فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم July 27, 2008, 01:56 AM
 
"بعوض في المدينة " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )

بعوضٌ في المدينةِ

مثقلا بالوَهَنِ و الصمتِ وَقَف "العُبَيْدي" بإعياءٍ أمامَ مرآته ، ككل يومٍ يعاينُ آثارَ مرضٍ جَديدٍ و ذُبولٍ يَشتَدُّ ، يسأل واقفًا أمامَه :" متى ينتهي كل هذا ؟" لم يُجِبْهُ بل واصَلَ معاينةَ شحوبٍ يزدادُ زحفًا على وجهٍ هزيلٍ .. اقترب من النافذة الصغيرة الوحيدة في غرفته مطاردًا لشعاعِ شمسٍ بسيط يدخل بمشقة إليها فانتبهَ إلى عبوة مبيدِ الحشراتِ فتذكَّر أنه استوفاها البارحةَ في معركةٍ فاشلةٍ مع البعوض .. انكسرت جَبهاتُه أمامَ زحفٍ لا قِبَلَ له به .. آثرَ بعدها طلبَ الصلح مقابل التنازل عن دَمِهِ ، و اعتبرَ نفسَه منتصِرًا .. ذراعاه و رقبته شهوده ، بعوضٌ حقيرٌ لكنه امتصَّ دِماءَه .. كل ليلةً يتنادى إلى وليمةٍ على جسده ، و كل ليلة تنكسرُ مقاومتُه أمام جحافله ، أحيانا تحدِّثُ "العُبَيْدي" نفسُه أنه قد استأثَرَ بِبَعوضِ البلادِ و أن الباقين لابد قد أرَّقهم غيابُه عنهم و خشِيَ أن يُشتَكَى في المحاكم ، يصبح امتصاصُ البعوضِ لدمِكَ كالإدمان لا تستطيع عنه صبرًا .. تماما مثلما يصبح استنشاقُ الهواءِ النقيِّ هو الذي يرهِقُ رِئاتِنا .. تناهى إلى مَسمَعِهِ طنينٌ يعرِفه جيدًا .. عجبًا ألم يكفِهِ ما نال مِنِّي البارحةَ ؟.. هكذا سأل نفسه متوَجِّعًا .. كانت تُحلِّق بمفردِها لا تكاد تَبينُ ، تساءَلَ جادًّا : أي فائدةٍ في خلقِ البعوضِ؟ و ما فائدةُ جهازِها البَصري و الهضمي و.. التناسُلي ..؟ ثم سرعانَ ما تراجع مستغفِرًا ..
اقتربت البعوضةُ كثيرًا و ارتفعَ طنينُها حتى أصبحَ أشبهَ بهديرِ طائرةٍ ، هشَّ بيدَيْهِ حتى دونَ أن يُحدِّدَ مكانَها لكنه أَحسَّ بوخزةٍ حادةٍ في قَفاه فأسرعَت يدُه إلى هنالكَ في حينِ ارتفعَ صوتُهُ باللعنةِ .. وخزةٌ أخرى في ذراعِِه و هذه ثالثةٌ في رجلِهِ .. تسارعَت كفَّاه تَتبِعان البعوضةَ على كامِلِ جَسدِه .. استبدَّ بِهِ الألمُ و نظرَ إلى نفسِه في المرآة فرأى جثةً ..
لمح وراءَه البعوضةَ و قد انتفخت قليلا فتملكَهُ الخوفُ ..رباه كيفَ صار حجمُها كبيرًا ؟ و لكنَّ مصيبةَ" العُبَيْدي" لم تَكُن إلا في بدايتِها فقد كانت البعوضةُ كلما امتصت قليلا من دمِه ازداد تضخُّمُ حجمِها .. حتى أصبَحَت بِحجمِ قطٍ لم يَعُد قادرًا على مدِّ يَدَيْهِ حتى لحمايةِ وجهِهِ .. تثاقَلَت حركاتُه.. وقعت البعوضةُ المُثقَلَةُ على كَتِفَيه و واصلت إيذاءه، أخذَ يترنَّحُ فلم يعد يستطيعُ تحمُّلَ كل ذلك الألمِ ، حاولَ الانتفاضَ و الاهتزازَ حتَّى يتخلَّصَ من الثِّقَلِ فإذا بها تزدادُ تشبثًا به .. أراد أن يصيحَ مستنجِدًا و لكن لم تصدر عنه سوى همهماتٍ خاويةٍ ، أراد َ التراجُعَ بحدَّةٍ على الجِدارِ ليهرُسَها لكنَّ الخبيثةَ تحولت إلى الأمام و جثمت على صدرِه فأصبحَ يتنفَّسُ بعُسرٍ شديدٍ ، وبدأت همهماتُه تخفُتُ تدريجيًّا و البعوضةُ اللعينةُ لا تزالُ تتضخَّمُ و تزحفُ على جسدِهِ و أحسَّ بقوائِمِها تُطبِقُ ضاغطةً على رقبتِهِ بحقدٍٍ غريبٍ ، ثمَّ أوقعت أجنحتَها على فمِهِ فلم يعُد قادراً حتى على الصُّراخِ و على عينَيهِ فمنعَته من الرؤيةِ و على أذنَيْهِ فلم يَعُد يسمَع .. ثم وَقَعَ على الأرض و لم يَصدُر عنه صوتٌ ..
في تلك الليلةِ غادَرَ البعوضُ مكامِنَه بحثًا عن ولائمَ كعادتِهِ .. طال بحثُه في الأزقةِ و الدورِ و حتى القصورِ و لكن دونَ جدوى .. كان البعوضُ المتضخِّمُ قد استنفدَ ما في الأنحاءِ من بشرٍ ..


فيصل الزوايدي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لفيصل, الزوايدي, بعوض في المدينة, تونس, قصة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الاصدار الثاني لفيصل الزوايدي " قلعة الأرض " فيصل الزوايدي روايات و قصص منشورة ومنقولة 2 April 19, 2009 06:34 PM
الاصدار الأول لفيصل الزوايدي فيصل الزوايدي روايات و قصص منشورة ومنقولة 6 July 28, 2008 05:33 PM
سهم "المدينة الاقتصادية" يعيد ترتيب سوق الأسهم السعودية بو راكان علم الاقتصاد 3 October 16, 2006 05:56 AM
المدينة الاقتصادية تكسر رقم "ينساب" القياسي وتستقطب 10 ملايين مواطن بو راكان علم الاقتصاد 2 August 7, 2006 02:32 PM


الساعة الآن 01:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر