فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم December 1, 2008, 10:16 PM
 
Sun همس و شتاء

الجزء الاول من اول قصة اكتبها

همسٌ و شتاء


تلبدت الغيوم، و تفاقمت هموماً أثقلت صباحي البارد. كنت إذ ذاك موظفاً صغيراً بإحدى المديريات. متزوج، و لي بنت لا يتعدى عمرها الأشهر القليلة. و كانت هذه الطفلة هي أولى الهموم التي أصحو و أنام أعدها و أحصيها. الوالدة جف حليبها بسبب القوت القليل، و الطفلة تصيح.
ليلاً؛ أهرب إلى الشارع القارس برداً، أركل أحجاراً على أن أبقى و أسمع تنهدات الأم الثكلى بابنتها على حياتها، و نواح الصغيرة طلباً للحليب.
في الغد سوف أستلم المعاش، و سأشتري علبة حليب كبيرة لذيذة تكفيها شهراً كاملاً، فقط انتظري علي. كنت أسلي ألم الأم في كل يوم بهذا الحديث، عندما تنام طفلتنا أو نظنها كذلك بعد ساعات طوال من البكاء. كثيراً ما كنت أصحو في هزيع الليل على نحيب الأم الجاف كأنه أنين جريح يفارق الحياة. و كثيراً ما كنت أنازع الدموع على وسادتي الخشنة علها تزيح عني بعض الأسى المر. و يأتي معاش و يذهب، و لا أجد مال الحليب إلا أصبح في جيب بائع الحي، و ثمن القوت المر في جيب أصحابي الذين داوموا على إقراضي مبالغ من المال في كل شهر.
و كذلك الحال عشت إلى ما يقارب الشهرين. أكدس الديون عند البقال و الأصحاب. و طفلتي التي بانت عظامها منذ أمد بعيد ما كانت تجد إلا قليل اليانسون المستدان، دون نسيان ما يتحسن به جيراننا من قطرات الحليب. ما عادت الأم تأكل طعامها، و أنا كنت في العالم الأخر أعيش الموت المرارة في كل لحظة. أنظر إلى الطفلة فتدمع عيناي، و أنظر إلى الأم فأنتحب باكياً. و الأمل صار بالنسبة لي مثل خيط شمس أنتظره في الربيع القادم؛ و ما كنت قط أظن الشتاء الجاف القاسي سيزول.
تكاثفت الغيوم في السماء، و راحت تتصارع رمادية تحملها رياح اخترقت سترتي الجلدية التي أهدانيها صاحبٌ في زواجي. و لن يقف قميصي أمام هذه النسمة؛ لأن كل ما بقي منه كي يسمى بفضله قميص هو الذكرى؛ لذا لم أجرؤ قط على خلع سترتي الجلدية أشتاءٌ كانت الدنيا، أم صيفاً.و بوجود بنطال صيفي واحد في جملة أملاكي، لن يكون صعباً على النسمة المثقلة بالبرد الندي أن تنحشر في عظامي كالإبر الخشبية.
ركلت حجراً كعادتي و أنا خارج من البيت، ذاك الذي أعيش فيه مستأجراً. ثم رحت أسير إلى الحافلة.ماذا أفعل لطفلتي التي أصبحت في حجم الدمية التي أردت شراءها لها قبل أن تولد. و ماذا يكفر لي عند تلك الأم التي تراقب ذبول فلذة كبدها دون أن تستطيع لها شيئاً. أصحابي بالأمس كانوا يضحكون من حالي، و لهم عندي ديون خاطت شفتي عن الرد فيما كانوا يسخرون.
وجه البقال أراه في كل حجرٍ على الطريق، يطالب بديونه باسماً شامتاً من علمي و من حالي. فأركله بكل قوتي لأراه مبتسماً في حجرٍ أخر على الطريق. ثم راحت السماء تذرف دموعها علي علّي أشاركها البكاء، لكني لم أفعل. صعدت الحافلة أكلم نفسي. و أرمي كلماتٍ في أذن كل من يجلس بقربي: ديون، نحيب، برد...و أهات تخر لها جبال، و لا تحرك في الناس شيء.
كانت الأفكار تغير على مخيلتي و تحوم كالغربان. ظننتني سأهجر هذا البلد لأعمل نادلاً، أو سائقاً، أو حمالاً، أكسب لقمة يومي و أنسى هذه الحياة بكليتها؛ و فكرت أن أبقى و أنزوي في حجرةٍ صغيرة لا ألوي على شيء حتى ألاقي الموت أو يلاقيني.
لكن، و في غفلة من أفكاري مال الرجل الذي يجلس بقربي علي برأسه، ثم قرب فمه من أذني و همس فيها شيئاً، شيئاً لم أفهمه و لا أذكره. بدأ يسري في جسدي مفعوله كما يسري مفعول الدواء في جسد العليل. بدأت الأفكار تخلي ساحة المعركة، و تودع مخيلتي. و بدأ الدفء يسري في أوصالي. لم أعد أفكر في شيء و صرت في ما يشبه النشوة.
عندما نزلت من الحافلة، نظرت إلى السماء؛ فرأيت الغيوم تهرب مسرعة تلف أذيالها، و الشمس تمد عصاها من بين ثغراتها تتلمس الأرض كالكفيف.
رحت أسير مسرعاً لا أركل حجراً و لا أشعر هما يتبعني. و غابت في نشوتي تلك تجاعيد جبهتي التي انعقدت منذ زمن طويل لا أدر حسابه. ألقيت السلام على حارس المديرية لأول مرة منذ توظفي فيها. ثم دخلت أتملق كل من ترصده عيناي، من موظف، و عامل، و مراجع، كما لم أفعل من قبل. فجأة لم أعد أحس بالشتاء، و لم تعد كلمة حليب تثير في حلقي مرارةً، و في عيني دموعاً. صارت صورة الأم شيئاً لا يبعث على الأسى و الدموع.و صار وجه البقال كأي شيء في الدنيا، لا يثير فيّ أي شعورٍ أو أحاسيس. رحت أعيش بعد ذاك اليوم ساهماً، لست فرحاً، و لم أكُ حزيناً، كنت لا ألوي على شيء.
بعد شهر على انقلاب حالي ماتت طفلتي. و لم أظن يوماً أنني سأكون بارداً تجاه موتها كما فعلت.للحقيقة لم يثر موتها أي شعور بالأسى لدي، و كلمات ذاك الرجل تزيدني كلما مرت بأذني شيئاً من الجليد. الأم في وجوم لأيام و أسابيع، و أنا لا أعيش معها إلا بجسدي؛ و روحي تهيم في بحر الشرود. محمد فارس عبد الله الدخول
رد مع اقتباس
  #2  
قديم December 1, 2008, 11:21 PM
 
رد: همس و شتاء

رائعه بحق
لكني اتسائل ترى ماتلك الكلمات التي قلبت كيان شخص بهذه السرعه ...!
وبإنتظار إكمالها أيها المبدع
تقبل مروري
رد مع اقتباس
  #3  
قديم December 2, 2008, 03:08 AM
 
رد: همس و شتاء

قبل كل الكلام مشكورة على مساهمتك الاولى
انت وصافة ممتازة تستطيعين توظيف الكلمة بشكل جيد
اتمنى لك التوفيق وانتظر جديدك
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
شتاء, همس



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جاكيتات شتاء 2008 ملك حنون مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 4 March 14, 2008 07:09 PM
احذية شتاء 2008 ملك حنون مجلة المرأة والموضه 2 March 4, 2008 06:05 PM
ليلة شتاء........ TrNeDo شعر و نثر 4 February 28, 2008 10:53 PM
CoLLeCtioN ل(شتاء 2008) ..! { ضَے سماآهُم ..! مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 6 February 11, 2008 07:02 PM
شتاء 2008 للرجال فقط مجموعة أنسان مجلة الرجل 1 January 18, 2008 01:24 PM


الساعة الآن 03:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر