الفرق بين الثقافة والعلم

عبد الحميد ابراهيم · #1 April 20, 2018, 10:06 PM

الفرق بين الثقافة والعلم

الثقافة لغة هي : الحذقُ والفطنة فتقول ثقُفَ الرجل ، وسرعة أخذ العلم وفهمه، والتأديبُ والتهذيب ، وتقويم المعوج ، وأدراك الشيئ والحصول عليه في قوله تعالى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} البقرة191

وأما معناها الإصطلاحي فهو أوسع من معناها اللغوي ، ويختلف تعريف الثقافة بإختلاف مجالات الدراسة أو بإختلاف إهتماماتها سواء أكانت تاريخية أو فلسفية بحسب إختلاف المدارس والإتجاهات الثقافية في العالم ، وقد أشار ( مالك بن بني ) في كتابه مشكلة الثقافه ص 37 إلى إثنتين من هذه المدارس وهما المدرسة الغربية الرأسمالية والتي ترى أن الثقافة هي : إنعكاس لفلسفة الفرد وفكره ، والمدرسة الماركسية التي ترى أن الثقافة هي إنعكاس لفلسفة المجتمع .

أما الثقافة عندنا فهي المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والإستنباط والتي تشكل الفكر الشامل للإنسان فتكسبه أسباب الرقي ، مثل التاريخ والأدب والتفسير والفنون واللغة والفقه والحديث .

وأما العلم لغة : عَلِمَ الرجل علماً ، إذا حصلت له حقيقة العلم وعلم بالشيئ عرفه ، وأعلمه الأمر : أطلعه عليه

وأما إصطلاحاً فإنه المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظةِ والتجربة والاستنتاج ، كعلم الطبيعة والكيمياء ،وسائر العلوم التجريبية .

وإذا أردنا أن نعقد مقارنة ما بين العلم والثقافة فإننا نجد أنهما يتماثلان بوصفهما معرفة ويختلفان في :-

1 – ان العلم عالمي لا وطن له ولا أم ، فلا تختص به أمة من الأمم دون الأخرى ، وإنما هو مشترك بين جميع الأمم ، أما الثقافة فهي خاصة بأمة معينة
2 – إن العلم يؤخذ أخذاً عالمياً دون قيود ، لأنه محصلة إسهام الأمم كلها ، خلافاً للثقافة التي لا يجوز أخذها من الأمم الأخرى .
3 – إن العلم معرفي أكثر منه عملي ، في حين أن الثقافة سلوك أكثر منها معرفة ، فهي علم وعمل فكر وسلوك في وقت واحد .
4 – إن العلم جزء من الثقافة لأنه لا يتصف بصفة واحدة مميزة كما هو حال الثقافة التي هي أعم وأشمل .

إن الذي تعلم معرفة تتعلق بعلم من العلوم مثل هندسة أو رياضيات أو كيمياء وبرع فيها ليسَ بالضرورةِ أن يكون مثقفاً ، بل أنه قد أدرك جانباً من جوانب الثقافة وأغفل جوانب أخرى ، لعدم إدراكه الفرق بين الثقافة العلم ، فلا يجوز الخلط بينهما ، لأن ذلك تصور خاطئ يجعل الثقافة محصورة في فئةٍ محددة من بناء المجتمع ، مع العلم بأن الثقافة تشمل المجتمع وتعبر عنه في شتى مناحي حياتها .

إن الثقافة الإسلامية هي طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون في جميع مجالات حياتهم
وفقاً للإسلام وتصوراته ، سواء في المجال المادي الذي يعرفُ بالمدينة ، أو في المجال الروحي أو الفكري والذي يعرف بالحضارة ، وبذلك تشمل الثقافة الإسلامية العلم والعمل والفكر والسلوك القائم على الإسلام وتعاليمه وتوجيهاته أوامر ونواهٍ من الله .

وكذلك حصل الخلط بين المدنية والثقافة فإن المدنية هي الاشكال المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة المختلفة ، وهي في عرفنا المظهر المادي من الحياه والأشكال المادية الإنتاجية وهي نوعان خاصة وعامة فأما المدنية العامة فهي الناشئة عن العلم والصناعة والتطبيقات العملية في الحياة كأدوات الحفر والصناعات والنسيج ، وهي ما يحتاجه الانسانُ من أشياء مادية لتأمين متطلبات حياته ، فيأخذها الإنسان دون حرج أو قيد ، لعدم تعلقها بفكر وإنما تعلقت بعلم وقوانين .

وأما المدنية الخاصة فهي مدنية نشأت عن علم وصناعة غير أنها تمثل فكراً معيناً أو وجهة نظر أمة من الأمم فإن أي ناتج مادي يقترن بإشارة أو علامة خاصة تمثل وجة نظر أمة معينةٍ فإنه يتحول بموجبها من مدنية عامة إلى مدنية خاصة بسبب هذه العلامة أو الإشارة .

وذلك مثل الكأس الزجاجي فإنه مدنية عامة فإذا رسمت عليه إمرأة عارية فإنه يتحول بسببها إلى مدنية خاصة تمثل وجهة نظر أمة معينة وبالاختصار فإن المدنية تمثل الجانب المادي من الثقافة .

يتبع بإذن الله تعالى

**جاروط** · #2 April 21, 2018, 07:40 PM

كلام جميل و مفيد
أسعدك الله
و حفظك

عبد الحميد ابراهيم · #3 April 21, 2018, 07:56 PM

بوركت استاذ جاروط
رفع الله قدرك

وقد حصل الخلط أيضاً بين الحضارة والمدنية واذا أردنا أن نعقد المقارنة بينهما يتبين لنا :-

1 – إن المدنية غير مرتبطة بفكر وإنما بالعقل المجرد الذي تنبثق عنه قوانين العلوم المختلفة ، وأنها ليست وليدة لخطة بل هي ظاهرة مادية ذات هوية عالمية لا يحددها إرتباط فكري معين .

2 – إن الحضارة تتعلق بفكر وغايات الأمة في حين أن المدنية تتعلق بوسائل الأمة في تحقيق غاياتها ، فبمقدور الحضارة أن تتحكم في المدنية و توجهها الوجهة التي تريدها ... فالطاقة الذرية مدنية باعتبارها اكتشاف عقلي يمكن للحضارة أن تجعل منها اداة خير لخدمة الانسان أو تجعل منها اداة شرّ و دمار لحياة الانسان و سبباً لشقائه .

3- إن المدنية تقبل التوارث و الانتقال من جيل إلى جيل ، حيث يبدأ كل جيل مدنيته من النقطة التي انتهى إليها الجيل السابق و يضيف عليها و أما الحضارة فيصعب انتشارها من مجتمع إلى آخر .

و الخلاصة حتى لا يحصل الخلط بين الثقافة و الحضارة و المدنية :-

1- إن الثقافة أعم و أشمل من الحضارة و المدنية .

2- إن الحضارة تمثل الجانب الفكري و المعنوي من الثقافة ، في حين تمثل المدنية الجانب المادي من الثقافة .

3- إن الحضارة هي الأصل و هي تمثل غايات الأمة في حين أن المدنية تابعة للحضارة و هي تمثل وسائل الأمة في تحقيق غاياتها و أن الحضارة تتحكم في المدنية و توجهها الوجهة التي تريدها إما إلى خير .. و إما إلى شرّ .

وقد يتسائل البعض عن العلاقة بين الثقافة والحضارة وأيهما أشمل فنقول ان الثقافة تشمل الحضارة ، إذ أن الحضارة تحلل الجانب الفكري أو المعنوي من الثقافة ، والثقافة تتصل بحياة الأفراد والمجتمعات بجوانبها الفكرية والمادية ، وأما الحضارة فهي مجموع المفاهيم النابعة من وجهة نظر أمة من الأمم فتتصل بقدرة الفرد أو المجتمع على فهم الحياة .

وضمن هذا الإطار المتميز للإسلام فإن له طريقة متميزة في دراسة لثقافة يمكن تخليصها في ثلاث نقاط : -

1 – دراسة الأشياء بعمق حتى تدرك حقائقها إدراكاً صحيحاً ، لأن هذه الثقافة فكرية عميقة الجذور ويحتاج دارسها إلى صبر وتحمل فإن اللغة العربية يحتاج فهمها إلى فهم جناسها وطباقها وبلاغتها وفهم الحقيقة والمجاز ...... وهكذا .

2 – ان يؤمن الدارس بما يدرس ، حتى يعمل به ، يعني أن يصدق الحقائق تصديقاً جازماً إذا كانت مما يتعلق بالعقيدة وأن يغلب على ظنه مطابقتها للواقع إذا كانت من غير العقائد كالأحكام والآداب ، ولكن يجب أن تكون مستندة إلى أصل معتقد به إعتقاداً جازما .... فكان من جراء ذلك جعل الإعتقاد أساساً في اخذ الثقافة الإسلامية .

إن التصديق الجازم بهذه الافكار يجعل الإرتباط الحتمي الذي يجري طبيعياً عند الإنسان بين واقعه والمفاهيم الموجودة لديه عن الأشياء مربوطاً بهذه الأفكار بإعتبارها معاني عن الحياة ..... فيندفع بحماسة وشوق للعمل بهذه الأفكار ، ويكون التأثير الهائل لهذه الثقافة في النفوس ..... إذ تتحرك المشاعر نحو الواقع الذي تضمنه الفكر ، لأن الإعتقاد بها هو ربط المشاعر بمفاهيمها فيحصل حينئذٍ الاندفاع .

3 – ان يدرسها الشخص دراسة عملية تعالج الواقع المدرك المحسوس ، لا دراسة مبنية على فروض نظرية لا واقع لها إذ أن الفكر هو حكم على واقع وليسَ حكماً على إفتراض .

لقد قلنا أن دراسة الثقافة الإسلامية واجبة على المسلم من حيث كونها أساساً للتثقيف ، ومباح للمسلم دراسة الثقافات غير الإسلامية ، إلا أنه يجب أن يدرك ان تكون الشخصية الإسلامية المركز الأساسي الذي يدور حوله إكتساب أي ثقافة .

لقد أدرك المسلمونَ هذا الأمر حين فتحوا فارس والعراق وبلاد الشام ومصر وشمالي إفريقيا والأندلس ، وكانت هذه البلاد مختلفة اللغات والقوميات والثقافات والعادات ، وحين فتحها المسلمون حملوا إليها الدعوةَ الإسلامية ، وطبقوا عليها نظام الإسلام ، ولم يكرهوا أهلها على الإسلام ، إلا ان قوة الإسلام وبساطته وصدقه أثر فيهم ودخلوا في دين الله أفواجا ، وصارت البلاد المفتوحة بلداً واحداً بعدما كانت بلاداً متعدده ، وصارت الشعوب المتعددة أمة واحده ...... وهنا حاول المستشرقون أن يدخلوا سمومهم ليوقعوا بشباكهم بعضاً من علماء المسلمين حين قالوا إن الثقافات الأجنبية من فارسية ، ورومانية ويونانية وهندية وغيرها أثرت في الثقافة الإسلامية .

إن من التضليل ذلك التعليل الذي يقدمونه من أن كثيراً من هذه الثقافات قد دخلت في الثقافة الإسلامية ، والواقع أن الثقافة الإسلامية دخلت البلاد المفتوحة وأثرت في ثقافاتها تأثيراً تاماً ، ثم إنمسحت هذه الثقافات ، وصارت الثقافة الإسلامية وحدها ثقافة هذه البلاد .

أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق
انواع عرض الموضوع
العرض العادي الانتقال إلى العرض المتطور الانتقال إلى العرض الشجري

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
الفرق بين النبي والرسول , الفرق بين الرسول والنبي	Yaqot	النصح و التوعيه	2	January 9, 2015 01:51 AM
نصائح لتربية الطفل على الثقافة الدينية غرس الثقافة الدينية في الطفل،وسائل تنمية الثقافة ال	ReeMi	الاسرة والمجتمع	0	October 1, 2013 07:01 PM

الفرق بين الثقافة والعلم

النصح و التوعيه