فيسبوك تويتر RSS


  #4  
قديم October 15, 2008, 10:36 PM
 
رد: جوزيف ستالين

4 -
دكتاتورية البروليتاريا

سآخذ من هذا الموضوع ثلاث مسائل أساسية:

أ) دكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي أداة الثورة البروليتارية.
ب) دكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي سيادة البروليتاريا على البرجوازية.
ج) سلطة السوفيات، من حيث هي شكل لدولة ديكتاتورية البروليتاريا.

أ – دكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي أداة الثورة البروليتارية
إن مسألة الديكتاتورية البروليتارية هي، قبل كل شيء، مسألة محتوى الثورة البروليتارية الأساسي. فالثورة البروليتارية، وحركتها، ومدى اتساعها، وانتصاراتها لا يصبح لها لحم ودم ألا بدكتاتورية البروليتاريا. أن دكتاتورية البروليتاريا هي أداة الثورة البروليتارية وجهازها وأهم نقطة ارتكاز لها، أداة مدعوة للحياة، أولاً، لكي تسحق مقاومة المستثمرين المخلوعين وتوطد انتصارات الثورة البروليتارية، وثانياً، لكي تسير بالثورة البروليتارية إلى النهاية، لكي تقود الثورة إلى انتصار الاشتراكية التام. فأن التغلب على البرجوازية وإسقاط حكمها أمر لا تستطيع أن تفعله الثورة بدون دكتاتورية البروليتاريا. أما سحق مقاومة البرجوازية والمحافظة على الانتصارات والسير قدماً نحو انتصار الاشتراكية النهائي، فأمور لن يكون في وسع الثورة أن تفعلها إذا لم تخلق، عند بلوغها درجة ما من تطورها، جهازاً خاصاً بشكل دكتاتورية البروليتاريا، بوصفها نقطة الارتكاز الأساسية للثورة.
"إن مسألة الحكم هي المسألة الأساسية لكل ثورة" (لينين). فهل يعني ذلك أنه ينبغي الاقتصار هنا على أخذ الحكم، والاستيلاء عليه؟ كلا، طبعاً. إن الاستيلاء على الحكم ليس سوى ابتداء المهمة. فالبرجوازية التي أسقطت عن الحكم في بلد واحد تظل زمناً طويلاً، لأسباب كثيرة، أقوى من البروليتاربا التي أسقطتها. ولهذا، فالأمر كله هو الاحتفاظ بالحكم وتوطيده وجعله منيعاً لا يُغلب. فماذا يلزم لبلوغ هذا الهدف؟ من الضروري، على الأقل، انجاز ثلاث مهمات رئيسية تواجه دكتاتورية البروليتاريا "غداة" الانتصار:
أ‌) تحطيم مقاومة الملاكين العقاريين الكبار والرأسماليين الذين أسقطتهم الثورة ونزعت منهم ملكيتهم، والقضاء التام على جميع محاولاتهم الرامية إلى إعادة حكم الرأسمال؛


ب‌) تنظيم عمل البناء بصورة تجمع جميع الشغيلة البروليتاريا، وتوجيه هذا العمل بشكل يهئ تصفية الطبقات وإزالتها؛


ج) تسليح الثورة، وتنظيم جيش الثورة لأجل النضال ضد الأعداء الخارجين، لأجل النضال ضد الاستعمار.
إن دكتاتورية البروليتاريا ضرورية لتحقيق هذه المهمات وإنجازها. يقول لينين:


"إن الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية هو مرحلة تاريخية كاملة. وما دامت هذه المرحلة لم تنته، فسيظل المستثمرون، حتماً يعللون أنفسهم بأمل إعادة الرأسمالية، وسيتحول هذا الأمل إلى محاولات لإعادة الرأسمالية.
فالمستثمرون الذين ما كانوا يتوقعون أبداً القضاء على حكمهم، وما كانوا يصدقون شيئاً من ذلك، ولا يقبلون أن يخطر لهم ببال، سيندفعون إلى المعركة، بعد أول هزيمة جدية، ويخوضونها بعزيمة مضاعفة عشرات المرات، وباندفاع جنوني، وبحقد متعاظم مئات المرات لكي يسترجعوا "الفردوس" المفقود لعائلاتهم التي كانت تعيش تلك الحياة الناعمة الهانئة، والتي يحكم عليها "الرعاع السفلة" الآن بالخراب والبؤس (أو بالكدح "الحقير..."). ووراء الرأسماليين المستثمرين، يقف السواد الأعظم من البرجوازية الصغيرة التي تثبت التجربة التاريخية، طوال عشرات السنين، في جميع الأقطار، أنها تتردد وتتأرجح، وتسير اليوم وراء البروليتاريا، ثم تخاف غداً من صعوبات الثورة، فيستولي عليها الذعر عند أول هزيمة أو شبه هزيمة يمنى بها العمال، ويجن جنونها وتضطرب، وتتباكى، وتركض من معسكر إلى آخر". (الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي – المؤلفات، المجلد 23، الصفحة 355).
ولدى البرجوازية من الأسباب ما يدفعها إلى القيام بمحاولات لاستعادة الحكم لأنها، بعد أسقاطها، تبقى زمناً طويلاً، أقوى من البروليتاريا التي أسقطتها.
يقول لينين:
"إذا غلب المستثمرون في بلد واحد فقط – وهذه الحالة الأنموذجية طبعاً، لأن قيام الثورة في وقت واحد في عدة أقطار، شذوذ نادر الوقوع – فأنهم يبقون مع ذلك أقوى من المستثمَرين". "المصدر نفسه، الصفحة 354".
فأين تكمن قوة البرجوازية المخلوعة؟
أولاً، "في قوة الرأسمال الدولي، وفي قوة ومتانة الصلات الدولية للبرجوازية" (لينين: مرض الشيوعية الطفولي ("اليسارية" – المؤلفات، المجلد 25، الصفحة 173).
ثانياً، في كون "المستثمِرين يحتفظون حتماً، بعد الثورة بزمن طويل، بعدد من الميزات الفعلية الكبيرة الشأن: فيبقى لديهم المال (إذ لا يمكن إلغاء المال دفعة واحدة) وبعض ممتلكات منقولة عظيمة الشأن في الغالب. وتبقى لهم علاقات، وتبقى لهم عادات تنظيمية وإدارية ومعرفة بجميع "أسرار" الإدارة (عاداتها، طرقها، وسائلها، إمكانيتها). وتبقى لديهم ثقافة أبعد شأناً، وصلات وثيقة العرى بكبار رجال السلك التكنيكي (البرجوازيين بمعيشتهم وعقليتهم) وتبقى عندهم تجربة في الفن العسكري أعلى مستوى بما لا يقاس (وهو أمر هام جداً)، الخ، الخ." (لينين: الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي، المجلد 23، الصفحة 345).
وثالثاً، "في قوة العادة، في قوة الإنتاج الصغير، إذ لا يزال في العالم، لسوء الحظ، مقدار كبير جداً جداً من الإنتاج الصغير؛ والإنتاج الصغير يولّد الرأسمالية والبرجوازية باستمرار، كل يوم، وكل ساعة) بصورة عفوية وعلى مقاييس واسعة... لأن القضاء على الطبقات ليس معناه فقط طرد الملاكين العقاريين الكبار والرأسماليين – الأمر الذي كان سهلاً علينا نسبياً – بل معناه القضاء على منتجي البضائع الصغار، وهؤلاء لا يمكن طردهم ولا يمكن سحقهم، فيجب أن نكون على وفاق معهم. يمكن (ويجب) أن يتغيروا، وأن يعاد تثقيفهم – ولكن فقط بعمل تنظيمي طويل جداً، في غاية التمهل وغاية التبصر". (المرض الطفولي، المجلد الخامس والعشرون الصفحة 173، 189).
لذلك يقول لينين:
"إن دكتاتورية البروليتاريا هي أشد الحروب بسالة وضراوة تقوم بها الطبقة الجديدة ضد عدو أعظم قوة، ضد البرجوازية التي ازدادت مقاومتها عشرة أضعاف من جرّاء إسقاطها عن الحكم"، وأن "دكتاتورية البروليتاريا هي نضال عنيد دام وغير دام، عنيف وسلمي، عسكري واقتصادي، تربوي وأداري، ضد قوى المجتمع القديم وتقاليده". (المصدر نفسه، الصفحة 173، و190).
ونكاد لا نكون بحاجة إلى تقديم الدليل على أنه من المستحيل، على الإطلاق، أنجاز هذه المهمات في فترة وجيزة، وتحقيق كل ذلك في بضع سنوات. لهذا ينبغي أن لا يُنظر إلى دكتاتورية البروليتاريا، أي إلى الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية، على أنها حقبة وجيزة عابرة من الأعمال والمراسيم "الثورية العليا"، بل على أنها مرحلة تاريخية كاملة مليئة بحروب أهلية ونزهات خارجية وبعمل عنيد من التنظيم والبناء الاقتصادي، وبكثير من الهجوم والتراجع، ومن الانتصارات والهزائم. وليست هذه المرحلة التاريخية ضرورية وحسب لأجل خلق البوادر الاقتصادية والثقافية لانتصار الاشتراكية الكلي، بل هي ضرورة أيضاً لأجل تمكين البروليتاريا، أولاً، من تثقيف نفسها وتقوية ساعدها حتى تصبح قوة قادرة على قيادة البلاد، ولأجل تمكينها، ثانياً، من أعادة تثقيف وتحويل الفئات البرجوازية الصغيرة في اتجاه يضمن تنظيم الإنتاج الاشتراكي.
لقد قال ماركس للعمال:
"سيكون عليكم أن تجتازوا خمسة عشر عاماً، أو عشرين، أو خمسين عاماً من الحروب الأهلية والحروب بين الشعوب، لا لكي تغيروا فقط العلاقات القائمة، بل لكي تغيروا أنفسكم أنتم، ولكي تصبحوا أهلاً للسلطة السياسية". (كارل ماركس: كشف الستار عن محاكمة الشيوعيين في كولوني).
وقد تابع لينين فكرة ماركس وطوّرها إلى الأمام، فقال:
"سيكون من الضروري، في ظل دكتاتورية البروليتاريا، اعادة تثقيف الملايين من الفلاحين، وصغار أرباب العمل، ومئات الألوف من المستخدمين والموظفين والمثقفين البرجوازيين، وجعلهم جميعاً تابعين للدولة البروليتارية والقيادة البروليتارية، والتغلب على عاداتهم وتقاليدهم البرجوازية"، كما سيكون من الضروري، "... عن طريق نضال طويل المدى، على أساس دكتاتورية البروليتارية، اعادة تثقيف. . . البروليتاريين أنفسهم، الذين هم أيضاً، لا يتخلصون من أوهامهم البرجوازية الصغيرة فوراً، بمعجزة من المعجزات تحدث إشارة من مريم العذراء، أو بفعل شعار أو قرار أو مرسوم، بل يتخلصون منها فقط بنضال جماهيري طويل، شاق، ضد التأثيرات البرجوازية الصغيرة على الجماهير". (المرض الطفولي، المجلد 25 الصفحة 247 و 248).

ب دكتاتورية البروليتارية، من حيث هي سيادة البروليتاريا على البرجوازية
يتبين مما قلناه آنفاً أن دكتاتورية البروليتاريا ليست مجرد تغيير أشخاص في داخل الحكومة، أي ليست مجرد تبديل "وزارة" الخ، يترك الحالة القديمة، الاقتصادية والسياسية، كما هي دون مساس. أن المنشفيك وانتهازيي جميع البلدان، الذين يخافون من الديكتاتورية كما يخافون من النار، والذين، بسبب تسلط الخوف عليهم، يبدلون مفهوم الديكتاتورية بمفهوم "الاستيلاء على الحكم"، يجعلون "الاستيلاء على الحكم" عادة مقصوراً على تغيير "الوزارة"، على وصول وزارة جديدة إلى الحكم، مؤلفة من أناس مثل شيدمان، ونوسكه، ومكدونالد، وهندرسون. ونكاد نكون في غير حاجة إلى أن نبين أن هذه التغيرات الوزارية وما يماثلها من التغيرات الأخرى لا تمت بأية صلة إلى دكتاتورية البروليتاريا، وإلى الاستيلاء على السلطة الحقيقية من قبل البروليتاريا الحقيقية. ففي حالة وجود مكدونالد وشيدمان وإضرابهما في الحكم، مع المحافظة على النظام البرجوازي القديم، لا يمكن أن تكون حكومتهم المزعومة سوى جهاز يخدم البرجوازية، وغطاء يخفي جراح الاستعمار، وأداة في يد البرجوازية ضد الحركة الثورية للجماهير المضطهدة المستثمرة. أن هذه الحكومات ضرورية للرأسمال، بوصفها ستاراً له، حين يكون من غير السهل عليه، وغير المفيد له، ومن العسير عليه أن يضطهد الجماهير ويستثمرها بدون هذا الستار. ولا ريب أن ظهور مثل هذه الحكومات علامة على أن كل شيء "هناك" (أي في معسكر الرأسماليين)، "في ممر شيبكا(15) "، ليس هادئاً. ولكن الحكومات التي هي من هذا النوع، رغم ذلك، حكومات للرأسمال متنكرة وراء قناع. فبين حكومة من نوع حكومة مكدونالد أو شيدمان، وبين استيلاء البروليتاريا على الحكم، مثل ما بين الأرض والسماء من البعد. أن دكتاتورية البروليتاريا ليست مجرد تغيير حكومة، بل هي دولة جديدة ذات هيئات جديدة مجرد تغيير حكومة، بل هي دولة جديدة ذات هيئات جديدة للسلطة في المركز وفي الأقاليم، هي دولة البروليتاريا التي قامت على أنقاض الدولة القديمة، أنقاض دولة البرجوازية.
ولا تقوم دكتاتورية البروليتارية على أساس النظام البرجوازي، بل خلال هدم هذا النظام بعد إسقاط البرجوازية، خلال نزع ملكية كبار الملاكين العقاريين وملكية الرأسماليين، خلال جعل أدوات ووسائل الإنتاج الرئيسية ملكية اجتماعية، خلال الثورة البروليتارية العنيفة. أن دكتاتورية البروليتاريا هي سلطة ثورية مستندة إلى استخدام العنف ضد البرجوازية.
إن الدولة هي آلة في يد الطبقة السائدة، لسحق مقاومة خصومها الطبقيين. ومن هذه الناحية، لا تختلف دكتاتورية البروليتاريا في شيء، من حيث الجوهر، عن دكتاتورية أية طبقة أخرى، لأن الدولة البروليتارية هي آلة لسحق البرجوازية. ولكن يوجد هنا فرق أساسي أن جميع الدول الطبقية التي وجدت حتى الآن كانت دكتاتورية الأقلية المستثمرة على الأكثرية المستثمَرة، في حين أن دكتاتورية البروليتاريا هي دكتاتورية الأكثرية المستثمَرة على الأقلية المستثمِرة.
وبالاختصار: "إن دكتاتورية البروليتاريا هي سيادة البروليتاريا على البرجوازية، سيادة لا يحدها قانون، وهي تستند إلى العنف، وتتمتع بعطف وتأييد الجماهير الكادحة والمستثمَرة". (لينين: الدولة والثورة).
ومن هنا نستخلص استنتاجين أساسيين:
الاستنتاج الأول: أن دكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن تكون الديمقراطية "الكاملة"، الديمقراطية للجميع، للأغنياء والفقراء، على حد سواء. أن دكتاتورية البروليتاريا "يجب أن تكون دولة ديمقراطية بطريقة جديدة (لأجل(16) البروليتاريين وغير المالكين بصورة عامة)، ودكتاتورية بطريقة جديدة ضد(17) البرجوازية...") (الدولة والثورة). أن كلام كاوتسكي ومن لف لفه، عن المساواة الشاملة، وعن الديمقراطية "الخالصة" والديمقراطية "التامة"، الخ، ليس سوى تمويه برجوازي لهذا الواقع الذي لا يمكن نكرانه، وهو أن المساواة بين المستثمَرين والمستثمِرين مستحيلة. فنظرية الديمقراطية "الخالصة" هي نظرية ارستقراطية العمال، الذين دجّنهم القراصنة الاستعماريون وسمنَّوهم. وقد جيء بهذه الأرستقراطية إلى الوجود لكي تغطي جراح الرأسمالية، وتجعل الاستعمار اقل قبحاً، وتعطيه قوة معنوية في نضاله ضد الجماهير المستثمَرة. ففي النظام الرأسمالي لا توجد ولا يمكن أن توجد "حريّات" حقيقية للمستثمَرين، لسبب واحد على الأقل، هو أن القاعات، والمطابع، ومستودعات الورق الخ، الضرورية لاستخدام هذه "الحريات" هي امتياز للمستثمرين. وفي النظام الرأسمالي، لا يوجد ولا يمكن أن يوجد اشتراك حقيقي للجماهير المستثمَرة في أدارة البلاد، لسبب واحد على الأقل، هو أن الحكومات في ظروف الرأسمالية، حتى في ظل أكثر الأنظمة ديمقراطية، لا يقيمها الشعب، بل يقيمها روتشلد، وستينيس، وروكفلر، ومورغان، وإضرابهم. إن الديمقراطية في النظام الرأسمالي هي ديمقراطية رأسمالية، هي ديمقراطية الأقلية المستثمرة، ديمقراطية قائمة على الحد من حقوق الأكثرية المستثمرة وموجهة ضد هذه الأكثرية فالحريات الحقيقية للمستثمَرين، واشتراك البروليتاريين والفلاحين اشتراكاً حقيقياً في إدارة البلاد، ليست ممكنة إلا في ظل ديكتاتورية البروليتاريا. إن الديمقراطية، في ظل دكتاتورية البروليتاريا، هي ديمقراطية بروليتارية، هي ديمقراطية الأكثرية المستثمَرة، ديمقراطية قائمة على الحد من حقوق الأقلية المستثمِرة، وموجهة ضد هذه الأقلية.
الاستنتاج الثاني: إن دكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن تكون نتيجة تطور المجتمع البرجوازي والديمقراطية البرجوازية تطوراً سلمياً، - فهي لا يمكن أن تكون إلا نتيجة هدم جهاز الدولة البرجوازي، والجيش البرجوازي، وجهاز الإدارة البرجوازي، والشرطة البرجوازية.
في مقدمة بيان الحزب الشيوعي يقول ماركس وانجلس: "لا يسع الطبقة العاملة أن تكتفي فقط بالاستيلاء على الآلة الحكومية القائمة وأن تسيرها وفق غايتها". وفي رسالة وجهها ماركس في سنة 1871، إلى كوغلمان، يقول انه لا ينبغي للثورة البروليتارية "... أن تنقل الجهاز البيروقراطي والعسكري من يد إلى أخرى، كما جرى حتى الآن، بل أن تحطمه ... هذا هو الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً في القارة".
وقد أعطت عبارة ماركس هذه، باقتصارها على القارة، حجة للانتهازيين والمنشفيك في جميع الأقطار لكي يصيحوا بأعلى صوتهم قائلين أن ماركس كان يسلم بإمكان تطور الديمقراطية البرجوازية تطوراً سلمياً إلى ديمقراطية بروليتارية، وذلك، على الأقل، في ما يتعلق ببعض أقطار من غير القارة الأوروبية (انكلترا، أميركا). وقد كان ماركس يسلم فعلا بمثل هذه الإمكانية، وكان لديه ما يبرر التسليم بها فيما يتعلق بانكلترا وأميركا في أعوام 1870 – 1880، حين لم يكن هناك، بعد رأسمالية احتكارية، حين لم يكن هناك استعمار، حين لم تكن قد تطورت، بعد، العسكرية والبيروقراطية في هذين البلدين، بسبب ظروف تطورهما الخاصة. تلك كانت الحال قبل ظهور الاستعمار المتطور. ولكن بعد ذلك – بعد انقضاء ثلاثين أو أربعين سنة – حين تبدل الوضع في هذين البلدين تبدلاً جذرياً، وحين تطور الاستعمار وشمل جميع الأقطار الرأسمالية بلا استثناء، وحين ظهرت أيضاً العسكرية والبيروقراطية في انكلترا وأميركا، وزالت الظروف الخاصة لتطور هذين البلدين تطوراً سليماً، كان لا مندوحة من أن يزول الاستثناء المتعلق بهذين البلدين من تلقاء ذاته. يقول لينين:
"اليوم، في سنة 1917، في زمن الحرب الاستعمارية الكبرى الأولى، لم يبق وارداً هذا الاستثناء الذي وضعه ماركس. فإن كلاً من انكلترا وأميركا، وهما أكبر وآخر من يمثل – في العالم أجمع – "الحرية" الانكلوسكسونية (من حيث عدم وجود العسكرية والبيروقراطية)، قد انزلقتا اليوم انزلاقاً كلياً إلى المستنقع الأوروبي القذر الدامي، مستنقع النظم العسكرية والبيروقراطية التي تُخضع لنفسها كل شيء، وتسحق بكلكلها جميع الأشياء. "فالشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً" في كل من انكلترا وأميركا اليوم، هو هدم وتحطيم "جهاز الدولة" "الجاهز" (الذي بلغ في هذين البلدين، بين 1914 و 1917، درجة من الإتقان "أوروبية" استعمارية). (الدولة والثورة، المؤلفات، المجلد 21، الصفحة 395).
وبكلمة أخرى، أن قانون الثورة البروليتارية العنيفة، قانون تحطيم جهاز الدولة البرجوازي، كشرط أولي لهذه الثورة، هو القانون الحتمي للحركة الثورية في بلدان العالم الاستعمارية. ومن البديهي أنه، في المستقبل البعيد، إذا انتصرت البروليتاريا في البلدان الرأسمالية الرئيسية، وإذا تبدل التطويق الرأسمالي الحالي بالتطويق الاشتراكي، يصبح طريق التطور "السلمي" ممكناً تماماً في بعض البلدان الرأسمالية، إذ سيرى الرأسماليون، عند ذاك، أمام الوضع الدولي "غير الملائم" أنه من الأصوب أن يسلموا بملء اختيارهم". بتنازلات جدية للبروليتاريا. ولكن هذه الفرضية لا تتعلق إلا بمستقبل بعيد وممكن، أما فيما يتعلق بالمستقبل القريب المباشر، فليس لهذه الفرضية أساس على الإطلاق.
ولذلك فلينين على حق حين يقول:
"إن الثورة البروليتارية غير ممكنة بدون تحطيم جهاز الدولة البرجوازي بالعنف وأبداله بجهاز جديد". (الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي. المجلد 23، الصفحة 342).

ج – سلطة السوفيات، من حيث هي شكل دولة دكتاتورية البروليتاريا
إن انتصار دكتاتورية البروليتاريا معناه سحق البرجوازية، وهدم جهاز الدولة البرجوازي، وإبدال الديمقراطية البرجوازية بالديمقراطية البروليتارية. هذا شيء واضح. ولكن ما هي المنظمات التي يمكن بواسطتها انجاز هذا العمل الضخم؟ إن الأشكال القديمة لتنظيم البروليتاريا، تلك الأشكال التي تطورت على أساس البرلمانية البرجوازية، لا يمكن أن تكون كافية لهذا العمل. هذا أمر لا ريب فيه، فما هي إذن الأشكال الجديدة لتنظيم البروليتاريا، الأشكال التي لا تصلح لأن تقوم بدور حفّار قبر جهاز الدولة البرجوازي. الأشكال التي لا تصلح فقط لتحطيم هذا الجهاز وإبدال الديمقراطية البرجوازية بالديمقراطية البروليتارية، بل التي تصلح أيضاً لأن تصبح أساس سلطة الدولة البروليتارية؟
إن مجالس السوفيات هي هذا الشكل الجديد لتنظيم البروليتاريا.
فما هو مصدر قوة مجالس السوفيات بالمقارنة مع أشكال التنظيم القديمة؟
ذلك أن مجالس السوفيات هي أوسع المنظمات الجماهيرية للبروليتاريا، لأنها هي، وهي وحدها، تشمل جميع العمال بلا استثناء.
ذلك أن مجالس السوفيات هي المنظمات الجماهيرية الوحيدة التي تجمع جميع المضطهَدين والمستثمَرين، العمال والفلاحين، الجنود والبحارة، وفيها، لهذا السبب، تستطيع طليعة هذه الجماهير، أي البروليتاريا، أن تقوم بالقيادة السياسية لنضال الجماهير، على وجه أسهل، ومدى أوسع.
ذلك أن مجالس السوفيات هي أقوى أجهزة نضال الجماهير الثوري، وعمل الجماهير السياسي، وانتفاض الجماهير المسلح، هي أجهزة قادرة على تحطيم جبروت الرأسمال المالي وذيوله السياسية.
ذلك أن مجالس السوفيات هي المنظمات المباشرة للجماهير نفسها، أي أنها أكثر المنظمات ديمقراطية، وهي، بالتالي، أكثر المنظمات نفوذاً بين الجماهير، تسهل لهذه الجماهير الاشتراك، إلى الحد الأقصى، في تنظيم الدولة الجديدة وإدارتها، وتطلق، إلى الحد الأقصى، الطاقة الثورية والمبادرة والكفاءات الخلاّقة عند الجماهير المناضلة لتحطيم النظام القديم، المناضلة لإقامة النظام الجديد، البروليتاري.
إن سلطة السوفيات هي اتحاد مجالس السوفيات المحلية وتكوّنها في منظمة دولة، منظمة عامة واحدة، منظمة دولة للبروليتاريا التي هي طليعة الجماهير المضطهدة والمستثمَرة، والتي هي الطبقة السائدة – إنها اتحاد هذه المجالس في جمهورية السوفيات.
إن جوهر سلطة السوفيات كائن في أن أوسع المنظمات الجماهيرية وأكثرها ثورية - منظمات تلك الطبقات التي كانت، على الخصوص، مضطهدة من قبل الرأسماليين وكبار الملاكين العقاريين - تشكل الآن "الأساس الدائم الوحيد(18) لكل سلطة الدولة، لكل جهاز الدولة". وأن "هذه الجماهير نفسها التي كانت محرومة، بألف طريقة وألف حيلة، من الاشتراك في الحياة السياسية ومن التمتع بالحقوق والحريات الديمقراطية، حتى في أكثر الجمهوريات البرجوازية ديمقراطية"، رغم كونها متساوية حسب القانون، "مدعوة اليوم إلى الاشتراك في الإدارة الديمقراطية للدولة اشتراكاً(19) دائماً محققاً وحاسماً(20) أيضاً". (لينين: مباحث وتقرير عن الديمقراطية البرجوازية ودكتاتورية البروليتاريا – المؤتمر الأول للأممية الشيوعية، المؤلفات، المجلد 24).
هذا هو السبب في أن سلطة السوفيات هي شكل جديد لتنظيم الدولة، مختلف من حيث المبدأ، عن الشكل القديم الديمقراطي البرجوازي والبرلماني، هي نوع جديد من الدولة غير منطبق على أهداف استثمار الجماهير الشغيلة واضطهادها، بل على أهداف تحريرها التام من كل اضطهاد واستثمار، أهداف دكتاتورية البروليتاريا.
إن لينين على حق في قوله إن قيام سلطة السوفيات "قد سجل نهاية عصر البرلمانية الديمقراطية البرجوازية، وبداية فصل جديد في التاريخ العالمي: عصر الديكتاتورية البروليتارية".
فما هي الميزات الخاصة التي تتصف بها سلطة السوفيات؟
إن سلطة السوفيات، مادامت الطبقات موجودة، هي، بين جميع المنظمات الممكنة للدولة، أبرزها صفة جماهيرية، وأكثرها ديمقراطية؛ ذلك لأنه، نظراً إلى كون هذه السلطة ميداناً لتعاون وتحالف العمال والفلاحين المستثمَرين في نضالهم ضد المستثمِرين، وإلى كونها تستند في نشاطها إلى هذا التحالف والتعاون، فهي، بسبب ذلك، سلطة أكثرية الأهلين على الأقلية، ودولة هذه الأكثرية، والتعبير عن دكتاتوريتها.
إن سلطة السوفيات هي، بين جميع منظمات الدولة في المجتمع الطبقي، أكثرها أممية، لأنها، إذ تقضي على كل اضطهاد قومي، وإذ تستند على تعاون الجماهير الشغيلة من القوميات المختلفة، تسهل بذلك، جمع هذه الجماهير في كيان دولة واحدة.
إن سلطات السوفيات، بتركيبها نفسه، تجعل قيادة الجماهير المضطهدة والمستثمرة سهلة على طليعة هذه الجماهير، على البروليتاريا التي تمثل اصلب وأوعى نواة في مجالس السوفيات. يقول لينين:
"إن تجربة جميع الثورات وجميع حركات الطبقات المضطهدة، إن تجربة الحركة الاشتراكية العالمية تعلمنا أن البروليتاريا فقط في وسعها أن تجمع وتقود وراءها الفئات المبعثرة والمتأخرة من السكان الكادحين والمستثمرين". (المصدر نفسه). فتركيب سلطة السوفيات يسهل تطبيق دروس هذه التجربة.
إن سلطة السوفيات، يجمعها السلطتين التشريعية والتنفيذية في منظمة واحدة للدولة، وبإبدالها الدوائر الانتخابية القائمة على أساس الإقليم بوحدات على أساس الإنتاج – المعامل والمصانع – تصل العمال والجماهير الشغيلة، بصورة عامة صلة مباشرة بجهاز الدولة الإداري وتعلمهم أن يحكموا البلاد.
إن سلطة السوفيات هي السلطة الوحيدة التي تستطيع أن تحرر الجيش من الخضوع للقيادة البرجوازية، وأن تحوّله من أداة لاضطهاد الشعب، كما هي حاله في ظل النظام البرجوازي، إلى أداة لتحرير الشعب من نير برجوازيته نفسها؛ ونير البرجوازية الأجنبية.
"فقط، التنظيم السوفياتي للدولة بوسعه فعلاً أن يحطّم فوراً ويهدم نهائياً الجهاز القديم، أي الجهاز البيروقراطي والحقوقي البرجوازي". (المصدر نفسه).
إن شكل الدولة السوفياتي وحده، بإشراكه منظمات الشغيلة المستثمَرين الجماهيرية في حكم الدولة أشراكاً دائماً ومطلقاً، يستطيع أن يمهد السبيل لتلاشي الدولة، الذي هو عنصر من العناصر الأساسية لمجتمع المستقبل الذي لا دولة فيه، المجتمع الشيوعي.
فجمهورية السوفيات هي إذن الشكل السياسي المنشود الذي وجد أخيراً والذي، في نطاقه، ينبغي أن يتحقق تحرير البروليتاريا الاقتصادي وانتصار الاشتراكية التام.
وقد كانت كومونة باريس جنين هذا الشكل، وسلطة السوفيات هي تطوير له وتكميل.
لذلك يقول لينين:
"إن جمهوريات مجالس سوفيات نواب العمال والجنود والفلاحين ليست شكلاً من أشكال النظم الديمقراطية أعلى طراز وحسب، بل هي الشكل الوحيد (21) القادر على تأمين الانتقال إلى الاشتراكية بأقل ما يكون من الألم". ("مباحث حول الجمعية التأسيسية"، المؤلفات، المجلد 22. الصفحة 131).



(15) عبارة روسية يعود عهدها إلى الحرب الروسية التركية عام 1877 – 1878. فقد مني الروس بخسائر كبيرة في المعارك التي جرت في ممر شيبكا، ولكن هيئة أركان حرب الجيوش القيصرية ما كانت تذيع عن ذلك في بلاغاتها سوى عبارة: "في ممر شيبكا، كل شيء هادئ". (ملاحظة من هيئة التعريب).
(16) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
(17) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
(18) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
(19) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
(20) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
(21) إشارة التأكيد مني. ج. ستالين.


__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
  #5  
قديم October 15, 2008, 10:37 PM
 
رد: جوزيف ستالين

- 5 -
مسألة الفلاحين

سوف آخذ من هذا الموضوع، أربع مسائل:

أ) وضع المسألة
أ) الفلاحون في أثناء الثورة البرجوازية الديمقراطية
ج) الفلاحون في أثناء الثورة البروليتارية
د) الفلاحون بعد توطيد حكم السوفيات

أ – وضع المسألة
يعتقد البعض أن الشيء الأساسي في اللينينية هو مسألة الفلاحين، وأن نقطة الابتداء في اللينينية هي مسألة الفلاحين ودورهم وأهميتهم. وهذا خطأ محض. فالمسألة الأساسية في اللينينية، ونقطة الابتداء ليست مسألة الفلاحين، بل مسألة دكتاتورية البروليتاريا، وشروط الظفر بها، وشروط توطيدها. أما مسألة الفلاحين، من حيث هي مسألة حليف البروليتاريا في نضالها في سبيل الحكم، فأنها مسألة مشتقة.
بيد أن ذلك لا يزيل شيئاً مما لها من أهمية جدية، حيوية، لا يمكن نكرانها، بالنسبة للثورة البروليتارية. ومن المعلوم أن الدراسة الجدية لمسألة الفلاحين بدأت، بين الماركسيين الروس، على أعتاب الثورة الأولى (1905) تماماً، حين كانت مسألة خلع القيصرية وتحقيق سيادة البروليتاريا أمام الحزب، بكل اتساعها، وحين أصبحت قضية حليف البروليتاريا في الثورة البرجوازية الوشيكة، قضية الساعة. ومن المعلوم كذلك، أن مسألة الفلاحين في روسيا أصبحت قضية الساعة بصورة أقوى أيضاً، في وقت الثورة البروليتارية، حينما أدت مسألة دكتاتورية البروليتاريا، مسألة الظفر بها والمحافظة عليها، إلى وضع مسألة حلفاء البروليتاريا في الثورة البروليتارية الوشيكة. وهذا مفهوم: فكل من يسير إلى الحكم ويستعد له، عليه أن يهتم حتماً بمعرفة من هم حلفاؤه الحقيقيون.
بهذا المعنى، تكون مسألة الفلاحين جزءاً من المسألة العامة لدكتاتورية البروليتاريا، هي، بهذه الصفة، تمثل مسألة من المسائل الحيوية الكبرى في اللينينية.
إن موقف اللامبالاة، بل الموقف السلبي الصريح الذي تقفه أحزاب الأممية الثانية من مسألة الفلاحين، لا يمكن تفسيره بأنه ناشئ فقط عن ظروف التطور الخاصة في الغرب. بل هو يفسر، قبل كل شيء، بإن تلك الأحزاب لا تؤمن بدكتاتورية البروليتاريا، وأنها تخشى الثورة، ولا يخطر في بالها أن تقود البروليتاريا إلى الحكم. ومن يخشى الثورة، ولا يريد أن يقود البروليتاريين إلى الحكم، لا يمكن أن يهتم بمسألة حلفاء البروليتاريا في الثورة - فمسألة الحلفاء هي، في نظره، مسألة ليست بذات بال، ولا هي موضوعة على بساط البحث بشكل ملّح. وموقف التهكم الذي يقفه أبطال الأممية الثانية من مسألة الفلاحين يعتبر لديهم، دليلاً على تهذيب رفيع ، وعلامة من علائم الماركسية الحقة . أما في الحقيقة، فليس في هذا الموقف ذرة من الماركسية، لأن عدم المبالاة بمسألة هامة كمسألة الفلاحين، وذلك على أعتاب الثورة البروليتارية، هو الوجه الآخر لإنكار دكتاتورية البروليتاريا، وعلامة أكيدة لخيانة الماركسية خيانة مباشرة.
إن المسألة موضوعة كما يلي: هل الإمكانيات الثورية الكامنة لدى جماهير الفلاحين، بفعل ظروف وجودهم الخاصة، قد استنزفت أم لا، وإذا كانت لم تستنزف، فهل من أمل، هل من أساس للاستفادة من هذه الإمكانيات في سبيل الثورة البروليتارية، ولتحويل جماهير الفلاحين، أي تحويل أكثريتهم المستثمَرة، من احتياطي للبرجوازية كما كانوا في الثورات البرجوازية في الغرب، وكما لا يزالون في الوقت الحاضر، - إلى احتياطي، إلى حليف للبروليتاريا؟
إن اللينينية تجيب على هذا السؤال بالإيجاب، أي أنها تعترف بوجود كفاءات ثورية في صفوف أكثرية الفلاحين، وبإمكان الاستفادة من هذه الكفاءات لمصلحة دكتاتورية البروليتاريا. ويؤكد تاريخ الثورات الروسية الثلاث، تأكيداً تاماً، استنتاجات اللينينية في هذا الموضوع.
ومن هنا ذاك الاستنتاج العملي عن ضرورة تأييد جماهير الفلاحين الكادحين، في نضالهم ضد الاستعباد والاستثمار، في نضالهم من أجل تحررهم من الاضطهاد والبؤس. ولا يعني ذلك، طبعاً، أنه ينبغي على البروليتاريا أن تؤيد كل حركة فلاحين. فالمقصود هنا هو تأييد حركة الفلاحين ونضال الفلاحين اللذين يسهلان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حركة تحرير البروليتاريا، ويحملان الماء إلى طاحونة الثورة البروليتارية، بهذا الشكل أو بذاك، ويساهمان في جعل الفلاحين احتياطياً وحليفاً للطبقة العاملة.

ب – الفلاحون أثناء الثورة الديمقراطية البرجوازية
تشمل هذه المرحلة فترة الزمن الممتدة منذ الثورة الروسية الأولى (1905) إلى الثورة الثانية (شباط 1917)، بما في ذلك هذه الثورة الثانية نفسها. والميزة التي تتصف بها هذه المرحلة، هي أن الفلاحين يتحررون من نفوذ البرجوازية الليبرالية، وينفصلون عن الكاديت (22) ويتجهون نحو البروليتاريا، نحو الحزب البلشفي. فتاريخ هذه المرحلة هو تاريخ النضال بين الكاديت (البرجوازية الليبرالية) وبين البلاشفة (البروليتاريين) لأجل كسب الفلاحين. وقد قررت مرحلة الدوما مصير هذا النضال، لأن مرحلة مجالس الدوما الأربعة كانت، للفلاحين، درساً عملياً بيَّن لهم بجلاء كلي أنهم لن يستلموا، من أيدي الكاديت، لا الأرض ولا الحرية، وأن القيصر هو بكليته إلى جانب كبار ملاكي الأراضي، وأن الكاديت يؤيدون القيصر، وأن القوة الوحيدة التي يمكنهم الاعتماد عليها هي عمال المدن، هي البروليتاريا. ولم تكن الحرب الاستعمارية إلا مصداقاً لدروس مرحلة الدوما، فأنجزت فصل الفلاحين عن البرجوازية وأتمت عزل البرجوازية الليبرالية، لأن سنوات الحرب بينت كم كان أمل الحصول على السلم من القيصر وحلفائه البرجوازيين، أملاً فارغاً ووهمياً. ولولا الدروس العملية لمرحلة الدوما، لكانت سيادة البروليتاريا ضرباً من المستحيل.
هكذا جرى تحالف العمال والفلاحين في الثورة الديمقراطية البرجوازية، وهكذا تحققت سيادة (قيادة) البروليتاريا في النضال المشترك لخلع القيصرية، هذه السيادة التي أدت إلى ثورة شباط 1917.
إن الثورات البرجوازية في الغرب (انكلترا، فرنسا، ألمانيا، النمسا) سلكت/ كما هو معلوم، طريقاً آخر. فهناك، لم تكن السيادة، في الثورة، للبروليتاريا التي لم تكن تمثل ولم يكن من الممكن أن تمثل، نظراً لضعفها، قوة سياسية مستقلة – بل كانت السيادة لبرجوازية الليبرالية. هناك، لم يتم إنقاذ الفلاحين من النظام الإقطاعي على يد البروليتاريا التي كانت قليلة العدد وغير منظمة، بل تمّ على يد البرجوازية. هناك مشى الفلاحون ضد النظام القديم مع البرجوازية الليبرالية. هناك كان الفلاحون احتياطياً للبرجوازية. هناك، بالتالي، أدت الثورة إلى تقوية وزن البرجوازية السياسي تقوية عظيمة.
أما في روسيا، فعلى العكس من ذلك، أعطت الثورة البرجوازية نتائج معاكسة على خط مستقيم. فالثورة في روسيا لم تقو البرجوازية، بل أضعفتها من حيث هي قوة سياسية، ولم تزد قواها الاحتياطية السياسية، بل أفقدتها احتياطها الأساسي، أفقدتها الفلاحين. أن الثورة البرجوازية في روسيا لم تضع البرجوازية الليبرالية في الصف الأول، بل وضعت في الصف الأول البروليتاريا الثورية، وجمعت حولها جماهير الفلاحين الغفيرة.
وهذا من جملة ما يفسر كون الثورة البرجوازية في روسيا تحولت، خلال فترة من الزمن قصيرة نسبياً، إلى ثورة بروليتارية، وكانت سيادة البروليتاريا هي بذرة دكتاتورية البروليتاريا، كانت هي السلّم الذي سمح بالانتقال دكتاتورية البروليتاريا.
فكيف نفسر هذه الظاهرة الفريدة في الثورة الروسية، هذه الظاهرة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الثورات البرجوازية في الغرب؟ وإلى ماذا تعود هذه الظاهرة الفريدة؟
إن هذه الظاهرة الفريدة تُفسر بكون الثورة البرجوازية قد جرت، في روسيا، في وقت كانت ظروف النضال الطبقي فيها أكثر تطوراً مما كانت في الغرب، وكانت البروليتاريا الروسية قد وجدت، ذلك العهد، متسعاً من الوقت لكي تتكون في قوة سياسية مستقلة، بينما البرجوازية الليبرالية التي أرعبتها الروح الثورية لدى البروليتاريا كانت قد فقدت كل مظهر للروح الثورية (ولاسيما بعد دروس 1905) واتجهت إلى التحالف مع القيصر وكبار ملاكي الأراضي، ضد الثورة، ضد العمال والفلاحين.
ويجدر بنا أن نأخذ، بعين الاعتبار، الظروف التالية التي أدت إلى هذه الظاهرة الفريدة في الثورة البرجوازية الروسية، وهي:
أ) تمركز الصناعة الروسية، على أعتاب الثورة، تمركزاً لم يسبق له مثيل. فمن المعلوم، مثلاً، أن 54 بالمئة من جميع العمال في روسيا كانوا يشتغلون في مشروعات تشمل أكثر من 500 عامل، في حين أن بلداً متطوراً كالولايات المتحدة لم يكن فيه سوى 33 بالمئة من العمال الذين يشتغلون في مثل تلك المشروعات. وقد لا تكون ثمة حاجة إلى التدليل على أن هذا الأمر وحده، إلى جانب وجود حزب ثوري كالحزب البلشفي، كان يجعل من الطبقة العاملة في روسيا أعظم قوة في حياة البلاد السياسية.
ب) أشكال الاستثمار البغيضة في المعامل، التي كان يضاف إليها النظام البوليسي الفظيع الذي كان يطبقه زبانية القيصر، - فهذه الحالة كانت تجعل من كل إضراب جدي للعمال عملاً سياسياً عظيم الأهمية، وتقوي مراس الطبقة العاملة، وهي القوة الثورية إلى النهاية.
ج) الانحلال السياسي لدى البرجوازية الروسية، هذا الانحلال الذي أصبح، بعد ثورة 1905، خنوعاً للقيصرية، وموقفاً معادياً للثورة بكل صراحة. ولا يمكن تفسير هذا الموقف المعادي للثورة فقط بكون الروح الثورية لدى البروليتاريا الروسية قد رمت البرجوازية الروسية في أحضان القيصرية، بل يفسر ذلك أيضاً بما كانت عليه هذه البرجوازية من حالة التبعية المباشرة حيال الدولة التي كانت تعهد إليها بتقديم ما يلزم لتجهيز وتموين قواتها.
د) أبشع بقايا النظام الإقطاعي في الريف، وأشدها ظلماً، يضاف إليها تسلط ملاك الأرض الكبير، تسلطاً مطلقاً، وهي حالة نجم عنها إلقاء الفلاحين في أحضان الثورة.
ه) القيصرية التي كانت تضغط وتضيق على كل ما هو حي، والتي كانت، بحكمها الكيفي الاستبدادي، تزيد نير الرأسمالي وملاك الأرض الكبير، ثقلاً على ثقله، وهي حالة نجم عنها اندماج نضال العمال بنضال الفلاحين وجمعها في تيار ثوري واحد جارف.
و) الحرب الاستعمارية التي صهرت جميع تناقضات الحياة السياسية الروسية هذه، في أزمة ثورية عميقة، وأعطت الثورة قدرة هجومية لا تصدق.
فماذا بقي على الفلاحين أن يفعلوا في مثل هذه الأحوال؟ وأين يبحثون عن سند لهم ضد تسلط ملاك الأراضي الكبير، وضد استبداد القيصر، وضد الحرب المشؤومة التي جرّت عليهم الخراب؟ أعند البرجوازية الليبرالية؟ ولكن البرجوازية الليبرالية كانت عدوتهم، وقد أثبتت ذلك تجربة طويلة، هي تجربة مجالس الدوما الأربعة. أعند الاشتراكيين الثوريين؟ صحيح أن الاشتراكيين الثوريين هم أفضل من الكاديت، وبرنامج الاشتراكيين الثوريين يمكن أن يمشي فهو تقريباً برنامج فلاحي، ولكن ماذا يستطيع أن يعطيه الاشتراكيون الثوريون إذا كانوا ينوون الاستناد إلى الفلاحين وحدهم، وإذا كانوا ضعفاء في المدينة حيث يستمد الخصم قوته بصورة رئيسية؟ أين هي تلك القوة الجديدة التي لن تتراجع أمام أي شيء، لا في الريف ولا في المدينة، والتي ستسير بشجاعة في الصف الأمامي للنضال ضد القيصر وضد ملاك الأراضي الكبير، والتي ستساعد الفلاحين على التحرر من الاستعباد، وعلى أخذ الأرض، والخلاص من الظلم ومن الحرب؟ وهل كان لمثل هذه القوة وجود في روسيا؟ نعم، كان في روسيا مثل هذه القوة، وهي البروليتاريا الروسية التي كانت قد أظهرت، في عام 1905، قوتها وكفاءتها على النضال إلى النهاية، وشجاعتها، وروحها الثورية.
وعلى كل حال، لم تكن هناك قوة أخرى، ولم يكن ثمة مكان للبحث فيه عن قوة أخرى.
هذا هو السبب في أن الفلاحين، بعدما غادروا شاطئ الكاديت واقتربوا من شاطئ الاشتراكيين الثوريين، توصلوا من ذلك، في الوقت نفسه، إلى ضرورة الانصياع لقيادة زعيم للثورة شجاع مقدام مثل البروليتاريا الروسية.
تلك هي العوامل التي كونت الظاهرة الفريدة التي اتصفت بها الثورة البرجوازية الروسية.

ج – الفلاحون أثناء الثورة البروليتارية
إن هذه المرحلة تشمل الفترة الممتدة من ثورة شباط (1917) إلى ثورة أكتوبر (1917). وهي مرحلة قصيرة نسبياً، لا تتجاوز ثمانية أشهر. ولكن هذه الأشهر الثمانية يمكن، بكل تأكيد، أن تعادل، من حيث تكوين الجماهير السياسي وتثقيفها الثوري، عشرات السنين من التطور في نظام دستوري عادي، ذلك لأن هذه الأشهر الثمانية كانت أشهر ثورة. أن الميزة التي تتصف بها هذه المرحلة هي تعاظم تشرّب الفلاحين بروح الثورية، وخيبة أملهم بالاشتراكيين الثوريين، وتخلّي الفلاحين عن هؤلاء وحدوث انعطاف جديد عند الفلاحين نحو الالتفاف المباشر حول البروليتاريا، من حيث هي القوة الوحيدة الثورية إلى النهاية، والقادرة على إيصال البلاد إلى السلم. إن تاريخ هذه المرحلة هو تاريخ النضال بين الاشتراكيين الثوريين (الديمقراطية البرجوازية الصغيرة) وبين البلاشفة (الديمقراطية البروليتارية) في سبيل كسب الفلاحين، في سبيل الظفر بأكثرية الفلاحين. إن مرحلة الائتلاف، ومرحلة كيرنسكي، ورفض الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك مصادرة أراضي كبار الملاكين العقاريين، ونضال الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك في سبيل متابعة الحرب، وهجوم حزيران على الجبهة، وعقوبة الموت للجنود، عصيان كورنيلوف، كل ذلك قرر مصير هذا النضال.
وإذا كانت مسألة القضاء على القيصر وعلى الحكم كبار ملاكي الأراضي، هي المسألة الأساسية للثورة في المرحلة السابقة، فالآن، في مرحلة ما بعد ثورة شباط، حين زال القيصر، وحين كانت الحرب التي استطالت، تمعن في ضعضعة اقتصاد البلاد، بعدما أنزلت الخراب التام بالفلاحين، - الآن أصبحت تصفية الحرب هي المسألة الأساسية للثورة. وأنتقل مركز الثقل، بصورة ظاهرة، من المسائل ذات الطابع الداخلي البحت، نحو المسألة الأساسية، وهي مسألة الحرب. إنهاء الحرب ، الخلاص من الحرب ، تلك كانت الصيحة العامة المنطلقة من البلاد المرهقة، وصيحة الفلاحين قبل غيرهم.
ولكن، لأجل التخلص من الحرب، كان من الضروري خلع الحكومة المؤقتة، كان من الضروري القضاء على حكم البرجوازية، القضاء، على حكم الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك، لأنهم هم وحدهم كانوا ينوون أن يطيلوا أمد الحرب، حتى النصر النهائي . فللخروج من الحرب، لم يكن هناك، عملياً، سوى وسيلة واحدة هي: القضاء على البرجوازية.
فكانت ثورة جديدة، ثورة بروليتارية، لأنها أطاحت عن كراسي الحكم، بآخر كتلة من البرجوازية الاستعمارية، هي كتلة اليسار الأقصى، أي حزب الاشتراكيين الثوريين وحزب المنشفيك، لكي تخلق حكماً جديداً، حكماً بروليتارياً، هو حكم السوفيات، ولكي تحمل إلى الحكم حزب البروليتاريا الثورية، الحزب البلشفي، حزب النضال الثوري ضد الحرب الاستعمارية، وفي سبيل سلم ديمقراطي. وقد أيدت أكثرية الفلاحين نضال العمال في سبيل السلم، وفي سبيل حكم السوفيات.
لم يكن أمام الفلاحين مخرج آخر. ولم يكن من الممكن أن يكون هناك مخرج آخر.
وهكذا كانت مرحلة كيرنسكي درساً عظيماً للجماهير الكادحة من الفلاحين، لأنها بينت، بوضوح، أن الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك ما داموا في الحكم فلن تتخلص البلاد من الحرب، ولن ينال الفلاحون لا أرضاً ولا حرية، وأن المنشفيك والاشتراكيين الثوريين لا يختلفون عن الكاديت إلا بخطبهم المعسولة ووعودهم الخداعة، وأنهم كانوا، في الواقع، يتابعون ذات السياسة الاستعمارية، أي نفس سياسة الكاديت، وأن الحكم الوحيد القادر على انتشال البلاد من المأزق الذي كانت تتخبط فيه، لا يمكن أن يكون سوى حكم السوفيات. ولم تكن الحرب التي استطالت لتؤدي إلا إلى توكيد صحة هذا الدرس، ولهذا كانت كالمهماز يستحث الثورة، وكانت تدفع الجماهير الغفيرة من الفلاحين والجنود، إلى الاحتشاد مباشرة حول الثورة البروليتارية. وهكذا أصبح انعزال الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك أمراً لا جدال فيه. ولولا الدروس العملية لمرحلة الائتلاف، لكانت دكتاتورية البروليتاريا ضرباً من المستحيل.
تلك هي العوامل التي سهلت عملية تحول الثورة البرجوازية إلى ثورة بروليتارية.
هكذا تمت دكتاتورية البروليتاريا في روسيا.

د – الفلاحون بعد توطيد حكم السوفيات
إذا كان الأمر الرئيسي، من قبل، أي في المرحلة الأولى من الثورة، هو القضاء على القيصرية، وبعد ذلك، أي بعد ثورة شباط، الخروج، قبل كل شيء، من الحرب الاستعمارية، بخلع البرجوازية، - فالآن، بعد تصفية الحرب الأهلية، وبعد توطيد حكم السوفيات، انتقلت مشاكل البناء الاقتصادي إلى المكان الأول تقوية الصناعة المؤممة وتطويرها، ومن أجل ذلك، ربط الصناعة بالاقتصاد الفلاحي بواسطة التجارة المنظمة من قبل الدولة؛ الاستعاضة عن اخذ الفائض من الغلال الغذائية بالضريبة العينية، للوصول، فيما بعد، عن طريق التخفيض التدريجي لهذه الضريبة، إلى مبادلة السلع المصنوعة بمنتجات الاقتصاد الفلاحي؛ تنشيط التجارة وتطوير التعاون(23) بحمل ملايين الفلاحين على الاشتراك فيه: تلك هي مهمات البناء الاقتصادي المباشر، التي رسمها لينين لبناء أسس الاقتصاد الاشتراكي.
يقال أن هذه المهمة يمكن أن تبدو فوق طاقة بلد فلاحي كروسيا. ويذهب بعض المشككين إلى حد القول بأنها مهمة خيالية تماماً، وغير قابلة التحقيق، فالفلاحون هم الفلاحون، - وهم مؤلفون من منتجين صغار، ولهذا السبب، لا يستطاع استخدامهم لتنظيم أسس الإنتاج الاشتراكي.
ولكن المشككين مخطئون، لأنهم لا يأخذون بعين الاعتبار بعض العوامل ذات الأهمية الفاصلة، في هذا الصدد. ولنلق نظرة لنرى ما هي الرئيسية من هذه العوامل:
أولاً، ينبغي أن لا يكون هناك التباس بين فلاحي الاتحاد السوفياتي وفلاحي الغرب. فالفلاحون الذين تعلموا في مدرسة ثورات ثلاث، وناضلوا إلى جانب البروليتاريا وتحت قيادة البروليتاريا ضد القيصرية وضد حكم البرجوازية والفلاحون الذين تسلموا الأرض والسلم من يدي الثورة البروليتارية وأصبحوا بذلك، احتياطياً للبروليتاريا، هؤلاء الفلاحون يختلفون حتماً عن أؤلئك الذين ناضلوا أبان الثورة البرجوازية، تحت قيادة البرجوازية الليبرالية، وتسلموا الأرض من يدي هذه البرجوازية وأصبحوا، من جراء ذلك، احتياطياً للبرجوازية. فلا حاجة إذن إلى البرهان على أن الفلاحين السوفياتيين الذين تعودوا أن يقدروا الصداقة السياسية والتعاون السياسي مع البروليتاريا، وهم مدينون بحريتهم إلى هذه الصداقة وهذا التعاون، لا يمكن إلا أن يقدموا تربة ملائمة، لا مثيل لها للتعاون الاقتصادي مع البروليتاريا.
كان أنجلس يقول أن استيلاء الحزب الاشتراكي على السلطة السياسية، بات مسألة مستقبل قريب . وأنه من أجل الاستيلاء عليها، يجب أن يبدأ الحزب بالذهاب من المدينة إلى القرية،



وأن يصبح قوة في الأرياف (انجلس: من كتابه قضية الفلاحين ). لقد كتب أنجلس هذه الأسطر، في أواخر القرن الماضي، عند كلامه عن فلاحي الغرب. فهل من الضروري أن نبرهن على أن الشيوعيين الروس الذين قاموا، خلال ثلاث ثورات، بعمل عظيم في هذا الباب، قد نجحوا في إحراز نفوذ وتأييد في الأرياف، لا يجرؤ رفاقنا في الغرب حتى على التفكير بهما؟ وكيف يمكن أن ينكر احد أن هذا العامل لا يمكن إلا أن يسهل تسهيلاً أساسياً تنظيم التعاون الاقتصادي بين الطبقة العاملة والفلاحين في روسيا؟
إن المشككين، في كلامهم عن الفلاحين الصغار، لا يفتأون يعيدون ويرددون أن هؤلاء يمثلون عاملاً لا يأتلف مع عملية البناء الاشتراكي. ولكن إليكم ما يقوله أنجلس عن الفلاحين الصغار في الغرب:
نحن، بلا تردد، إلى جانب الفلاح الصغير. وسنعمل كل ما بوسعنا لنجعل الحياة أخف عبئاً عليه، ولنسهل له الانتقال إلى الجمعية التعاونية، إذا هو قرر ذلك. ولكن إذا لم يكن بعد في حالة تمكنه من اتخاذ مثل هذا القرار، فسوف نبذل جهدنا لكي نترك له أقصى ما يمكن من الوقت، لكي يفكر ملياً بالأمر وهو على قطعة أرضه. وسنتصرف هذا التصرف ليس فقط لأننا نعتبر أن من الممكن انتقال الفلاح الصغير، العامل لحساب نفسه، إلى جانبنا، بل لأن في ذلك أيضاً مصلحة الحزب المباشرة. فكلما كان كبيراً عدد الفلاحين الذين لا ندعهم ينزلون إلى مستوى البروليتاريين، والذين نكسبهم إلى جانبنا وهم لا يزالون فلاحين، كان التحول الاجتماعي أسرع وأسهل. وللقيام بهذا التحول، ليس من حاجة بنا إلى انتظار الوقت الذي يكون فيه الإنتاج الرأسمالي قد تطور في كل مكان إلى أقصى نتائجه، وحين يكون آخر حرفي صغير وآخر فلاح صغير قد سقطا ضحيتين للإنتاج الرأسمالي الكبير. أن التضحيات المادية التي ستقضي الأحوال ببذلها من الأموال العامة في سبيل مصلحة الفلاحين قد تبدو، من وجهة نظر الاقتصاد الرأسمالي، كتبذير للمال، مع أن ذلك من أفضل وجوه استخدام الرأسمال. لأن ذلك سيوفر مبالغ قد تكون أعلى بعسرة أضعاف، لأجل النفقات الضرورية لتحويل المجتمع بمجموعة. فيمكننا إذن، من هذه الناحية، أن نكون أسخياء جداً مع الفلاحين (نفس المصدر السابق).
هذا ما كان يقوله أنجلس في كلامه عن الفلاحين في الغرب. ولكن أليس من الواضح أن ما قاله أنجلس لا يمكن تحقيقه في أي مكان، بصورة أسهل وأكمل في بلاد دكتاتورية البروليتاريا؟ أليس من الواضح أنه، في روسيا السوفياتية فقط، يمكن أن يتحقق، منذ الآن، وبصورة تامة كاملة، انتقال الفلاح الصغير العامل لحساب نقسه، إلى جانبنا ، وأن تتحقق كذلك التضحيات المادية التي لا بد منها، وأن يتحقق السخاء مع الفلاحين الضروري لهذه الغاية؛ أليس من الواضح أن هذه التدابير وغيرها من التدابير الأخرى المماثلة لصالح الفلاحين، هي الآن مطبقة في روسيا؟ فكيف يمكن أن ينكر أحد أن هذه الحالة يجب أن تسهل، بدورها، بناء اقتصاد بلاد السوفيات، وأن تدفع هذا البناء إلى أمام؟
ثانيا: لا ينبغي وقوع الالتباس بين اقتصاد روسيا الزراعي وبين الاقتصاد الزراعي في الغرب. فهو هناك يتطور متبعاً طريق الرأسمالية العادي، حيث يحدث التباين العميق بين الفلاحين، فنشاهد الأملاك الكبيرة والمزارع الرأسمالية الخاصة في قطب، والفاقة والبؤس والعبودية بالأجرة في القطب الآخر. أن التفكك والانحلال هما، في النتيجة، من الظاهرات الطبيعية جداً هناك. وليس الأمر كذلك في روسيا. فتطور الاقتصاد الزراعي، عندنا، لا يمكن أن يتبع هذا الطريق، لا لسبب إلا لأن وجود حكم السوفيات وتأميم أدوات الإنتاج ووسائله الرئيسية، لا يسمحان بهذا التطور. ففي روسيا، ينبغي أن يتبع تطور الاقتصاد الزراعي طريقاً آخر، هو طريق التعاون الذي يشمل ملايين الفلاحين الصغار والمتوسطين، طريق تطور التعاون الجماهيري في الأرياف، الذي تدعمه الدولة بمنحه تسهيلات في الاعتمادات والقروض. أن لينين أشار، بحق، في المقالات التي كتبها عن التعاون، إلى أن تطور الاقتصاد الزراعي عندنا يجب أن يتبع طريقاً جديداً، هو طريق الذي يسمح باجتذاب أكثرية الفلاحين، بواسطة التعاون، إلى أعمال البناء الاشتراكي، طريق تغلغل المبادئ الجماعية تدريجياً في الاقتصاد الزراعي، وذلك في ميدان التصريف في بداية الأمر، ثم في ميدان إنتاج المنتجات الزراعية.
ومن هذه الناحية، يسمح لنا تأثير التعاون الزراعي بأن نسجل، في الأرياف، أموراً جديدة ذات أهمية عظيمة جداً. فمن المعلوم أنه قد تشكلت، في داخل اتحاد التعاونيات الزراعية، منظمات جديدة كبرى في كل فرع من فروع الزراعة: الكتان، البطاطا، الزيت، الخ... وهي منظمات ذات مستقبل عظيم. فأن تعاونية الكتان المركزية تشمل، مثلاً، شبكة كاملة من جمعيات الفلاحين منتجي الكتان. وهي تجهز الفلاحين بالبذار وبأدوات الإنتاج، ثم تشتري منهم كل إنتاجهم من الكتان، وتصرفه بالجملة في السوق، وتؤمن للفلاحين الاشتراك بالأرباح، وهكذا تربط بين الاقتصاد الفلاحي وبين صناعة الدولة، بواسطة اتحاد التعاونيات الزراعية. فكيف ندعو هذا الشكل من تنظيم الإنتاج؟ في رأيي أن هذا هو نظام العمل المنزلي للإنتاج الاشتراكي الكبير التابع للدولة، في ميدان الزراعة. وأنني أتكلم هنا عن نظام العمل المنزلي في الإنتاج الاشتراكي الكبير، التابع للدولة، من قبيل التشبيه بنظام العمل المنزلي، تحت ظل الرأسمالية، في النسيج مثلاً، حيث نرى أن الحرفيين الذين يتلقون المواد الأولية والأدوات من الرأسمالي ويسلمونه كل إنتاجهم كانوا، في الواقع، عمالاً نصف اجراء، يشتغلون في منازلهم. إن هذه هي أحدى العلائم الكثيرة التي تدل على الطريق الذي يجب أن يتبعه، عندنا، تطور الاقتصاد الزراعي. هذا، دون الكلام عن العلائم الأخرى، من النوع ذاته، في الفروع الأخرى من الزراعة.
ونكاد لا نحتاج إلى التدليل على أن أكثرية الفلاحين العظمى ستسير، بملء اختيارها، في هذا الطريق الجديد للتطور، نابذة طريق المزارع الرأسمالية الخاصة، وطريق العبودية بالأجرة، طريق البؤس والخراب واليكم ما يقوله لينين عن طريق تطور اقتصادنا الزراعي:
سلطة الدولة على جميع وسائل الإنتاج، الرئيسية، وسلطة الدولة في أيدي البروليتاريا، وتحالف هذه البروليتاريا مع الملايين والملايين من صغار الفلاحين ومع الفلاحين الصغار جداً، وتأمين قيادة الفلاحين من قبل البروليتاريا، الخ أليس ذلك كل ما ينبغي لكي نستطيع، بواسطة التعاون، وبواسطة التعاون وحده، الذي كنا ندعوه سابقاً شيئاً تجاريا،ً والذي لا يزال يحق لنا، من بعض الوجوه، أن ندعوه كذلك اليوم أيضاً، في عهد ال نيب(24) ، - أليس ذلك كل ما هو ضروري لبناء المجتمع الاشتراكي الكامل؟ أن ذلك ليس بعد هو بناء المجتمع الاشتراكي، ولكنه كل ما هو ضروري وكاف لبنائه . ( حول التعاون ، المؤلفات الكاملة، المجلد السادس والعشرون، الصفحة 392. الطبعة الروسية).
ويتابع لينين، بعد ذلك، كلامه عن ضرورة تقديم مساعدة، مالية وغير مالية، إلى التعاون الذي هو مبدأ جديد لتنظيم السكان و نظام اجتماعي جديد في ظل دكتاتورية البروليتاريا، فيقول:
لا يظهر أي نظام اجتماعي للوجود إلا بتأييد مالي من طبقة معينة. ولا حاجة على التذكير بما كلفته ولادة الرأسمالية الحرة من مئات ومئات الملايين من الروبلات. فينبغي لنا اليوم أن نفهم ونضع موضع التطبيق هذه الحقيقة، وهي أن النظام الاجتماعي الذي يجب علينا أن ندعمه في الوقت الحاضر، أكثر من المعتاد، هو النظام التعاوني، ولكن يجب أن ندعمه بمعنى الكلمة الحقيقي، وذلك يعني أنه لا يكفي أن نفهم هذا التأييد، كتأييد لكل منهج تعاوني، بل يجب أن نفهم هذا التأييد على انه تأييد لمنهج تعاوني تشترك فيه اشتراكاً حقيقياً جماهير السكان الحقيقية . (المصدر نفسه، الصفحة 393).
فعلى ماذا تدل كل هذه الوقائع؟
انها تدل على أن المشككين مخطئون.
وأن اللينينية على حق في اعتبارها جماهير الفلاحين الشغيلة كاحتياطي للبروليتاريا.
وأن البروليتاريا في الحكم يمكنها ويجب عليها الاستفادة من هذا الاحتياطي لكي تلحم الصناعة بالزراعة، ولكي تدفع عمل البناء الاشتراكي دفعة قوية إلى الأمام، وتضمن لدكتاتورية البروليتاريا الأساس الذي لا غنى عنه، والذي بدونه يستحيل الانتقال إلى الاقتصاد الاشتراكي.


(22) الكاديت : اختصار لكلمة دستوري ديمقراطي بالروسية، وهو حزب البرجوازية الليبرالية (أي الحرة ) الملكية. الذي كان يسمى نفسه أيضاً، حزب حرية الشعب . وقد أسس حزب الكاديت في تشرين الأول 1905 - هيئة التعريب.
(23) تعاون Coopération.
(24) نيب NEP، كلمة مؤلفة من الحروف الأولى، باللغة الروسية، للكلمات التي تؤلف العبارة التالية: السياسة الاقتصادية الجديدة - هيئة التعريب.



المسألة الوطنية

سآخذ من هذا الموضوع مسألتين رئيسيتين.


أ) وضع المسألة
ب) الحركة التحررية للشعوب المضطهدة والثورة البروليتارية.


أ – وضع المسألة
منيت المسألة الوطنية، في غضون السنوات العشرين الأخيرة، بسلسلة من التغيرات البالغة الأهمية. فالمسألة الوطنية في عهد الأممية الثانية، والمسألة الوطنية في عهد اللينينية ليستا أبداً الشيء نفسه، ليستا أبداً شيئاً واحداً، بل هما تختلفان أحداهما عن الأخرى اختلافاً عميقاً، لا من حيث مداهما وحسب، بل من حيث طبيعتها الداخلية أيضاً.
كانت المسألة الوطنية قديماً محصورة، عادة، في دائرة ضيقة من القضايا المتعلقة، في الدرجة الأولى، بالقوميات "المتمدنة".
الأرلنديون والمجريون والبولونيون والفلنديون والصرب وبعض قوميات أوروبا الأخرى: تلك هي الفئة من الشعوب غير المتمتعة بكامل حقوقها، التي كان أبطال الأممية الثانية يهتمون بمصيرها. أما عشرات ومئات الملايين من أبناء الشعوب الأسيوية والأفريقية الذين كانوا يعانون الاضطهاد الوطني بأفظع أشكاله وأشدها شراسة، فكانوا يظلون عادة خارج دائرة النظر. فلم يكن بالمستطاع الأقدام على وضع البيض والسود "المتمدنين" و "غير المتمدنين" على صعيد واحد. قراران أو ثلاثة قرارات فارغة، حامضة حلوة، مسألة تحرير المستعمرات فيها مطموسة بمنتهى العناية، ذلك كل ما كان في استطاعة رجال الأممية الثانية أن يتبجحوا به، أما اليوم، فيجب أن نعتبر هذا الازدواج وهذا الغموض في المسألة الوطنية، قد قضي عليهما ولم يبق لهما أثر. فقد كشفت اللينينية القناع عن هذا التفاوت الصارخ وهدمت الجدار الذي كان قائماً بين البيض والسود، بين الأوروبيين والأسيويين، بيم أرقاء الاستعمار "المتمدنين" وبين أرقائه "غير المتمدنين"، وبهذه الصورة، ربطت المسألة الوطنية بمسألة المستعمرات. وهكذا، تحولت المسألة الوطنية من مسألة خاصة، مسألة داخلية في الدولة، إلى مسألة عامة ودولية، إلى مسألة عالمية هي مسألة تحرير الشعوب المضطهدة في البلدان التابعة وفي المستعمرات، من نير الاستعمار.
قديماً كان مبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها يُفسر، عادة تفسيراً خاطئاً، وكثيراً ما كان يقتصر على حق الأمم في الحكم الذاتي(25) . بل لقد بلغ الأمر ببعض زعماء الأممية الثانية أن يجعلوا حق تقرير المصير مقتصراً على الحق في الحكم الذاتي الثقافي، أي على حق الأمم المضطهدة بأن تكون لها مؤسساتها الثقافية، مع أبقاء السلطة المطلقة بأيدي الأمة المسيطرة. ونتيجة لذلك أصبحت فكرة حرية تقرير المصير معرضة لخطر التحول من سلاح للنضال ضد الإلتحاق(26) إلى أداة لتبرير الإلحاق. أما الآن فيجب أن نعتبر أن هذا الالتباس قد تبدد. فإن اللينينية قد وسعت مفهوم حرية تقرير المصير بأن فسرتها على أنها حق الشعوب المضطهدة في الأقطار التابعة والمستعمرات في الانفصال التام، وفي أن تعيش كدول مستقلة. وبهذا، لم يبق مجال لتبرير الإلحاق، بتفسير حق تقرير المصير على انه حق الشعوب في الحكم الذاتي. أما مبدأ حرية تقرير المصير نفسه، فقد تحول، على هذه الصورة، من أداة لخداع الجماهير، كما كان، بلا مراء، في أيدي الاشتراكيين الشوفينيين(27) خلال الحرب الاستعمارية، إلى أداة لكشف القناع عن المطامع الاستعمارية والمناورات الشوفينية من كل لون ونوع، وأداة لتثقيف الجماهير السياسي بروح الأممية.
قديماً، كان ينظر عادة إلى مسألة الأمم المضطهدة، على أنها مسألة حقوقية محضة. فاعلان "المساوات القومية" بصورة طنانة، ونثر التصريحات، بلا حساب، عن "تساوي الأمم"، ذلك ما كانت تتلى به أحزاب الأممية الثانية التي كانت تطمس الواقع التالي، وهو أن الكلام عن تساوي الأمم" في ظل الاستعمار، حيث يعيش فريق من الأمم (هو الأقلية) على حساب الفريق الآخر من الأمم التي يستثمرها، معناه الهزء بالشعوب المضطهدة. أما الآن، فيجب أن نعتبر أن هذه النظرة الحقوقية البرجوازية إلى المسألة الوطنية، قد فضحت. فإن اللينينية أنزلت المسألة الوطنية من علياء التصريحات الطنانة التي كانت تموج في أجوائها وأعادتها إلى الأرض، إذ بينت أن التصريحات عن "تساوي الأمم"، إذا لم يدعمها تأييد الأحزاب البروليتارية تأييداً مباشراً لنضال الشعوب المضطهدة التحرري، ليست سوى تصريحات فارغة ومزيفة. وهكذا أصبحت مسألة الأمم المضطهدة، هي مسألة التأييد، مسألة العون الفعلي المستمر الواجب تقديمه للأمم المضطهدة في نضالها ضد الاستعمار، من أجل تساوي الأمم الفعلي، ومن أجل وجودها كدول مستقلة.
قديماً كان ينظر إلى المسألة الوطنية نظرة إصلاحية، كان ينظر إليها كمسألة مستقلة عما سواها، وقائمة بذاتها، دون أن تربط بالمسألة العامة، مسألة سلطة الرأسمال، والقضاء على الاستعمار، مسألة الثورة البروليتارية. فكان من المفروض ضمناً أن انتصار البروليتاريا في أوروبا ممكن بلا تحالف مباشر مع الحركة التحررية في المستعمرات، وأن حل المسألة الوطنية ومسألة المستعمرات يمكن أن يتم على مهل وبصورة "عفوية" وفي معزل عن الطريق الكبرى، طريق الثورة البروليتارية، وبدون نضال ثوري ضد الاستعمار. أما الآن فيجب أن نعتبر أن هذه النظرة غير الثورية أصبحت مفضوحة. فقد برهنت اللينينية وأثبتت الحرب الاستعمارية والثورة في روسيا أن المسألة الوطنية لا يمكن أن تحل إلا في نطاق الثورة البروليتارية وفي ميدانها، وأن الطريق إلى انتصار الثورة في الغرب يمر عبر التحالف الثوري مع الحركة التحررية في المستعمرات والبلدان التابعة، ضد الاستعمار. أن المسألة الوطنية هي جزء من المسألة العامة للثورة البروليتارية، إنها جزء من مسألة دكتاتورية البروليتاريا.
فالمسألة موضوعة كما يلي: هل الإمكانيات الثورية الموجودة في قلب الحركة التحررية الثورية في البلدان المضطهدة، قد استنزفت أم لا؟ وإذا كانت لم تستنزف، فهل من أمل، هل من أساس للاستفادة من هذه الإمكانيات في سبيل الثورة البروليتارية، ولتحويل البلدان التابعة والمستعمرة، من احتياطي للبرجوازية الاستعمارية، إلى احتياطي للبروليتاريا الثورية، وجعل هذه البلدان حليفة للبروليتاريا الثورية؟
إن اللينينية تجيب على هذا السؤال بالإيجاب، أي أنها تعترف بوجود كفاءات ثورية في حركة التحرر الوطني للبلدان المضطهدة، وترى أن في الإمكان الاستفادة من هذه الكفاءات في سبيل القضاء على العدو المشترك، في سبيل القضاء على الاستعمار. ويؤكد سير تطور الاستعمار، وتؤكد الحرب الاستعمارية والثورة في روسيا، تأكيداً تاماً، استنتاجات اللينينية في هذا الموضوع.
من هنا تترتب على البروليتاريا في الأمم "المسيطرة" ضرورة بذل تأييدها الفعلي الحازم، لحركة التحرر الوطني للشعوب المضطهدة والتابعة.
غير أن ذلك لا يعني، بالطبع، أن على البروليتاريا تأييد كل حركة وطنية، دائماً، في كل مكان، وفي جميع الحالات المعينة الملموسة. إنما المقصود هو تأييد تلك الحركات الوطنية المتجهة إلى أضعاف الاستعمار، إلى القضاء عليه، لا إلى تقوية دعائمه وإلى المحافظة عليه. فقد تحدث حالات تدخل فيها الحركات الوطنية في بعض البلدان المضطهدة في نزاع مع مصالح تطور الحركة البروليتارية. ومن المسلم به، في مثل هذه الحالات، أن لا مجال للكلام عن أي تأييد من جانب البروليتاريا. فإن مسألة حقوق الأمم ليست مسألة منعزلة وتكفي نفسها بنفسها وقائمة بذاتها، بل هي جزء من المسألة العامة للثورة البروليتارية، جزء خاضع للمجموع، ويقتضي بحثه من وجهة نظر المجموع. لقد كان ماركس في أعوام 1840 – 1850، مع حركة البولونيين والمجريين الوطنية للتشيكيين والسلاف الجنوبيين، ولماذا؟ لأن التشيكيين والسلاف الجنوبيين كانوا، في تلك الأيام، "شعوباً رجعية"، لأنهم كانوا "مراكز أمامية روسية" في أوروبا، مراكز أمامية للحكم المطلق، في حين كان البولونيون والمجريون "شعوباً ثورية" تناضل ضد الحكم المطلق، ولأن تأييد حركة التشيكيين والسلاف الجنوبيين الوطنية كان يعني، يومئذ، تأييداً غير مباشر للقيصرية التي كانت أخطر عدو للحركة الثورية في أوروبا.
يقول لينين:
"أن مطالب الديمقراطية المختلفة، بما فيها حق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها، ليست شيئاً مطلقاً، بل هي جزء من مجموع الحركة الديمقراطية (اليوم: الحركة الاشتراكية) العالمية. ومن الممكن، في بعض الحالات المعينة الملموسة، أن يناقض الجزء الكل، وفي هذه الحال يجب نبذ الجزء". (لينين، المؤلفات الكاملة: "خلاصة المناقشة حول حق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها" المجلد التاسع عشر، صفحة 257 – 258، الطبعة الروسية).
تلك هي الوضعية فيما يتعلق بالحركات الوطنية المختلفة، فيما يتعلق بالصفة الرجعية الممكن أن تتصف بها هذه الحركات، هذا، طبعاً، إذا نظرنا إليها ليس من الناحية الشكلية، من ناحية الحقوق المجردة، بل إذا نظرنا إليها بصورة ملموسة، من وجهة نظر مصالح الحركة الثورية.
والشيء نفسه ينبغي أن يقال عن الصفة الثورية للحركات الوطنية بوجه عام. فالصفة الثورية، التي لا جدال فيها، للأكثرية العظمى من الحركات الوطنية، هي نسبية وخاصة الشكل، مثلها مثل الصفة الرجعية المحتملة في بعض الحركات الوطنية الأخرى.
إن الصفة الثورية للحركات الوطنية، في ظروف الاضطهاد الاستعماري، لا تستلزم بالضرورة وجود عناصر بروليتارية في الحركة، لا تستلزم أن يكون للحركة برنامج ثوري أو جمهوري، لا تستلزم أن يكون لها أساس ديمقراطي. فنضال الأمير الأفغاني في سبيل استقلال أفغانستان هو، من الناحية الموضوعية نضال ثوري، رغم الطابع الملكي لمفاهيم الأمير وأنصاره، لأن هذا النضال يضعف الاستعمار ويفكك أركانه ويقوضها. في حين أن نضال الديمقراطيين "الأشاوس" و "الاشتراكيين" و "الثوريين" والجمهوريين أمثال كيرنسكي وتسيريتللي، رينوديل وشيدمان، تشيرونوف ودان، هندرسون وكلاينس(28) أثناء الحرب الاستعمارية، كان نضالاً رجعياً لأن نتيجته كانت تزين وجه الاستعمار، وتثبيت أقدامه وتحقيق انتصاره. إن نضال التجار والمثقفين البرجوازيين المصريين، في سبيل استقلال مصر، هو لهذه الأسباب نفسها، نضال ثوري، من الناحية الموضوعية، رغم الأصل البرجوازي لزعماء الحركة الوطنية المصرية، رغم صفتهم البرجوازية، ورغم كونهم ضد الاشتراكية. في حين أن نضال حكومة "العمال" الانكليزية لأجل أبقاء مصر في حالة التبعية، هو للأسباب نفسها رجعي رغم الأصل البروليتاري والصفة البروليتارية لأعضاء هذه الحكومة، ورغم كونهم "مؤيدين" للاشتراكية. ولا أتكلم هنا حتى عن الحركة الوطنية في بلدان أخرى مستعمرة وتابعة أعظم اتساعاً، كالهند والصين اللتين تعد كل خطوة من خطاهما في طريق تحررهما، ولو خالفت متطلبات الديمقراطية الشكلية، كضربة من مطرقة جبارة مسددة إلى الاستعمار، أي أنها خطوة ثورية بلا جدال.
إن لينين على حق في قوله أن الحركة الوطنية في البلدان المضطهدة، لا يجب تقديرها من ناحية الديمقراطية الشكلية، بل من ناحية نتائجها الفعلية في الميزان العام للنضال ضد الاستعمار، أي لا يجب تقديرها "بصورة منعزلة بل في المقياس العالمي". (لينين، المرجع السابق نفسه، صفحة 257).

ب – الحركة التحررية للشعوب المضطهدة والثورة البروليتارية
تأخذ اللينينية، في حل المسألة الوطنية، بالقضايا الآتية:
أ) العالم منقسم إلى معسكرين: معسكر حفنة صغيرة من الأمم المتمدنة التي تقبض بيدها على الرأسمال المالي وتستثمر الأكثرية العظمى من سكان الكرة الأرضية، ومعسكرات الشعوب المضطهَدة والمستثمرة في المستعمرات والبلدان التابعة، وهي تؤلف هذه الأكثرية.
ب) إن المستعمرات والبلدان التابعة التي يضطهدها الرأسمال المالي ويستثمرها، تشكل احتياطياً هائلاً للاستعمار ومورد قوي له، بالغ الأهمية.
ج) إن النضال الثوري للشعوب المضطهدة في البلدان المستعمرة والتابعة، ضد الاستعمار، هو الطريق الوحيد لتحررها من الاضطهاد والاستثمار.
د) إن أهم البلدان المستعمرة والتابعة، قد بدأت السير في طريق الحركة الوطنية التحررية التي لا يمكن إلا أن تؤدي إلى أزمة الرأسمالية العالمية.
ه) إن مصالح الحركة البروليتارية في البلدان المتطورة والحركة الوطنية التحررية في المستعمرات، تتطلب أن يتحد هذان المظهران للحركة الثورية في جبهة مشتركة ضد العدو المشترك، ضد الاستعمار.
و) إن انتصار الطبقة العاملة في البلدان المتطورة، وتحرير الشعوب المضطهدة من نير الاستعمار، أمران مستحيلان، بدون تأليف وتوطيد جبهة ثورية مشتركة.
ز) إن تكوين جبهة ثورية مشتركة غير ممكن بدون أن تؤيد البروليتاريا في الأمم المضطهدة الظالمة، تأييداً مباشراً وحازماً، الحركة التحررية للشعوب المضطهدة المظلومة ضد الاستعمار المتروبولي(29) ، لأن "شعباً يضطهد شعوباً أخرى لا يمكن أن يكون حراً" (أنجلس).
ح) إن هذا التأييد يعني المطالبة بشعار حق الأمم في الانفصال وفي العيش كدولة مستقلة، والدفاع عن الشعار، وتطبيقه.
ط) بدون تطبيق هذا الشعار، يستحيل تحقيق الاتحاد والتعاون بين الأمم في نظام اقتصادي عالمي موحد، هو الأساس المادي لانتصار الاشتراكية العالمية.
ي) لا يمكن أن يكون هذا الاتحاد إلا اختيارياً، وقائماً على الثقة المتبادلة والعلاقات الأخوية بين الشعوب.
من هنا، كان ظهور وجهين، ظهور اتجاهين في المسألة الوطنية: اتجاه إلى الإنعتاق السياسي من روابط الاستعمار وإلى إنشاء دول وطنية مستقلة، وهو اتجاه نشأ على أساس الاضطهاد الاستعماري واستثمار المستعمرات، واتجاه آخر إلى التقارب الاقتصادي بين الأمم، وهو اتجاه نشأ مع تشكيل سوق عالمية واقتصاد عالمي.
يقول لينين:
"تعرف الرأسمالية في تطورها اتجاهين تاريخيين في المسألة الوطنية: الأول هو يقظة الحياة الوطنية والحركات الوطنية، والنضال ضد كل اضطهاد وطني، وإنشاء دول وطنية. والثاني هو تطور شتى العلاقات بين الأمم وتكاثرها المتزايد، وهدم الحواجز الوطنية وإنشاء وحدة الرأسمال الدولية، ووحدة الحياة الاقتصادية بصورة عامة، ووحدة السياسة والعلوم، الخ. إن كلا الاتجاهين هما قانون عام للرأسمالية. فالأول يغلب عليها في بدء تطورها، والثاني يميز الرأسمالية الناضجة السائرة نحو تحولها إلى مجتمع اشتراكي". ("ملاحظات إنتقادية حول المسألة الوطنية"، المجلد 17، الصفحة 139 – 140، الطبعة الروسية).
أن هذين الاتجاهين هما بالنسبة للاستعمار، متناقضان لا يمكن التوفيق بينهما وذلك لأن الاستعمار لا يستطيع العيش بدون استثمار المستعمرات وبدون الاحتفاظ بها بالقوة داخل نطاق "كل موحد"، ولأن الاستعمار لا يستطيع التقريب بين الأمم إلا عن طريق الإلحاق والفتوحات الاستعمارية التي لا يمكن، بصورة عامة، أن نتصور الاستعمار بدونها.
أما بالنسبة للشيوعية فالأمر على عكس ذلك. فليس الاتجاهان، بالنسبة إليها، سوى مظهرين لقضية واحدة، هي قضية تحرر الشعوب المضطهدة من نير الاستعمار، ذلك لأن الشيوعية تعلم أن اتحاد الشعوب في اقتصاد عالمي موحد لا يمكن أن يتم إلا على أسس الثقة المتبادلة والاتفاق الاختياري الحر وأن الطريق إلى إقامة اتحاد الشعوب الاختياري الحر، هو طريق يمر عبر انفصال المستعمرات عن "الكل" الاستعماري "الموحد"، عبر تحولها إلى دولة مستقلة.
من هنا ضرورة القيام بنضال عنيد، مستمر حازم، ضد الشوفينية المتروبولية عند "الاشتراكيين" في الأمم المسيطرة (انكلترا، فرنسا، أميركا، ايطاليا، اليابان، الخ..)، أولئك "الاشتراكيين" الذين لا يرغبون في محاربة حكوماتهم الاستعمارية، ولا يريدون تأييد شعوب "مستعمراتهم" المضطهدة في نضالها للتحرر من النير، لتشكيل دول منفصلة.
بدون نضال كهذا، من المستحيل حتى التفكير في تثقيف الطبقة العاملة في الأمم المسيطرة بروح الأممية الحقيقية، وبروح التقارب مع الجماهير الكادحة في البلدان التابعة والمستعمرات، وبروح التهيئة الفعلية للثورة البروليتارية. إن الثورة في روسيا ما كانت لتنتصر، وكولتشاك ودنيكين(30) ما كانا ليقهرا، لو لم تكن البروليتاريا الروسية متمتعة بالعطف والتأييد من جانب الشعوب المضطهدة في الإمبراطورية الروسية القديمة. ولكن لكي تكسب البروليتاريا الروسية عطف هذه الشعوب وتأييدها كان واجباً عليها، قبل كل شيء، أن تحطم سلاسل الاستعمار الروسي، وتحرر هذه الشعوب من الاضطهاد الوطني.
ولولا ذلك، لما أمكن توطيد الحكم السوفياتي، وغرس الأممية الحقة، وخلق هذه المنظمة الرائعة لتعاون الشعوب التي تدعى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والتي تمثل النموذج الحي لما سيكون عليه اتحاد الشعوب في المستقبل، في نظام اقتصادي عالمي موحد.
من هنا ضرورة محاربة الميل على الانحصار في النطاق القومي الصرف، محاربة ضيق الأفق ودعوى التمسك بالأوضاع الخاصة لدى الاشتراكيين في البلدان المظلومة المضطهدة، الذين يأبون أن يمدوا بصرهم إلى أبعد من حدود أفقهم القومي، ولا يدركون الروابط بين الحركة التحررية في بلادهم والحركة البروليتارية في البلدان المسيطرة.
بدون نضال كهذا يستحيل التفكير في الدفاع عن السياسة المستقلة التي ينبغي أن تسلكها البروليتاريا في الأمم المظلومة المضطهدة، وعن تضامنها الطبقي مع البروليتاريا في البلدان المسيطرة، للنضال في سبيل القضاء على العدو المشترك، للنضال في سبيل القضاء على الاستعمار.
بدون نضال كهذا تغدو الأممية ضرباً من المستحيل.
تلك هي الطريق التي ينبغي سلوكها لتثقيف الجماهير الكادحة في الأمم المسيطرة والأمم المظلومة المضطهدة، على السواء، بروح الأممية الثورية.
وإليكم ما يقوله لينين عن هذه المهمة المزدوجة، الملقاة على عاتق الشيوعية، لأجل تثقيف العمال بروح الأممية:
"هل يمكن أن يكون هذا التثقيف، من الناحية الملموسة، متشابهاً في الأمم الكبيرة المضطهدة، وفي الأمم الصغيرة المضطهدة؟ في الأمم الغاصبة والأمم المغصوبة؟
كلا!... بكل تأكيد. فأن السير نحو هدف واحد – وهو التساوي التام بين جميع الأمم، وتحقيق أوثق التقارب بينها، ثم اندماجها، فيما بعد – يتبع هنا، بشكل واضح، سبلاً ملموسة متنوعة، ومثل ذلك أن تبدأ من الجانب الأيمن أو الأيسر من الصفحة، لكي تصل إلى نقطة واقعة في منتصف هذه الصفحة. فالاشتراكي الديمقراطي المنتمي إلى أمة كبيرة غاصبة، مضطهدة، إذا نسي، ولو لحظة، عند دعوته لاندماج الأمم، بصورة عامة، أن نيقولا "ه" الثاني وغليوم "ه"، وبوانكاريه(31) وغيرهم، هم أيضاً مؤيدون للاندماج مع الأمم الصغيرة (عن طريق الإلحاق)، فنيقولا الثاني يؤيد "الاندماج" مع غاليسا، وغليوم الثاني يؤيد "الاندماج" مع بلجيكا، الخ. – أن اشتراكياً ديمقراطياً مثل هذا، لن يكون سوى دعي سخيف من الوجهة النظرية، وعون للاستعمار من الوجهة العملية.
إن مركز الثقل في التثقيف الأممي للعمال في البلدان الظالمة المضطهدة، يجب أن يقوم حتماً على الدعاية لحرية البلدان المظلومة المضطهدة في الانفصال، وعلى الدفاع عن هذه الحرية. بدون هذا لا تكون هناك أممية. وكل اشتراكي ديمقراطي من أمة ظالمة، لا يقوم بهذه الدعاية، يحق لنا ويجب علينا أن ندعوه استعمارياً ومداجياً. إن حرية الانفصال هي مطلب مطلق، حتى ولو كان هذا الانفصال غير ممكن، وغير "قابل التحقيق" قبل انتصار الاشتراكية، إلا في حالة واحدة من ألف حالة...
أما الاشتراكي الديمقراطي في أمة صغيرة، فمن واجبه، على العكس من ذلك، أن ينقل مركز الثقل لدعايته التحريضية، إلى القسم الأول من كلامنا، وهو "الاتحاد الاختياري الحر" بين الأمم. وفي وسعه، دون أن يخل بواجبه من حيث هو أممي، أن يكون مؤيداً لاستقلال أمته السياسي، وفي الوقت نفسه، مؤيداً لدمجها مع دولة مجاورة هي أ أو ب أو ج، الخ... أنما يجب عليه، في كل الأحوال، أن يناضل ضد ضيق الأفق القومي. وضد الميل إلى الانحصار والانعزال. وإلى التمسك بالأوضاع الخاصة. وأن يكون من أنصار النظر إلى الحركة بمجموعها وشمولها. أن يكون من أنصار إخضاع المصلحة الخاصة للمصلحة العامة.
إن الذين لم يتعمقوا في المسألة، قد يجدون من الأمور "المتناقضة أن يصر الاشتراكيون في الأمم الظالمة على "حرية الانفصال"، وأن يصر الاشتراكيون الديمقراطيون في الأمم المضطهدة على "حرية الاتحاد" غير أن قليلاً من التفكير يكفي لكي يرى الإنسان أن الوضع الذي نحن بصدده، ليس فيه ولا يمكن أن يكون فيه طريق آخر نحو الأممية واندماج الأمم". (المؤلفات الكاملة: "خلاصة المناقشة حول حق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها"، المجلد التاسع عشر، الصفحة 261 – 262، الطبعة الروسية).


(25) الحكم الذاتي: Autonomie - هيئة التعريب.
(26) إلحاق: Annexion أي ضم شعب مستضعف إلى دولة استعمارية، بالعنف – هيئة التعريب.
(27) نسبة إلى الشوفينية: (Chauvinisme) وهي التعصب القومي الأعمى وكره الشعوب الأخرى واحتقارها، الشوفينيون الذين يتكلم عنهم ستالين هنا هم هؤلاء الاشتراكيون المزعومون الذين وقفوا أثناء الحرب العالمية الأولى، إلى جانب البرجوازية الاستعمارية في بلادهم وأيدوا مصالحها ضد مصالح طبقة العمال الأممية – هيئة التعريب.
(28) كل هؤلاء من زعماء الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في مختلف البلدان الأوروبية – هيئة التعريب.
(29) راجع الشرح في الهامش رقم 11.
(30) كولتشاك ودنيكين: قائدان قيصريان حاربا السلطة السوفياتية أول نشوئها، إلى جانب الدول الاستعمارية (وعلى رأسها أميركا وانكلترا وفرنسا واليابان...) التي تدخلت عسكرياً للقضاء على الثورة الروسية بين 1918 و1921 – هيئة التعريب.
(31) نيقولا الثاني: آخر قياصرة روسيا، غليوم الثاني: إمبراطور ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، جورج الخامس: ملك انكلترا من 1910 إلى 1936، بوانكاريه: رئيس جمهورية فرنسا من 1913 إلى 1920 – هيئة التعريب.
__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
  #6  
قديم October 15, 2008, 10:40 PM
 
رد: جوزيف ستالين

- 7 -
الستراتيجية والتكتيك

سوف آخذ من هذا الموضوع ست مسائل:


أ) الستراتيجية والتكتيك من حيث هما علم قيادة النضال الطبقي للبروليتاريا.
ب) مراحل الثورة، والستراتيجية.
ج) المد والجزر في الحركة، والتكتيك.
د) القيادة الستراتيجية.
ه) القيادة التكتيكية.
و) الإصلاحية والثورية.


أ – الستراتيجية والتكتيك من حيث هما علم قيادة النضال الطبقي للبروليتاريا
إن المرحلة التي سادت فيها الأممية الثانية، كانت بصورة رئيسية، مرحلة تكوين الجيوش البروليتارية السياسية وتثقيفها في ظروف تطور سلمي إلى حد ما. تلك مرحلة كانت الأساليب البرلمانية فيها هي الشكل السائد للنضال الطبقي. أما المسائل المتعلقة بالنزاعات الكبرى بين الطبقات، وبتهيئة البروليتاريا للمعارك الثورية، وبطرق الوصول إلى ديكتاتورية البروليتاريا، فلم تكن، كما كان يبدو إذ ذاك، موضوعة على بساط البحث. كانت المهمة مقتصرة على استخدام جميع طرق التطور المشروع لتكوين الجيوش البروليتارية وتثقيفها، كانت المهمة مقتصرة على استخدام الأساليب البرلمانية، على أن تؤخذ بعين الاعتبار الظروف التي تكون فيها البروليتاريا، ويجب أن تبقى، كما كان يبدو إذ ذاك، في موقف المعارضة. فهل من حاجة إلى البرهان بأنه لم يكن من الممكن في مثل هذه المرحلة، ومع مثل هذا الفهم لمهمات البروليتاريا، أن تكون هناك لا إستراتيجية كاملة منسجمة، ولا تاكتيك مدروس؟. كانت هناك أقسام مجزأة، أفكار متفرقة عن التكتيك والستراتيجية، أما التكتيك والستراتيجية فلم يكن لهما وجود.
إن خطيئة الأممية الثانية، خطيئتها المميتة، ليست في أنها انتهجت في عهدها، خطة استخدام أشكال النضال البرلمانية، بل في أنها قدرت أهمية هذه الأشكال بأكثر مما هي، وكادت تعتبرها الأشكال الوحيدة، فلما جاءت مرحلة المعارك الثورية المباشرة واحتلت مسألة أشكال النضال غير البرلمانية المكان الأول، أدارت أحزاب الأممية الثانية ظهرها للمهمات الجديدة، ورفضتها.
ولم يكن صوغ استراتيجية منسجمة وتاكتيك مدروسة لنضال البروليتاريا، إلا في المرحلة التالية، مرحلة النضالات المفتوحة للبروليتاريا، مرحلة الثورة البروليتارية، حين صارت قضية القضاء على البرجوازية قضية عملية مباشرة، حين أصبحت مسألة القوى الاحتياطية للبروليتاريا (أي مسألة الستراتيجية) مسألة من أخطر المسائل الحيوية، وحين برزت، بوضوح تام، جميع أشكال النضال والتنظيم – البرلمانية وغير البرلمانية (التكتيك). وفي هذه المرحلة بالذات، أخرج لينين إلى وضح النهار، أفكار ماركس وانجلس العبقرية عن التكتيك والستراتيجية، هذه الأفكار التي كان إنتهازيو الأممية الثانية قد طمسوها ووضعوها على الرف. غير أن لينين لم يقتصر على بعث هذه أو تلك من مبادىء ماركس وانجلس التكتيكية، بل طورها إلى أمام وأكملها بأفكار ومبادىء جديدة، ووحّد كل ذلك في مجموعة من القواعد والمبادئ التوجيهية لقيادة نضال البروليتاريا الطبقي. إن مؤلفات لينين، مثل: ما العمل؟ و خطتان و الاستعمار و الدولة والثورة ، و الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي ، و المرض الطفولي ، تدخل، دون ريب، في كنز الماركسية المشترك، في ترسانتها الثورية كمساهمة من أثمن المساهمات. إن الستراتيجية والتكتيك في اللينينية، هما علم قيادة نضال البروليتاريا الثوري.

ب – مراحل الثورة، والستراتيجية
الستراتيجية هي تحديد اتجاه الضربة الرئيسية للبروليتاريا على أساس مرحلة معينة من الثورة، ووضع برنامج مناسب لترتيب القوى الثورية (الاحتياطات الرئيسية والثانوية)، والنضال في سبيل تحقيق هذا البرنامج طوال تلك المرحلة المعينة من الثورة.
لقد اجتازت ثورتنا مرحلتين ودخلت بعد ثورة أكتوبر في المرحلة الثالثة. وقد تغيرت الستراتيجية تبعاً لذلك.
المرحلة الأولى – من 1903 إلى شباط 1917 – الهدف: القضاء على القيصرية، وتصفية بقايا القرون الوسطى تصفية تامة. القوة الأساسية للثورة: البروليتاريا. الاحتياطي المباشر: جماهير الفلاحين. اتجاه الضربة الأساسية: عزل البرجوازية الملكية الليبرالية، التي تسعى لكسب الفلاحين ولتصفية الثورة عن طريق اتفاق مع القيصرية. برنامج ترتيب القوى: تحالف الطبقة العاملة مع جماهير الفلاحين. يجب على البروليتاريا أن تحقق الثورة الديمقراطية إلى النهاية، بضم جماهير الفلاحين إليها، من أجل سحق مقاومة الأوتوقراطية بالقوة، وشل تذبذب البرجوازية (لينين: خطتان للاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية ، المؤلفات الكاملة، المجلد 8، ص 96 الطبعة الروسية).
المرحلة الثانية – من آذار 1917 إلى أكتوبر 1917 الهدف: القضاء على الاستعمار في روسيا والخروج من الحرب الاستعمارية. القوة الأساسية للثورة البروليتاريا. الاحتياطي المباشر: الفلاحون الفقراء. احتياطي محتمل: بروليتاريا الأقطار المجاورة. اللحظة المناسبة: الحرب التي استطالت وأزمة الاستعمار. اتجاه الضربة الأساسية عزل الديمقراطية البرجوازية الصغيرة (المنشفيك، الاشتراكيين الثوريين) التي تسعى لكسب جماهير الفلاحين الكادحين وإنهاء الثورة عن طريق اتفاق مع الاستعمار. برنامج ترتيب القوى: تحالف البروليتاريا مع الفلاحين الفقراء. يجب على البروليتاريا أن تحقق الثورة الاشتراكية بضم جماهير العناصر شبه البروليتارية من السكان إليها، من أجل تحطيم مقاومة البرجوازية بالقوة، وشل تذبذب الفلاحين والبرجوازية الصغيرة (المصدر السابق نفسه).
المرحلة الثالثة وقد بدأت بعد ثورة أكتوبر. الهدف: توطيد دكتاتورية البروليتاريا في بلد واحد، واستخدامها كنقطة استناد للقضاء على الاستعمار في جميع البلدان. لقد خرجت الثورة من نطاق بلد واحد، وبدأ عهد الثورة العالمية. القوى الأساسية للثورة: دكتاتورية البروليتاريا في بلد واحد، والحركة الثورية للبروليتاريا في جميع البلدان.
الاحتياطات الرئيسية: جماهير أشباه البروليتاريين والفلاحين الصغار في البلدان المتطورة، والحركة التحررية في المستعمرات والبلدان التابعة. اتجاه الضربة الأساسية: عزل الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، عزل أحزاب الأممية الثانية التي تؤلف السند الأساسي لسياسة الاتفاق مع الاستعمار، برنامج ترتيب القوى تحالف البروليتاريا مع الحركة التحررية في المستعمرات والبلدان التابعة.
إن الستراتيجية تهتم بالقوى الأساسية للثورة وباحتياطياتها. وهي تتغير كلما مرت الثورة من مرحلة إلى أخرى، مع بقائها هي دون تغيير، من حيث الأساس، طوال مرحلة معينة.

ج – المد والجزر في الحركة والتكتيك
التكتيك هو تعيين خطة سلوك البروليتاريا خلال مرحلة قصيرة نسبياً، مرحلة مد الحركة أو جزرها، نهوض الثورة أو هبوطها، والنضال من أجل تطبيق هذه الخطة بابدال أشكال النضال والتنظيم القديمة بأشكال جديدة، والشعارات القديمة بشعارات جديدة، وبالتوفيق بين هذه الأشكال، الخ... فإذا كان هدف الاستراتيجية كسب الحرب، مثلاً، ضد القيصرية أوالبرجوازية، والقيام إلى النهاية بالنضال ضد القيصرية أو البرجوازية، فإن التكتيك يأخذ على عاتقه أهدافاً أقل شأناً، إذ أنه يسعى لا لكسب الحرب بمجموعها، بل كسب هذه أوتلك من المناوشات، هذه أو تلك من المعارك، يسعى لتحقيق هذه أو تلك من الحملات، هذه أو تلك من الأعمال الملائمة للوضع الواقعي الملموس خلال فترة معينة من نهوض الثورة أو هبوطها. أن التكتيك هو جزء من الستراتيجية، جزء خاضع لها، ووظيفته أن يخدمها.
يتبدل التكتيك تبعاً للمد والجزر. فبينما ظل البرنامج الستراتيجي دون تغيير، طوال المرحلة الأولى للثورة (من 1903 إلى شباط 1917)، تبدل التكتيك خلال هذه المدة، مرات عديدة. ففي الفترة بين 1903 و 1905، كان تاكتيك الحزب هجومي، إذ كانت الثورة في مد، والحركة الثورية تتبع خطاً صاعداً، وكان من الواجب أن يقوم التكتيك على أساس ذلك. وبالتالي، كانت أشكال النضال أيضاً ثورية، مطابقة لما يتطلبه المد في الثورة: أضرابات سياسية محلية، مظاهرات سياسية، إضراب سياسي عام، مقاطعة الدوما، نهوض مسلح، شعارات ثورية كفاحية. تلك هي أشكال النضال التي تعاقبت خلال تلك المرحلة. وكذلك أشكال التنظيم، هي أيضاً كانت تتبدل تبعاً لأشكال النضال: لجان معمل، لجان فلاحية ثورية، لجان إضراب، مجالس السوفيات لنواب العمال، حزب عمال علني إلى حد ما. تلك هي أشكال التنظيم خلال تلك المرحلة.
في الفترة ما بين 1907 و 1912، اضطر الحزب للإنتقال على تاكتيك التراجع، إذ كنا في مرحلة هبوط الحركة الثورية، مرحلة جزر في الثورة، ولم يكن من الممكن أن لا يأخذ التكتيك ذلك بعين الاعتبار. وبالتالي، تبدلت أشكال النضال أيضاً، وكذلك أشكال التنظيم. فعوضاً عن مقاطعة الدوما، اشتراك في الدوما. وعوضاً عن أعمال ثورية صريحة خارج الدوما، مداخلات وعمل في الدوما. وعوضاً عن إضرابات سياسية عامة، إضرابات جزئية اقتصادية أو هدوء تام. ومن المفهوم أن الحزب اضطر في هذه المرحلة للانتقال إلى العمل السري، أما المنظمات الثورية الجماهيرية، فقد استعيض عنها بجمعيات ثقافة وتعليم، وجمعيات تعاونية، وصناديق التوفير، وما أشبه ذلك من منظمات علنية.
وينبغي أن نقول مثل ذلك عن المرحلة الثانية والثالثة للثورة، فقد تبدل التكتيك خلالهما عشرات المرات، بينما كانت البرامج الستراتيجية باقية دون تغيير.
إن التكتيك يهتم بأشكال النضال وأشكال التنظيم للبروليتاريا، وبتعاقب هذه الأشكال وبالتوفيق بينها، على أساس مرحلة معينة من الثورة، يمكن أن يتبدل التكتيك مرات عديدة، تبعاً للمد أو الجزر، تبعاً للنهوض أو الهبوط في الثورة.

د – القيادة الستراتيجية
إن القوى الاحتياطية للثورة يمكن أن تكون:
مباشرة: أ) جماهير الفلاحين، وبصورة عامة، الجماعات المتوسطة من سكان البلاد، ب) بروليتاريا البلدان المجاورة، ج) الحركة الثورية في المستعمرات والبلدان التابعة، د) انتصارات ديكتاتورية البروليتاريا ومنجزاتها التي يمكن للبروليتاريا، مع احتفاظها بالتفوق في القوى، أن تتخلى عن قسم منها مؤقتاً لكي تحصل على هدنة من خصم قوي.
وغير مباشرة: أ) التناقضات والنزاعات بين الطبقات غير البروليتارية في البلاد، فمن الممكن أن تستخدمها البروليتاريا لأضعاف الخصم وتقوية احتياطياتها، ب) التناقضات والنزاعات والحروب (الحرب الاستعمارية مثلاً) بين الدول البرجوازية المعادية للدولة البروليتارية، فمن الممكن أن تستخدمها البروليتاريا في هجومها أو خلال مناوراتها في حالة التراجع الاضطراري.
ولا حاجة إلى التبسيط حول القوى الاحتياطية من الصنف الأول، فإن أهميتها مفهومة لدى الجميع ولدى كل إنسان. أما فيما يتعلق بالقوى الاحتياطية من الصنف الثاني، التي لا يكون من الواضح دائماً مالها من أهمية، فلا بد من القول بأنها تكون أحياناً، في الدرجة الأولى من الأهمية من أجل سير الثورة. فليس من الممكن مثلاً أن ينكر أحد ما كان للنزاع بين الديمقراطية البرجوازية الصغيرة (الاشتراكيين الثوريين) والبرجوازية الملكية الليبرالية (الكاديت) خلال الثورة الأولى وبعدها، من أهمية عظمى فقد لعب هذا النزاع، بلا ريب، دوره في تحرير جماهير الفلاحين من نفوذ البرجوازية. وكذلك لا يمكن لأحد أن ينكر الأهمية العظمى للحرب حتى الموت التي كانت ناشبة بين جماعات الاستعماريون الرئيسية، في مرحلة ثورة أكتوبر، حين لم يستطع الاستعماريون، لإنشغالهم بالحرب فيما بينهم، أن يركزوا قواهم ضد السلطة السوفياتية الفتية، ولهذا السبب بالذات تمكنت البروليتاريا من الانصراف جدياً إلى تنظيم قواها، وتوطيد حكمها وتهيئة سحق كولتشاك ودينيكين. والآن، إذ تتفاقم وتتعمق التناقضات بين الجماعات الاستعمارية، ويصبح نشوب حرب جديدة بينها أمراً لا مناص منه، فستكون للاحتياطيات التي هي من هذا النوع، أهمية جدية متعاظمة بالنسبة للبروليتاريا.
إن القيادة الستراتيجية مهمتها استخدام جميع هذه الاحتياطيات بشكل صحيح، لتحقيق الهدف الأساسي من الثورة في المرحلة المعينة من تطورها.
وكيف يكون استخدام الاحتياطيات بشكل صحيح؟ يكون في إتمام بعض الشروط الضرورية، التي يجب اعتبار التالية منها رئيسية:
أولاً – مركزة القوى الرئيسية للثورة، في اللحظة الحاسمة، على أضعف نقطة لدى الخصم، عندما تكون الثورة قد نضجت، والهجوم يسير على أشده، والنهضة المسلحة تدق على الباب، وعندما يكون إنضمام الاحتياطيات إلى الطليعة هو الشرط الحاسم للنجاح. إن استراتيجية الحزب في المرحلة ما بين نيسان وأكتوبر 1917، يمكن أن تعتبر مثالاً يصور مثل هذا الاستخدام للاحتياطيات. ففي هذه المرحلة، كانت أضعف نقطة لدى الخصم هي دون ريب الحرب. ومن المؤكد أنه حول هذه المسألة بالضبط، من حيث هي المسألة الأساسية، استطاع الحزب أن يجمع أوسع جماهير السكان حول الطليعة البروليتارية. كانت استراتيجية الحزب في هذه المرحلة، تتلخص فيمايلي: تدريب الطليعة على معارك الشوارع عن طريق المظاهرات، وفي الوقت نفسه جذب الاحتياطيات نحو الطليعة، بواسطة مجالس السوفيات في المؤخرة، بواسطة لجان الجنود على الجبهة. وقد برهن المخرج الذي انتهت إليه الثورة على أن الاحتياطيات استخدمت بشكل صائب.
وقد شرح لينين موضوعات ماركس وانجلس المعروفة عن النهضة المسلحة، فقال عن هذا الشرط لاستخدام قوى الثورة إستراتيجياً، ما يلي:
1 – ينبغي عدم اللعب أبداً بالثورة المسلحة، وعند البدء بها، ينبغي العلم بقوة ووضوح أن من الواجب السير بها إلى النهاية.
2 – من الضروري حشد قوى متفوقة كثيراً على قوى العدو، في المكان الحاسم وفي اللحظة الحاسمة، وإلا فإن العدو، وهو أحسن استعداداً وتنظيماً، يبيد الثائرين.
3 –حين تبدأ الثورة المسلحة ينبغي العمل بأعظم عزيمة وحزم، والإنتقال من كل بد، وبصورة مطلقة، إلى الهجوم. الدفاع هو موت الثورة المسلحة .
4 – ينبغي السعي لأخذ العدو على حين غرة، واختيار اللحظة التي تكون فيها جيوشه مبعثرة.
5 – ينبغي الحصول على نجاحات، حتى ولو كانت صغيرة، كل يوم (ويمكن القول كل ساعة، إذا كانت القضية تتعلق بمدينة واحدة)، والاحتفاظ، مهما كان الثمن، ب التفوق المعنوي (لينين: نصائح غائب ، المجلد 21 من المؤلفات الكاملة، ص 319 – 320، الطبعة الروسية).
ثانياً – اختيار اللحظة المناسبة للضربة الحاسمة، اللحظة المناسبة للثورة المسلحة المفتوحة المباشرة، وهي اللحظة التي تكون فيها الأزمة قد بلغت ذروتها، وتكون الطليعة، مستعدة للقتال حتى النهاية، وتكون القوى الاحتياطية مستعدة لتأييد الطليعة، ويكون الارتباك على أشده وأقصاه في صفوف الخصم.
يقول لينين:
يمكن اعتبار اللحظة قد حانت للمعركة الحاسمة إذا: 1) كانت القوى الطبقية المعادية لنا قد غرقت بصورة كافية في الصعوبات، ومزق بعضها بعضاً إلى حد كاف، وأضعفت نفسها إلى درجة كافية، بنضال هو فوق طاقتها، وإذا: 2) كانت جميع العناصر المتوسطة، المترددة، المتخاذلة، المترجرجة أي البرجوازية الصغيرة، الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، بوصفها مختلفة عن البرجوازية قد انفضحت بصورة كافية أمام الشعب، واكتسبت الخزي والعار بإفلاسها العملي وإذا: 3) بدأت في صفوف البروليتاريا، وأخذت ترتفع بقوة، حالة فكرية جماهيرية لتأييد أشد الأعمال حزماً وعزماً وجرأة ثورية، ضد البرجوازية. عندها تكون الثورة قد نضجت، وعندها، إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع الشروط المذكورة أعلاه... وإذا اخترنا للحظة اختياراً صحيحاً. يكون انتصارنا مضموناً (لينين: مرض الطفولة، المجلد 25، المؤلفات الكاملة، ص 229، الطبعة الروسية).
يمكن اعتبار تنظيم الثورة المسلحة في أكتوبر، نموذجاً لتطبيق مثل هذه الستراتيجية.
إن إغفال هذا الشرط، يؤدي على خطأ خطير يسمى فقدان التوازن ، وذلك عندما يتأخر الحزب عن سير الحركة، أو يركض بعيداً أمامها، مما يخلق خطر الفشل. وهناك مثال على مثل هذا الفقدان للتوازن مثال يصور كيف لا ينبغي اختيار اللحظة للثورة المسلحة، هو محاولة قسم من رفاقنا البدء بالثورة، باعتقال المؤتمر الديمقراطي في أيلول 1917، حين كان بعد في مجالس السوفيات تردد، وكان الجيش في الجبهة لا يزال على مفترق الطرق، ولم تكن الاحتياطيات قد انضمت إلى الطليعة.
ثالثاً – بعد اتخاذ الاتجاه، السير فيه، بلا وهن، خلال جميع أنواع الصعوبات والتعقيدات التي تبرز على الطريق المؤدية إلى الهدف، وذلك لكي لا تضيّع الطليعة الهدف الأساسي للنضال ولا يغيب هذا الهدف عن ناظريها، ولكي لا تتيه الجماهير عن الطريق في سيرها نحو هذا الهدف وفي سعيها للتجمع حول الطليعة. إن إغفال هذا الشرط يؤدي إلى خطأ خطير، يعرفه البحارة ويسمونه إضاعة الاتجاه . ويجب أن نعتبر، كمثال على إضاعة الاتجاه هذا، موقف حزبنا الخاطئ فور المؤتمر الديمقراطي، حين أتخذ قراراً بالاشتراك في البرلمان التمهيدي. فكأن الحزب نسي في تلك اللحظة أن البرلمان التمهيدي كان محاولة من البرجوازية لصرف البلاد عن طريق السوفيات ولجرها إلى طريق البرلمانية البرجوازية، وإن اشتراك الحزب في مؤسسة كهذه كان يمكن أن يشيع البلبلة والارتباك ويضلل العمال والفلاحين الذين كانوا يقومون بالنضال الثوري تحت شعار: كل السلطة للسوفيات . وقد تم إصلاح هذا الخطأ بخروج البلاشفة من البرلمان التمهيدي.
رابعاً – المناورة مع الاحتياطيات، بشكل يمكن معه التراجع بنظام عندما يكون العدو قوياً، عندما يكون التراجع أمراً لا مناص منه، عندما يكون من المفيد، بشكل جلي، قبول المعركة التي يريد الخصم أن يفرضها، ويصبح التراجع، نظراً للنسبة بين القوى المتجابهة، الوسيلة الوحيدة لأبعاد الطليعة عن الضربة التي تهددها، وللاحتفاظ بالاحتياطيات وإبقائها معها.
يقول لينين:
ينبغي للأحزاب الثورية أن تكمل ثقافتها. فقد تعلمت القيام بالهجوم، فيجب أن تفهم الآن أن من الضروري إكمال هذا العلم بعلم التراجع بانتظام، ضمن القواعد. ينبغي أن يكون مفهوماً – والطبقة الثورية تتعلم أن تفهم وتدرك بتجربتها الخاصة المريرة، بأنه يستحيل الظفر، دون تعلم الهجوم الصحيح، والتراجع الصحيح (المصدر السابق نفسه: ص 177).
إن الغاية من استراتيجية كهذه هي كسب الوقت، وإضعاف معنويات العدو، وتكديس القوى للانتقال بعد ذلك إلى الهجوم.
إن عقد معاهدة الصلح في برست ليتوفسك يمكن اعتباره نموذجاً لمثل هذه الستراتيجية. فقد سمح للحزب بكسب الوقت، واستغلال النزعات في معسكر الاستعمار، وإضعاف المعنويات لدى قوى الخصم، وإبقاء الفلاحين مع الحزب، وتكديس القوى لتهيئة الهجوم ضد كولتشاك ودينيكين.
وقد قال لينين إذ ذاك:
إننا بعقدنا معاهدة صلح منفردة، نتخلص، بمقدار ما هو ممكن في الساعة الحاضرة، من الفريقين الاستعماريين العدوين، مستفيدين من خصومتهما ومن الحرب بينهما اللتين تمنعانهما من التفاهم ضدنا. إننا نستفيد من ذلك، وهو شيء يسمح لنا، خلال مرحلة معينة، بأن نكون مطلقي اليدين لمتابعة الثورة الاشتراكية وتقويتها (لينين: نظرات في عقد الصلح المنفرد . المؤلفات الكاملة، المجلد 22، ص 198).
وبعد انقضاء ثلاث سنوات على صلح برست ليتوفسك قال لينين:
اليوم، حتى آخر أبله يرى أن صلح برست ليتوفسك كان تراجعاً أدى إلى تقويتنا، وإلى تقسيم قوى الاستعمار الدولي . (لينين: أزمنة جديدة وأخطاء قديمة في شكل جديد . المؤلفات الكاملة، المجلد 27، ص 7).
تلك هي الشروط الرئيسية التي تضمن القيادة الأستراتيجية الصحيحة.

ه – القيادة التكتيكية
القيادة التكتيكية هي جزء من القيادة الستراتيجية، خاضع لمهماتها ومقتضياتها. إن مهمة القيادة التكتيكية هي هضم جميع أشكال نضال البروليتاريا وأشكال تنظيمها وتأمين استخدامها الصحيح للحصول، ضمن نسبة معينة بين القوى، على الحد الأقصى من النتائج، الضروري لتهيئة النجاح الستراتيجي.
وكيف يكون الاستخدام الصحيح لأشكال نضال البروليتاريا وأشكال تنظيمها؟
يكون بإتمام بعض الشروط الضرورية، التي يجب اعتبار التالية منها رئيسية:
أولاً: أن توضع، في المقام الأول، أشكال النضال والتنظيم التي من شأنها، لكونها ملائمة أحسن من غيرها لشروط المد أو الجزر في الحركة، أن تسهل وتؤمن تسيير الجماهير نحو المواقف الثورية، تسيير الجماهير الغفيرة نحو جبهة الثورة، وتوزيعها على جبهة الثورة.
فليست القضية أن تدرك الطليعة استحالة الاحتفاظ بالنظم القديمة وضرورة قبلها والقضاء عليها. القضية هي أن تدرك الجماهير، الجماهير الغفيرة، هذه الضرورة وأن تبدي استعدادها لتأييد الطليعة. ولكن ذلك شيء لا يمكن أن تدركه الجماهير إلا بتجربتها الخاصة. فإعطاء الجماهير الغفيرة إمكان الاقتناع بتجربتها الخاصة بأن القضاء على السلطة القديمة شيء لا مفر منه، وتقديم وسائل نضال وأشكال تنظيم تسمح للجماهير بأن تدرك، بصورة أسهل، وبالتجربة، صحة الشعارات الثورية: تلك هي المهمة.
إن الطليعة كانت انفصلت عن الطبقة العاملة، والطبقة العاملة كانت أضاعت صلتها بالجماهير، لو أن الحزب لم يقرر، في حينه، الاشتراك في الدوما، ولو أنه لم يقرر مركزة قواه على العمل في الدوما وتطوير النضال على أساس هذا العمل، لكي يسهل للجماهير أن تدرك، بتجربتها الخاصة، أن مجلس الدوما لا يساوي شيئاً، وأن وعود الكاديت كاذبة، وأن ليس من الممكن الاتفاق مع القيصرية، وأن من الضروري الذي لا مناص منه تحالف جماهير الفلاحين مع الطبقة العاملة. لولا تجربة الجماهير في عهد الدوما، لم يكن من الممكن فضح الكاديت وتأمين قيادة البروليتاريا.
لقد كان الخطر من تاكتيك الأوتزوفية (32) إنها كانت تهدد بفصل الطليعة عن الملايين من قواها الاحتياطية.
إن الحزب كان انفصل عن الطبقة العاملة، وكانت الطبقة العاملة فقدت نفوذها بين جماهير الفلاحين والجنود الغفيرة، لو أن البروليتاريا تبعت الشيوعيين اليساريين الذين كانوا يدعون إلى الثورة المسلحة في نيسان 1917، حين لم يكن المنشفيك والاشتراكيون الثوريون قد انفضحوا بعد من حيث هم أنصار الحرب والاستعمار، ولم تكن الجماهير قد أدركت بعد، بتجربتها الخاصة، كذب خطابات المنشفيك والاشتراكيين الثوريين عن السلم والأرض والحرية. فلولا تجربة الجماهير خلال مرحلة كرنسكي، لما انعزل المنشفيك والاشتراكيون الثوريون، ولما كان بالإمكان إقامة ديكتاتورية البروليتاريا. ولذلك كان تاكتيك الشرح الصبور لأخطاء الأحزاب البرجوازية الصغيرة والنضال المفتوح في قلب مجالس السوفيات، هي التكتيك الصحيح الوحيد.
لقد كان الخطر من تاكتيك الشيوعيين اليساريين، في أنه كان يهدد بتحويل الحزب من زعيم للثورة البروليتارية، إلى قبضة من المتآمرين الفارغين الواقفين على الرمال.
يقول لينين:
لا يمكن الظفر بواسطة الطليعة وحدها. فإلقاء الطليعة في المعركة الحاسمة، بينما الطبقة بأسرها، بينما الجماهير الغفيرة لم تتخذ موقف تأييد مباشر للطليعة، أو على الأقل موقف حياد مشوب بالعطف.. لا يكون حماقة فقط، بل جريمة. ولكي تصل الطبقة بأسرها، لكي تصل جماهير الشغيلة والمضطهدين الغفيرة، فعلاً إلى اتخاذ مثل هذا الموقف، لا تكفي الدعاية وحدها، ولا يكفي التحريض وحده.
لا بد لذلك من التجربة السياسية الخاصة لهذه الجماهير. ذلك هو القانون الأساسي لجميع الثورات، قانون تؤكده اليوم بقوة وبروز رائعين، لا روسيا فقط، بل ألمانيا أيضاً.
فليست فقط جماهير روسيا غير المتعلمة، والأمية غالباً، بل كذلك جماهير ألمانيا، المثقفة إلى حد رفيع، والتي ليس بينها أمي واحد، كان لا بد لها من أن تعاني بنفسها وعلى حسابها، كل ما في حكومة أشقياء الأممية الثانية، من جبن، وعجز، وتبلبل، وسفالة، وخنوع أمام البرجوازية. كان لا بد لها من أن تعاني حتمية ديكتاتورية طغاة الرجعية (من كورنيلوف في روسيا، وكاب وزمرته في ألمانيا)، من حيث هي المخرج الوحيد الآخر تجاه ديكتاتورية البروليتاريا، لكي تندار هذه الجماهير بحزم نحو الشيوعية (مرض الطفولة، المؤلفات الكاملة، المجلد 25، ص 228).
ثانياً: في كل لحظة معينة، العثور في سلسلة التطورات، على الحلقة الخاصة التي يسمح الإمساك بها، بالتمكن من كل السلسلة وتهيئة الشروط للنجاح الستراتيجي.
فالمهم هو أن نجد بين المهمات الموضوعة أمام الحزب، المهمة العاجلة التي يشكل حلها النقطة المركزية، والتي يضمن إتمامها حل المهمات المباشرة الأخرى حلاً ناجحاً.
ويمكن تبيين أهمية هذه النظرية بمثالين مأخوذين أحدهما من الماضي البعيد (مرحلة تكوين الحزب) والثاني من الماضي القريب (مرحلة ال نيب(33) ).
ففي مرحلة تكوين الحزب، حين كانت الحلقات والمنظمات العديدة غير مرتبطة فيما بينها، وحين كان العمل على الأسلوب الحرفي وعلى أساس الحلقات المنعزل بعضها عن بعض ينخر الحزب من فوق إلى تحت، وحين كان الارتباك الفكري هو الصفة المميزة لحياة الحزب الداخلية، في تلك المرحلة كانت الحلقة الأساسية في السلسلة، كانت المهمة الأساسية بين جميع المهمات المنتصبة إذ ذاك أمام الحزب، هي إنشاء جريدة سرية لكل روسيا (أيسكرا). لماذا؟.. لأنه في ظروف ذلك العهد، لم يكن من الممكن، إلا بواسطة جريدة سرية لكل روسيا، خلق نواة منسجمة في الحزب قادرة على ربط جميع الحلقات والمنظمات في كل واحد، وتهيئة الشروط للوحدة الفكرية والتكتيكية، وعلى هذا الشكل وضع الأسس لتكوين حزب حقيقي.
وفي مرحلة الانتقال من الحرب إلى عمل البناء الاقتصادي، حين كانت الصناعة تتردى في وهدة الدمار والخراب، والزراعة تقاسي نقص منتجات المدينة، وحين كان تحقيق الالتحام بين صناعة الدولة والاقتصاد الفلاحي، قد أصبح الشرط الأساسي للنجاح في بناء الاشتراكية – في تلك المرحلة كانت الحلقة الأساسية في سلسلة التطورات، كانت المهمة الأساسية بين جميع المهمات، هي تطوير التجارة. لماذا؟.. لأن التحام الصناعة مع الاقتصاد الفلاحي، في ظروف ال نيب ، غير ممكن إلا عن طريق التجارة، ولأن الإنتاج في ظروف ال نيب دون تصريف البضائع، معناه موت الصناعة، ولأن توسيع الصناعة غير ممكن إلا بتوسيع تصريف البضائع عن طريق تطوير التجارة، ولأنه فقط بعد توطيد المواقف في التجارة والقبض على زمامها، فقط بعد الإمساك بهذه الحلقة، يمكن الأمل في تحقيق التحام الصناعة بالسوق الريفية، وحل المهمات المباشرة الأخرى حلاً ناجحاً، من أجل الشروط الضرورية لبناء أسس الاقتصاد الاشتراكي.
يقول لينين:
لا يكفي أن يكون المرء ثورياً ومناصراً للاشتراكية. أو شيوعياً بصورة عامة.. من الواجب أن نعرف، في كل لحظة معينة، العثور على تلك الحلقة الخاصة التي ينبغي الإمساك بها بكل قوة، للتمكن من كل السلسلة وتهيئة الانتقال إلى الحلقة التالية تهيئة متينة..
وهذه الحلقة، في الساعة الحالية، هي إنعاش التجارة الداخلية مع تنظيمها (قيادتها) بشكل صحيح من قبل الدولة. التجارة تلك هي الحلقة في سلسلة الحوادث التاريخية، في الأشكال الانتقالية لبنائنا الاشتراكي في عامي 1921 – 1922، التي يجب علينا الإمساك بها بكل قوانا (لينين: حول أهمية الذهب ، المؤلفات الكاملة، المجلد 27، ص 82).
تلك هي الشروط الرئيسية لقيادة تاكتيكية صحيحة.

و – الإصلاحية والثورية
بأي شيء يتميز التكتيك الثوري عن التكتيك الإصلاحي؟
يفكر البعض أن اللينينية هي ضد الإصلاحات وضد المصالحات والاتفاقات بوجه عام. إن ذلك غير صحيح على الإطلاق. إن البلاشفة ليسوا اقل من غيرهم علماً بأن كل عطاء هو خير من بعض النواحي، وبأن الإصلاحات بوجه عام، والمصالحات والاتفاقات بوجه خاص، هي في بعض الظروف، ضرورية ومفيدة.
يقول لينين:
إن القيام بحرب من أجل القضاء على البرجوازية الدولية، وهي حرب أصعب وأطول وأكثر تعقيداً مئة مرة من أشد الحروب العادية بين الدول، مع التخلي سلفاً عن المناورة وعن استغلال التناقضات في المصالح (حتى ولو كانت تناقضات مؤقتة) التي تقسم أعداءنا، وعن عقد اتفاقات ومصالحات مع حلفاء ممكنين (حتى ولو كانوا حلفاء مؤقتين، وغير مضمونين، ومتقلقلين، ومشروطين) أليس ذلك شيئاً مضحكاً للغاية؟. أليس ذلك شبيهاً بالتخلي سلفاً – عند التسلق الشاق على جبل وعر لم يطرقه أحد من قبل – عن السير أحياناً بصورة متعرجة، والرجوع أحياناً إلى الوراء، والعدول عن الاتجاه الذي اختير أولاً لتجربة اتجاهات مختلفة؟ . (لينين: مرض الطفولة، المؤلفات الكاملة، المجلد 25 ص 210).
فالقضية، بكل تأكيد ليست قضية الإصلاحات والمصالحات والاتفاقات نفسها، بل القضية هي كيف يستخدم الناس الاتفاقات والإصلاحات.
ففي نظر الإصلاحي، الإصلاح هو كل شيء. أما العمل الثوري فليس هو إلا للمظهر، وليس هو إلا للكلام وذر الرماد في العيون. ولهذا، فمع التكتيك الإصلاحي، في ظروف الحكم البرجوازي، يصبح كل إصلاح، بصورة محتومة، أداة لتقوية هذا الحكم، أداة لتفسيخ الثورة.
والأمر على العكس من ذلك بالنسبة للثوري. فأن الشيء الرئيسي بالنسبة إليه هو العمل الثوري لا الإصلاح. فليس الإصلاح في نظره إلا النتاج الثانوي للثورة. ولهذا، فمع التكتيك الثوري، في ظروف الحكم البرجوازي، يصبح كل إصلاح، بصورة طبيعية، أداة لتفسيخ هذا الحكم، أداة لتقوية الثورة، ونقطة ابتداء لتطور الحركة الثورية تطوراً مستمراً.
إن الثوري يقبل الإصلاح لاستعماله كذريعة للتوفيق بين العمل العلني والعمل السري، لاستخدامه كستار لتقوية العمل السري من أجل تهيئة الجماهير تهيئة ثورية للقضاء على البرجوازية.
ذلك هو جوهر الاستخدام الثوري للإصلاحات والاتفاقات في ظروف الاستعمار.
أما الإصلاحي، فهو على العكس، يقبل الإصلاحات للتخلي عن العمل السري، لإحباط تهيئة الجماهير للثورة، والاستراحة في ظل الإصلاح الممنوح .
ذلك هو جوهر التكتيك الإصلاحي.
تلك هي الحالة فيما يتعلق بالإصلاحات والاتفاقات في ظروف الاستعمار.
غير أن الوضع يتغير قليلاً بعد القضاء على الاستعمار، أي في ظل ديكتاتورية البروليتاريا. ففي بعض الحالات، في بعض الظروف، يمكن أن يكون الحكم البروليتاري مضطراً إلى العدول، مؤقتاً، عن طريق إعادة بناء النظم الموجودة بشكل ثوري، وانتهاج طريق التحول التدريجي، الطريق الإصلاحي كما يقول لينين في مقاله المعروف: حول أهمية الذهب طريق الحركات الجانبية، طريق الإصلاحات والتساهلات مع الطبقات غير البروليتارية، وذلك لتفسيخ هذه الطبقات، وإعطاء وقت للثورة، وحشد قواها وتهيئة الظروف لهجوم جديد. إن هذا الطريق هو، إلى حد ما، طريق إصلاحي، ذلك شيء لا يمكن إنكاره. غير أنه من الواجب أن نتذكر أننا هنا أمام خاصة أساسية، هي أن الإصلاح صادر عن السلطة البروليتارية، وأنه يقوي السلطة البروليتارية، ويعطيها الهدنة الكافية، وليس من شأنه تفسيخ الثورة، بل تفسيخ الطبقات غير البروليتارية. وهكذا، فالإصلاح، في هذه الظروف، ينقلب إلى عكسه.
إن تطبيق سياسة كهذه من جانب السلطة البروليتارية، يصبح ممكناً لسبب واحد هو أن نهوض الثورة كان، في المرحلة السابقة، كبيراً إلى حد كاف، وقد أعطى الثورة مدى واسعاً كافياً تستطيع معه أن تتراجع، بالاستعاضة عن تاكتيك الهجوم بتاكتيك التراجع المؤقت، تاكتيك الحركات الجانبية.
هكذا إذن، إذا كانت الإصلاحات، في السابق، تحت الحكم البرجوازي، نتاجاً ثانوياً للثورة، فالآن، تحت ديكتاتورية البروليتاريا، تكون الانتصارات الثورية للبروليتاريا، تكون الاحتياطيات المتكدسة في أيدي البروليتارية والمؤلفة من هذه الانتصارات، منبعاً للإصلاحات.
يقول لينين:
إن الماركسية وحدها، تحدد، بشكل دقيق وصحيح، العلاقة بين الإصلاحات والثورة. ولم يستطع ماركس أن يرى هذه العلاقة إلا من جانب واحد أي في الظروف السابقة لانتصار البروليتاريا إنتصاراً وطيداً إلى حد ما، ودائماً إلى حد ما، في بلد واحد على الأقل، ففي تلك الظروف، كانت هذه العلاقة الصحيحة ترتكز على المبدأ التالي وهو: إن الإصلاحات هي النتاج الثانوي لنضال البروليتاريا الطبقي الثوري. أما بعد انتصار البروليتاريا في بلد واحد على الأقل، فيبرز شيء جديد في العلاقة بين الإصلاحات والثورة. ومن حيث المبدأ، يبقى كل شيء كما كان سابقاً. ولكن يحدث تغيير في الشكل ما كان ماركس ليستطيع التنبؤ به، ولكن لا يمكن إدراك هذا التغيير إلا على أساس فلسفة الماركسية وسياستها. ... فهي (أي الإصلاحات – ملاحظة من ي. ستالين). بعد الانتصار (مع بقائها ذلك النتاج الثانوي نفسه من وجهة النظر العالمية) تؤلف فوق ذلك، بالنسبة للبلد الذي تم فيه الانتصار، هدنة لا بد منها، هدنة مشروعة عندما تصبح القوى، عقيب توتر شديد إلى الحد الأقصى، غير كافية، بصورة جلية، لتحقيق هذا الانعطاف أو ذاك، بالطريق الثوري. إن الانتصار يعطي ذخراً في القوى يسمح بالثبات حتى خلال تراجع اضطراري – الثبات سواء بمعناه المادي أو بمعناه المعنوي (لينين: حول أهمية الذهب – المؤلفات الكاملة – المجلد 27، ص 84 – 85).




(32) الأوتزوفية: (من الكلمة الروسية: أوتزوفات، أي استدعى) هي ميل برجوازي صغير انتهازي ظهر في صفوف الحزب البولشفي، خلال سنوات الرجعية (1908 – 1912)، وكان الأوتزوفيون يطالبون باستدعاء النواب الاشتراكيين الديمقراطيين من دوما الدولة، والتخلي عن العمل في النقابات وفي المنظمات العمالية العلنية الأخرى هيئة التعريب.
(33) راجع الهامش رقم 24
__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جوزيف, ستالين

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من هو ستالين الريح العاصف كتب السياسة و العلاقات الدوليه 12 April 1, 2012 06:09 PM
الاحلام والجنس نظرياتها عند فرويد - جوزيف جاسترو advocate كتب العلوم الطبيعية 12 September 10, 2009 06:21 AM
العالم جون باتيست جوزيف فوريي admin شخصيات اجنبية 0 February 17, 2007 04:12 AM


الساعة الآن 03:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر