فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم December 4, 2017, 12:06 AM
 
Smile فصل من تاريخ مصر العسكري بقلم عبد المنعم سعيد

فصل من تاريخ مصر العسكري
بقلم
عبد المنعم سعيد

خلال السنوات الأخيرة زاد الاهتمام بتاريخ مصر العسكرى، خاصة ذلك الذى تعلق بالحربين العالميتين الأولى والثانية. وفى شهر نوفمبر من كل عام بات تقليداً الاحتفال بما فعلته القوات المصرية خلال الحرب العالمية الأولى، التى ساهم فيها سلاحا الحدود والإمداد والتموين المصريين بشكل ملحوظ على جبهات الحرب المتعددة، حيث سقط الشهداء المصريون فى معارك الحرب. السجلات العسكرية المصرية تشير إلى أن الجنود المصريين حاربوا ببسالة، وحصل عدد منهم على النياشين الرفيعة، ومن مات منهم جرى دفنه فى المقابر الجماعية لقوات الحلفاء. ومع ذلك فإن هناك القليل من البحث حول ما جرى للقوات المصرية خلال الحرب، والأسباب التى دفعتها للمشاركة، والحوافز التى دفعت الجنود المصريين للقتال بهذه الحماسة فى معركة تبدو على السطح كما لو كانت لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وليس سراً على أحد أن مصر ظلت تحت السيادة الاسمية للإمبراطورية العثمانية حتى نشبت الحرب العالمية الأولى فى أغسطس ١٩١٤، حيث أعلنت بريطانيا- التى كانت تحتل مصر آنذاك- من جانب واحد إنهاء السيادة العثمانية من ناحية، وفرض الحماية البريطانية عليها من ناحية أخرى. وكان جزءاً أساسياً من هذه الحماية الإعلان البريطانى فى ٦ نوفمبر ١٩١٤ أن بريطانيا سوف تتحمل المسؤولية الكاملة عن الحرب «دون مساعدة من الشعب المصرى».
لكن ما حدث فعلاً كان أن بريطانيا لم تف بتعهداتها هذه، ولم تكتف فقط باستغلال الموقع المصرى، ومصر ذاتها فى إدارتها للحرب، وإنما استعانت أيضا بالجيش المصرى ذاته، كما أسلفنا بالتركيز على قوات حرس الحدود وسلاح الإمداد والتموين، وهو ما حدث بالنسبة لمستعمرات بريطانية أخرى مثل الهند ونيوزيلاندا وأستراليا وغيرها. ومع ذلك فإن المشاركة المصرية كانت فيها أبعاد أخرى وهى دوافع وطنية بحتة ولها علاقة مباشرة بالأمن المصرى من ناحية وتحقيق الاستقلال المصرى من ناحية أخرى. فالوطنية المصرية التى نمت تدريجياً بعد تكوين الجيش المصرى فى عهد محمد على وأولاده، والدفعة التى أعطتها ثورة عرابى للمشاعر الوطنية المصرية على يد عبدالله النديم وغيره من الوطنيين المصريين جعلت هدف الاستقلال المصرى أن يجرى التخلص ليس فقط من الاحتلال الإنجليزى وإنما أيضاً من السيادة العثمانية على مصر. صحيح أن المشاعر المصرية ذهب بعض منها إلى دولة الخلافة، حتى أن بعضاً من المصريين تطوع مع القوات العثمانية حينما قاتلت بريطانيا وحلفاؤها فى ليبيا، إلا أن الغالبية المصرية، خاصة فى الجيش المصرى، رغم القيود المفروضة عليه، كانت قد اختمر لديها ليس فقط مشاعر الوطنية المصرية والرغبة فى الاستقلال عن المحتلين السابقين واللاحقين، وإنما أيضاً مفهوم ناضج عن الأمن القومى المصرى ظهر فى المعارك التى قام بها الجيش المصرى فى السودان، وتعيين الحدود المصرية مع الإمبراطورية العثمانية فى اتفاقية طابا ١٩٠٦.
كانت مصر جزءاً أساسياً من الاستراتيجية العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، حيث سعت الإمبراطورية إلى حرمان بريطانيا من مصر باعتبارها، مع قناة السويس، هى المعبر الرئيسى للمستعمرات البريطانية فى جنوب وشرق آسيا. وجرى ذلك سواء من خلال حملة على ليبيا لغزو مصر من الغرب، أو من خلال حملات أخرى جاءت من الشرق وسيناء محاولة غزو مصر من خلال قناة السويس. وفى أول فبراير ١٩١٥ تقدمت القوات العثمانية المدعمة بالمستشارين الألمان ومتطوعين «للجهاد» تحت اسم «أبطال الإسلام» إلى القناة محاولين عبورها فى ليلة الثانى من الشهر، وبناء رأس جسر على الضفة الغربية للقناة من ناحية الإسماعيلية مع هجوم للتمويه من ناحية القنطرة. وبغض النظر عن تفاصيل المعركة بين العثمانيين والبريطانيين على ضفاف القناة فإن المؤرخ «إيوجين روجان» فى كتابه «سقوط العثمانيين.. الحرب العظمى والشرق الأوسط» يقرر أن «بعضاً من أكثر النيران كثافة ضد المواقع العثمانية جاء من بطارية المدفعية المصرية التى كانت متمركزة على موقع مرتفع على الناحية الغربية من القناة، بحيث كانت مسيطرة على الجسر العثمانى.. وأمر الملازم أول أحمد أفندى حلمى بطاريته بالانتظار حتى يعبر الأتراك القناة قبل أن يفتح النيران عليهم، ولكنه فقد حياته فى تبادل إطلاق النار. حلمى كان واحداً من ثلاثة مصريين قتلوا وجرح اثنان فى الدفاع عن القناة. إن أفراد بطارية المدفعية الخامسة تم منحهم النياشين من قبل السلطان فؤاد لبطولاتهم».
لم تنته معركة الدفاع عن قناة السويس عند هذه المحاولة الأولية من قبل الجيش الرابع العثمانى، فقد انسحبت القوات العثمانية ولكنها تمركزت داخل سيناء ممتدة حتى الحدود المصرية فيما بعد العريش ورفح، وقامت بعدة محاولات فاشلة لتهديد قناة السويس. وبعدها بدأت القوات البريطانية، يشاركها ١٣ ألفاً من الجيش المصرى، بمهام الإمداد والتموين، مع قوات أخرى من نيوزيلاندا والهند، فى الضغط عليها حتى حصرتها عند الحدود ما بين مصر وفلسطين. وفى يونيو ١٩١٦ قامت الثورة العربية الكبرى التى كانت بدورها تسعى إلى استقلال مملكة عربية موحدة فى منطقة الهلال الخصيب والخلاص من الهيمنة العثمانية. ومع مطلع عام ١٩١٧ كانت القوات العثمانية قد فقدت قدراتها القتالية وانسحبت حتى تدافع عن عاصمة الخلافة فى إسطنبول.
ربما كانت معركة الدفاع عن قناة السويس إشعاراً بنضج الوطنية المصرية ووصولها إلى مرحلة المطالبة بالاستقلال التام، وهو ما عكسته ليس فقط النياشين الممنوحة من قبل السلطان- آنذاك والملك فيما بعد- فؤاد، وإنما المشاعر المصرية التى احتفت بالمشاركة المصرية، وما لبثت أن تصاعدت فى أعقاب الحرب لكى تنتهى إلى ثورة ١٩١٩ التى ولدت منها المملكة المصرية فى عام ١٩٢٢. لم تكن المعركة وحدها هى التى شكلت هذه المشاعر، فقد سبقها تشكيل الحزب الوطنى، وجهود مصطفى كامل ومحمد فريد، وبناء المؤسسات المصرية «الأهلية»، من أول الجامعة المصرية إلى النادى الأهلى. كان نسيج الدولة المصرية الخالصة يتكون بخطوات وجهود كثيرة، ولكن المكانة الخاصة للجيش المصرى منذ عهد محمد على وولده إبراهيم كانت تشكل اتجاهاً محدداً للوطنية المصرية فى السياسة المصرية، يقوم على خروج مصر من عباءة دولة الخلافة التى ظلت قوى سياسية أخرى فى مصر تتمسك بها، بل وحتى بعد سقوط دولة الخلافة كلية فإنهم مثل جماعة الإخوان كانوا يريدون إحياءها من جديد. والحقيقة أن كثيراً من معارك اليوم ليست بعيدة كثيرا عن معارك كان بطلها الجيش المصرى وجرى خوضها منذ مائة عام!.


نقلا عن جريدة المصري اليوم

__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مصر, من تاريخ, العسكري, بقلم, عبد المنعم سعيد, فصل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مفاجأة نوفمبر! بقلم عبد المنعم سعيد معرفتي مقالات الكُتّاب 0 December 4, 2017 12:02 AM
فكرة بتلاتة تعريفة جعلته مليارديراً بقلم مكاوي سعيد معرفتي مقالات الكُتّاب 0 October 19, 2017 02:07 AM
القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر بقلم الأديب الكبير مكاوي سعيد معرفتي مقالات الكُتّاب 10 October 18, 2017 09:55 PM
تعرف علي تاريخ النقد الادبي عند العرب بقلم احسان عباس Yaqot روايات و قصص منشورة ومنقولة 0 March 5, 2014 03:13 PM
تحميل كتاب الصراع العربي الإسرائيلي من مذكرات الفريق عبد المنعم واصل تأليف عبد المنعم واصل العرب نت كتب السياسة و العلاقات الدوليه 3 May 12, 2012 07:08 PM


الساعة الآن 04:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر