فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > تقنيات السعادة الشخصية و التفوق البشري > شخصيات في الذاكرة > شخصيات عربية



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم August 29, 2017, 08:09 PM
 
محمود درويش .. قلم ثائر في زمن عاصف




محمود درويش .. قلم ثائر في زمن عاصف



(وأنت تعدّ فطورك، فكّر بغيرك لا تنسَ قوت الحمام/ وأنت تخوض حروبك، فكّر بغيرك لا تنسَ من يطلبون السلام/ وأنت تسدّد فاتورة الماء، فكّر بغيرك مَنْ يَرضعون الغَمام/ وأنت تعود إلى البيت، بيتِك، فكّر بغيرك لا تنسَ شَعب الخيام/ وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكّر بغيرك، ثمّة من لم يجد حيّزاً للمنام/ وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكّر بغيرك من فقدوا حقّهم في الكلام/ وأنت تفكّر بالآخرين البعيدين، فكّر بنفسك، قل: ليتني شمعة في الظلام…)


حاولت أن أعرّف المعروف أصلاً، لكن فشلت.. حاولت أن أجد ما يناسبه من كلمات تنفع أن تكون مقدّمة لمقالي، لكن فشلت.. ثمّ وجدت أنّ بعضاً من حروفه قد يستطيع أن يذكّركم أن هذا الرجل.. وذاك القلم.. عبرا ذات يوم على الجرح المندّى برائحة السنديان.. أنّهما اتحدا في انتفاضة الروح الثائرة على وجع الظلم.. الروح الراغبة برحيل يشبه اشتعال طائر الفينيق ونهوضه من رماد الأرض الثكلى..

هكذا اتحدا.. هكذا مُلِئَ القلم من مداد القلب، وألقى شجونه على ورق الخريف نقطة نقطة.. وحرفاً حرفاً.. حتّى اكتمل الكلام..

ولادة شاعر..

على ضفاف وطن يغرق بالظلم، ولد محمود درويش، ليجد نفسه ابناً لساحات الموت والمنفى.. فقد كانت فلسطين نفسها منفى..

ولد محمود يوم الثالث عشر من آذار/مارس عام 1941 في قرية البروة في الجليل قرب ساحل عكا، حيث كانت أسرته تمتلك أرضاً هناك، ما لبثت أن هجرتها ورحلت مع الذين هجّروا إبان نكبة 1948، إلّا أنّ الأسرة عادت إلى أرضها بعد عام متسللة، بعد توقيع اتفاقيات الهدنة.. لكنّها لم تجد أرضاً، فقد دمّر الاحتلال القرية وأنشأ مكانها قرية إسرائيلية، فاضطرت الأسرة للحياة في قرية أخرى مجاورة، وهكذا صار الفتى -الذي كان لاجئاً في المنفى- لاجئاً في الوطن.

ظهر إبداعه الشعري في سنّ مبكّرة، ولاقى تشجيعاً كبيراً من معلّميه ومن زملائه، وغضباً شديداً من الاحتلال. ففي الذكرى العاشرة للنكبة، ألقى قصيدة في احتفال مدرسته أسماها (أخي العبري)، قارن فيها بين حياة الطفل الفلسطيني والطفل الإسرائيلي، ولأنّها كانت الرصاصة الأولى التي يطلقها في وجه الإسرائيلي من بندقية قلمه، استدعاه الحاكم العسكري وهدّده بفصل والده من العمل إذا استمر في هذا النوع من الكتابة.

لكن الشاب المفعم بالثورة أبى أن يلقي سلاحه، بل كان كمن وجد الخلاص على أطراف الحروف، فنشر ديوانه الأول (عصافير بلا أجنحة) في سنّ التاسعة عشرة، وراح يبثّ الألم والأمل والحزن والغضب والمقاومة.. بلسانه وقلمه، فألهم ملايين الصامدين في وجه الظلم، وأشعل آلاف الحناجر الهاتفة للصمود على امتداد الأرض العربية..

هكذا، ولد شاعر الثورة من رحم المعاناة على أرض مازالت حتى هذه اللحظة تحلم بالحرية..

بين الوطن.. والمنفى

منذ عام 1961 بدأ درويش رحلته مع المعتقلات الإسرائيلية، بتهم تتعلّق بنشاطه السياسي وتصريحاته، وبقي كذلك حتى عام 1972، حيث انتقل للدراسة في الاتحاد السوفييتي السابق، ليعود فيما بعد إلى القاهرة لاجئاً، وهناك التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد ذلك انتقل إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة للمنظمة، إلّا أنّه استقال لاحقاً من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاقية أوسلو.

وقد ساهم الشاعر اللبناني روبير غانم في اكتشاف محمود درويش وإشهاره، عندما بدأ ينشر قصائده على صفحات الملحق الثقافي لجريدة الأنوار التي كان يرأس تحريرها.

عمل درويش بين عامي 1973 و1982 رئيساً لتحرير مجلة (شؤون فلسطينية)، ثمّ مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، ليؤسّس بعد ذلك مجلة الكرمل عام 1981، وكان مقيماً في بيروت تلك الفترة، إلّا أنّ اجتياح إسرائيل لبيروت عام 1982، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 لم تترك له خياراً سوى مغادرة لبنان، بعد طرد من ينتمي إلى منظمة التحرير منها، فبات درويش تائهاً، فلا وطن يعود إليه، ولا مكان يجد فيه مستقرَّاً، فارتحل من سوريا إلى قبرص إلى القاهرة، فتونس، فباريس، حيث أقام هناك حتّى عاد إلى فلسطين بتصريح لرؤية أمّه، عندها استغلّ عدد من أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود، وجوده في فلسطين للمطالبة بالسماح ببقائه، وهذا ما حدث.

بعدها استقرّ درويش في وطنه الجريح، واستمرّ بالكتابة مستمدّاً إلهامه من حجارة الأطفال الغاضبين، ومن دموع الأمهات وصمود الرجال في وجه الاحتلال.

في كلّ محطّة من حياته كان له قصيدة، في كلّ زاوية ومع كلّ دمعة ووراء كلّ باب سجن.. أشعل بكلماته قلوب الملايين على امتداد مساحات الحرية، وأطلق للريح جناحين من ورق، وتوحّد مع الأرض هاتفاً (أنا الأرض/ والأرض أنت…).

نال احترام وتقدير قرّائه على امتداد العالم، وتمّ تحويل بعض قصائده إلى أغاني مؤثّرة، بأصوات المطربين الملتزمين بالمقاومة.

وكان لدرويش حضور مؤثّر على الساحة الأدبية العربية، ومازالت قصائده تدرّس في المناهج التعليمية في كثير من دول الوطن العربي، كنموذج للأدب المقاوم.

لاعب النرد

كان محمود يعلم أنّه يواجه الموت في كلّ دقّة قلب، فقد استمرّ عناؤه مع قلبه المتعب 25 عاماً، وبدا في قصيدته (لاعب النرد) كمن يعلن عن خاتمة الطريق، ويودّع الحياة بالكلمات.. غير أنّها لم تكن قصيدته الأخيرة.. لقد كانت مجرّد قصيدة أخرى ملأى بالوجع، تسرد قصّته التي تشبه كثيراً من القصص، ولا تشبه أيّاً منها في الوقت ذاته:

(مَنْ أَنا لأقول لكمْ/ ما أَقول لكمْ؟/ وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ/ فأصبح وجهاً/ ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ/ فأصبح ناياً…/ أَنا لاعب النَرْدِ، أَربح حيناً وأَخسر حيناً/ أَنا مثلكمْ/ أَو أَقلُّ قليلاً…/ وُلدتُ إلى جانب البئرِ/ والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ/ وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ/ وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً/ وانتميتُ إلى عائلةْ، مصادفَةً/ ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ)..

(لا دور لي في حياتي/ سوى أَنني/ عندما عَلَّمتني تراتيلها، قلتُ: هل من مزيد؟/ وأَوقدتُ قنديلها/ ثمّ حاولتُ تعديلها/ كان يمكن أن لا أكون سُنُونُوّةً/ لو أرادت لِيَ الريحُ ذلك، والريح حظُّ المسافرِ…/ شمألتُ، شرَّقتُ، غَرَّبتُ/ أمّا الجنوب فكان قصياً عصيّاً عليَّ/ لأنّ الجنوب بلادي/ فصرتُ مجاز سُنُونُوّةٍ لأحلِّق فوق حطامي/ ربيعاً خريفاً…/ أُعمِّدُ ريشي بغيم البحيرةِ/ ثمّ أطيل سلامي/ على الناصريِّ الذي لا يموتُ/ لأنّ به نَفَسَ الله/ والله حظُّ النبيّ)…

خلقه الله موهوباً ومبدعاً، لكن فلسطين هي من جعلت منه شاعراً.. فقد كان شاعرَها العاشق الثائر المناضل والمنفي.. كان الجريح وكان الجريء.. قبع خلف الأسوار الإسرائيلية متحدّياً، وبكلّ الحنين إلى (خبز أمّه) كان يقاوم..

وفي التاسع من آب/ أغسطس عام 2008، رحل طائر السنونو وفي قلبه بقايا من مداد القلم.. وفي القلم بقايا من مداد الروح التي تحرّرت أخيراً من قيود الاحتلال، ومن وجع المنفى…



لتحميل المقال بصيغة PDF يرجى الضغط على الرابط التالي:

تحميل



المصدر : مجلة الأفكار الذكية

#مجلة_سمارت_آيدز #حجر_في_الماء
#محمود_درويش #مجلة_الأفكار_الذكية
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلة الأفكار الذكية, محمود درويش, سمارت آيدز



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محمود درويش و فلسطين . . . وردة ندية شعر و نثر 8 May 2, 2012 02:33 AM
¯°·.¸¸.·°¯°·.¸¸.·°¯محمود درويش ^_^ جواز سفر <-.¸¸.·°¯°·.¸¸.·°¯ hnan syria شعر و نثر 6 August 27, 2010 01:27 PM
محمود درويش احد عشر كوكبا عصام 1957 كتب الادب العربي و الغربي 0 August 11, 2008 09:49 AM


الساعة الآن 11:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر