فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم September 12, 2008, 07:26 AM
 
رثاء الى روح الشهيدة فدوى عايش يونس

إلى روح الشهيدة / فدوى عايش يونس

ليست قصة أو مقال أو مقطوعة شعر وكلمات منسوجة من وحي خيال الشاعر حين تسرقه ساعات الخلوة، إنها فدوى ... حلم بعمل صغير وفستان عروس أبيض داعبه عمرها الصغير بالثلاث والعشرين ربيعاً، لم يكن يعلم عايش بأنه أسماها فدوى لتكون فداء لأب وأم وأبناء ثلاثة عادوا لتوهم من المهجر، فاستقبلتهم هجمة قبلية، لتأبى فدوى إلا أن تحميهم وتتم فرحة عودتهم فتتلقاها في ظهرها وتنساب يديها الرقيقتين عن احتضان الطفلة ذات الثلاث أعوام كأنها تقول سأذهب هناك وتشهد بلسانها بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتلفظ آخر كلماتها " طخوني يا وليد "، ويظل صوت الصغيرة التي كانت تحتضنها تسأل أين فدوى؟ لترد عليها أمها التي باتت سكنت علامات الخوف في وجهها ذهبت إلى ألمانيا نحن جئنا وهي ذهبت... لم تفهم الصغيرة ولكنها كانت تستمع باهتمام لكل مرة تروي فيها الأم القصة للمعزين، هل تدخر في عقلها الكلمات حتى تكبر وتحللها أم ستكتب عنها قصة، أم أن آثار الدم التي تناثرت على جسدها لازالت تؤرق ليلها الصغير فلا تنم...

لم تكن تعلم فدوى أنها حين تعود للبيت في هذه السيارة الصغيرة التي حلم زوج أختها بأن يشتريها ستلقى هناك آخر لحظات من حياتها، وكذلك زوج أختها الذي طلب من زوجته أن لا يُقل فدوى معه لأنه سيُغير اتجاه الطريق، ربما لم يكتشف أن لديه حدس قوي إلا في هذه اللحظات التي فارقت فيها فدوى الحياة في المقعد الخلفي من سيارته...

كنت قد قابلتها منذ عامين في مكان ما، وقبل أسابيع رأيتها في بيتهم حيث كنت أجري لقاء مع والدها الشيخ عايش يونس حول قريتهم بربرة، وتحدثت إليّ وحدثتها، قلت لها أن وجهها وجه عروس، سرت باتجاه الباب وهي ترافقني، وودعتني بضحكة وأُلفة، وقد وعدتها بأن أزورهم في مرة قادمة، والقدر يسترق السمع خلف الباب ويقول لن تقابليها أبداً بعد اليوم، وأنا لا أعلم ولم أنصت له لأصغي لقوله..

حدثني والدها عن داليات العنب في قرية بربرة، وقال لي بأنه قبيل الهجرة قد كان لسان حاله يقول: " كل من أرضك من عنبك كآخر سنة تأكل منها "، وتذكرت فدوى حين كنت أَهِم بالخروج من البيت وهي تلف أوراق العنب لتطهوه طعاماً الغذاء لأبيها الذي لازال يحن لعنب بربرة والعودة إليها..
وقد ارتبط مصير الكلمات التي قالها كل من أرضك من عنبك كآخر سنة تأكل منها بمصير أوراق العنب التي كانت تلفها فدوى لتكون آخر ما أكلته من نتاج العنب، فهل هكذا نسجت النهاية في الأوراق والأقلام ؟...

لم تفكر يوماً فدوى بأن النيران التي أُضرمت في كل مكان من قطاعنا الصغير، سوف تتحول يوماً لإخطبوط شرس لا يفرق بين قلب وحجر، ولا يضع حدوداً لطفل ولا تقديراً لشيخ كبير، أو امرأة في منتصف عمرها تبحث عن الأمان، ولم تظن أن هذه النيران ستصيبها يوماً من قريب أو بعيد، أو حتى تقترب من جسدها فتصيبه بوخز خفيف، لكن هذه المرة الحدث فاق كل التوقعات وكل الظنون، فاز على كل قصيدة كتبت وكل قصة نسجت وكل كلمة صدعت ، وتُوِج الأول حدث لم يتصوره عقل فدوى ولم يخطر ببالها أبداً، في هذه المرة تفوق الحدث على واقعه صنع لنفسه زلزالاً، أحرق الأرض، ضرب في السماء، أرعد الشجر، قلب كل المعطيات والموازين وصنع لنفسه شيئاً آخر لم تدركه فدوى أبداً....

الحدث في هذه المرة اغتيال وقتل عمد، الحدث إنسان يموت دون نفسه، الحدث مغدورة في حضن المخيم برصاص صديق لا عدو، الحدث قتل دون النفس، وعما ألوان قوي لم يميز شيء، فأخذ الأخضر واليابس ألم يصبح في نظره كلهم سواء؟...

الحدث قتل طرحة عروس وفستان أبيض، وحلم وثلاث وعشرين عاماً، الحدث رجلاً وقوراً يحمل في صدره تاريخ بلاده، رجل احتوى قتل البراءة بقلبه وصمت، كتم ألماً ودموعاً في عينيه وروحه وصمد ... الحدث أمٌ لا تقوى على صدمة فقدان فلذة كبد، الحدث إخوان في الغربة تتراشقهم نشرات الأخبار والخبر العاجل في مقتل شقيقتهم فدوى ... هذا هو الحدث..

ما ذنب عمرها الصغير وجلبابها الأسود؟ ما ذنب حلم في عقلها وأمل؟ ما ذنب جدران البيت كي تحرم صوتها كل صباح؟ " وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ "

هل تدمع العين أم يدمع القلب، أم ينهار العقل فيبكي لا بل يصرخ ويصب الآهات في كل شارع من المخيم، المخيم الذي أصبح يُسكن في جوفه موتاً للأبرياء ...

لماذا تقتل فدوى، ويتراشق دمها ويختفي لونه في السواد؟ ولماذا تختفي الحقائق في شوارعنا وبيوتنا ومخيماتنا، ولا أحد يعلم ولا أحد يتحمل مسئولية فعلته...

فدوى أعتذر منك يا فدوى واعتذاري لا يجدي ... أعتذر لأن الدم الذي تناثر من جسدك حتى اندفع من فمك لم يكن دماً بل كان لوناً أحمراً فحسب ... أعتذر لأن الرصاصات التي اخترقت جسدك الطاهر ليس لها مصدر ... سامحينا في بيت العزاء الذي لم يفتح ... ولا تجزعي ولا تحزني قاتلك يا فدوى في ظالم ... الغدر في عينيه والحقد في قلبه ويديه والموت يسري في شرايينه ... قاتلك فدوى لن يترك آمناً ... ستدك فراشه كل يوم آيات كريمات من كتاب محكم التنزيل من رب العالمين " بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ "...
ومهما طال به الزمن ومرت عليه السنون لن يفلت من عقاب كبير وعاقبة وخيمة ليس من بشر ولكن من رب كبير لا يغفل ولا ينام...

اعذرينا وإنا نحتسبك عند الله، وإن الله لا يضيع عباده ، حسبي الله ونعم الوكيل...

إلى روح الشهيدة / فدوى عايش يونس
رحمها الله

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشهيدة, يونس, رثاء, روح, عايز, فيني

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وفاة الفنان يونس شلبي مطر الربيع المواضيع العامه 3 June 21, 2010 06:04 AM
من هي الشهيدة دلال المغربي التي مثل الحقير باراك بجسدها الطاهر؟؟ القدس العتيقة شخصيات عربية 11 December 15, 2008 12:07 AM
رثاء رجل لم يمت.؟؟!!! عبد الله البرغو شعر و نثر 0 August 10, 2008 10:15 AM


الساعة الآن 03:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر