فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم December 24, 2017, 07:21 PM
 
الحل الإسلامي لمحاربة التطرف والغلو- الحلقة الثالثة الغلو والانحراف الفكري الديني-سيد مبار

الحل الإسلامي لمحاربة التطرف والغلو- الحلقة الثالثة
الغلو والانحراف الفكري الديني في ميزان الشريعة(1)

إنَّ الحمد لله نحمده، ونَسْتعينه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد: هذه هي الحلقة الثالثة وبعد أن بينا حقيقة الغلو والانحراف الفكري الديني نبين في هذه الحلقة كل منهما من منظور الشريعة الربانية مع بيان الأسباب والعلاج ونبدأ بحول الله وقوته ونبين في هذه الحلقة الغلو الديني واسبابه وطرق علاجه عي ان نجعل الحلقات القادمة من هذا البحث في بيان الغلو والانحراف الفكري المادي ووسائل علاجه .
ومما ينبغي التنبيه إليه هنا أن الغلو والانحراف الفكري الديني كلاهما خروج عن حد التوسط والاعتدال ومخالفة الشريعة الربانية وسبق بيان ذلك لذا نجمع بينهما هنا في بيان الأسباب والعلاج من مختلف الجوانب ثم نتبعه ببيان الانحراف الفكري المادي منفصلاً والله المستعان وعليه التكلان.
أولاً: الغلو والانحراف الفكري الديني الأسباب والعلاج بتحكيم الشريعة:
قلنا إن الغلو نوعين غلو اعتقادي كلي والآخر غلو عملي جزئي، والغلو الاعتقادي هو الأخطر لارتباطه بالعقيدة وهو غلو من جهة وانحراف من جهة أخري لأسباب سوف نبينها في هذا البحث، ونبدأ ببيان الغلو والانحراف الاعتقادي الديني ومظاهره واسبابه وعلاجه بتحكيم الشريعة الربانية والله المستعان.
1-الغلو والانحراف الفكري الديني الاعتقادي:
أن انحرف الفكر العقدي والغلو فيه أمر من شأنه أن ينحرِف بالعبد عن العقيدة الصحيحة وثوابتها وينتهج المرء نهجاً بدعياً بوازع الهوى أو العقل المحض دون النظر إلي النصوص، ومن أعظم مظاهره الجهل والتقليد وتقديم العقل علي النقل وعدم الاهتداء بهدي النبي-صلي الله عليه وسلم-.
-وللمفكر الجزائري مالك بن نبي-رحمه الله- كلام طيب في هذا الصدد قال: من المعروف أن القرآن الكريم قد أطلق اسم الجاهلية على الفترة التي كانت قبل الإسلام، ولم يشفع لهم شعر رائع، وأدب فذ، من أن يصفهم القرآن بهذا الوصف، لأن التراث الثقافي العربي لم يكن يحوي سوى الديباجة المشرقة، الخالية من كل عنصر "خلاق" أو فكر عميق. وإذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكارا، بل ينصب أصناما، وهذا هو شأن الجاهلية، فلم يكن من باب الصدفة المحضة أن تكون الشعوب البدائية وثنية ساذجة، ولم يكن عجيبا أيضا أن مر الشعب العربي بتلك المرحلة، حين شيد معبدا للأقطاب (الدراويش) المتصرفين في الكون، ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم، والعكس صحيح أحيانا.اهـ(1 )
قلت: ولا ريب أن الاعتقاد بأمور مثل الاستغاثة به -صلى الله عليه وسلم-، وتعليق التمائم دفعا للضرر في السيارات والبيوت أو في الغلو في الصالحين والأولياء وما اشبه ذلك من الأعمال والأقوال من هي عين الشرك الذي حذر منه نبينا –صلي الله عليه وسلم-فالشرك من كبائر الذنوب بل هو الذنب الذي لا يغفره الله لصاحبه إلا لمن تاب وآمن وعمل صالحاً كما قال تعالي: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (2 )
وقال النبي –صلي الله عليه وسلم-"قال الله تبارك وتعالي أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ( 3)
ومن صور هذا الانحراف والغلو العقدي في عالمنا الإسلامي:
- ما ابتلت به الأمة قديما وحديثا من هذا الغلو والانحراف الديني العقدي من الفرق الضالة كالمرجئة وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أن الإيمان لا يضر معه ذنب كما لا تنفع مع الكفر.
وكذلك المعتزلة والخوارج غلوا في الأسماء والأحكام وغيرهم كالأشاعرة والجهمية كانت لهم انحرافات عقدية اخرجتهم من اتباع خبر الهدي هدي النبي –صلي الله عليه وسلم-لهدي الشيطان فضلوا الطريق في توحيد الله تعالي كما أمر وشرع.
ولا يغيب عنا الصوفية التي ظهرت وانتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري وكانت تدعو إلي الزهد والتقشف والمغالاة في العبادة ثم تطورت وانقسمت إلي طوائف وطرق كل طريقة لها شيخها وأقطابها الذين يشد إتباعها الرحال إليهم يدعونهم ويستغيثون بهم من دون الله تعالي وتذبح لهم الذبائح وكل هذا شرك أكبر، ومن غرائب هذه الطرق الضالة عن المنهج القويم أن لكل طريقة أذكارها وصلوتها ومساجدها في تعبدها لله تعالي للوصول إلي معرفته –جل شانه- عن طريق الكشف والمشاهدة والمنامات والخرافات وترك اتباع الوسائل الشرعية وبالتالي انحرفت بأفكارها عن العقيدة الصحيحة.
والشيعة كالصوفية التي نراها اليوم بل هم وجهان لعملة واحدة والمطلع على حقيقة مذاهب الصوفية، وعلى حقيقة مذاهب التشيع يجد أن المذهبين ينبعان من أصل واحد تقريباً ويهدفان في النهاية إلى غاية واحدة وبلغ التعصب والكفر بهما أن انحرفوا عن جوهر العقيدة والشريعة.
ومن أوجه الشبه بينهما:
تعظيم القبور والأضرحة والسجود لها والدعاء والاستعانة بهم من دون الله تعالي، وكذلك الذبح لغير الله والمغالاة بأهل بيت النبي-صلي الله عليه وسلم-وغير ذلك كثير نبين بعضه في السطور التالية.
ونطرح هنا أسباب هذا الغلو والانحراف الفكري العقدي بإيجاز شديد ثم نبين طرق علاجه بالشرح والبيان والله المستعان.
أسباب الغلو والانحراف الديني العقدي وعلاجه:
بادئ ذي بد نقول إن هناك أسباب كثيرة لا تسمح به هذه العجالة ولكن نطرح بعضها هنا مما نراه ونلمسه وعلاجه في نفس الوقت والله المستعان:
1-الغلو في الأشخاص والاقطاب:
والمقصود في الغلو فيهم رفعهم لمقام يخرجهم عن بشريتهم سواء كانوا أنبياء أو أولياء أو صالحين أو غير ذلك:
يقول تعالي لنبيه -صلي الله عليه وسلم-: ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )( 4)
فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.
فما حال من هو دونه في المقام والمنـزلة والعبودية لله -تعالي-من أقطاب الصوفية وأولياء الله الذين يتوسل بهم الناس لجلب نفع أو دفع ضر !!
حقاً إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
-يقول ابن تيمية –رحمه الله-ما مختصره وبتصرف يسير: ثم إن الغلو في الأنبياء والصالحين قد وقع في طوائف من ضلّال المتعبدة والمتصوفة، حتى خالط كثيرا منهم من مذهب الحلول والاتحاد ما هو أقبح من قول النصارى أو مثله أو دونه .
ثم أضاف-رحمه الله-:
وكثير من أتباع المتعبدة يطيع بعض المعظمين عنده في كل ما يأمر به وإن تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال، وقال سبحانه عن الضالين: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ }( 5) .
وقد ابتلي طوائف من المسلمين من الرهبانية المبتدعة بما الله به عليم.اهـ(6 )
قلت: والغلو في الأشخاص ورفعهم فوق مستوي البشر بل الجهر بصراحة أن الله تعالي يوحي إليهم كأنبيائه ورسله ويخبرهم بأسرار الشريعة من زعماء المتصوفة واقطابهم أمثال ابن عربي الصوفي ومن هو علي شاكلته يبثون أوهامهم وخرافاتهم علي أنها اسرار الهيه لا يعلمها غيرهم!
ونري في علاج هذا الغلو والانحراف بإعلام أهل العلم ممن يثق في علمهم وورعهم عن الدنيا وفتنة السلطان للناس الفرق بين أولياء الله وأولياء الشيطان وأن محبتهم تابعة لطاعتهم لله ورسوله وتحكيم شرعه في اقوالهم وأعمالهم.
ومن طرق العلاج التي لا ينبغي التهاون فيها بيان حقيقة متصوفة هذا العصر وما في اقوالهم وافعالهم من مخالفات شرعية انتشرت عند العامة وصار السكوت عليها وتكريم ومشاركة مشايخهم في احتفالاتهم البدعية وما فيها من منكرات لا تخفي علي القاصي والداني خيانة لأمر الله ورسوله وخنجر في جسد أمة التوحيد يؤدي حتماً إلي هلكتها علي المدي الطويل وضياع هويتها بتحكيم الشريعة الربانية وكفي بقول نبينا للحث والتحذير من التهاون في إصلاح وتقويم هؤلاء المنحرفين والمغالين في الشريعة بما هي منه براءة وبيان الحق وهو واضح جلي قوله –صلي الله عليه وسلم "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" (7 )
2- التأويل الفاسد للنصوص بالهوي والعقل:
التأويل العقلي الفاسد وغلبة الهوي السبب في الكثير من سفك الدماء والحقد والكراهية بين طوائف المسلمين خصوصا بين أهل السنة الذين يلتزمون بما كان عليه السلف بتحكيم الشريعة نصاً وروحا وبين غيرها من الطوائف كالصوفية التي تمقت أهل السنة كما لا يخفي لأعمالهم الشركية والبدعية وتأويلهم الفاسد بالهوي واتبعوا المتشابه من القرآن دون المحكم وخاضوا في تأويله ابتغاء الفتنة وزيادة الأتباع وتحججوا باحاديث لا تثبت عن الصادق المعصوم-صلي الله عليه وسلم- دون الرجوع لأهل العلم الربانيين الذي أوصاهم الله ورسوله بسؤالهم لانهم أعلم بمراد الله بتأويل المتشابه ورده للمحكم عكس هؤلاء الذين يردونه لأقوال مشايخهم والهوي
الذي يصد عن الحق ابتغاء الفتنة ونصرة مذهبهم وللتدليل علي بدعتهم كما قال تعالي:{ هُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أولُو الْأَلْبَابِ (7) }(8 )
ولا يغيب عنا كذلك الشيعة وانحرافاتها العقدية وتأويلهم للنصوص معروفه في كتبهم المعتبرة وكثيره هي الشواهد التي تبين تأويل الشيعة المنحرف لآيات القرآن الكريم، وفي تفاسيرهم المعتبرة عندهم، كتفسير القمي، وتفسير العياشي، وتفسير البرهان، وتفسير الصافي، أمثلة صارخة وغلو وانحراف لا يخفي عمن عقل ووعي وفيها تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان كما أن كتبهم المعتمدة في الحديث قد أخذت كثيراً من هذه التأويلات الفاسدة، وعلى رأسها أصول الكافي للكليني ، والبحار للمجلسي، وغيرهما من الكتب ومثال علي ذلك في تفسير قول الله -تعالي-:{ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْـزَلْنَا }( 9) أي: والقرآن الذي أنـزلنا على محمد صلى الله عليه وسلم هذا هو تفسير أهل السنة، ولكن تفسير الشيعة، يقولون: النور نور الأئمة( 10)هذا تفسير الشيعة للفظة (النور) في كتاب الله عز وجل.
وفي قوله تعالي:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}( 11) قالوا: العمل الصالح المعرفة بالأئمة، {ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} أي: يسلم لعلي ولا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله. (12 )
وأما الغلو في أئمته الاثني عشر فحدث ولا حرج فقد ذهبت الشيعة الأمامية الي الغلو في الأئمة الاثني عشر حتي قال الخوميني في كتابه " الحكومة الإسلامية":
"إن للإمام مقاما محمودا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرّات هذا الكون" وقال ايضاً في نفس الصفحة: "وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل" (13 )
قلت: كيف يستقيم عند أهل الإيمان أن يقال إن الأئمة أفضل من الملائكة والرسل والأنبياء، وأن لهم مقامات لم يبلغها الملائكة المقربون، ولا الأنبياء والمرسلون.
وهل هناك غلو شيعي أشد من هذا الغلو الذي كتبه الخميني وهو رمز من رموزهم وأمثاله من الشيعة ؟!
والحاصل أن الانحراف الفكري وتقديم العقل علي النص شاع في مجتمعاتنا المعاصرة وصار ظاهرة ، وينبغي للحد من هذا الانحراف أن يكون النص حجة والنظر العقلي تابعا له .
-يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "المتأولون أصناف عديدة، بحسب الباعث لهم على التأويل، وبحسب قصور أفهامهم ووفورها، وأعظمهم توغلاً في التأويل الباطل من فسد قصده وفهمه، فكلما ساء قصده وقصر فهمه، كان تأويله أشد انحرافًا، فمنهم من يكون تأويله لنوع هوى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق، ومنهم من يكون تأويله لنوع شبهة عرضت له أخفت عليه الحق، ومنهم من يجتمع له الأمران: الهوى في القصد، والشبهة في العلم".اهـ ( 14)
3-انتشار البدع والحدث في الدين.
البدعة أحب إلي ابليس من المعصية لأن المعصية لا تضر إلا صاحبها أم البدعة فتضر الامة لو انتشرت بين الناس فهي سبب كثيرا من التنطع والتشدد والمغالاة في الدين ومن ثم ينبغي لمن أراد الأتباع وليس الابتداع أن يطيع النبي صلى الله عليه وسلم -لقوله تعالي:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(15 )
-قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- في تفسيرها ما مختصره: أي: مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر.اهـ(16 )
قلت: ومن ثم كانت البدعة شر مستطير والعمل مردود علي صاحبه لقوله –صلي الله عليه وسلم-" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "(17 )
ومن الأدلة كذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- يحدث، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نهيتكم عنه، فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم»(18 ).
والطامة الكبرى في هذا الانحراف عن المنهج في تشجيع وإعانة الابتداع وأهله ما ذكره العلامة ابن العثيمين-رحمه الله-في شرحه لرياض الصالحين قال ما مختصره: وليعلم أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة:
أولاً: أن ما ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وقد قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}( 19)
ثانياً: أن في البدعة خروجاً عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}( 20) ، فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها، فيكون خارجاً عن شرعة الله فيما ابتدعه.
ثالثاً: أن البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمد رسول الله؛ لأن من حقق شهادة أن محمداً رسول الله فإنه لا يخرج عن التعبد بما جاء به، بل يلتزم شريعته ولا يتجاوزها ولا يقصر عنها، فمن قصر في الشريعة أو زاد فيها قصر في ابتاعه، إما بنقص أو زيادة، وحينئذ لا يحقق شهادة أن محمداً رسول الله.
رابعاً: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل , أنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}( 21)، فيقال لهذا المبتدع: أنت الآن أتيت بشريعة غير التي كمل عليها الإسلام، وهذا يتضمن الطعن في الإسلام وإن لم يكن الطعن فيه باللسان، لكن الطعن فيه هنا بالفعل، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أين الصحابة عن هذه العبادة التي ابتدعها؟ أهم جهل منها؟ أم في تقصير عنها؟ إذاً فهذا يكون طعناً في الشريعة الإسلامية.
خامساً: أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة أما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها، وحينئذ يكون جاهلاً، وإما أن يكون قد علم بها ولكنه كتمها، وحينئذ يكون كاتماً للرسالة أو بعضها، وهذا خطير جداً.
سادساً: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيئاً، وهذا يبتدع شيئاً، وهذا يبتدع شيئاً، كما هو الواقع الآن، فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(22 )، كل حزب يقول الحق معي، والضلال مع الآخر، وقد قال الله تعالى لنبيه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون َ}(23 ) .اهـ( 24)
قلت: والعلاج لهذه الطامة في أمرين علي الأقل وهما:
- الدعوة لاتخاذ النبي وحده الاسوة الحسنة كما قال تعالي:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }( 25) وأن النبي أمر أمته باتباعه وطاعته وليس غيره كما قال-صلي الله عليه وسلم-" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" ـ(26 )
والأمر الثاني: تجميع وتحقيق الأحاديث الشريفة المنتشرة علي السنة العامة والتي تنشر ويصورها الناس بحسن نية أو سوء نية الأمر سيان فكله كذب علي النبي-صلي الله عليه وسلم-وهو الذي قال من حديث أبي هريرة " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "( 27)
وكذلك كل ما ينشر وما يقال من قليل البضاعة والعلم من أحاديث في وسائل الإعلام المختلفة وجمعها ونشر تحقيقاتها من صحة وضعف من أهل الصنعة وعلماء الأمة الثقات علي العامة والخاصة بكل وسيلة ممكنة ومتابعة ذلك دوماً بلا ملل أو كلل ولو بتكليف لجنة من علماء الحديث وأهله تحت رعاية الدولة وأولياء الأمور فهذا في ظني كفيل بردع أهل الاهواء كالصوفية الذين يزيدون في الدين وجل عمدتهم أحاديث مكذوبة وموضوعة وتطفح بالشركيات والعياذ بالله.
فالمحافظة علي السنة حياة للامة من الهلكة التي تنشا بالابتداع والضلال وهجر السنن وهكذا كلما شاع بين الناس أحاديث منسوبة زوراً للنبي-صلي الله عليه وسلم-سارع العلماء بكشفها وتحقيقها ونشرها وبيان ما يصح وما لا يصح منها ليدرك الجميع من يتبع النبي-صلي الله عليه وسلم-ويلتمس هديه وسنته ممن يدعي محبته ويستحل الكذب عليه والابتداع في الدين والقول علي الله ورسوله بغير علم ولا كتاب منير.
وللحديث بقية أ ن شاء الله والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
----------------
(1 ) - انظر كتاب: "شروط النهضة "لمالك بن نبي(ص/28)- الناشر: دار الفكر-دمشق سورية- الطبعة: 1986م
(2 ) –النساء:48
(3 ) -أخرجه مسلم في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"-(برقم/ 2985)-باب من أشرك في عمله غير الله -تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي- نشر/ دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة الأولي سنة/ 1374هـ 1955م.
(4 ) – الأعراف:188
(5 ) –الحديد:27
(6 ) -انظر اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم(1/89-90 )-لشيخ الإسلام ابن تيمية -تحقيق :ناصر عبد الكريم العقل-الطبعة السابعة-نشر دار عالم الكتب-1419سنة هـ -1999م
(7 ) - سبق تخريجه برقم/97
( 8) –آل عمران:8
(9 ) –التغابن/:8
(10 ) - انظر "الكافي للكليني -كتاب الحجة، باب: أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل، المجلد الأول (ص/194 ).-تحقيق: تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین- نشر: دار الحديث-قمم-سنة النشر 1388 ش-الطبعة الأولي
(11 ) - الكهف:110
(12 ) - انظر تفسير العياش(2/379)-طبع مؤسسة الأعلمي للمطبوعات –بيروت –لبنان-الطبعة الأولي سنة:1411ه-1991م
(13 ) – انظر كتاب "الحكومة الإسلامية" للخوميني-ص 52 - طبعة القاهرة -سنة 1979
- انظر "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم الجوزية(4/193)-نشر دار الكتب العلمية – ييروت-تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم- الطبعة: الأولى، 1411هـ - 1991م
(14 ) - الحشر : 7
(15 ) - انظر "تفسير القرآن العظيم "للحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي(8/ 67)-تحقيق سامي بن محمد سلامة-دار طيبة للنشر والتوزيع –الطبعة الثانية (1420هـ - 1999 م)
( 16) -أخرجه مسلم في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"-(برقم/1718)- باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور -تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي- نشر/ دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة الأولي سنة/ 1374هـ 1955م.
(17 ) -أخرجه مسلم في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"-(برقم/1337)- باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه -تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي- نشر/ دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة الأولي سنة/ 1374هـ 1955م.
18 - يونس: 32
19 - آل عمران: 31
20 - المائدة: 3
21 - الروم: 32
23 - الأنعام: 159، 160
24 - انظر شرح رياض الصالحين(2/328)-باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور- لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين- نشر دار الوطن للنشر، الرياض -الطبعة: 1426 هـ
(25 ) -الأحزاب:21
(26 ) - أخرجه البخاري في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه " (برقم/ 7280)- باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم -تحقيق/ محمد زهير بن ناصر الناصر-نشر دار طوق النجاة /بيروت-لبنان-الطبعة: الأولى، 1422هـ
( 27) – وأخرجه مسلم "5" في مقدمة صحيحه عن علي بن حفص ومعاذ العنبري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود "4992"
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحل الإسلامي للغلو والتطرف الديني والمادي"الحلقة 1" حقيقة الغلو وانحرافات الفكر المادي ا الشيخ سيد مبارك المواضيع العامه 0 December 23, 2017 07:40 AM
الحل الإسلامي لمحاربة التطرف والغلو الديني والمادي سيد مبارك الشيخ سيد مبارك المواضيع العامه 0 December 22, 2017 07:52 PM
دورة صيغ التمويل الإسلامي الحلقة الثالثة السلم درر العلم علم الاقتصاد 9 October 23, 2011 04:43 AM
تحميل كتاب الحوار الديني ودوره في مواجهة التطرف الديني والإرهاب ألاء ياقوت كتب اسلاميه 0 July 13, 2010 05:41 PM
التطرف الدينى وظاهرة الارهاب (المقال الثانى) بوهديمة معلومات ثقافيه عامه 0 November 6, 2009 03:56 PM


الساعة الآن 07:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر