فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم November 16, 2008, 01:56 PM
 
Sun .. محمد بن ابي عامر: بين الانصاف والجحود ..


محمد بن أبي عامر بين الأنصاف والحود

شاب في عمر الورد أترع قلبه الطموح للوصول إلى الحكم
ولا غرو في ذلك فهو يضم بين برديه كثيراً من رجاحة
الكهول و حكمة الشيوخ وفطنة الأنبياء وحيوية الشباب
كانت تبدو عليه مخايل النجابة وبواكير الرجولة ما يبشر
أن هذا الهلال سيكون بدراً كاملاً في يوم قريب
انه" محمد بن أبي عامر" شاب في ريان الشباب
غض الإهاب ،طري العود.ولد" محمد"
في الجزيرة الخضراء
قرب حصن طرش جنوبي الأندلس وكان
جده" عبد الملك المعافري "من العرب القحطانيين
الذين دخلوا الأندلس مع "طارق بن زياد"
وأظهر شجاعة في بعض العمليات العسكرية
فمنح إقطاعات الجزيرة الخضراء ،توفي والده
وهو صغير فلم يكن له دخل سوى أرض صغيرة
ورثها عن أبيه بالإضافة إلى عمل أمه في الغزل.
وكانت الأندلس في ذلك الحين في أوج عظمتها بفضل
أعظم ملوكها "عبد الرحمن الناصر"
والذي خلفه في الحكم ابنه"الحكم"
الملقب ب "المستنصر"وكان الحكم يقارب
الخمسين من عمره إلا أنه لم يرزق بولي لعهده
رغم زواجه الكثير
،ثم رزقه الله بعد ذلك بولد من جارية من
بلاد البشكنش تدعى"صبح".
وفي هذه الأحوال الأندلسية العظيمة قرر"محمد"
أن ييمم وجهه شطر "قرطبة" عاصمة إقليم الأندلس
ومركز الإشعاع العلمي الأول في ذلك الحين
فسلك طريقه الميمون إليها.
قاصداً العلم فتتلمذ على يد أعظم العلماء الأندلسيين
وأعجبوا بذكائه وفطنته.
كان محمد بن أبي عامر حاد الذكاء ,
آية في الدهاء, شديد الطموح , قوي العزم ,
متعدد المواهب , ذو همة عالية تناطح السحاب
طولاً وتملأ الأرض عرضاً .
وكثيراً ما كان يجلس بين أصحابه وأبناء عمومته وينظر
إلى الزهراء ويقول : يوماً ما سأحكم هذه الدولة ,
فيسخر أصحابه من كلامه ويبدؤون يحبطون من هممه
ولكن دون جدوى فهو قد وضع الحكم نصب عينيه
ولن تستطيع قوة في الأرض أن تقف بوجه طموحه العظيم
وذكائه الباهر , وكان مثله الأعلى في ذلك "صقر قريش "
فقد دخل الأندلس وحده مع تابعه "بدر"
واستطاع أن يؤسس للأمويين دولة قوية
ولكن "صقر قريش " كان يعولُ على حقه في إرث حكم آبائه
أما " محمد " فكان يعولُ على طموحه ودهائه .
عمل " محمد بن أبي عامر" في بدايته ك"كاتب رقاع "
على حافة الطريق أمام باب" الزهراء المدينة الملكية"
ولكن هذا العمل الصغير مكّنه من توطيد علاقاته
مع الفتيان الصقالبة فقاموا بنقل أخباره لسادة القصر
وخاصة السيدة " صبح " فعهدت إليه
بوظائف كتابية بعد ولادتها من ابنها "عبد الرحمن "
بالإضافة إلى إدارة أعمال الأمير الصغير وكان ذلك
أول دخول " لأبي عامر " للزهراء
وبعد ذلك استطاع " محمد " أن يثبت كفائته
في عمله فأسند إليه " الحكم " دار السكة
فكثر حُساده وأعدائه الذين غمرت البهجة قلوبهم
عندما سمعوا بخبر وفاة ولي العهد الرضيع " عبد الرحمن " معتقدين بذلك انتهاء عمل " أبي عامر" ولكن الله شاء أن
يرزق " الحكم " بولد آخر فأصبح ابن أبي عامر
المسئول الأول عن إدارة أموال ولي العهد الجديد
"هشام المؤيد بالله"بالإضافة إلى عمله في دار السكة
ثم رقاه المستنصر إلى قائد الشرطة في الأندلس
بعد أن كان قائد للشرطة في قرطبة فقط .
وبدأت الأيام تتعاقب وشعر الحكم بدنو أجله فقرر
أن يعهد الولاية لابنه "هشام"- وكان ابنه لم يبلغ
الحادية عشر من عمره - متجاوزاً بذلك إخوته
من الناصر وأخذ له البيعة على ذلك ولكن
الفتيان الصقالبة قاموا بتحريض "المغيرة"عم "هشام"
لإقصائه عن الحكم شريطة أن يخلفه"هشام"
وسرعان ما شعر الحاجب المصحفي بهذه الخيانة
فأخبر "أبا عامر" بالأمر فقام بقتله ،
وقام أيضاً بالقضاء على الصقالبة
وإقصائهم عن السلطة و القصر .
ثم مالبث "محمد أن تخلص من "المصحفي"
وقام بسجنه بتهمة اختلاس أموال الدولة
مستعيناً ب"غالب الناصري" قائد الجيش
بعد أن تزوج من ابنته بأمر من الخليفة
وذلك بعد أن طلبها "المصحفي" لابنه الذي قام "محمد"
بعزله عن منصب صاحب المدينة بأمر من "هشام"وأصبح "
أبا عامر"حاجب الخليفة بعد أن تولى منصب "صاحب المدينة"
بدلاً من ابن المصحفي بأمر من الخليفة الذي كانت
تسيره أمه ومما يقال أن سبب وصول "محمد"
إلى هذه المكانة العالية المرموقة واستفحال أمره
هو خدمته للسيدة "صبح"حيث استمال قلبها
بحسن تدبيره وخدمته لها حتى استهواها وغلب
على قلبها حتى تحدثت الناس عن شغفها وعشقها له .
وبعد أن أصبح "محمد" حاجب الخليفة قام بالحجر
على"هشام"وإبعاده عن أمور الحكم والرعية
مدعياً بذلك خوفه عليه بعد محاولة اغتياله
من أحد الفتيان الصقالبة ،وقام "محمد"بإشغاله بالجواري
والنساء،واستبد "أبو عامر"بالحكم واستأثر به
ونقل جميع الدواوين إلى "الزاهرة "-
المدينة التي بناها على غرار "الزهراء"،وأصبح
بذلك "محمد" الخليفة الرسمي للأندلس كلها،
لعل "محمد بن أبي عامر"كان معذوراً بعض الشيء
فالخليفة لم يكن يمتلك الخبرة الكافية التي تؤهله
لمباشرة الحكم بنفسه ،فكان لصالح البلاد أن يحكمها
رجل سياسي ناجح ك"أبي عامر" ولكن "غالباً الناصري "
شعر بخطورة هذا الموقف وتنبه إلى نوايا زوج ابنته
في السيطرة على البلاد فدعاه لجبهة قتال
انتهت بوفاة قائد الجيش وبذلك خلت
الساحة ل"أبي عامر" ولقب نفسه ب"الملك المنصور"
وأمر بنقش اسمه وصورته إلى جانب اسم وصورة الخليفة
"هشام المؤيد بالله".
حكم الملك المنصور الأندلس سبعة وعشرين عاماً
خاض خلالها أكثر من خمسين معركة ضد الإسبان
لم يهزم في واحدة منها وجاست خيله في أمكنة
لم يكن قد وصل إليها المسلمون من قبل
وسقطت في يده "شنت ياقب " وهي أقدس
مكان مسيحي في إسبانيا وانتصر على
ملوك "قشتالة،ونفار،وليون ،وقطا لونيا"
ودانت له ملوك الأندلس شمالاً وجنوباً.
تآمر ابنه على قتله مع آخرين لأن أباه اثر
أخاه الأصغر "عبد الملك"ليكون وريثه في الحكم فأمر"
أبو عامر"بضرب عنقه" والسبب في ذلك أن
"محمد بن أبي عامر "كان يشك في بنوته بمعنى
أن أمه لم تكن قد استبرأت تماماً حين تزوجها
فلم يكن يحبه كأخيه.
كان المنصور يتمنى دوماً أن يلقى ربه في ساحة الوغى
وتحققت أمنيته حين توفي أثناء قتاله للإسبان
في إحدى معاركه ، ودفن في ( مدينة سالم )
ومما كتب على قبره :
آثاره تنبيك عن أخباره
حتى كأنك بالعيون تراه
تالله لا يأتيك الزمان بمثله
أبداً ولا يحمي الثغور سواه
حكم ابنه من بعده ست سنوات وكان حسن السيرة
عادل تقي ،ولكن سرعان ما عمت الفتنة "قرطبة"
وزالت دولة الخلافة ليحل مكانها دول"ملوك الطوائف" .
ذاك هو "محمد بن أبي عامر"الذي لم ينصفه التاريخ
فكثيراً ما تكون المرآة التاريخية مقعرة
أو محدبة أو دخانية غير سوية .
ذلك هو الفتى الطموح الذي لم يقنع بالقليل و
الذي وصفه المؤرخون بقولهم:
(استبد بحكم الأندلس دون خلفائها من بني أمية)
ولكن حقيقة الأمر أن رجلاً من العامة خرج
ليحكم الأندلس فأخّر سقوطها عدة قرون.
إنه حتماً مثل أعلى في الطموح


بقلم
برلنت أسامة منوّر
__________________
شكراً على التوقيع
رد مع اقتباس
  #2  
قديم December 14, 2008, 12:36 AM
 
رد: .. محمد بن ابي عامر: بين الانصاف والجحود ..

شكرا على الموضوع والمعلومات
__________________




رد مع اقتباس
  #3  
قديم August 12, 2010, 11:40 PM
 
رد: .. محمد بن ابي عامر: بين الانصاف والجحود ..

شكرا جزيلا على هذا الأسهام ولو بشكل قليل عن حياة هذا الاسطورة الاندلسي...
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحمد, الانصاف, ابي, عامر, والجحود

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قاعدة الثلاثين ثانية ،،،فهد عامر الأحمدي شذا مقالات الكُتّاب 10 December 9, 2009 03:24 PM
بيت عامر فراشة الجراح الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 3 July 13, 2008 06:57 AM
الجنايات والحدود والقضاء والشهادات في المذهب الحنبلي maft1969 أرشيف طلبات الكتب 0 May 4, 2008 11:16 AM
عامر المجلة يرحب بكم فرحبو به عامر المجلة الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 5 May 1, 2008 08:05 PM
نكران الجميل والجحود الهلالىالرياحى روايات و قصص منشورة ومنقولة 1 January 18, 2008 06:27 PM


الساعة الآن 04:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر