

أجبتني:

- بفوضى.. وبأشياء أكثر.

قلت لك ضاحكاً:

- لست في حاجة إلى أن أسكن شقة مغبّرة، بأشياء كثيرة مبعثرة لأكون فنّاناً. إنها فكرة أخرى خاطئة عن الرسّامين. أنا مسكون بالفوضى، ولكنني لا أسكنها بالضرورة. إنها طريقتي الوحيدة، في وضع شيء من الترتيب داخلي.

لقد اخترت هذه الشقة الشاهقة، لأن الضوء يؤثثها وهو كل ما يلزم للرسام، فاللوحة مساحة لا تؤثث بالفوضى وإنما بالضوء ولعبة الظل والألوان.

فتحت نافذتي الزجاجية الكبيرة، ودعوتك للخروج إلى الشرفة.

قلت:

- انظري هذه النافذة، إنها الجسر الذي يربطني بهذه المدينة. من هنا، من شرفتي أتعامل مع سماء باريس المتقلّبة.

كل صباح تقدم لي باريس نشرتها النفسية، فأجلس هنا في الشرفة لأتفرج عليها وهي تنقلب من طور إلى آخر.

يحدث كثيراً أن أرسم أمام هذه النافذة، ويحدث أن أجلس في الخارج لأتفرج على نهر السين، وهو يتحول إلى إناء يطفح بدموع مدينة تحترف البكاء.

يحلو لي الجلوس هنا على حافّة المطر قريباً ومحمياً منه في آن واحد. منظر المطر يستدرجني لأحاسيس متطرفة.

" إن الإنسان ليشعر أنه في عنفوان الشباب عند نزول المطر"

عندئذٍ، نظرت إلى السماء وكأنك تصلين لتمطر، وقلت بالعربية:

- إن المطر يغريني بالكتابة.. وأنت؟

وكنت على وشك أن أجيبك " وأنا يغريني بالحب".

نظرت طويلاً إلى السماء. كانت صافية زرقاء كسماء حزيران.

كان زرقتها تضايقني فجأة، ربما لأنني تعودت أن أراها رمادية.

وربما لأنني تمنيت في سرّي، لو أمطرت لحظتها؛ لو تواطأت معي ورمتك إلى صدري عصفورة مبللة.

ولم أقل لك شيئاً من كل هذا.

نقلت نظرتي من السماء إلى عينيك.

كنت أراهما لأول مرة في الضوء. شعرت أنني أتعرف عليهما.

ارتبكت أمامهما كأول مرة. كانتا أفتح من العادة، وربما أجمل من العادة.

كان فيهما شيء من العمق والسكون في آن واحد. شيء من البراءة، والمؤامرة العشقية..

تراني أطلت النظر إليك؟ سألتني بطريقة من يعرف الجواب مسبقاً:

- لماذا تنظر إليّ هكذا؟

كان صوتك بالعربية يأتي كموسيقى عزف منفرد.

وجدت الجواب في قصيدة، حفظت مطلعها ذات يوم:

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر

سألتني مدهوشة:

- أتعرف شعر السياب أيضاً؟. عجيب!

قلت في جواب مزدوج:

- أعرف "أنشودة المطر".

عرت أنك ربما أحببتني أكثر تلك اللحظة بالذات، وكأنني أصبحت في نظرك السيّاب أيضاً.

وككل مرة أفاجئك فيها ببيت شعر، أو بمقولة ما باللغة العربية، سألتني:

- متى قرأت هذا؟

أجبتك هذه المرة:

- أنا لم أفعل شيئاً عزيزتي سوى القراءة. ثروة الآخرين تعدّ بالأوراق النقدية، وثروتي بعناوين الكتب. أنا رجل ثري كما ترين.. قرأت كلّ ما وقعت عليه يدي.. تماماً كما نهبوا كل ما وقعت عليه يدهم!.

بعدها قلت وأنت تحدقين في ذلك الجسر الحجري الرمادي، الذي يجري تحته نهر السين بزرقة صيفية استثنائية:

- أنت محظوظ بهذا المنظر، جميل أن تطلّ شرفتك على نهر السين، ما اسم هذا الجسر؟
__________________

&&&


أتمني ياعيوني أن تشعري بالفرحه
وأن تغمضي أهدابك
أتمني ياعيوني أن تمضي سنين العمر
ولا يمر العذاب بأعتااااابك
كفاكي بالله دمعا وشكوي تملئها السرااااب
أمضي ودعي الدمع وكفي ذكري لأحزانك

أفتحي حضنك وخديني
وجوة قلبك ضميني
نفسي أغمض مرة عيني
وألاقي دقاتك بتناديني
تعالي وضمي قلبي أكتر
ورجعيلي الحلم الأخضر

قلب مليان بالحب
  #32  
قديم January 11, 2009, 04:50 AM
 
رد: رواية ( ذاكرة الجسد ) .رواية رائعة للكاتبه أحلام مستغانمي ...كاملة !!



قلت:

- إنه جسر ميرابو. اكتشفت أخيراً أن " أبولينير" قد خلّد هذا الجسر في قصائده، عثرت على بعضها منذ أيام في ديوان له. يبدو أنه كان مولعاً به. إن الشعراء مثل الرسامين لهم عادة لا تقاوم في تخليد كل مكان سكنوه أو عبروه بحب. بعضهم خلّد ضيعة مجهولة، وآخر مقهى كتب فيه يوماً، وثالث مدينة عبرها مصادفة، وإذا به يقع في حبها إلى الأبد.

سألتني:

- وهل رسمت أنت هذا الجسر؟

- أجبتك متنهداً:

- لا.. لأننا لا نرسم بالضرورة ما نرى.. وإنما ما رأيناه يوماً ونخاف ألا نراه بعد ذلك أبداً. وهكذا قضى (دولاكروا) عمره في رسم مدن مغربية لم يسكنها سوى أيام، وقضى (أطلان) عمره في رسم مدينة واحدة.. هي قسنطينة.

لم أكن أعي هذه الحقيقة قبل أن أقف منذ شهرين في هذه الغرفة مقابلاً لهذه النافذة، لأرسم بشيء من التوتر الاستثنائي لوحتي الأخيرة.

كانت عيناي تريان جسر ميرابو ونهر السين. ويدي ترسم جسراً آخر ووادياً آخر لمدينة أخرى.

وعندما انتهيت، كنت رسمت قنطرة سيدي راشد ووادي الرمال.. لا غير. وأدركت أننا في النهاية لا نرسم ما نسكنه.. وإنما ما يسكننا.

سألتني بلهفة:

- هل يمكن أن أرى هذه اللوحة؟

قلت وأنا أقودك إلى مرسمي:

- طبعاً.

وقفت أمام تلك الغرفة الشاسعة الملأى باللوحات. رحت تنظرين إلى الجدران، وإلى ما اتكأ من اللوحات أرضاً بدهشة طفل في مدينة سحرية. ثم قلت بالانبهار نفسه:

- كم هو رائع كلّ هذا.. أتدري؟ لم يحدث أن زرت مرسماً قبل اليوم..

كنت أودّ أن أقول لك " ولم يحدث أن زارته امرأة قبلك، قبل اليوم".

ولكن لوحة كاترين المستندة على الجدار ذكّرتني بمرور امرأة أخرى من هنا. ذهب فكري عندها بعض الوقت عندما قلتِ فجأة:

- وأين هي اللوحة التي حدّثتني عنها؟

أخذتك إلى الطرف الآخر للقاعة، كانت اللوحة ما تزال منتصبة على خشبات الرسم، وكأنها تلغي بوضعها المميز ذاك، كل اللوحات الأخرى المبعثرة حولها.

هنالك علاقة عشقية ما بين أيّ رسام ولوحته الأخيرة. هنالك تواطؤ عاطفي صامت، لن يكسره سوى دخول لوحة عذرا أخرى إلى دائرة الضوء.

فالرسام مثل الكاتب لا يعرف كيف يقاوم النداء الموجع للّون الأبيض، واستدراجه إياه للجنون الإبداعي كلما وقف أمام مساحة بيضاء.

كيف إذن، ما زلت أقاوم منذ شهرين تحدي اللون الأبيض وإغراء كل اللوحات التي أشهرت في وجهي بياضها؟

ولماذا، رفضت أن أرسم شيئاً بعد لوحتي هذه، وفضّلت أن أبقيها هكذا على الخشبات نفسها، لأشهد لها أنها كانت سيدتي، وسيدة كل ما حولي من لوحات، وكأنني أرفض أن أحيلها إلى ركن أو جدار كما تحال عشيقة عابرة.

أيمكن ذلك.. وهي التي أعطتني من النشوة، ما لم تعطنيه حتى النساء؟

ربما.. لأنه لم يحدث قبلها أن مارست الحب رسماً.. مع الوطن!

قلت وأنت تتأملينها:

- إنها مشابهة للوحتك الأولى "حنين" ولكنها تختلف عنها، في الكثير من التفاصيل.. وخاصة في الألوان الترابية الخام التي استعملتها، إنها تعطيها نضجاً.. وحياة أكثر.

قلت وأنا أنقل نظري منها إليك:

- لقد بعثت فيها الحياة.. إنها أنتِ.

- أنا؟

- أتذكرين يوم قلت لك على الهاتف، لقد سهرت البارحة حتى ساعة متأخرة من الليل لأرسمك. اتّهمتني يومها بالجنون وخفت أن أكون قد فضحت ملامحك. لا تخافي، لن أرسمك أبداً ولن يعرف أحد أنك عبرت حياتي ذات يوم. إن للفرشاة شهامة أيضاً.

وأضفت:

أنت مدينة.. ولست امرأة، وكلما رسمت قسنطينة رسمتك أنت، ووحدك ستعرفين هذا..

قلت فجأة وأنت تشيرين بنظرة من عينيك إلى لوحة كاترين:

- وهي؟

كان في سؤالك شيء من عناد الأطفال وأنانيتهم، وشيء من عناد النساء وغيرتهنّ.

قلت وأنا أرفع تلك اللوحة من الأرض:

- هل تزعجك هذه اللوحة حقاً؟.




أجبت بشيء من الكذب الواضح:

- لا..

واصلت وأنا أشعر أنني قادر في تلك اللحظة على أن أرتكب أي جنون:

- إذا شئت سأتلفها أمامك..

صحت:

- لا، أأنت مجنون!

قلت بهدوء:

- لست مجنوناً.. وهذه اللوحة لا تعني شيئاً بالنسبة لي. إنها امرأة عابرة، في مدينة عابرة.

قلتِ بابتسامة مربكة وأنت تتأملينها:

- إنها مدينتك الأخرى.. أليس كذلك؟

من أين جئت بتلك الرصاصة الأخيرة، لتطلقيها على تلك اللوحة؟

اعترفت لك بتلميح واضح:

- لا.. ليست مدينتي، إنها وسادتي الأخرى.. أو إذا شئت سريري الآخر فقط!

شعرت أن شيئاً من الحمرة قد علا وجنتيك، وأن عواطف وأحاسيس متناقضة قد عبرتك، وتركت آثارها على ملامحك التي تغيّرت في لحظات.

ثم تمتمت بهدوء وكأنك تتحدثين إلى نفسك:

-... لا يهم!

قلت لك وأنا أمسكك من ذراعك:

- لا تغاري من هذه اللوحة. هنالك امرأة واحدة تستحق أن تغاري منها في هذا البيت، هي هذه..

نظرت نحو المكان الذي أشرت إليه. كان ثمّة تمثال ينتصب على الأرض في حجم امرأة.

قلت بتعجّب:

- هذه.. لماذا هذه؟

قلت:

- لأنها المرأة الوحيدة التي ارتحت لها حتى الآن، والتي قاسمتني معظم سنوات غربتي. كنت في السابق أملك منها نسخة مصغرة. وقررت منذ سنتين أن أهدي نفسي تمثالها في حجمه الأكبر.

كانت تلك إحدى نوبات جنوني. ولكنني لم أندم على اقتنائها، إنها تشبهني كثيراً. أنا بذراع واحدة وهي بلا ذراعين. لقد فقدنا أطرافنا في أزمنة مختلفة، لأسباب مختلفة. ولكننا صامدان معاً، لن تمنعنا عاهتنا من الخلود.

لم تعلّقي على كلامي.

يبدو أنك لم تصدقي ذلك. أن يعيش رجل مع تمثال لامرأة، ضرب من الجنون أليس كذلك؟ حتى لو كان الرجل رسّاماً، وكانت المرأة فينوس لا غير!

المشكلة معك.. أنك كنت مأخوذة بالعبقرية التي تلامس الجنون. ولكنك كنت أعقل من أن تكشفيها. ولذا كلما أردت أن أعطيك دليلاً على جنوني، لم تكوني تصدقيني تماماً.

رحتِ فقط بحماقة أنثى، تسترقين النظر إلى لوحة كاترين، وكأنها وحدها تعنيك. ورحت أنا أحاول فهمك.

ما الذي كان يزعجك في تلك اللوحة؟ هل وجودها في تلك اللحظة بيننا بحضورها الصامت الذي يذكّرك بمرور امرأة أخرى في حياتي؟ أم شقرة تلك المرأة، والإغراء الاستفزازي لشفتيها وعينيها المختفيتين خلف خصلات شعر فوضوي؟

أكنت تغارين من اللوحة أم من صاحبتها؟ وكيف يكون من حقك أن تعاتبيني على لوحة واحدة رسمتها لامرأة، دون أن يكون لي الحق في أن أحاسبك على كل ما كتبته قبلي، وعلى ذلك الرجل الذي عذّبتني به صدقاً أم كذباً؟



__________________

&&&


أتمني ياعيوني أن تشعري بالفرحه
وأن تغمضي أهدابك
أتمني ياعيوني أن تمضي سنين العمر
ولا يمر العذاب بأعتااااابك
كفاكي بالله دمعا وشكوي تملئها السرااااب
أمضي ودعي الدمع وكفي ذكري لأحزانك

أفتحي حضنك وخديني
وجوة قلبك ضميني
نفسي أغمض مرة عيني
وألاقي دقاتك بتناديني
تعالي وضمي قلبي أكتر
ورجعيلي الحلم الأخضر

قلب مليان بالحب
  #33  
قديم January 11, 2009, 04:52 AM
 
رد: رواية ( ذاكرة الجسد ) .رواية رائعة للكاتبه أحلام مستغانمي ...كاملة !!





عادت عيناك إلى اللوحة الأخيرة. تأملتها قليلاً ثم قلت:

- إذن هذه.. أنا!

قلت:

- ربما لم تكوني أنت، ولكن هكذا أراك، فيك شيء من تعاريج هذه المدينة؛ من استدارة جسورها، من شموخها، من مخاطرها، من مغارات وديانها، من هذا النهر الزبديّ الذي يشطر جسدها، من أنوثتها وإغرائها السري ودوارها.

قاطعتني مبتسمة:

- أنت تحلم.. كيف يمكن لك أن تجد قرابة بيني وبين هذا الجسر؟

كيف خطرت فكرة كهذه بذهنك؟! أتدري أنني لا أحب سوى الجسور الخشبية الصغيرة تلك التي نراها في بطاقات نهاية السنة، مرشوشة بالثلج والفضة، تعبرها العربات الخرافية. وأما جسور قسنطينة الجديدة المعلّقة في الفضاء، فهي جسور مخيفة.. حزينة. لا أكر أنني عبرتها مرة واحدة راجلة، أو حاولت مرة واحدة النظر منها إلى أسفل.. إلا شعرت بالفزع والدوار.

قلت:

- ولكن الدوار هو العشق؛ هو الوقوف على حافة السقوط الذي لا يقاوم؛ هو التفرج على العالم من نقطة شاهقة للخوف؛ هو شحنة من الانفعالات والأحاسيس المتناقضة، التي تجذبك للأسفل والأعلى في وقت واحد، لأن السقوط دائماً أسهل من الوقوف على قدمين خائفتين! أن أرسم لك جسراً شامخاً كهذا، يعني أن أعترف لك أنك دواري. إنه ما لم يقله لك رجلٌ قبلي.

أنا لا أفهم أن تحبّي قسنطينة وتكرهي الجسور؛ وتبحثي عن الإبداع، وأنت تخافين الداور. لولا الجسور لما كانت هذه المدينة. ولولا شهقة الدوار، لما أحبّ أحد.. أو أبدع.

كنت تستمعين إليّ، وكأنك تكتشفين شيئاً لم تنتبهي له من قبل برغم بساطته.

غير أنك قلت:

- ربما كنت في النهاية على حق، ولكنني كنت أفضل لو رسمتني أنا وليس هذا الجسر. إن أي امرأة تتعرف على رسام، تحلم في سرّها أن يخلّدها، أن يرسمها هي.. لا أن يرسم مدينتها؛ تماماً كما أنّ أيّ رجل يتعرف على كاتبة، يتمنى أن تكتب عنه شيئاً، وليس عن شيء آخر له علاقة به. إنها النرجسية.. أو الغرور أو أشياء أخرى لا تفسير لها.

فاجأني اعترافك. شعرت بشيء من الخيبة.

هل رسمت نسخة مزوّرة عنك إذن؟ أحقّ أنه ليس بينك وبين هذا الجسر من قرابة؟ أكانت هذه اللوحة نسخة طبق الأصل عن ذاكرتي.. وأن حلمك في النهاية، أن تصبحي نسخة أخرى عن كاترين لا غير، أن تتحولي إلى لوحة عادية، مفضوحة المزاج، ووجه بكثير من المساحيق، يشبه وجهه؟

ترانا لم نَشْفَ من هذه العقدة؟

قلت لك بشيء من اليأس:

- إذا كان هذا ما تريدين.. سأرسمك.

أجبتني بصوت فيه خجل ما:

- أعترف أنني منذ البداية، كنت أحلم أن ترسمني أنا.. وأن أحتفظ بهذه اللوحة عندي كذكرى، شرط ألا تضع عليها توقيك إذا أمكن..

شعرت برغبة في الضحك، أو على الأرجح برغبة في الحزن، وأنا أكتشف ذلك المنطق العجيب للأشياء.

كان من حقي إذن أن أوقع الرموز واللوحات التي ليس بينها وبينك من شبه. وأما أنت فليس في وسعي أن أضع أسفل رسمك توقيعي. أنت المرأة الوحيدة التي أحببتها، لن يقترن اسمي بك ولو مرة واحدة، حتى في أسفل لوحة؟

هناك إذن الذين يشترون توقيعي فقط، وليس لوحاتي. وهناك أنت التي تريدين لوحتي دون توقيع.

وهنالك أنا.. المجنون العنيد الذي يرفض هذا المنطق الجديد للأشياء، ويرفض باسم الحبّ أن يحولك إلى لوحة لقيطة، لا نسب لها ولا صاحب. يمكن أن تتبنّاها أية ريشة وأي رسام.

حيّرك صمتي.. قلت شبه معتذرة:

- هل يزعجك أن ترسمني؟

قلت ساخراً:

- لا.. كنت أكتشف فقط مرة أخرى، أنك نسخة طبق الأصل عن وطن ما، وطن رسمت ملامحه ذات يوم. ولكن آخرين وضعوا إمضائهم أسفل انتصاراتي. هنالك إمضاءات جاهزة دائماً لمثل هذه المناسبات. فمن الأزل، كان هنالك دائماً من يكتب التاريخ، وهنالك من يوقّعه، ولذا أنا أكره اللوحات الجاهزة للتزوير.






تراك فهمت كل ما قلته لك لحظتها؟

بدأت أشكّ فجأة في وعيك السياسي. لقد كان كلّ ما يهمّك في النهاية، هو موضوع لوحتك لا غير.

قلت وأنت تغادرين المرسم:

- أتدري أننا لن نلتقي لمدة شهرين؟ سأسافر الأسبوع القادم إلى الجزائر..

صحت وأنا أستوقفك في الممر:

- أحقٌ ما تقولين؟

قلت:

- طبعاً أنا أقضي دائماً عطلتي الصيفية مع والدتي في الجزائر. ولا بدّ أن أعود الأسبوع القادم مع عمي وعائلته.. لن يبقى أحد هنا في باريس.

وقفت مذهولاً وسط الممشى. أمسكت بذراعك وكأنني أمنعك من الرحيل، وسألتك بحزن:

- وأنا..؟

- أنت.. سأشتاق إليك كثيراً. أعتقد أننا سنتعذّب بعض الشيء.. إنه فراقنا الأول. ولكن سنحتال على الوقت ليمرّ بسرعة.

ثم أضفتِ بلهجة من يريد أن يحل مشكلة، أو ينتهي منها بسرعة:

- لا تحزن.. يمكنك أن تكتب لي أو تطلبني هاتفياً.. سنبقى على اتصال.

كنت على حافة البكاء.

كطفل أخبرته أمه أنها ستسافر دونه. وكنت أنت تزفّين لي ذلك الخبر، بشي من السادية التي أدهشتني. وكأن عذابي يغريك بشيء ما.

هل أمسك بأطراف ثوبك كطفل وأجهش بالبكاء؟

هل أتحدث إليك ساعات، لأقنعك أنني لن أقدر بعد اليوم على العيش بدونك، وأن الزمن بعدك لا يقاس بالساعات ولا بالأيام، وأنني أدمنتك؟

كيف أقنعك أنني أصبحت عبداً لصوتك عندما يأتي على الهاتف؟ عبداً لضحكتك، لطلتك، لحضورك الأنثوي الشهيّ، لتناقضك التلقائيّ في كل شي وفي كل لحظة. عبدٌ لمدينة أصبحت أنت، لذاكرة أصبحت أنت، لكل شي لمسته أو عبرته يوماً.

كان الحزن يهجم عليّ فجأة، وأنا واقف هكذا في ذلك الممر أتأملك بذهول من لا يصدق.

وكنت قريبة مني حد الالتصاق، كما لم يحدث أن كنته يوماً. بحثت في ملامحك عن شيء يفضح لي في تلك اللحظة عواطفك؛ لكنني لم أفهم شيئاً.

أتراه عطرك الذي كان يخترق حواسي ويشلّ عقلي، هو الذي جعلني عندئذٍ لا أتعمّق في البحث؟ كنت أعي فقط أنك بعد لحظات ستكونين بعيدة، بقدر ما كنت ساعتها قريبة.

رفعت وجهك نحوي.

كنت أريد أن أقول لك شيئاً لم أعد أذكره. ولكن قبل أن أقول أيّة كلمة، كانت شفتاي قد سبقتاني وراحتا تلتهمان شفتيك في قبلة محمومة مفاجئة. وكانت ذراعي الوحيدة تحيط بك كحزام، وتحولك في ضمة واحدة إلى قطعة مني.

انتفضت قليلاً بين يدي كسمكة خرجت لتوّها من البحر، ثم استسلمت إليّ.

كان شعرك الطويل الحالك، ينفرط فجأة على كتفيك شالاً غجرياً أسود، ويوقظ رغبة قديمة لإمساكك منه، بشراسة العشق الممنوع. بينما راحت شفتاي تبحثان عن طريقة تتركان بها توقيعي على شفتيك المرسومتين مسبقاً للحب.

كان لا بدّ أن يحدث هذا..

أنت التي تضعين الظلال على عينيك، والحمى على شفتيك بدل أحمر الشفاه، أكان يمكن أن أصمد طويلاً في وجه أنوثتك؟ ها هي سنواتي الخمسون تلتهم شفتيك، وها هي الحمّى تنتقل إليّ، وها أنا أذوب أخيراً في قبلة قسنطينية المذاق، جزائرية الارتباك.

لا أجمل من حرائقك.. باردةٌ قُبل الغربة لو تدرين. باردةٌ تلك الشفاه الكثيرة الحمرة والقليلة الدفء. باردٌ ذلك السرير الذي لا ذاكرة له.

دعيني أتزود منك لسنوات الصقيع. دعيني أخبّئ رأسي في عنقك. أختبئ طفلاً حزيناً في حضنك.

دعيني أسرق من العمر الهارب لحظة واحدة، وأحلم أن كل هذه المساحات المحرقة.. لي.

فاحرقيني عشقاً، قسنطينة!

شهيّتين شفتاك كانتا، كحبّات توت نضجت على مهل. عبقاً جسدك كان، كشجرة ياسمين تفتحت على عجل.



__________________

&&&


أتمني ياعيوني أن تشعري بالفرحه
وأن تغمضي أهدابك
أتمني ياعيوني أن تمضي سنين العمر
ولا يمر العذاب بأعتااااابك
كفاكي بالله دمعا وشكوي تملئها السرااااب
أمضي ودعي الدمع وكفي ذكري لأحزانك

أفتحي حضنك وخديني
وجوة قلبك ضميني
نفسي أغمض مرة عيني
وألاقي دقاتك بتناديني
تعالي وضمي قلبي أكتر
ورجعيلي الحلم الأخضر

قلب مليان بالحب
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتبه, أحلام, مستغانمي, الجسد, ذاكرة, رائعة, رواية, كاملة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية ::< أملي أن يأتي يوم غد أفضل >:: أول رواية ل شموع تبكي .. شموع تبكي روايات و قصص منشورة ومنقولة 2 May 24, 2012 02:25 PM
رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر tamahome روايات و قصص منشورة ومنقولة 187 February 6, 2012 10:23 PM
رواية نساء عند خط الاستواء ل زينب حفني رواية ممنوعة بو راكان كتب الادب العربي و الغربي 32 December 27, 2011 07:46 PM
عاجل (مطلوب رواية الاخرون للكاتبه صبا الحرز) ابغاها على الوورد الاسبانيه أرشيف طلبات الكتب 4 October 9, 2008 04:38 AM


الساعة الآن 02:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر