فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > تحميل كتب مجانية > كتب السياسة و العلاقات الدوليه

كتب السياسة و العلاقات الدوليه تحميل كتب في السياسة الدوليه , العلاقات,ما بين الدول



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم December 27, 2008, 10:28 PM
 
المؤامرة ... بين الحقيقة والتكذيب

(1)
نظرية المؤامرة"

بين الحقيقة الضائعة.. والتكذيب المدروس..
المؤامرة كلمة يمقتها الكثيرون وخاصة الذين شاءت أقدارهم أن يندمجوا بالمحافل الماسونية بمختلف أنواعها وأسمائها بداية من فرانسيسكو إلى كل بقعة من بقاع الأرض , فهؤلاء لديهم حساسية خاصة من كلمة مؤامرة , ترتجف منها أبدانهم ,وترتعش دونها ألسنتهم وكأنهم سينطقون بإحدى المحظورات الكبرى بالماسونية ؛ التي قد تصل بهم إلى حد الكفر بواحد من أهم أركانها إن هم نطقوا كلمة مؤامرة , ويشعرون كما لو أن موازين الكون قد انقلبت رأساً على عقب إذا ما ذكرت هذه الكلمة على أسماعهم , ولعل الصنف الأول من الذين ينكرون وجود المؤامرة هم من هؤلاء المشككين بوجودها لا يعنوننا كثيراً فربما لديهم من التعليمات المشددة من قبل أنديتهم الماسونية ؛ بألا يقروا بوجود هذه الكلمة في قواميس اللغة واعتبارها كلمة نشازاً لا ينطق بها إلا المتخلفون فكرياً وعدم الإقرار بوجود المؤامرة إنما هو نوع من أنواع الجهاد المستمر الذي لا يمكنهم أن يتهاونوا فيه في أي عصر أو حقبة من الحقب , ومن هؤلاء المفكرون المستشار القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر ؛ زبيغنيو بريجنسكي ؛ الذي هو اليوم ؛ و كما يذكر المؤرخ الأمريكي جيم مارس , في كتابه ( الحكم بالسر , التاريخ السري بين الهيئة الثلاثية والماسونية والأهرامات الكبرى ) ويؤكد أن بريجينسكي الآن هو عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة الهيئة الثلاثية السرية؛ حيث قال بريجنسكي عام 1981م (( إن التاريخ هو نتاج فوضى أكثر منه نتاج مؤامرة ... إن صانعي الخطط والسياسات يقهرون بشكل متزايد بالأحداث والمعلومات )) ( ص21) , ولكن المهم لدينا شريحة أخرى وهي الصنف الثاني وهم المتشككين , ومن البديهي أن المُشكِّك يختلف عن المُتَشكك , فالصنف الأول أي المُشكك هو يعلم يقيناً بوجود ذلك الشيء الذي يعمل على تشكيك الآخرين بوجوده ؛ لأنه يساهم فيه ولا يريد من أحد أن يطلع على خفاياه ,وتشكيكه المبرمج إنما هو ضمن الدور المناط به , أو الذي عليه أن يقوم به , أما الصنف الثاني المتشكك فهو على الأقل يدعي أنه ذو تفكير علمي ويريد براهين تعجيزية توجد له بعض الانسجام الداخلي بين قلبه وعقله , بين إيمانه بوجود ذلك الشيء وعقله الذي يرغب لاهثاً في رفضه , وهذه الفئة أو الصنف هي مغفلة بكل ما تعنيه كلمة الغفلة من معنى , فهم ليس لديهم وعي بالمشكلة برمتها وسمعوا بعض الماسونيين ينتقدون المتحدثين عن المؤامرة بعنف وانساقوا عن جهل وطيب نية وربما تصنُّع بأنهم مثقفون يعون المسألة ويسيرون بدون وعي خلف أولئك المطبلون .

المؤامرة عمرها طويل كما يلمِّح لها ثيودور هرتزل زعيم الصهيونية دون أن يسميها ؛حين يقول في مذكراته الشخصية : (( إذا لم أستطع إلانة القوى العليا فسوف أثير العالم السفلي ..)) ويقول في مذكراته أيضاً مشتكياً من مؤامرات كتلة اليهود الرأسمالية ضد كتلته اليهودية الصهيونية ( القومية اليهودية ) : (( قررنا , لمجابهة التآمر اليهودي في قصر السلطان العثماني يلدز أن نتبع الطريقة التالية : يكتب نيولنسكي إلى عزت بأن اليهود المتآمرين عليَّ قد لا تكون لهم مصالح خاصة لكنهم يشعرون بهاجسين : أولهما الخوف من أن تقوى اللا سامية في أماكن إقامتهم إذا صدرت الدعوة لليهود بالمهاجرة , ثانيهما الخوف من أن نُهَجِّر جماعات كبيرة من اليهود المفلسين إلى فلسطين . لهذين السببين يحاول دعاة هذه المؤامرات اليهود نسف مشروعنا من أوله, إلا أن عزت يجب ألا يُسمح له بأن يسلبوه ثقته فيَّ ))

ويقول عن تآمر روتشيلد زعيم كتلة الرأسماليين اليهود (( إذا كان أدموند روتشيلد بالقسطنطينية فإني أتوقع الشر الروتشيلدي المألوف )) ويرسم هرتزل نفسه خططه التآمرية ضد رؤساء كتلة اليهود الرأسماليون فكيف إذاً نتصوّر تآمره ضد من هم من غير اليهود والذين هم على شاكلة ( صغار وكلاء الشحن مثلاً ) , فقد كتب بمذكراته عن روتشيلد (( سنصفي أموال روتشيلد كما فعلنا مع أصغر وكلاء الشحن وأصحاب الدكاكين ... سنكون حقاً فقراء لو أتينا إليكم نشحذ بليوناً, إذا لم تريدوا المساعدة ؛ فسوف نسير بالطلب على طبقة ثانية إلى اليهود متوسطي الغنى , سنرسل بضع نشرات عن الخطة إلى مراكز الغنى اليهودية الرئيسية , ليطلع عليها المليونيرون المتوسطون ...وستتحول جميع البنوك اليهودية المتوسطة الحجم إلى قوة مالية واحدة , تناهض أصحاب البنوك الكبار باسم المثل القومي الأعلى , وسيهدف هذا العمل إلى جركم معنا أو العمل على كسركم ثم تحطيمكم ...)) ويقول بمذكراته في رسالة أرسلها إلى روتشيلد (( من أعطاكم الحق لأن تعملوا هذا ...أنتم وصناديق أموالكم , يجب أن تقام الحراسة حولكم خوفاً عليكم من أناس لا يعرفون الحقيقة بعد , وما تزال ثروتكم الملعونة تزداد , إنها تزداد بسرعة تفوق ازدياد الثروات القومية للبلدان التي أنتم فيها؛ لذلك فإن هذه الزيادة ؛ إنما هي على حساب ازدهار الأمة ..)) ويقول في مكان آخر (( لابد أن أبدأ حملة ضد روتشيلد عاجلاً أم آجلاً , سيكون عنوانها المحدد : بيت روتشيلد – عرض موضوعي للخطر الذي يهدد هذا الأخطبوط العالم به ...)) ويروي كيف يسيطر اليهود على رجال السياسة بالدول الأوروبية ((بين المساء والصباح خطر لي أسم الشخص الذي سيستميل مجلس النواب الفرنسي لنا : روانيه , الذي حسبما أخبرني ليفن في سالزبورج 1895م قبض نقوداً لخطابه عن اليهود ))ويقول (( وكما ذكرت إني جنَّدت مؤيدين لقضيتنا في الحلقة التي تحيط بالسلطان )) .

وقد كان هرتزل زعيم الصهيونية يصرح (( ويردد قبل نشوب الحرب العالمية الأولى إن نشوب حرب أوروبية جديدة لن يضر بالصهيونية بل سيشجعها )) و(( يحذر الساسة الأوروبيون بضرورة الاختيار بين الصهيونية أو الثورة التي يعمل اليهود على إذكاء نارها كي يترتب على كل من لا يريد أن (( يخرب اليهود كل شيء )) أن يؤيد الصهيونية )) ( دايفيد هيرست , البندقية وغصن الزيتون , جذور العنف في الشرق الأوسط, ص 166-167) , وبعد أن بدأ اليهود بوضع مخطط الحرب العالمية الأولى في حدود عام 1895م كتب في مذكراته في يوم 15/ 6/ 1895م يقول في مذكراته مخاطباً اليهود في كل الدول الأوروبية المتحاربة بالحرب الكبرى القادمة التي كان يجري التحضير لها ((كل من بقي في بيته حتى وقت اشتعال الحرب يجب أن يبقى فيه حتى انتهائها, وبالطبع يجب أن يحمل السلاح مع الآخرين , ولكن بعد الحرب سنقبلهم مسرورين ونكرمهم ؛ لأنهم يكونون قد حاربوا من أجل عزة اليهود )) , ويقول بمذكراته أيضاً (( إذا لم نكن هاجرنا عند وقوع الحرب القادمة ؛ فسوف يضطر كل اليهود إلى الذهاب إلى جبهة القتال بغض النظر عما إذا كانوا قد تخطوا سن الجندية أو إذا كانوا بعد في السن , وعما إذا كانوا أصحاء أو مرضى , سيتوجب عليهم أن يجروا أنفسهم إلى جيوش أوطانهم الحاضرة , وإن حدث أن كانوا ينتمون إلى جيوش متعادية ؛ فإنهم سيضربون بعضهم بعضاً, قد يعتبر بعضهم هذا عملاً مشرفاً, وقد يعتبره الآخرون ثمناً يدفع سلفاً من أجل مجدهم المقبل , ولكن عليهم جميعهم أن يشتركوا في هذه الحرب )).

ومما يثبت اكتمال مؤامرة و مخطط الحرب العالمية الأولى قبل وفاة هرتزل أنه كتب في مذكراته إلى قائد عسكري يهودي أسمه جولد سميد (( يجب أن تنضم أيها الكونيل إلى السلك العسكري التركي كجنرال , مثلما فعل ودز و كامبهوفنر وجولتز وغيرهم من الضباط الأجانب ؛ وبتلك الصفة تصبح القائد في فلسطين تحت سيادة السلطان ,وعند تقسيم تركيا؛ تسقط فلسطين في أيدينا أو في أيدي أتباعنا كدولة مستقلة )) ويقول هرتزل عن الجيتو وهو الحي اليهودي المغلق الذي يحيط به أسوار داخل المدن الأوروبية بما يؤكد أن بعضاً من اليهود على الأقل لديهم مخطط قديم عمره أكثر من ألفي عام ؛ وكان الجيتو قد أعتبر وصمة عار على المجتمعات الأوروبية حتى قيام الثورة الفرنسية التي قامت ضد الملكية الكاثوليكية وكأن أهم أجندتها هي إعلان تحرير اليهود وخروجهم من الجيتو هذا الجيتو وصم به الأوروبيون بالعار ؛ بينما كان اليهود هم من صنعوه لأنفسهم من خلال مؤامرة قديمة تهدف إلى حفظ الديانة اليهودية والجنس اليهودي من الانقراض , حسب اعتراف هرتزل نفسه , ومع ذلك حوسب الأوروبيون على عمل صممه اليهود لأنفسهم يقول هرتزل (( إن الأشخاص العاديين ليس لديهم ولا يمكن في الحقيقة أن يكون لديهم إدراك تاريخي , إنهم لا يعلمون أن آثام العصور الوسطى تعود اليوم إلى أوروبا , إننا نحن اليهود قد صنعنا الجيتو على ما نحن عليه ؛ فمما لاشك فيه أننا اكتسبنا تفوقا ماليا, لأن ظروف العصور الوسطى دفعتنا إلى ذلك , والآن تتكرر نفس العملية فقد أجبرنا على العمل في البورصة , حيث حرم علينا أي نشاط اقتصادي آخر ؛ ولأننا في البورصة فإننا بالتالي نتعرض من جديد للاحتقار ...)) (ثيودور هرتزل , الدولة اليهودية , ص56).



كيف بدأت المؤامرة :

كانت اليهودية واليهود قد أصبحت بعد احتلال اليهود للقدس وكأنها مركز الكون ؛ خاصة بعد الفناء الذي تعرضت له الأمة الفرعونية ,وبدا أنها قد سيطرت على مجرى التاريخ في الشرق الأوسط على الأقل ؛ وخاصة في أوج قوتهم في عهد النبي سليمان عليه السلام الذي لا يعترف اليهود بنبوته وإنما يرونه مجرد ملك من أقوى ملوك بني إسرائيل أقام الهيكل المقدس الأول كرمز لسيطرة بني إسرائيل , ولكن بعد وفاة النبي سليمان بن داود عليهما السلام رجع اليهود عن عبادة التوحيد وعبدوا الآلهة الوثنية , وانقسمت دولة بني إسرائيل إلى دولتين مملكة القدس ومملكة نابلس , وضعفت سيطرة اليهود , وهددهم الله سبحانه بالطرد من رحمته إن لم يعودوا لعبادته , وكما تقول المؤرخة البريطانية كارين آرمسترونج (( لكن ملوكا بعد سليمان تلهوا بالوثنية والتمثل الثقافي ؛ فانجذب عامة الناس انجذاباً مهلكاً إلى عبادة الخصوبة الوثنية الكنعانية : فعندما هذذ القحط محاصيلهم الزراعية , لم يجد بنو إسرائيل غضاضة في التحول إلى عبادة الإله بعل كجيرانهم الذين كانوا يؤمنون أن في مقدورهم التلاعب بآلهتهم لحملها على إنزال المطر ))وتضيف كارين (( وأدخل الكهنة جوانب من العبادات الوثنية إلى طقوس اليهودية وشعائرها ...ولم يكونوا بعد مستعدين لعقيدة التوحيد الصارمة )) وأمام ذلك سلَّط الله عليهم جيرانهم الآشوريون الذين أبادوا القبائل الإسرائيلية العشر إلى الأبد وسميت بالقبائل الضائعة من التاريخ .

وتقول كارين (( وبينما كانت أعمال الترميم جارية في الهيكل – في عهد الملك يوشيا - عثر الكاهن الأكبر حلقيَّا على مخطوط عتيق ؛ ربما كان مخطوطاً لأسفار موسى الخمسة ( البنتاتوخ ) كلها أو ربما ببساطة مخطوطاً لسفر تثنية الإشتراع ؛ الذي انتهى بسلسلة من اللعنات الرهيبة , أشاعت الرعب في نفس يوشيا ؛ لأنها بدت وكأنها تحققت جزئياً, وكان الرب قد أخبر موسى بأن احتلال الأراضي المقدسة يتوقف على الالتزام الدقيق بتعاليم التوراة وفي حال ما إذا عصى بنو إسرائيل الرب فسوف يفقدون أرضهم )) .

وأخيراً, و أمام كفرهم بالله وعصيانهم له أرسل الله عيسى بن مريم عليه السلام بمعجزة خارقة للطبيعة البشرية كمجدد لديانة التوحيد, وقد حاولوا قتله وقتلوا وصلبوا شبيهه واضطهدوا أتباعه , ولعل المؤامرة الكبرى ؛ هو ما فعله القديس بولس وهو أسم لأحد اليهود الأذكياء وأسمه الحقيقي شاؤول ؛ حيث غيَّر الديانة المسيحية رأساً على عقب من خلال مؤامرة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً , ويذكر المؤرخ البريطاني الكبير أرنولد توينبي في كتابه تاريخ البشرية ((أن أقدم ما وصل إلينا من أخبار يسوع التي دونها أتباعه المتحمسون الذين كانوا قد قبلوا العقيدة , بأن يسوع مثل الفراعنة لم يكن له أب إنسان بل إنه ولد لأمه من إله وفي حالة يسوع لم يكن الإله رع ( المصري ) بل الله ؛ وبحسب ما ورد في الكتب المقدسة المسيحية ؛ فقد رفض يسوع نفسه فكرة الألوهية بالنسبة إليه في أي معنى كانت وعلى الأقل في قولين له مدونين يرمي يسوع إلى القول بأنه لا يستوي مع الله في الهوية ...)) (توينبي ج1 ص289- 290) .

قام شاؤول اليهودي الذي أصبح ( بولس المسيحي ) بتغيير جذري بالديانة المسيحية التوحيدية فكما تقول كارين آرمسترونج (( ومع أن بولس أنكر التعاليم اليهودية الأساسية إلا أنه بقي يهودياً في أعماق روحه , وقد طبع المسيحية بالتصورات والأساطير اليهودية ؛ فقد علَّم المسيحيين أنهم يمثلون تحقق التاريخ اليهودي , وأنهم هم إسرائيل الجديدة ...وعلّم المسيحيين كذلك أن يسوع هو " فصحهم " أي عبورهم من الموت إلى حياة روحية جديدة , وهم الآن في حالة " نفي " ليس عن الأراضي المقدسة بل عن المسيح وعن ملكوت الرب الوشيك , لقد باتوا ينتمون فعلاً إلى العالم الآخر , ورجال اليهود المقدسون أمثال إبراهيم وداود وموسى هم قدوة للمسيحيين أيضاً ؛ لأنهم كانوا ينتظرون المسيح دون أن يعوا ذلك ...كما سيصعب عليهم الانتباه إلى أن ثمة عناصر خطيرة الشأن في عقيدتهم الجديدة هي في الواقع عناصر يهودية ...)) ص 55-56 .

ويرى توينبي أنه (( بدت المسيحية وكأنها واحد من المذاهب العديدة التي قامت داخل اليهودية ... ومما يدعو إلى الإعجاب بشكل مساو للدهشة الأولى هو أن هذه المسيحية ذات الصبغة اليهودية السابقة نجحت في النهاية في أن تضم إليها جميع سكان الإمبراطورية باستثناء اليهود ومشايعي اليهود من أتباع يهوه ... السامريين . إن المسيحية كما أوضحها القديس بولس نجحت في التغلب على الديانات الإقليمية المنافسة لها بأن امتصتها , ولو أن ثمن ذلك كان التخفيف قليلاً من الوحدانية التي ورثتها من المسيحية )). ويتساءل توينبي بتعجب ربما لينبه القارئ فيقول (( وتحوُّل فريق يهودي إلى كنيسة مسيحية مسكونية أمر يدعو في واقع الأمر إلى الدهشة ! )) ص 293-294.

لقد كانت تلك هي المؤامرة الكبرى من قبل نفر من اليهود على الديانة المسيحية؛ فحين بُعث عيسى عليه السلام ,كان الهدف منه تصحيح مسار الديانة التوحيدية التي أنزلها الله على موسى عليه السلام بعد أن انحرف بها اليهود إلى الوثنية , ولم يتعضوا من التهديدات التي وجهها لهم الله سبحانه بوجوب طاعته وترك معصيته , وحين جاء عيسى بالحق علم اليهود أن عليهم العودة عن غيِّهم أو مواجهة المزيد من غضب الله وعقابه ؛ فقاموا بمحاولة قتلهم لعيسى عليه السلام كآخر حلقة من حلقات معصية الله وقتلهم الأنبياء بغير حق , وهو ما يعني أنه قد قرروا أن يمضوا بعدائهم لربهم إلى نهاية الطريق وآخر المطاف ؛ ولذا قرروا تزوير الديانة المسيحية , وقاموا بتبديل الديانة المسيحية التوحيدية إلى ديانة أخرى جديدة تختلف عما أنزله الله وعما جاء به المسيح عليه السلام .

لقد كان مجيء عيسى عليه السلام الذي أرسله الله بالإنجيل بديانة توحيدية خالصة , وكما يقول المؤرخ الإنجليزي الكبير أرنولد توينبي إن (( المسيحية المنتصرة ورثت عن سابقتها , اليهودية , التوحيد الخالص , لكن المسيحية خرجت عن التوحيد بأنها ابتلعت وتمثلت بالديانات المنافسة المقهورة غير اليهودية , والتي كانت أجمعها , ديانات لا يهودية )), لقد كان تقبل الديانات المحلية - العاجزة عن تلبية قناعات المجتمعات - وامتزاجها بالديانات الأجنبية مقبول على نطاق واسع في القرن الثالث للمسيحية ,من خلال كما يصف توينبي عملية ((الاختيار والنشر والتقبل والتركيب )) ..

ويؤكد توينبي أن المسيحية كانت أمام ضغط هائل من قبل حضارة الإغريق المتطورة لغةً وفناً وفلسفةً , مما جعل القائمون على نشر المسيحية يعملون على إفراغها من محتواها التوحيدي مقابل تحدي الديانات المحلية بجنوب وشرق أوروبا , إلى جانب أهداف خاصة بالقديس بولس الذي اعتنق المسيحية وترك ديانته الأصلية اليهودية كما ترك أسمه الأصلي شاؤول , بيد أنه ركَّب واختار وتقبَّل عقائد الثالوث الكوكبي المحلي في بلاد الرومان واليونان مركبِّاً لهذا الثالوث الكوكبي إلى ثالوث مقدس قرَّب المسيحية للوثنية وخرج بها عن أصلها التوحيدي نحو ديانات أوروبا الوثنية .

لقد كانت الصور البدائية المشتركة دينياً بين الأمم هي الأم , وكذلك جاءت فيما بعد الأم والأب والابن فأحياناً الأم تصبح هي الشمس التي تأتي للناس بالدفء وأحياناً أخرى تكون الأم هي الأرض التي لديه القدرة الإنباتية حسب اعتقادهم , وهنا نجد أن ايزيس وأوزيروس أو الشمس والقمر وصنع المصريون حورس الإبن .

ومن هنا جاء دور شاؤول اليهودي ليحرف الديانة المسيحية عن التوحيد ويركب وينقل ديانات الثالوث الكوكبي إلى الثالوث المقدس ليركب ويضع الله (سبحانه وتعالى عما يصفون علواً كبيراً )مكان أوزيروس أو عشتار , ومريم مكان إيزيس أو ود, واليسوع أو عيسى مكان الإبن حورس أو الزهرة أو نكرح ,ويرى توينبي أن هذا (( النجاح الذي يدعو إلى الدهشة – وقد تم على يد مسيحي يهودي هو القديس بولس – هو انتزاع مسيحية لا يهودية من الدين اليهودي , بحيث كان باستطاعة غير اليهود أن يقبلوا بها بحرية دون أن يلتزموا بمراعاة الشريعة اليهودية , ومما يدعو إلى الإعجاب , بشكل مساو للدهشة الأولى هو أن هذه المسيحية ذات الصبغة اليهودية السابقة , نجحت في النهاية في أن تضم إليها جميع سكان الإمبراطورية الرومانية باستثناء اليهود , ومشايعي اليهود من أتباع يهوه الملتزمين أي السامريين )).

إن ما يريد أن يقوله توينبي ولم يقله هو أن شاؤول كواحد من أذكياء اليهود أراد أن يصرف شعوب العالم عن عبادة اليهودية التي يرى اليهود أنها لهم دون العالمين , كما أنهم حسدوا العالم بأن يكونوا موحدين لله يتبعون ديانة توحيدية هي المسيحية التوحيدية الخالصة التي نزلت على عيسى عليه السلام , فزوروا الديانة المسيحية وركبوها لتتلاءم مع ديانات الثالوث الكوكبي ديانة شعوب البحر المتوسط , من خلال الثالوث المسيحي المقدس الذي ابتكره شاؤول أو القديس بولس .

لذا يؤكد توينبي في تاريخ البشرية (ج1 ص 293) ((إن المسيحية كما أوضحها القديس بولس نجحت في التغلب على الديانات الإقليمية المنافسة لها , بأن امتصتها , ولو كان ثمن ذلك كان التخفيف قليلاً من الوحدانية التي ورثتها عن اليهودية ففي المسيحية كما شرحها القديس بولس , كما كان الحال في زرواسترية المجوس , رفعت صفات الله الحق الوحيد ...إلى درجة التساوي بالمظهر مع الإله فأصبح يسوع الإله المتجسد...وباعتبارها (( أم الله ))أصبحت أم يسوع الإنسانة آلهة في الواقع )).

ومن هنا فقد تم قطع أواصر الصلة تماماً بين المسيحية واليهودية. ويرى البعض أنه بناءً على رفض بولس إجراء عملية الطهارة لمن يعتنق المسيحية، قامت قطيعة لاهوتية مع فكر التوحيد السامي. وهكذا بعد عدة قرون ظهرت _بتأثيرات من فكرة الثالوث في الميثولوجية المصرية والأفلاطونية السكندرية الجديدة _ ظهرت فكرة الثالوث، وأضيف إلى الأب والابن الروح القدس.



هل المؤامرة مستمرة ؟

ولعل الحديث هنا سيطول ؛ ولكننا سنقوم كمدخل لهذه الدراسة بقصتين شهيرتين من تاريخنا الوسيط بالأندلس في عهد المعتمد بن عباد والتاريخ المعاصر بالعراق وقصة صدام حسين ؛ بحيث يمكن لنا أن نفهم تاريخ المؤامرة المستمرة , فقد كانت الحكومة الخفية لليهود قد انتقلت من بابل تحت ظل حكم الفرس إلى الأندلس في ظل حكم المسلمين بعد سقوط الإمبراطورية الفارسية وفتح الأندلس فيما بعد ؛ حيث رأت الحكومة اليهودية المستخفية أنها ستكون هناك أكثر أمناً ونشاطاً ؛ وعاشوا أكثر من ثمانية قرون في أمن وازدهار ؛ بحيث تمكنت تلك الحكومة من تشديد قبضتها على المجتمعات اليهودية في الشتات , ثم فيما يبدو أنهم أصبحوا بالاتفاق مع الأسبان تحت حكم أسبانيا النصرانية بعد ضعف قوة المسلمين هناك , وربما كانوا يعملون على إضعاف الطرفين من أجل ضمان مصالحهم ؛ سواء في الجزيرة الأيبيرية أو في العالم .

ويرى المؤرخ البريطاني دوغلاس ريد في كتابه الذي اختفى من الأسواق ( جدل حول صهيون دراسة للمسألة اليهودية منذ ألفين وخمسمائة عام ) فيقول (( إن الإسلام ...لم يظهر العداء للديانة اليهودية وأوغسطين [ وهو مؤرخ يهودي ] نفسه كان راضياً إلى حد ما حيث قال " إن الإسلام أجاز لغير المؤمنين الحرية الاقتصادية وإدارة الحكم الذاتي ...إن الإسلام كان متسامحاً بوجه عام مع أتباع الديانات الأخرى ...وإن ما حققه الدين اليهودي من ازدهار بحرية في ظل الإسلام ما كان بالإمكان تحقيقه في بداية انتشار الديانة المسيحية "ويواصل دوغلاس ريد قوله - وإن " إمكانيات الازدهار " هذه تم خلقها لليهود من قبل الإسلام على الأراضي الأوروبية في أسبانيا لقد فتح الإسلام الغرب ليدخله بذلك " أعنف عدو ظالم [يعني اليهود ]...إلا أن نظرة الاحتقار تجاه اليهود من قبل الشعب الأسباني كانت قوية جداً بشكل عام ... وبغض النظر عن كراهية ونفور السكان تجاه اليهود والمارانو ؛ فقد كلف الملوك الأسبان وزراء المال من الطائفة اليهودية بصورة عادية خلال مرحلة طويلة بعد خروج الإسلام من أسبانيا )) ويضيف دوغلاس ريد إن المؤرخ اليهودي الصهيوني اعترف وأكد (( أن اليهود قدموا " مساعدات مالية "لمسيحيي الشمال في الغرب أثناء صراعهم مع المسلمين القادمين من الجنوب )) (دوغلاس ريد ص 120- 121). هذا رغم أن المسلمين هم الذين قدموا الأمن لليهود بدخولهم الأراضي الأوروبية آمنين على أموالهم ودماءهم وديانتهم .

وكان هذا وضع اليهود في أسبانيا حتى عهد المعتمد بن عباد , ويبدو أن اليهود في تلك المرحلة التاريخية قد توصلوا إلى نظام عالمي جديد يخضعون فيه المسيحيين في ممالك أسبانيا النصرانية لنفوذ الحكومة اليهودية الخفية ؛ تحت طائلة حاجة حكومات أسبانيا لتغطية مصروفات الحرب التي تغذيها القروض اليهودية ضد المسلمين , وأمام ضعف المسلمين فقد كان اليهود يقدمون القروض للنصارى في حربهم الصليبية بالأندلس مقابل أن يعهد لهم أخذ الجزية التي فرضت على ملوك الطوائف بما فيهم من ضعف أدى إلى قبولهم لذلك الوضع الذليل .

يقول المقري التلمساني : ((قال ابن اللبانة رحمه الله تعالى : ولم يزل المعتمد بخير إلى أن كانت سنة خمس وسبعين وأربعمائة ووصل اليهودي ابن شاليب [وهو ربما هو عضو الحكومة الخفية اليهودية بأسبانيا آنذاك ] لقبض الجزية المعلومة مع قوم من رؤساء النصارى وحلُّوا بباب من أبواب أشبيلية فوجه لهم المعتمد بن عباد المال مع جماعة من وجوه دولته , فقال اليهودي : والله لا أخذت هذا العيار , ولا آخذه منه إلا مشجراً , وبعد هذا العام لا آخذ منه إلا أجفان البلاد , ردوه إليه , فرُد المال إلى المعتمد ؛ وأعلم بالقصة , فدعا بالجند , وقال : ائتوني باليهودي وأصحابه , واقطعوا حبال الخباء , ففعلوا وجاؤوا بهم , فقال : اسجنوا النصارى واصلبوا اليهودي الملعون , فقال اليهودي : لا تفعل وأنا افتدي منك بزِنَتِي مالاً, فقال : والله لو أعطيتني العدوة والأندلس ما قبلتهما منك ؛ فصُلِب , فبلغ الخبر النصراني [ألفونسو ] فكتب فيهم [ أي بالسجناء من النصارى ] فوجه إليه بهم , فأقسم النصراني أن يأتي من الجنود بعدد شعر رأسه حتى يصل إلى بحر الزقاق , وأمير المسلمين يوسف بن تاشفين إذ ذاك محاصر سبتة , فجاز المعتمد إليه , ووعد بنصرته , فرجع , وحث ملوك الأندلس على الجهاد, ثم وصل ابن تاشفين فكانت وقعة الزلاقة المشهورة , ورجع ابن تاشفين إلى المغرب , ثم جاز بعد ذلك إلى الأندلس , وتوهم ابن عباد أنه إذا أخذ البلاد يأخذ أموالها ويترك الأجفان , فعزم ابن تاشفين على أن يخلع ملوك الأندلس , ودارت إذ ذاك مكايد جمة ...وكان ذلك بدسيسة من بعض أهل الأندلس نصحا لابن تاشفين ))(المقري التلمساني , نفح الطيب , ج 4 , 246-247).

لقد كانت الحكومة الخفية لليهود المستقرة تحت مملكة ليون وقشتالة تريد من المعتمد بن عباد منحها أطراف البلاد كمقاطعات أو إقطاعيات خاضعة لجباية اليهود أو الحكومة الخفية مباشرة ؛ مقابل تأمين أموال سلفاً ونقداً للحكومة الأسبانية ؛ وحين رفض ابن عباد وقتل مبعوث تلك الحكومة الخفية ( السرية ) غضبت كل العملاء لتلك الحكومة , فالملك الفونسو أجبر على شن حرب لا هوادة فيها ضد المعتمد , وحين وجد المعتمد الحل في مواجهتهم بالاستنصار بابن تاشفين قام عملاء الحكومة اليهودية السرية من المسلمين وأهالي الأندلس ؛ بتحريض ابن تاشفين باسم المصلحة العليا للمسلمين بالقضاء على حكم المعتمد بن عباد وأسرته ولعل هذه القصة التاريخية تقطع السنة كل المتهكمين بحقيقة المؤامرة بأنها قديمة منذ أكثر من ألفي عام .

لو قرأ أحد المشككين هذه القصة لتصنع ضحكاً مدوياً وسيقول وهل ستشن أسبانيا النصرانية حرباً ضد المعتمد بن عباد من أجل يهودي , لعل الإجابة لدى البروفيسور عبدالوهاب المسيري في كتابه ( اليد الخفية دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية ) يقول في ص61-62 : (( ولعل حادثة ديفيد باسيفيكو (1784-1854) تلقي مزيداً من الضوء على المصالح اليهودية وباسيفيكو هذا هو تاجر ودبلوماسي بريطاني يهودي ولد في جبل طارق , وأخذته أعماله التجارية إلى البرتغال ...وعين قنصلاً عاماً للبرتغال لدى المغرب ثم لدى اليونان بين 1837- 1842م , ولكنه أقيل من منصبه نتيجة خلافات مع الحكومة البرتغالية ...وظل باسيفيكو باليونان حتى 1847 مشتغلاً بالتجارة , ولكنه دخل في مواجهة خطيرة مع الحكومة اليونانية أسفرت عن مجيء الأسطول البريطاني إلى شواطئ اليونان مما أثار ضجة كبيرة في أنحاء أوروبا وداخل بريطانيا ؛ ففي هذا العام منعت الحكومة اليونانية الجماهير المسيحية من إجراء الطقوس التقليدية لعيد الفصح , وهو إحراق تمثال خشبي يرمز إلى يهوذا , وذلك احتراماً لوجود أحد أفراد عائلة روتشيلد المالية اليهودية في أثينا لإجراء مفاوضات مع الحكومة اليونانية بخصوص قرض , وقد استثار ذلك غضب الجماهير التي تظاهرت وهاجمت منزل باسيفيكو ودمرته وأحرقت أوراقه , وقد طالب باسيفيكو الحكومة اليونانية بتعويض قدره 800 ألف دراخمة, وأيده في ذلك ممثل إنجلترا لدى اليونان باعتبار أن باسيفيكو من رعايا بريطانيا, وقد رفضت الحكومة اليونانية طلبه ؛ بل قامت بمصادرة أملاكه وإزاء ذلك أمر بالمرستون وزير الخارجية البريطاني آنذاك الأسطول البريطاني بفرض حصار على ميناء بيريوس اليوناني ,كما استولى البريطانيون على 200 سفينة يونانية واستمر الحصار من يناير 1850م حتى أبريل من نفس العام ؛عندما رضخت الحكومة اليونانية , ودفعت لباسيفيكو تعويضاً قدره (150,000) تراخما (دراخمة ).وقد أثارت هذه الحادثة التي تضمنت تحريك الأسطول البريطاني لمعاقبة حكومة مسيحية لصالح يهودي ضجة في أنحاء أوروبا وداخل بريطانيا فأعربت كل من روسيا وفرنسا وبروسيا عن غضبها البالغ وتشكلت في إنجلترا جبهة معارضة لبالمرستون حاولت إقصاءه من منصبه )).

فقد تختلف الأزمنة التاريخية والأمكنة الجغرافية والفاعلين لتلك الأحداث ولكن تبقى الأسباب التي قد تعطي نفس النتائج .وهنا ندخل إلى القصة المعاصرة فمن المعروف للجميع أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد صرح بمجرد توقف الحرب العراقية الأيرانية وشعوره بنشوة انتصاره على أيران ؛ بأن أقسم أن يحرق نصف إسرائيل إذا ما حاولت الاعتداء على العراق , وقد قال هذا التصريح الخطير مع إعلانه باكتشاف العلماء العراقيين عما أسماه هو في حينه ( الكيميائي المزدوج ) وقد كان هذا التصريح هو توقيع شهادة الوفاة ليس لحكم صدام حسين وإنما لوحدة دولة العراق ولعلنا هنا نقول بأنه حتى لو م يصرح صدام حسين بذلك التصريح ولو لم يقوم بذلك الخطأ الإستراتيجي العظيم الذي جلب للأمة كل مصائبها وهو احتلاله للكويت فإن المؤامرة ستجد أسباباً أخرى لتدمير العراق الذي كانت قوته العسكرية والبشرية والاقتصادية خطراً حقيقياً على إسرائيل .

ويقول روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي المسلم في كتابه ( حفارو القبور الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها ) نقلاً عن مجلة كيفونيم أي ( اتجاهات ) والتي تنشرها المنظمة الصهيونية الدولية بالقدس حيث نشرت مقالة في عددها رقم 14 فبراير عام 1982 عن "خطط إسرائيل الإستراتيجية في الثمانينيات " ((... أما العراق ذلك البلد الغني بموارده النفطية , والذي تتنازعه الصراعات الداخلية ؛ فهو يقع على خط المواجهة مع إسرائيل , ويعد تفكيكه أمراً مهماً بالنسبة لإسرائيل ؛ بل إنه أكثر أهمية من تفكيك سوريا ؛ لأن العراق يمثل على المدى القريب أخطر تهديد لأمن إسرائيل )) ( جارودي ص 42).وبغض النظر عن مختلف الآراء تجاه حكم الرئيس العراقي إلا أن المعروف أنه فقد حكمه لها السبب بالذات .
__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
  #2  
قديم December 27, 2008, 10:31 PM
 
رد: المؤامرة ... بين الحقيقة والتكذيب

(2)
انتقال الحكومة اليهودية إلى شرق أوروبا :

وفي عام 1492م كان آخر ملوك بني الأحمر ملوك غرناطة عبدالله الصغير يذرف

دموع الحسرة على الجبل الذي سينزل منه إلى السفينة التي ستقله إلى المغرب مودعاً الأندلس حيث سمي ذلك الجبل ب ( حسرة العربي ) ؛ حيث أمسى ملوك الأسبان وقد تخلصوا من الخطر العربي , فبدأوا بتطبيق سياسة البابوية المسيحية ضد العرب و المسلمين واليهود معاً , وأوتي اليهود من حيث لم يحتسبوا , فضيق عليهم الأسبان وجودهم بأسبانيا, واضطروا البحث .....
د.صالح السعدون
انتقال الحكومة اليهودية إلى شرق أوروبا :


وفي عام 1492م كان آخر ملوك بني الأحمر ملوك غرناطة عبدالله الصغير يذرف

دموع الحسرة على الجبل الذي سينزل منه إلى السفينة التي ستقله إلى المغرب مودعاً الأندلس حيث سمي ذلك الجبل ب ( حسرة العربي ) ؛ حيث أمسى ملوك الأسبان وقد تخلصوا من الخطر العربي , فبدأوا بتطبيق سياسة البابوية المسيحية ضد العرب و المسلمين واليهود معاً , وأوتي اليهود من حيث لم يحتسبوا , فضيق عليهم الأسبان وجودهم بأسبانيا, واضطروا البحث عن ملجأ يلتجئوا إليه بعيداً عن اضطهاد الأسبان والحكومات الأوروبية الكاثوليكية , ووجدت الحكومة اليهودية الخفية ضالتها في الملكية البولندية الضعيفة في شرق أوروبا؛ حيث انتقلوا إلى هناك وأخذوا من الملك البولندي المقاطعات البولندية الأربعة ؛ يأخذون الضرائب من الفلاحين ليعطوا الملك ما يريدوه ويبقوا الباقي لتوفيره لهم , وسيطروا على الصناعات من صناعة الخمور إلى صناعة السلاح , وظلوا فيما سمي بحكومة الحاخامات اليهودية الخفية ما بين عامي 1500م -1772م حتى تمكنت الحكومة الروسية تحت قيادة الإمبراطورة كاترين الثانية من إسقاط الملكية البولندية لمعاقبة يعاقبة وارسو كما يقول المؤرخ الأمريكي بول كيندي , وبهذا سقطت الحكومة اليهودية أو كما يقول المؤرخ الصهيوني أوغسطين "إن المركز أنهى وجوده " أي أنه حلَّ نفسه , ولكنه يعود مرة أخرى ويقول بأن مركز الحكومة اليهودية في المنفى قد استمر وجوده بعد عام 1772 م لكنه عمل بالسر ( دوغلاس ريد ص 77- 78) .

وفي السنة التالية غير هؤلاء القادة تكتيكهم فبدلاً من الحاخامات جاء دور الاقتصاديين ؛ حيث كان أكبر اقتصادي يهودي آنذاك أسمه مائير آمشل باور في فرانكفورت يدير أعمال صيرفة كبرى ناجحة ويمتلك علاقات كبرى مع أسر مالكة ورجال السياسة في أوروبا وللهروب من معاداة السامية سمى عائلته بأسم الدرع الأحمر ( رد شيلد ) أو روتشيلد , وهذه العائلة الآن منتشرة بين فرنسا وبريطانيا و أمريكا, وهي من أكبر العائلات ثراء على مستوى العالم قاطبة , وتمكن هذا الرجل من إقامة مجلس احتكار اقتصادي عالمي للتحكم والسيطرة على اقتصاديات العالم , ومقره فرانكفورت , وأصبح هذا المجلس هو المسيطر ليس على الجاليات اليهودية في الشتات بل على السياسة العالمية برمتها بحيث سيطر على السياسة من خلال الاقتصاد .

ولعل المؤامرة قد استمرت من خلال زخم كبير وسريع ومن خلال أحداث متلاحقة لم تستطع أوروبا النائمة والغارقة في الجهل حتى أذنيها استيعاب تلك الأحداث , ففيما بين عامي 1500و 1520م قامت ثورة البروتستانت بحيث تغيرت أوروبا فشمال أوروبا كاد يحرق الإنجيل واعتنق التوراة ككتاب مقدس له المكانة الأولى في ديانتهم الجديدة حيث أصبح للعهد القديم (التوراة ) المقام الأول أما الإنجيل الذي أطلق عليه ( العهد الجديد ) فقد وضع على الرف بلا قيمة , وأصبحت شمال أوروبا يهودية المعتقد دون أن تتمكن من أن تعلن أنها يهودية الديانة , لقد ركب اليهود من خلال مارتن لوثر زعيم الديانة الجديدة لشمال أوروبا البروتستانتية لكي يكون أتباعها مجرد خدمٍ متطوعين لخدمة شعب الله المختار , وحين حاول التراجع أتى من يكمل دوره أمثال كليفن الهولندي 0لقد زرعت تنبؤات غامضة في توراة البروتستانت بأن هناك شعباً سينقل بنات وأبناء إسرائيل من وراء الجزر عبر البحار نحو فلسطين فأصبحت هولندا وإنجلترا فيما بعد كل يتمنى أن تكون تلك النبوءة تعنيهم بالذات .

وفيما بين 1540 و 1560 م تمكن اليهود من إقامة نظام جديد في هولندا من خلال ما سمي بثورة الأراضي المنخفضة بهولندا وبلجيكا ضد العرش الأسباني الكاثوليكي حيث تم الاتفاق على أنه يسمح لليهود بالتجمع في تلك البلد التي اتخذت نظاماً جمهوريا وتمكنوا من تشكيل شركات تجارية ومصرفية كبرى عبر البحار وصلت جهودها ونشاطها حتى جنوبي آسيا ولم تمض عقود قليلة حتى تطورت المؤامرة شمالاً فمن ألمانيا 1520م إلى هولندا عام 1540م إلى إنجلترا عام 1620م وحتى عام 1640 م حين قبض على الملك الإنجليزي من أسرة آل ستيوارت الكاثوليكية وسجن ثم أعدم وأعلنت أول جمهورية في إنجلترا على يد أحد النواب غير معروف الأصل وأسمه كرومويل الذي أصبح سيد جمهورية إنجلترا الحرة والذي أعطى اليهود كل الحرية التي يطلبونها من أسرة آل ستيوارت دون جدوى حتى أنه أول من أعلن أن العالم بدأ يشهد تغييرات حاسمه وأن شعب إنجلترا سيكون أول من ينقل بنات إسرائيل نحو الأراضي المقدسة , لقد تمكن اليهود من إجراء تغييرات دموية متشددة في إنجلترا من خلال هذا العميل حتى أن اليهود أرسلوا من هولندا من يبحث عن أصوله إن كان يهودياً وقد اكتشف الشعب الإنجليزي بعد فوات الأوان مدى خطورة الدور القذر الذي قام به هذا العميل فنبشت جثته وأحرقت في العراء .

وفي عام 1772م سقطت حكومة الحاخامات – كما أسلفنا بوارسو – عاصمة بولندا , وأسست في فرانكفورت عام 1773م بقيادة روتشيلد واثني عشرة مليونيراً يهودياً أول حكومة للاقتصاديين اليهود ؛ هدفت إلى القبض على زمام ودفة السياسة العالمية من خلال التحكم بالاقتصاد وخنق الحكومات المخالفة لأوامر اليهود وسميت هذه بكتلة الاقتصاديين اليهود ذلك أن عام 1848م ولدت كتلة يهودية أخرى هي الاشتراكية الدولية أو الشيوعية العالمية بقيادة ماركس اليهودي الألماني وزميله أنجلز وحدثت في ذلك العام أول اضطرابات للبروليتاريا ( طبقة العمال ) الذين هم الخادم الثاني لتحقيق مآرب اليهود بغباء مطلق وقد حدثت اضطرابات عمالية بألمانيا استدعت هروب ماركس نحو إنجلترا حامية اليهود .

وظلت الكتلتين تتوازعان وتتقاسمان النفوذ كما سنرى لاحقاً في أوروبا والعالم حتى ظهرت كتلة القوميين اليهود (الصهيونية) التي كانت الوسط بين اليمين اليهودي كتلة الرأسماليين واليسار اليهودي كتلة الاشتراكية الدولية .

الصهيونية:

أول من استعمل تعبير الصهيونية هو ناثان بيرنباوم ( Nathan Birnboum) وذلك اثر المذابح التي تعرض لها اليهود في روسيا ، على خلفية اغتيال القيصر الروسي الكسندر الثاني في عام 1881م/1298ه ، وقد قامت هذه المذابح بعد أن تبين مسئولية بعض اليهود عن هذا الاغتيال .وقد أدت هذه الأحداث إلى بروز المسألة اليهودية في روسيا بشكل واضح ، كما كان من نتائجها نزوح وهجرة أعداد كبيرة من اليهود إلى بولندا وأوروبا الغربية وأمريكا وتوجهت أعداد من هذه الجماعات اليهودية إلى فلسطين .

وفي عام1882م/1299ه ظهرت منظمة يهودية تحت مسمى((محبي صهيون )) في روسيا نادت بفكرة استيطان فلسطين واستعادة اللغة العبرية، فكانت هذه ((البذور الأولى للصهيونية السياسية )) (آلان تايلر ص20- 23) ، ويعود اسم صهيون إلى جبل في القدس ومنه أخذت الصهيونية اسمها (أكرام ألمعي ص 18-19). والصهيونية حركة سياسية قامت في شرق أوروبا هدفها تجميع يهود العالم في وطن قومي لهم متخذين من الاضطهاد الذي حدث لهم ذريعة لوجودها وأهدافها (حسن الخولي ج 1 ص 15) . ويوحي اسم هذه الحركة أن الأرض التي ستنشأ عليها دولة اليهود في المستقبل هي فلسطين بالتحديد .

حدث ذلك بعد فشل فكرة اندماج اليهود في مجتمعاتهم التي بدأت منذ بداية القرن التاسع عشر أثناء الثورة الفرنسية، وكانت هذه الدعوة سلاحاً ذا حدين ، ففي الوقت الذي يتمكن اليهود من الاستفادة من كافة الامتيازات والتسهيلات الموجودة في المجتمع ، فهم أيضا ظلوا مجتمعاً له خصوصيته . وقد استغل اليهود ذلك للتفوق والسيطرة على مناحي الحياة ، كالتجارة والصرافة والجامعات وغيرها, وقد انتبهت الحكومة الروسية إلى هذا الأمر فحاولت سن قوانين للحد من سيطرة اليهود على الحياة في روسيا ، فنتج عن ذلك مزيداً من التذمر في أوساط اليهود وبالتالي شاركوا في قتل القيصر الروسي في عام 1881م/1298ه . فرد الروس بمزيد من الاضطهاد لليهود، فاعتبر اليهود أن الحركات الاندماجية والثقافية هي دعوات فاشلة . (ي . س . يغسييف و ل . فوستوكوف ، الصهيونية في روسيا القيصرية ص 22-25 ) .

وكان الكثير من الأوروبيين ينظرون إلى أن تحرير اليهود مع قيام الثورة الفرنسية سيجعل اليهود غير محتاجين إلى ما يريدونه في مزاميرهم من حب العودة إلى فلسطين ، وأنهم سيندمجون مع الشعوب التي يعيشون فيها ، كما أكدوا ذلك إلى نابليون, وكما يقول تقرير اللجنة الملكية لفلسطين الذي عرض على البرلمان البريطاني في يوليو 1937م/1356ه (( بأنه قد كان يظن أن اليهود سيندمجون في سكان البلاد التي يقطنونها فيصبحون إنجليزاً أو فرنسيين أو ألماناً أو أمريكيين في كل شئ ما عدا العقيدة والأصل … ,غير انه في أواسط ذلك القرن (التاسع عشر الميلادي ) تبين أن المشكلة اليهودية لم يكن مقدراً لها أن تحل بهذه السهولة …)) ( تقرير اللجنة الملكية لفلسطين ، لندن ، تقرير عرض على البرلمان البريطاني في تموز 1937م، ص 17) ويمضي التقرير قائلاً (( والحق أن الصهيونية لاقت هوىً شديداً في نفوس الطبقة

المثقفة من اليهود الذين كانوا قد تحرروا في أوروبا الغربية ، أصبحت حريتهم مضمونة كل الضمان ، ثم إن منشأ الصهيونية هو الاعتقاد بأن التحرر والاندماج في الشعوب الأخرى لن يتوصلا قط إلى حل المشكلة اليهودية ، فهذه العملية المزدوجة كانت عندئذٍ قد أحدثت رد فعل مخيف … ثم انه … كان ثمة عدد كبير من اليهود … حتى في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ممن يشعرون بأنهم بالرغم مما مُنحوه من المساواة ، وما سمُوا إليه من المناصب ، فالمجتمع الذي كانوا يعيشون فيه لم يعتبرهم قط كجماعة من أفراده بكل ما في هذه العبارة من معنى ، فاليهودي ظل مختلفاً عن البقية ومنعزلاً نوعاً ما ، ومهما بلغ من حب الناس له واحترامهم إياه ، فإنهم ظلوا يفكرون به ويتكلمون عنه كيهودي )) ,و أكد التقرير أن الصهيونية رأت من هذا المنطلق أن الحل في وجود وطن لليهود وفي نظر معظم الصهيونيين (( لا يمكن أن تكون تلك البلاد إلا فلسطين … ولذلك كان نشوء الصهيونية منذ البدء مقروناً بفكرة إحياء اللغة العبرية )) (1).

ولعل التساؤل الذي يطرح هنا ، إذا كان فقراء اليهود قد اعتنقوا مبادئ الصهيونية تحت وطأة الاضطهاد ، فما هي الأسباب التي جعلت كثير من الذين منحوا حق المساواة و سمو إلى مناصب ومراكز عالية في مجتمعاتهم الانضمام إلى الصهيونية . ولعل مما يزيد من علامات الاستفهام وفي الوقت ذاته يؤكد ما ذكره التقرير، أن يهود هولندا تقدموا برجاء إلى الحكومة الهولندية في عام 1785م/1199ه حين أرادت إثر الثورة الفرنسية تغيير وضع اليهود وطرحت على البرلمان مشروع تحرير اليهود وإخراجهم من الجيتو, وإدماجهم مع المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات، فتقدموا برجاء أن تتركهم وشأنهم (2) , مما يعني أن اليهود لم يكونوا صادقين في رغبتهم بالاندماج مع الشعوب الأخرى وإنما كانت مجرد خطة مرحلية .

ولقد أكد الدكتور مانديلشت مندوب مدينة كييف الروسية الصهيوني للمؤتمر الصهيوني الثاني الذي عقد في بال بسويسرا عام 1898م/1316ه (( أن اليهود يرفضون قطعاً الأفكار التي تدعوهم للالتقاء مع الشعوب الأخرى ، وسيظلون أوفياء لآمالهم التاريخية ، إقامة إمبراطوريتهم اليهودية … )) .

ويحلل هرتزل الموقف الذي يعيشه اليهود في القرن التاسع عشر ، وسط المجتمات الأوروبية قائلاً (( إن العداء الحديث للسامية لا ينبغي أن يختلط علينا مع الاضطهاد الديني لليهود في الزمن الماضي … ولكن التيار الرئيسي لحركة العنف قد تغير الآن ، إنه يحدث نتيجة لتحرير اليهود في أكبر البلاد التي يسود فيها العداء للسامية ، فعندما تنبهت الأمم المتحضرة إلى لا إنسانية قوانين التمييز العنصري أعتقونا ،فمن الغريب أننا ونحن في الجيتو قد تحولنا الى برجوازيين ، وخرجنا منه فقط لندخل في منافسة ضارية مع الطبقة الوسطى … ,وفي نفس الوقت لا يمكن إلغاء حقوق اليهود في المساواة أمام القانون بعد أن تم التسليم بها ، ليس لأن ذلك سيكون مضاداً لروح عصرنا ، ولكن لأنه سيدفع اليهود على الفور –أغنياء وفقراء على السواء – إلى صفوف الأحزاب المخربة ،فلم يعد هناك شيء فعال للإضرار بنا )).

ولو أن كاتباً ما وصف هذه المسيرة التاريخية لليهود مع المجتمعات الأوروبية لقيل انه معادٍ للسامية ، غير أن هرتزل يصف تاريخاً ذاتياً يعرفه جيداً ,وهو الحال ذاته التي وجدت روسيا نفسها فيما بين النصف الثاني للقرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين . كما يتفق في بعض زواياه بما ذكره دزرائيلي حين أنتخب في لندن (( لا يونيل دي روتشيلد )) نائباً في البرلمان البريطاني ، غير أنه لم يتمكن من دخول المجلس لان الدستور البريطاني – آنذاك – يقتضي القسم بأنه (( مسيحي مؤمن صميم )) ، واقترح اللورد جون رسل رئيس حزب الأحرار, وصديق دزرائيلي تعديل الدستورحيث (( يحق لكل بريطاني أن ينعم بجميع امتيازات الدستور ))، إلا أن حزب المحافظين صوت جميع أعضائه ضد المشروع ( اقتراح رسل ) عدا دزرائيلي وزميل له ، وألقى دزرائيلي خطابا قويا قال فيه : (( إن أكبر خطأ يرتكبه حزب محافظ هو اضطهاد اليهود ، تلك الأمة المحافظة الصميمة ، يدفعونها بهذا التصرف إلى الالتحاق بأحزاب ثوروية وفوضوية يمهرونها بإدارة رشيدة مرهوبة الجانب…)).

وبهذا فقد أصبحت الدول الأوروبية حكومات ومجتمعات بين أمرين كما قال هرتزل ، فهم غير قادرين عن التراجع عن منح اليهود للحقوق التي اكتسبوها ليس لمبررات أخلاقية ، ولكن – وكما يتفق معه دزرائيلي – إن لم تمض هذه الحكومات والمجتمعات في نفس الخط فإن اليهود سينضوون تحت لواء الأحزاب الثورية الفوضوية ، وقد لخص ذلك أحد اليهود واسمه بيتر ناثان بقوله (( فإذا كنت معادياً للرأسمالية ، فإنها من اختراع اليهود ، وها هو جميع رأسمال العالم بيد اليهود ، أما إذا كنت معادياً للشيوعية فستجد أن جميع الاشتراكيين والشيوعيين من اليهود ، كما هو الحال مع ماركس وتروتسكي …)) (2) .ورغم المبالغة في استخدام كلمة "جميع " إلا أن ذلك لا يعني أن هذا الزعم بعيداً عن الحقيقة .

هذه الصورة التي كانت الشعوب الأوروبية تعيشها كانت وراء الشعارات والعبارات التقليدية ((في برلين : أيها اليهود اخرجوا)) (3)، و (( لا تشترى من اليهود)) (4) . وفي الوقت الذي كان موقف اليهود يزداد قوة كانت الشعوب الأوروبية غير قادرة على التغيير ، فحين فاجأ دزرائيلي البرلمان البريطاني بخطابه القوي, صاح أعضاء البرلمان(( يا للجرأة يا للجرأة )).

ومما يثبت ذلك ما كتبه هرتزل في كتابه ( الدولة اليهودية ) حين قال : ((لقد كانت مجوهراتنا في الماضي تصادر ، ولكن كيف يمكن الوصول إلى ممتلكاتنا المنقولة الآن ، أنها تتألف من أوراق مطبوعة مغلق عليها في مكان ما بالعالم ، ربما في صناديق المسيحيين ، طبعاً من الممكن الوصول إلى السندات والأسهم في السكك الحديدية والبنوك والمشروعات الصناعية من كل نوع ، وذلك من خلال الضرائب ، فحيثما يطبق نظام متقدم للضرائب فإن ممتلكاتنا المتنقلة يمكن في النهاية الوصول إليها ، ولكن …لا يمكن قصرها على اليهود وحدهم ، ومهما يكن من الأمر فإنها حيثما وجدت, فإن أثرها المباشر سيكون كارثة اقتصادية حادة لن يقتصر أثرها على اليهود، …هذه الاستحالة في الوصول إلى اليهود هي نفسها التي تغذي الكراهية ضد اليهود وتجعلها أكثر مرارة ، إن العداء للسامية بين الشعوب يتعاظم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ، وهي حرية بأن تتعاظم حقاً لأن أسباب نموها مستمرة في الوجود ، ولا يمكن إزالتها … أما سببها الراهن فيرجع إلى ظهور أنصاف المثقفين بيننا بأعداد كبيرة ، وهؤلاء لا يجدون متنفساً أسفلهم أو من فوقهم ، أعني لا يجدون متنفساً صحيحاً في أي اتجاه ، ونحن عندما نغرق نصبح بروليتاريا ثائرة من أتباع جميع الأحزاب الثورية ,وفي نفس الوقت عندما نرتفع ، ترتفع معنا القوة الرهيبة للمال …)) .

إن الخيارات – حسب رأي هرتزل – التي يضعها اليهود أمام شعوب أوروبا هي : إما أن يرتفع اليهود فيرتفع معهم قوة المال الرهيبة ، وإما أن يغرقوا فتصبح جموعهم بروليتاريا ثائرة تدخل في الأحزاب الثورية فتدمر أعداءها ، إذ يؤكد هرتزل في موقع آخر من كتابه : ((إن الذين يرغبون بصدق أن يروا اليهود يذوبون في بوتقة واحدة مع الشعوب الأخرى ليس أمامهم غير طريق واحد وهو أن يمتلك اليهود بادئ ذي بدء قوة اقتصادية تمكنهم من التغلب على التحيز الاجتماعي القديم الذي يمارس ضدهم … أن الحصول المسبق على القوة يمكن أن يكون مرادفاً للتفوق الاقتصادي الذي يتهم اليهود خطأ بأنهم يملكونه )) .

ورغم ذلك فإنه يقول في رسالة له لسيدني وايتمان (1) في عام 1897م/1315ه (( إن نشاط اليهود وأهميتهم تجارياً ومالياً معروفان جداً ، إنه نهر الذهب ، والتقدم والحيوية )) (2) . وسواء قام الأوروبيون بتحرير اليهود أو حاولوا التراجع في ذلك ، وسواء كان الفقراء من اليهود أو الأغنياء فلا التحرير ولا الاندماج هو الذي سيحل المسألة اليهودية ، ومن دراسة أفكار هرتزل كزعيم صهيوني يمكن أن نستنتج أن معاداة السامية أو الاضطهاد الذي تعرض له اليهود ، لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون سبباً أوجب على اليهود الاتجاه نحو الصهيونية التي ستضع حلاً لاضطهاد العالم لليهود .

ويؤكد هرتزل أن اليهود مسئولين عن استمرار العداء للسامية حين يقول (( إن المسألة اليهودية توجد حيث يوجد عدد ملحوظ من اليهود ، وحيث تختفي هذه المشكلة فمعناها أن اليهود قد هاجروا وحملوها معهم ، ومن الطبيعي أننا نرحل إلى الأماكن التي لا يوجد فيها الاضطهاد ، حتى إذا حللنا هنالك فإن مجرد وجودنا في حد ذاته يولد الاضطهاد ، هذه هي الحال في كل بلد وستظل هكذا أبداً … )) .

وقد كتب هرتزل في يومياته بتاريخ 11/6/1895م-1313ه يقول (( لقد صرنا أداة تعذيب للشعوب التي اضطهدتنا ، إنهم يلاقون جزاء ما اقترف آباؤهم إن أوروبا الآن تعاقب على المعسكرات ، والحق أننا نتألم الآن بسبب الآلام التي نحن سببها, إنه جلد بأذناب العقارب، عقارب حية …))(1). ومن هنا فمن الصعب القبول بالاعتقاد الذي يروج من أن يكون الاضطهاد والتمييز ضد اليهود وراء ظهور الصهيونية (2) . أو أن ظهور الصهيونية كان بسبب أن اليهود الروس قد تعرضوا إلى اضطهاد ومذابح وافقت عليها الحكومة الروسية ضمناً أو ربما تواطأت في تنظيمها (3).

من أقوال هرتزل وغيره من زعماء اليهود يتبين أن تعامل اليهود مع الشعوب الأوروبية عموماً وروسيا خصوصاً ، كان وراء العداء للسامية التي تدعي الصهيونية أنها قامت من أجل وضع حل للمسألة اليهودية بسبب ذلك العداء .

وفي ضوء ما تقدم من معطيات وبخاصة مضامين آراء هرتزل ، نجد أن اليهود في روسيا قد سيطروا على المال والتجارة والتعليم والجامعات والوظائف العامة في روسيا إبتداء من بداية عهد القيصر اسكندر الثاني ، وكان سلفه القيصر نقولا الأول الذي ولد في عام 1796م/1217ه وتوفي في 1855م/1271ه قد فرض على اليهود التعليم الإجباري بغية دمجهم في المجتمع مما أتاح لهم أن يصبحوا النخبة الروسية في النواحي الفكرية ، وأن يجمعوا السيطرة الثقافية إلى جانب السيطرة الاقتصادية ، وقد عد هذا القرار (( أخطر حدث في تاريخ روسيا )) كما سيطروا في عهد خلفه إسكندر الثاني على المال والمهن و الصيرفة والبنوك والمرافق الصناعية والتجارية ، وحين نجحت مؤامرة اغتياله ، قام القيصر إسكندر الثالث , بإصدار قوانين مايو الاقتصادية هدفت هذه القوانين للحد من سيطرة اليهود على الاقتصاد الروسي وقد مهد القيصر إسكندر الثالث لقوانين مايو الاقتصادية بمرسوم قيصري قال فيه ((وخلال السنوات العشرين الماضية استولى اليهود تدريجياً على مختلف فروع التجارة والعمل ، وعلى جزء كبير من الأراضي إما بشرائها أو بحراثتها ، وفيما عدا بعض الحالات لم يحصر اليهود اهتمامهم … لإنماء ثروة البلاد أو إفادتها ، بل لسلب سكانها ولا سيما الفقراء منهم بحيلهم وخداعهم ، وقد عبر الشعب في أعمال العنف والسرقة عن احتجاجه ضد هذا السلوك ، وفيما الحكومة تبذل قصارى جهدها للقضاء على الاضطرابات وإنقاذ اليهود من الظلم والقتل فهي ترى … إن الواجب والعدل يحتمان عليها أن تعتمد بسرعة تدابير حازمة لوضع حد لما يناله السكان من اضطهاد اليهود، ولتحرير البلاد من غدرهم واحتيالهم وهما سبب الاضطرابات …)) .

ويتفق مضمون مرسوم القيصر مع ما قاله هرتزل في رسالته لروتشيلد((...وما تزال ثروتكم.. تزداد ...بسرعة تفوق ازدياد الثروات القومية للبلدان التي انتم فيها...هذه الزيادة إنما هي على حساب ازدهار الأمة..)) .

ويذكر يفسييف من خلال تحليل أوردته مجلة الفجر الصهيونية بتاريخ 3 أكتوبر 1902م/1320ه مدى سيطرة اليهود على غرفة التجارة والصناعة ، أن اليهود على سبيل المثال - كانوا يمتلكون في 7 محافظات من المنطقة الشمالية الغربية في نهاية القرن التاسع عشر (1402 ) مصنعاََ وورشة من أصل (2749) وصلت رساميل المصانع اليهودية إلى ( 29.962.000 ) روبل من أصل (62.918.500 ) روبل ويعمل بهذه المصانع والورش اليهودية (30.105 ) عامل من أصل (51.659) عامل إلى جانب أن العمالة اليهودية في المنطقة الشمالية - الغربية قد بلغ (22.779 ) عامل يهودي ، وفي المنطقة الجنوبية الغربية (9569 ) عامل يهودي ، هذه القوة الاقتصادية للجالية اليهودية في روسيا والتي هي أعلى بكثير من مستوى نسبة هذه الجالية لمجموع سكان روسيا ، حيث وصلت في إحصاء عام 1897م/ 1315ه فقط إلى 11.5 % من السكان .

لقد كان في مدينة كييف وحدها في بداية القرن العشرين من تجار الدرجة الأولى ( 432 ) تاجراً منهم 414 تاجراً يهودياً و( 18 ) تاجراً فقط من المسيحيين .

ولهذا حاولت الحكومة الروسية من خلال قوانين مايو الاقتصادية عرقلة سيطرة اليهود على قطاعات التجارة والصناعة والزراعة والتعليم ، وقد أقرت الوزارة الروسية احتساب 10% فقط من مقاعد الجامعات للطلاب اليهود وهو عدد يتناسب مع نسبة اليهود

قياساً بعدد السكان إلى حد كبير ، فحاول الطلاب اليهود الاستحواذ على كليات الطب والقانون التي كان اليهود يفضلونها ، فصدر تنظيم يجعل نسبة العشرة بالمائة لكل كلية على حدة مما أثار ثائرة اليهود . ولهذا فبما أن هذه القوانين تمنعهم من الارتفاع - حسب تعبير هرتزل - نحو تحقيق أهدافهم ، كان لابد لليهود من أتباع الخيار الثاني ، فإذا كانت روسيا تريد أن تغرق اليهود ، فإنهم سينضمون إلى الأحزاب الثورية والمخربة وسيتحولون إلى (( بروليتاريا ثائرة )) كان من نتيجتها اغتيال شخصيات كبرى في الحكومة الروسية كوزير التعليم عام 1901م /1319ه ووزير الداخلية عام 1902م/1320ه ورئيس الوزراء الروسي عام 1904م/1322ه ، فضلاً عن تدبيرهم لمقتل القيصر عام 1881م /1298ه ، إلى جانب دورهم الأساسي في الثورات ضد الحكومة القيصرية في بداية القرن العشرين .

ولعل من الغريب أنه قبل تأسيس منظمة الصهيونية العالمية ، كان ينظم اليهود مندوبي (( الاتحاد الإسرائيلي العالمي )) في روسيا المتواجدين بصورة سرية , ويرى يفسييف أن المراسلات بين مركز الاتحاد في باريس والمراكز في روسيا تستخدم (( الحبر السري )) و (( الشيفرة )) وأن أقدم وثيقة تم الحصول عليها تعود إلى عام 1881م / 1298 ه ، وترى هذه الرسالة - الوثيقة - ترحيب قيادة الاتحاد الإسرائيلي بالمذابح التي تتعرض لها الجالية اليهودية ، وتحدثت الرسالة عن برنامج وطرق توحيد اليهود في منظمة واحدة ، وزيادة تخويف اليهود من المجازر من خلال المبالغة في تضخيمها ، وبالتالي ترغيبهم بالهجرة إلى أمريكا أو فلسطين وتقترح الرسالة تنظيم شبكة أوسع من الجمعيات وجذب الجماهير إليها وجمع التبرعات والاشتراكات والإكثار من الحفلات المنزلية للدعاية للغة العبرية ، وسمح بإنفاق نصف الأموال على احتياجات الجمعية والنصف الآخر يرسل للمركز ، ومهما كان نشاط الإتحاد متواضعاً في ذلك الوقت إلا أنه بمثابة ما قبل مرحلة الصهيونية .

مالت جماهير اليهود إلى الأحزاب الثورية والفوضوية ، وهو ما اتصف به اليهود الذين انتظموا في المستوطنات القليلة التي بنتها منظمة (( محبي صهيون )). في فلسطين ، فقد تعاملوا مع العرب بنفس القسوة والوحشية .

وقد وصف ذلك أحد مثقفي اليهود في ذلك الوقت واحد ابرز زعماء الصهيونية ، ليون بنسكر ( Leon Pinsker ) (1) والذي كان يكتب مقالاته تحت اسم مستعار ( أحاد هاعام) أي واحد من الناس ( Achad Haam ) ، وقد كتب مقالاً مصدوماً من تصرفات بني جنسه في فلسطين من خلال زيارة له إلى فلسطين في عام1891م/1309ه فكتب يقول (( كانوا عبيداً في بلدان الدياسبورا - الشتات -وفجأة وجدوا أنفسهم وسط حرية بلا حدود ، بل وسط حرية بلا رادع لها ، ولا يمكن العثور عليها إلا في [الدولة العثمانية] وحدها .ولقد ولد هذا التحول المفاجئ في نفوسهم ميلاً إلى الاستبداد ، كما هي الحال " حين يصبح العبد السوء سيداً " وهم يعاملون العرب بروح العداء والشراسة فيمتهنون حقوقهم بصورة معوجة ولا معقولة ، ثم يوجهون لهم الإهانات دون مبرر كاف ويفاخرون بتلك الأفعال ,رغم كل ذلك … نحن نفكر بأن العرب كلهم من الوحوش)) .

رغم أن اليهود في فلسطين في عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر لا يزالون أقلية صغيرة ,غير أنهم كانوا عدوانيين في طبعهم وتعاملهم مع أصحاب الأرض الأصليين العرب ، إذ أصبحوا خلال فترة وجيزة يتعاملون ويتصرفون وكأنهم الأسياد إلى درجة أن بعضهم كان يستعمل الضرب والجلد مقابل أبسط استفزاز وبالذات مع العمال العرب في مزارعهم أو

مستوطناتهم مما سبب بل شكل (( مصدراً رئيسياً )) للعداء العربي لهم .

والوثائق التي بين أيدينا تبين أن تلك الصفات يتصف بها الكثير من يهود العالم سواء كانوا في أوروبا او روسيا أو أمريكا أو الذين هاجروا إلى فلسطين ، وفي رسالة منه لزوجته يصف بن غوريون اليهود المرافقين له الذين كانوا يعملون في الفيلق اليهودي إبان الحرب العالمية الأولى قائلاً (( … يضم هذا المعسكر جميع النماذج التي توجد في الشعب اليهودي ابتداء من الأفراد المثاليين … حتى الجلفين ذوي العقول الشريرة ، واعتبرهم مجرمين بالفطرة فالمرء يسمع منهم مالا يسمع إلا في الطبقات الدنيا من المجتمع فهناك مؤامرات تحاك ، وشتائم تتبادل وبعض أفراد الفيلق لا يحترمون شيئاً لا إله ولا الشيطان … يوجد بيننا شباب لم يمض … أكثر من عشرة أيام ولكنه دخل السجن العسكري مرتين … ويتفاخر بأن … أحداً لا يستطيع السيطرة عليه )) .

كانت المسألة اليهودية قد وصلت إلى مستوى الأزمة في كل مكان بالعالم وحسب الوثائق التي تم الإطلاع عليها فإن اليهود قد وصلوا من القوة التي لا بد أن يفرضوا إرادتهم ويحموا مصالحهم حتى وإن كانت متعارضة مع العالم أجمع سواء كان ذلك بالوسائل السلمية كما هو الحال في يهود إنجلترا أو بغيرها كما هو الحال من التوتر والعنف السائد في روسيا ، ولعل هذا ما أكده هرتزل في خطابه الافتتاحي في مؤتمر بازل عام 1897م/1351ه حيث قال (( ... إنكم تعلمون أن المشكلة اليهودية قد أصبحت تعني في بعض الأقاليم مصيبة وكارثة للحكومة ، فإذا ما هي أخذت جانب اليهود فإنها ستواجه بسخط الجماهير، وإذا ما هي وقفت ضد اليهود فإنها ستنزل على رأسها عواقب اقتصادية كبيرة نظراً لنفوذ اليهود الفريد على الأعمال في العالم . إننا نجد أمثلة على هذا الأخير في روسيا ، لكن إذا ما وقفت الحكومة موقفاً محايداً ، فإن اليهود سيجدون أنفسهم قد تعروا عن حماية النظام القائم ومندفعين إلى أحضان الثوريين)) .

ويتفق رأي القيصر الألماني وليام الثاني مع ما قاله هرتزل أن أية حكومة أوروبية تأخذ جانب اليهود ستواجه بسخط الجماهير، حيث أكد لسفيره بالنمسا أويلنبرغ (( لقد بتّ الآن مدركاً أن تسعة أعشار الألمان سوف ينقلبون عليّ فزعين , إذا اكتشفوا أنني متعاطف مع الصهيونية )) .

غير أن موضوع معاداة السامية يظل كثير التعقيد ، ومن الصعب تبسيطها في جانب من الجوانب وقد حاول هرتزل نفسه أن يفسر أسبابها ، بيد أنه أي هيرتزل ذكر مالها دون أن يذكر ما عليها فقال في كتابه ( الدولة اليهودية ) : (( إنها حركة بالغة التعقيد .. أنني أستطيع أن أرى العناصر التي تدخل في تركيبها فهي مزيج من السخرية المبتذلة ومن الغيرة في المسائل التجارية العامة ، ومن التعصب الموروث وعدم التسامح الديني إلى جانب التظاهر بالدفاع عن النفس ، أعتقد أن المسألة اليهودية لم تعد مجرد مشكلة اجتماعية بقدر ما هي قضية دينية .. وقد تتخذ أحياناً أشكالاً أخرى ، إنها قضية قومية )) .

غير أن المشكلة كانت قد بلغت حدتها مع نمو الحركات القومية الأوروبية ، فحين برزت المشكلة اليهودية في ألمانيا كانت متزامنة مع نمو الحركة القومية التي تزعمها بسمارك عام 1871م/1288ه ،حيث برز تساؤل حول أن اليهود يعتبرون أنفسهم خارج إطار القومية الألمانية مع أنهم يحملون الجنسية الألمانية .

وكان في طبيعة اليهود بعض العادات التي كانت تثير لدى الأوروبيين معاداة السامية ، وهي ما نوّه عنها هرتزل نفسه حين طلب منه في عام 1893م / 1311ه دعم جمعية حديثة الإنشاء أنشأها مسيحيون بارزون ويهود ، لمحاربة معاداة السامية في فيينا ، حيث رفض هرتزل دعم الجمعية وكتب على نفس الدعوة (( ست من المبارزات ستنهي ما يفعله بعض مثيري معاداة السامية, وبالتالي سترتفع إلى شأن كبير مكانة اليهود الاجتماعية ، ولكن في الوقت الحالي على اليهود أن يتخلوا عن بعض الجوانب الغريبة فيهم, والتي تتعرض كما تستحق للانتقاد )) , بيد أنه لم يذكر تحديداً ما هي تلك الجوانب في حياتهم التي تتعرض للانتقاد وأن كانت الشعوب الأوروبية تدركها جيداً ، والتي تسهم في معاداة السامية ,لعل هرتزل كان وهو في أوج صهيونيته لا سامياً إذ كتب رسالة لصديق يهودي له أسمه جودمان في 15/9/1895م /1313ه يقول : (( إن جماعة المنحطين من اليهود والجبناء ، هؤلاء المغرورين بأموالهم الذين يكرهوني بمثل هذه القضية النبيلة )) .

__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
  #3  
قديم December 27, 2008, 10:34 PM
 
رد: المؤامرة ... بين الحقيقة والتكذيب

(3)
الجزء الثالث: انقسام اليهود إلى ثلاث كتل كبرى متناقضة :

قال الله تعالى بالقرآن الكريم يصف اليهود (( تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى )) في القرن التاسع عشر بدأ اليهود ينقسمون إلى ثلاث كتل مختلفة كل يرى مسألة سيطرة اليهود على العالم من زاوية خاصة به فقد رأوا أنه قد حان قطاف جهد قارب من ألفي عام من العمل الصامت المتمهل للسيطرة على العالم اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً .

ولعلنا نذهب إلى أن اليهود منذ عام 1848م/ 1265ه قد انقسموا إلى كتلتين كبيرتين ...
د.صالح السعدون

الجزء الثالث: انقسام اليهود إلى ثلاث كتل كبرى متناقضة :


قال الله تعالى بالقرآن الكريم يصف اليهود (( تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى )) في القرن التاسع عشر بدأ اليهود ينقسمون إلى ثلاث كتل مختلفة كل يرى مسألة سيطرة اليهود على العالم من زاوية خاصة به فقد رأوا أنه قد حان قطاف جهد قارب من ألفي عام من العمل الصامت المتمهل للسيطرة على العالم اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً .

ولعلنا نذهب إلى أن اليهود منذ عام 1848م/ 1265ه قد انقسموا إلى كتلتين كبيرتين ، في بداية الأمر , أما الكتلة الأولى فهم الرأسماليون ( المرابوان ) اليهود والتي يتزعمها روتشيلد ، أما الكتلة الثانية فهي الشيوعيون ( الاشتراكية الدولية ) التي ولدت إثر البيان الشيوعي الذي أذاعه ماركس وأنجلز في عام 1848م/1265ه ولعل عام 1894م /1312ه ، كان العام الذي ولدت فيه إرهاصات ولادة كتلة يهودية جديدة ثالثة هي الصهيونية. ولعل عمل الكتلة الأولى يتمحور في السيطرة الاقتصادية في بلدان العالم الغربي ، في حين اتجه عمل الكتلة الثانية نحو أوروبا الشرقية واتخذ طابعاً سياسياً مرتكزاً على النظرية الاقتصادية الشيوعية والسيطرة اليهودية على شرق أوروبا، في حين أرادت الصهيونية أن تنهج منهجاً علمياً وعملياً وبتأييد شعبي في نفس الوقت . يثبت ذلك ما قاله هرتزل في خطاب الافتتاح للمؤتمر الصهيوني الأول حين قال (( .. لأن الحركة الصهيونية ينبغي أن تكون أوسع في مداها إذا ما أريد لها أن تقوم بالفعل . إن الشعب لا يجزى إلا عن جهوده هو ، وإذا لم يكن في استطاعته أن ينهض بنفسه فإنه لن ينال العون .ولكننا نحن الصهيونيين نريد أن نرتفع بالشعب إلى درجة مساعدة نفسه بنفسه، ولن توقظ الآمال الفجة أو غير الناضجة )) .



وترى مارتين جلبرت أنه إثر محاكمة دريفوس تساءل اليهود عن الخطأ في الحياة اليهودية، أو بمعنى آخر كيف يواجه اليهود المعاداة للسامية ، وقد توصلوا في مناقشاتهم أن هناك ثلاثة اتجاهات للخروج من المأزق الأول : اتجاه بين اليهود ينادي بالاندماج في الأمة التي يعيشون فيها ،و الثاني : نادى بالنضال من أجل إيجاد اشتراكية ثورية تعالج الشر في جميع أنحاء العالم وتقضي على معاداة السامية ، الثالث: السعي وراء حياة يهودية في أرض يهودية وحكومة يهودية ، وقد انجذب هرتزل إلى الخيار الأخير .

وهذا ما يؤكد أن هناك ثلاث كتل الرأسماليون ، والثوريون الاشتراكيون ، والصهيونيون ، ويرى تشرشل - فيما بعد - بعيد الحرب العالمية الأولى مثل هذا الطرح ، فيرى (( أن هناك ثلاثة أنواع من اليهود ، الناشطين سياسياً المشاركين في الحياة السياسية للبلد الذي عاشوا فيه, والذين اتجهوا إلى العنف وعقيدة البلشفية الدولية الهدامة ، والذين ساروا وراء حاييم وايزمان على طريق الصهيونية )).

يحتار المؤرخ حين يحلل نصوص مراسلات ووثائق هرتزل في وقت مبكر من الصهيونية, حيث أنه يتكلم كثيراً عما سماه (( مجلس العائلة )) حيث قال في يومياته 12/6/1895م / 1313ه (( وفي أثناء رحلتي هذه سوف أدعو .. عدداً من كرام اليهود ليأتوا لمقابلتي ، وأحلفهم أن يبقوا الأمر سراً وأخبرهم بالمشروع الذي سأعرضه على مجلس العائلة … )) فهل مجلس العائلة تعني هيئة يهودية عليا ، أم أنها قيادة الرأسماليين اليهود ممثلة بعائلة آل روتشيلد .وهل لهم مجلس رسمي تعرض عليهم اقتراحات اليهود.

إنه من خلال ما كتبه هرتزل يتبين لنا أن هرتزل ليس ذلك اليهودي البسيط الداعي للاندماج أو الذي فكر بالدخول بالمسيحية .

وتبين الوثائق والنصوص المتوفرة بين أيدي دارسي هذه الفترة من تاريخ الحركة الصهيونية ، فكراً صهيونياً أصيلاً ومتعصباً لدى هرتزل ، فقد كتب في ( الدولة اليهودية ) يصف قومه اليهود (( وهكذا سواء رغبنا أم لم نرغب فإننا الآن وسوف نظل جماعة تاريخية ذات خصائص عامة لا يمكن أن تخطئها العين ، أننا شعب واحد .. )) ويقول أيضاً (( فمن كان قابلاً للفناء أو في طريقه إليه أو يجب أن يفنى فلندعه يفنى ، أما القومية المتميزة لليهود فلا يمكن أن تفنى ولا ينبغي لها أن تفنى ، أنه لا يمكن تدميرها ، لأن الأعداء الخارجيين يدعمونها ، إنها لن تدمر لأن ألفي عام من المعاناة الرهيبة تؤكد ذلك أنه لا ينبغي تدميرها ... قد تبلى فروع كثيرة من اليهود وتسقط أما الجذوع فإنها تبقى ثابتة )) ، لا شك في لغة هرتزل القومية التي تصل قريباً من لغة الأحزاب ذات الطابع العرقي . ولعل ما قاله في كتابه يؤكد أن الصهيونية لم تنبثق فجأة في عقل هرتزل نتيجة لأحداث فرنسا في عام 1894م/1312ه إبان قضية دريفوس فيقول حول الدولة اليهودية (( تلك هي فكرة الدولة … لقد ظل اليهود يحملون هذا الحلم الملكي خلال الليالي الطويلة من تاريخهم " العام القادم في القدس " إنها عبارتنا القديمة ، المشكلة الآن أن يتحول هذا الحلم إلى واقع حي ... )) .لعل هذا هو البرنامج العملي للصهيونية.


الصهيونية قبيل الحرب :-

وضعت الحركة الصهيونية في حساباتها وقوع هذه الحرب، وخططت مؤامرة الحرب العالمية الأولى وطبخت على نار هادئة , وحسبما قال ماكس نورداو في خطابه في المؤتمر الصهيوني السادس الذي عقد في بازل بسويسرا عام 1903م أي أنه ربما قد تم الانتهاء منها قبل وقوع الحرب بحوالي ثلاثة عشر عاماً تقريباً حيث قال نورداو في ذلك المؤتمر : (( دعوني أخبركم الكلمات التالية ، وكأني أصعد بكم درجات السلم درجة درجة … المؤتمر الصهيوني ، مشروع أوغندة البريطانية …. الحرب العالمية المتوقعة … مؤتمر السلام ، حيث يتم بمساعدة بريطانيا قيام دولة يهودية حرة في فلسطين ...)) .

كان الكثير من الشخصيات العالمية ينظرون إلى قوة اليهودية العالمية آنذاك ، فنجد مارك سايكس المندوب البريطاني في اتفاقية سايكس بيكو ،وفيتزموريس المستشار في السفارة البريطانية باستانبول يعتقدون بوجود أسرة يهودية عالمية متماسكة تتحرك بطرق خفية للسيطرة على العالم ، كما كان جون بوتشان ذو الصلة بالمشروعات البريطانية في جنوب أفريقيا ، وسكرتير اللورد ميلنر في جنوب أفريقيا و أحد رجال الحرب في عام 1898م في حرب البوير ، ومدير الخدمات الإعلامية في حكومة لويد جورج قد كتب رواية كلاسيكية " الخطوات التسع والثلاثون " في عام 1915م يقول (( بعيداً وراء كل الحكومات والجيوش هنالك حركة سرية جارية ، دبرها شعب خطر جداً … إن هذا يفسر أشياء كثيرة … وكيف صعدت دولة ما فجأة إلى القمة, وكيف قامت تحالفات وانهارت ، ولماذا اختفى رجال معينون ، ومن أين جاءت مصادر القوة للحرب ,أن الهدف … هو الإيقاع بين روسيا وألمانيا وجعلهما في حالة خصام ، اليهودي وراء كل ذلك, واليهودي يكره روسيا أكثر من كرهه للجحيم...)) .

إن ذكر هذه الإشارات يلقي الضوء على أن هناك شخصيات عالمية فاعلة في القرار السياسي في بلدانها ، وكانوا وراء كثير من القرارات التي خدمت الجاليات اليهودية ، و يؤمنون بمثل هذه الأفكار ، وسواء كانوا على صواب أم خطأ ، فقد كان هذا الاعتقاد سائداً .

وما من شك أن اليهود كطوائف متفرقة يملكون المال وقوة التنظيم وسعة الانتشار يعملون للمحافظة على مصالحهم ، غير أننا هنا نريد أن نناقش مسألة علم اليهود أو إعدادهم للمسرح الدولي من أجل حرب عالمية تحقق مصالحهم الاقتصادية والسياسية ، إذ أن هناك من الشواهد ما يظهر أن هناك من أعد للحرب أو على الأقل من علم بها مسبقاً .

ومن المعروف أن المصانع الكبرى والمصالح الاقتصادية في أمريكا وأوروبا كانت متركزة إلى درجة كبيرة بيد اليهود كرأسماليين وشركات كبرى ، ومنها شركات الأسلحة ، ولعل المؤرخ البريطاني فيشر ناقش هذه القضية بإيجاز مستبعداَ جزءاً منها ومقراً بالجزء الأخر حين قال : (( أما الفكرة بأن الحرب العظمى أثارها الرأسماليون ، فهي هراء ولغو ، فإنه في كل مكان – ربما ما خلا في بعض دوائر صنع الأسلحة – ارتاع كبار رجال الأعمال أيما ارتياع لفكرة انهيار السلم … ومع ذلك فإنهم لم يكونوا من القوة بحيث يستطيعون أن يوقفوا أدوات الحرب الجبارة الهائلة عن التحرك والسير )) .

ويذكر فيشر كيف أن الحرب قدمت خدمة كبيرة لليهود من أن بريطانيا عملت على كسب رضاهم فقدمت لهم وعد بلفور : (( وبذلك ضمنت إلى جانبها جماعات اليهود القوية العالمية التي تبسط سيطرتها على أسواق المال لا في نيويورك فقط ، بل في نواح عديدة أخرى من أنحاء العالم ، وحملتها على مناصرة قضية الحلفاء )) , ونجد أن عضو البرلمان البريطاني اليساري في حزب العمال في استراليا قد اتهم وحمَل أصحاب رؤوس الأموال اليهود مسئولية اندلاع الحرب العالمية الأولى .

ومن الحوادث التاريخية التي تشهد بأن هناك تنسيقاً عالياً بين الكتل اليهودية الثلاث (كتلة الرأسمالية , وكتلة الاشتراكية الدولية , وكتلة الصهيونية ) ما ذكره مارتين جبلبرت في كتابه ( تاريخ اسرائيل ) حيث قال : في 7 أكتوبر 1897 م ، وبعد حوالي ستة أسابيع فقط بعد الافتتاح الهام لأول مؤتمر صهيوني في بال عقد اجتماع سري فيVILNA لمنظمة يهودية جديدة هي Bund حزب العمال الاشتراكيين اليهودي والذي كرس نفسه لقدوم الاشتراكية الدولية في روسيا .

وفي عام 1917/1335ه تمكنت كتلة الاشتراكية الدولية (الجناح اليساري ) من اليهودية العالمية من إسقاط الحكومة الروسية ، كما تمكنت الصهيونية في نفس العام من انتزاع وعد بلفور من بريطانيا .ويأتي اعتراف وايزمان الخطير الذي يثبت أن اليهود كانوا يخططون لوقوع الحرب، لأنها السبيل الوحيد التي يجبرون من خلالها الدول الكبرى لتقديم مساعداتها وإعطاء موافقتها لمشروعاتهم .

في حين أدركت الاشتراكية الدولية اليهودية إثر فشل ثورة عام 1905م / 1323ه ، أنه لا سبيل إلى نجاح الثورة الشيوعية في روسيا وسيطرة اليهود عليها إلا بدخول روسيا للحرب، وإشغال الجيش في جبهة القتال ليتسنى لهم النجاح في خطتهم .

أما كتلة الرأسمالية اليهودية ، فالحرب تعني جني الأرباح بشكل مضاعف وتقديم القروض الربوية ,حتى أن بريطانيا أصبحت في حلول عام 1917م (( مصرف ومستحصل قروض لأسواق المال العالمية ليس لنفسها فحسب, بل بضمانها للأموال التي اقترضتها روسيا وإيطاليا وحتى فرنسا )), من أجل تسديد أثمان الذخائر والمواد الأولية المستوردة , وكما يذكر فيشر إنه في تقدير مبكر بدا أن بريطانيا ستضطر إلى فتح اعتماد مالي قدره ألف مليون جنيه ,إلا أن المبالغ التي أنفقتها بريطانيا على الحرب بلغت عشرة أضعاف هذا المبلغ ، وقد كانت أسواق المال في شيكاغو ونيويورك هي المستفيدة من هذه القروض .

أما الصهيونية ، فكل يخطب ودها لتقديم فلسطين وطناً قومياً لهم ، يقول وايزمان في مذكراته : (( وفي الجملة أعددنا في الفترة بين سنتي 1907م ، 1914م ، العدة اللازمة لمواجهة الحرب ,وما عسى إن تعود علينا من وعود وعهود ، ومن فرصة سانحة لبناء فلسطين من جديد يهودية )) .وقد سبق إن تحدث ماكس نورداو كثيراً عن مؤتمر الصلح الذي يعقب حرباً عالمية ,يتمكن الصهيونيون من عرض المسألة اليهودية على هذا المؤتمر للوصول إلى الحل الذي ينشدونه وذلك قبل نشوب الحرب العالمية الأولى وقبل أن تتضح نهايتها وقبل مؤتمر الصلح .

دخول الدولة العثمانية الحرب :

في ظروف الحرب العالمية الأولى ، يصعب الحديث عن أية حكومة من الحكومات المتحاربة في المعسكرين كوحدة ذات رأي متوافق في كل قضايا الحرب، بل كانت كل حكومة تنقسم إلى فريقين أو أكثر.فالحكومة الألمانية انقسمت بين فريقين السياسيين والعسكريين،وكان التفوق للفريق الأخير الذي اضطر الإمبراطور لمناصرته خلال فترة الحرب .

كما كانت حكومة بريطانيا بزعامة اسكويث قد انقسمت إلى فريقين ,الأول معتدل بزعامة إسكويث رئيس الوزراء ووزير الخارجية لورد ادوارد جراي ، ووزير الحربية الجديد اللورد كتشنر ، وكان هذا الفريق من الاعتدال بحيث يلمس أن أهدافه في قراراته المصلحة العامة للإمبراطورية البريطانية ، أما الفريق الثاني فتزعمه تشرشل وزير البحرية ولويد جورج وزير المالية وهربرت صموئيل وزير البريد ، حيث كانت قراراتهم متشددة تنبع من رؤى أو أهداف شخصية .إلى جانب انقسام آخر في وجهات نظر الحكومة ، فقد كان مكتب القاهرة التابع لوزارة الخارجية وللورد كتشنر الذي كان ما يزال المعتمد السامي بمصر حتى تنتهي الحرب ليعود إلى مركزه ، الذي عين به ماكماهون مؤقتاً للحاجة الملحة لكتشنر في إدارة الحرب كوزير للحربية ، والجانب الآخر هو حكومة الهند البريطانية التابع لوزارة المستعمرات ، ورغم أن الجبهتين تعملان لمصلحة الإمبراطورية ,غير أن وجهات نظرهما ظلت مختلفة لمعالجة قضايا المناطق الناطقة بالعربية من بلاد الرافدين وسوريا والجزيرة العربية ، لذا يصعب الحديث عن " الحكومة البريطانية " كسياسة موحدة لأن كل جناح من هذه الأجنحة يملك رأياً أو قراراً مختلفاً .

ويصدق هذا الوصف على وضع الدولة العثمانية ، فقد كانت ممزقة بين ثلاثة أجنحة ، الجناح الأول ويضم أنور باشا وزير الحربية وطلعت وزير الداخلية وخليل بك رئيس البرلمان ثم انضم إليهم جمال باشا وزير البحرية ، أما الجناح الثاني فكان يضم وزراء بعض الوزارات الأخرى ويضم وزير المالية جاويد بك وهو يهودي ، ويرى مولان زاده رفعت انه يؤيد فريق دخول الحرب إلى جانب ألمانيا ولكن بطريق خفي ، ووزير التجارة والزراعة سليمان البستاني وثلاثة من هيئة أركان الحرب ، أما الجناح الثالث فيضم الصدر الأعظم إلى جانب وزير الأشغال العامة جوروك صولي محمود باشا ووزير البرق والبريد أوسكان افندي ويناصرهم السلطان محمد الخامس وولي عهده الأمير يوسف عز الدين . هكذا كانت الحكومات تبدو خلال الحرب ، لذا فكثير من القرارات كانت تتخذ إما بشكل فردي أو لتفوق الجناح الذي يقترح القرار . كان التنافس الألماني من جهة ، والحلفاء من جهة أخرى لكسب الدولة العثمانية إما إلى جانبها أو على الأقل أن تبقى على الحياد ، فكيف اتجهت الدولة العثمانية لدخول الحرب؟ .


حكومات الحلفاء أثناء الحرب :
غيرت الأحداث العظيمة التي لم تشهد البشرية أحداثاً متسارعة مثلها من قبل ، كثيراً من الحقائق على الأرض ، وأصبحت أحلام ألمانيا بانتصار سريع على الجبهة الغربية واحتلال باريس غير محققة ، وتبخرت أوهام قياصرة الروس في كسر الجيش النمساوي ومن ثم حصار ألمانيا ، أمام الانتصارات الألمانية الباهرة على الجبهة الشرقية لأوروبا .

وعلى الصعيد السياسي نجحت ألمانيا في جر الدولة العثمانية إلى دخول الحرب ضد الحلفاء إلى جانبها ، وفي خنق روسيا بحرمانها من تصدير الحبوب إلى الحلفاء ، كما أجهزت على قدرتها العسكرية بحرمانها من استيراد الذخائر والمدافع والبنادق ، وذلك بإغلاق المضائق .

حاولت الدولة العثمانية من خلال جيشها الثالث غزو الأراضي الروسية ففشلت فشلاً ذريعاً ، وأبيد هذا الجيش ، بسبب البرد والتيفوس وسوء القيادة للمعركة ، كما فشلت محاولة الجيش العثماني الرابع غزو الأراضي المصرية وقناة السويس الخاضعة للحماية البريطانية .

ولم تكن بريطانيا بأعظم نجاحاً من روسيا وتركيا، فقد فشل هجومها على بغداد فشلاً ذريعاً وكلفتها هذه المحاولة أمام جيش الدولة العثمانية ذو القيادة الألمانية أكثر من 23.000 قتيل ، كما فشلت حملتها الكبرى التي قدمت فيها نصف مليون جندي بحرب برية وبحرية لغزو غالبيولي بهدف احتلال المضائق واستانبول وفتحها أمام استيراد روسيا للأسلحة وفقدت أكثر من 250.000 جندي في هذه الحملة ، إلى جانب أنه كان من نتائجها أن سقطت وزارة اسكويث الأولى .

ولم تستطع ألمانيا إقناع الثلاثي المتحكم بالدولة العثمانية من إيجاد أرضية تزيد من تماسك ووحدة الجبهة الداخلية لهذه الدولة، مما يمكنها من التصدي للمخططات البريطانية، كما أخفقت ألمانيا في تلمس ضعف هذه الدولة وأسباب الفشل في السياسة الداخلية ومعالجته في حينه، مما أوقع الحرج في موقف الألمان ومنعت الحكومة الألمانية صحفها من كتابة أية أخبار عن ما عرف بالثورة العربية.كما فشلت حكومة الثلاثي في الدولة العثمانية في تلمس حجم المشكلة العربية ووضع حلول ناجحة تعالجها بشكل جذري، بل استخدام جمال باشا العنف والمشانق لرجالات العرب ووصل سوء التقدير لدى جمال باشا أن أبلغ السفيرين الألماني والنمساوي بأنه سيقضي على الثورة العربية خلال أيام وسيقبض على الحسين ويشنقه على أحد أبواب دمشق .

أمام هذا الوضع المعقد في الساحة الدولية خلال الحرب العالمية الأولى رأى بعض أعضاء مجلس الوزراء البريطاني أن انتصاراً بريطانياً في الشرق قد يعطي شيئاً من الأمل رغم إخفاق الحملتين على بغداد وغاليبولي .وكان الجيش البريطاني في مصر ينتظر نضوج الجهد الدبلوماسي الذي قادة المكتب العربي بالقاهرة بقيادة ماكماهون الذي تمكن في نهاية الأمر من إقناع الشريف في إعلان الثورة العربية في 10 يونيو 1916م /1334ه ، فكان نصراً دبلوماسياً للحلفاء وانتكاسة حقيقية لدول المحور.


جهود الحركة الصهيونية في هذه المرحلة :

كانت فكرة كتشنر في بناء عالم ناطق بالعربية يمتد من عدن وجنوب السودان متجهاً شمالاً حتى الإسكندرية والاسكندرونة تحت العلم البريطاني، وأصبح معاونوه أمثال ستورز ووينجت وكلايتون في مكان الصدارة.

وربما كان الخلاف الأساسي بين اسكويث وجراي من جهة وكتشنر من جهة أخرى يكمن في الشرق الأوسط ودور فرنسا وروسيا فيه ، ففي الوقت الذي يجد كل من اسكويث وجراي شيئاً من التفهم لمطالبهما ، فإن كتشنر كان يحذر ومن خلال مذكرة رسمية قدمها لمجلس الوزراء في 16 مارس 1915م /1333ه من أن (( العداوات والضغائن القديمة التي سكنت بسبب الأزمة الراهنة في أوروبا قد تنبعث بعد الحرب )) وأن بريطانيا قد تجد نفسها في حالة عداء مع روسيا أو فرنسا أو كلتيهما .

وقد كان اسكويث وجراي لهما توجهات متقاربة ، إذ كتب اسكويث بمذكراته (( أعتقد في هذه اللحظة ، أنني وجراي الوحيدان اللذان تساورهما الشكوك والريب في مثل هذه التسوية ، فكلانا نعتقد أن أفضل شيء للمصلحة الحقيقية لمستقبلنا الخاص هو أن نتمكن عند انتهاء الحرب من القول ... أننا لم نأخذ شيئاً ولم نكسب شيئاً ولا أقول هذا من وجهة نظر أخلاقية وعاطفية فحسب ... بل من منطق اعتبارات مادية محضة، فالاستيلاء، على بلاد الرافدين مثلاً، مع اسكندرونه، أو من دونها ... يعني إنفاق الملايين في الري والتنمية بغير مردود فوري أو مبكر، والاحتفاظ بجيش كبير من البيض والملونين في بلد غير مألوف, ومعالجة مختلف المسائل الإدارية المعقدة، هذه كلها أسوأ من كل ما تعرضنا له في الهند ))( 1)وفي أبريل ومايو 1915م / 1333ه حاول سايكس أن يقترح – في بواكير اهتمام سايكس بالصهيونية – أن تقدم الحكومة البريطانية عرضاً على الصهاينة تأسيس شركة لشراء الأراضي في فلسطين ، والذي هو في الأصل مطلب صهيوني فجاء رد جراي بعدم الموافقة.

كان أول جهد حقيقي للصهيونية لجس نبض الحكومة البريطانية في أثناء الحرب العالمية الأولى حيال مشروعها في فلسطين ، في الشهر التالي لبداية الحرب ، فقد قدم هربرت صموئيل ( وهو يهودي الأصل ، صهيوني التوجه ، ووزير الداخلية فيما بعد ) أولى مذكراته الثلاث في 9 نوفمبر 1914م /1332ه حين كان مدير البريد العام بوزارة إسكويث الأولى كما قدم مذكرته الثانية في ديسمبر من نفس العام والثالثة في يناير 1915م / 1333ه ,طرح فكرته أولاً لوزير الخارجية جراي ثم قدمها لإسكويث والتي تم توزيعها في يناير 1915م على مجلس الوزراء من خلال مذكرته مقترحاً أن تصبح فلسطين تحت الحماية البريطانية من وجهة نظر إستراتيجية وقال (( أن مجرى الأحداث يقدم إمكان حصول تبدل بنتيجة الحرب في وضع فلسطين .ولقد سبق أن دب النشاط بين الإثني عشر مليون يهودي ... في مختلف بلدان العالم … وانتشر شعور عام أن ثمة أملاً أخيراً بتحقيق بعض التقدم بصورة أو بأخرى باتجاه تحقيق الأماني التي تشبث بها اليهود بإصرار ... على مدى ثمانية عشر قرناً لجهة عودتهم إلى الأرض التي شدتهم إليها روابط تكاد تكون على قدم التاريخ نفسه، إلا أنه يسود الاعتقاد بأن الوقت لم يحن بعد لإقامة دولة يهودية مستقلة استقلالاً ذاتياً)) وبين أن السبب هو أنهم لا يزالون يشكلون سدس سكان البلاد ويصعب عليهم حكم 400-500 ألف مسلم، ثم قال (( أنني لواثق أن الحل الأنجع لمشكلة فلسطين والذي سيلقي أقصى الترحاب من زعماء الحركة الصهيونية ومؤيديها في مختلف أنحاء العالم، هو ضم هذه البلاد إلى الإمبراطورية البريطانية)) وتكلم بشيء من التفصيل حول شراء الأراضي والهجرة اليهودية إلى فلسطين .

وربط إسكويث بين مذكرة صموئيل اليهودي ورواية دزرائيلي – رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ذو الأصول اليهودية .. والتي يدعو في روايته ( تانكرد ) اليهود إلى العودة إلى فلسطين وقد علق في مذكراته (( تلقيت للتو من هربرت صموئيل بعنوان ( مستقبل فلسطين ) … وهو يظن أننا نستطيع … إسكان ثلاثة أو أربعة ملايين من اليهود الأوروبيين في ذلك البلد، ... وهذه المذكرة...تشبه إلى حد كبير طبعة جديدة من (( تانكرد )) أخرجت للحياة من جديد ,وأعترف بنفوري من هذه المقترحات التي تضم مسئوليات إضافية إلى مسئولياتنا ..)) .

كما أن الجنرال ستورزكتب في وقت متزامن في نهاية عام 1914م / 1332ه لسكرتير كتشنر قائلاً (( فيما يخص فلسطين ، أفترض أنه مع عدم رغبتنا … في أن نأخذ على عاتقنا أعباء مسئوليات جديدة … لكننا لا نستطيع أن نركن إلى دوام أي وفاق مهما كان ودياً … إن الأفضل لنا هو وجود دولة حاجزة ولكن هل نستطيع إيجادها ؟ لست أرى عناصر من أهل البلاد يمكن أن تنشئ منها مملكة فلسطينية إسلامية أن الدولة اليهودية هي نظرياً فكرة جذابة ، ولكن اليهود مع أنهم يشكلون أغلبية في القدس نفسها ، هم أقلية ضئيلة في فلسطين … )).

بيد أن كتشنر ألقى بثقل مكانته في مجلس الوزراء ضد اقتراح هربرت صموئيل حين قال كلمته التي أسقطت المشروع بأن فلسطين ضئيلة القيمة من النواحي الإستراتيجية فضلاً عن أنها لا تمتلك ميناء واحداً لائقاً .

ويرى آلان تايلور أن المحاولة الصهيونية الأولى بعد بداية الحرب العالمية الأولى كان نصيبها الفشل نظراً لمعارضة إسكويث رئيس الوزراء الذي كان قد التزم بسياسة استبدال الأتراك بالعرب باعتبارهم أصدقاء بريطانيا في الشرق الأدنى .وإلى جانب كتشنر وإسكويث كان جراي في الحقيقة يعارض فكرة صموئيل ، ووضحه في مجلس اللوردات حين ناقش وعد بلفور فيما بعد عام 1923م/ 1341ه منتقداً هذا التصريح مستغرباً كيف يتم التعهد بالوطن القومي اليهودي دون الإضرار بحقوق العرب المدنية والدينية .

وهكذا فقد فشلت فكرة صموئيل الصهيونية وسقطت بمجلس الوزراء بسبب جناح الثلاثي إسكويث - كتشنر - جراي ، وعرف مؤيدو الصهيونية أنه من الصعب إقناع الوزارة البريطانية طالما أن هؤلاء يسيطرون على أهم المواقع فيها .


__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤامرة, الحقيقة, بين, والتكذيب



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحقيقة حبيب666 المواضيع العامه 3 February 22, 2011 04:55 AM
من هو جحا؟ إعرف الحقيقة chaoui 1 شخصيات عربية 12 August 23, 2010 11:50 PM
ساعة الحقيقة ،، براءة الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 22 December 16, 2008 01:28 AM
غموض الحقيقة!! ؟ابوخالد؟ كلام من القلب للقلب 4 July 29, 2008 07:48 PM
أين الحقيقة ahlem كلام من القلب للقلب 4 January 16, 2007 02:00 PM


الساعة الآن 01:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر