فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > تحميل كتب مجانية > الأخبار الثقافية وعروض الكتب

الأخبار الثقافية وعروض الكتب جديد الكتب في الأسواق واخبارها ومتابعتها والمناقشات والاصدارات الجديدة



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم November 20, 2017, 05:04 PM
 
Smile الروائي موريس النجار : الطِّفلُ هو القارِئُ الصَّعبُ الَّذي يُواجِهُهُ الكَتَبَة

الروائي موريس النجار : الطِّفلُ هو القارِئُ الصَّعبُ الَّذي يُواجِهُهُ الكَتَبَة
الروائي موريس النجار : الطِّفلُ هو القارِئُ الصَّعبُ الَّذي يُواجِهُهُ الكَتَبَة


الروائي موريس النجار : الطِّفلُ هو القارِئُ الصَّعبُ الَّذي يُواجِهُهُ الكَتَبَة

حاورته: ضحى عبدالرؤوف المل




في الحَقِيقَةِ، عِندما يَطفَحُ الشُّعُورُ، وتَطغَى على القَلبِ أَمواجُ الذِّكرَياتِ، وبِالأَخَصِّ عِندما يُغِذُّ الإِنسانُ سَيرَهُ في مَتاهَةِ العُمرِ المُتَقَدِّمِ، يَعجَزُ القَلَمُ عن إِخراجِ المَشاعِرِ. كَلِماتٍ تَرتَقِي إِلى ذُرَى الخَيالِ فِيها، وتَغُوصُ إِلى أَعماقِ الحَنِينِ في قَرارَتِها البَعِيدَة.رِوايَة صادِرَةٌ عن أَحاسِيس، وحُرَقِ الفُؤادِ في مَسِيرَة طَّوِيلَةِ، وما لا يَصدُرُ عن القَلبِ لا يَثبُتُ في القَلب. وهي مَشاهِدُ مِن الحَياةِ، رَسَمها المؤلف”موريس النجار”بِرِيشَةِ المَشاعِرِ فَأَضفَى عَلَيها بُعْدًا لا تُظهِرُهُ المَحسُوسَات.
مِن طَبِيعَةٍ هِمْتُ بِها حَتَّى الجُنُونِ، إِلى قِيَمٍ لَمَّا تَزَل في النَفس، إِلى أَيَّامٍ وَلَّت فَتَرَكَت في القَلبِ جِماراً لا تَخبُو، وذِكرَياتٍ فِيها طَعمُ الحَنِينِ والكَآبَة. وقد تميزت بدِينَامِيَّةً نأَى بِها عن التَّسطِيحِ والرَّتابَةِ والتَّكرارِ، في بَيانٍ مِن نَسِيجِ الشِّعرِ وخَيالِهِ ورُؤَاهُ، مِن دُونِ أَن يَكُونَ الشِّعرُ غايَةً، بل وَسِيلَةٌ مُترَفَةٌ مُؤَثِّرَةٌ لِنَقلِ الواقِعِ المَحكِيّ.والماضِي جُذًى نَظُنُّها اختَفَت في رَمادِ الزَّمَنِ، ولكِنَّها باقِيَةٌ هناك، في الصَّمِيمِ الأَدفَأ، نَحمِلُها أَنَّى ارتَحَلنا، ومَهما تَقَدَّمَ العُمرُ، زادا لِساعاتٍ تَتَصَفَّى فِيها النَّفسُ مِن أَدرانِ الحاضِرِ المَنهَكِ بِالمَشاغِلِ، وتَتَجَلَّى في خَدَرِ الاستِرجاعِ الجَمِيلِ لِأَيَّامٍ غَبَرَت، وشَبابٍ وَلَّى. والذِّكرَياتُ، أَجمَلُ ما فيها هذه المَرارَةُ الروائية اللَّطِيفَةُ الَّتي تُخَلِّفُها في الحَنايا، وتَرسُمُها على الأَجفانِ غَشاوَةً مِن نَدًى. وهي”امرَأَةٌ سَادِيَّةٌ مُحَنَّكَةٌ... إِنَّها تَختَارُ لَكَ بِاستِمرَارٍ الصُّوَرَ الَّتي تُعَذِّبُكَ حَتَّى قَاعِ جُرحِكَ"، كَما تَقُولُ الأَدِيبَةُ غَادَة السَّمَّان.
أَمَّا الرِّيفُ في هذه الرواية بِطَبِيعَتِهِ الخَلَّابَةِ، وأَرضِهِ المِعطاءِ الَّتي أَكَلَت مِن خُطُواتِنا ما أَكَلَت في السَّنَواتِ الغَضَّةِ مِن الطُّفُولَةِ البَرِيئَةِ، والصِّبا الفائِرِ، فَإِنَّهُ الكَنزُ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ بَينَ أَيدِينا، فَعَسَى أَن لا نُضِيعَهُ في مُكَعَّباتِ الإِسمَنتِ الصَّمَّاء. وهو الَّذي أَمَدَّه موريس بِالصُّوَرِ الَّتي تُوَشِّي كِتابَتِه، وبِالوِجدانِ الَّذي يَسرِي في حُرُوفِها مع المِداد. والأَرضُ،”تَصنَعُ نُفُوسَ الرِّجَال"، كَما يَقُولُ بُول كُلُودِيل (Paul Claudel, poète Français, 1868 - 1955).”أَقدار"، في مُعظَمِها، تَجارِبُ ذاتِيَّةٌ، رَسَمتها بِصِدقٍ خالِصٍ، فَتَلَألَأَت في الرِّقاعِ وفِيها حَرارَةُ الحَياةِ، لِذا فَحَظُّها في العُبُورِ إِلى حَيَواتِ الآخَرِينَ وافِرَةٌ، على ما أَظُنّ. وهي تَصوِيرٌ صادِقٌ لِمَساراتِ أَشخاصٍ مَرُّوا في الحياة، وتَرَكُوا على جِدارِها بَصَماتٍ لَن تُمحَى. والرِّوايَةُ، إِن لَم يَكُن وَكْدُها الرَّئِيسُ تَصوِيرَ الحَياةِ، الَّتي لا استِزادَةَ لِغِناها، فَما تُراهُ يَكُون؟مع الروائي موريس النجار اجريت هذا الحــــــــوار...



- رِوايَتُكَ”أَقدار”تُرجِعُنا إِلى الأُدَباءِ القُدَماءِ مَعَ فاصِلٍ مُهِمٍّ هو التَّشكِيلُ الَّذي يُلزِمُ بِالقِراءَةِ الصَّحِيحَةِ، فَما هي، بِرَأيِكَ، قِيمَةُ التَّشكِيلِ، وأَهَمِّيَّتُهُ، في النَّصِّ العَرَبِيِّ على أَنواعِه؟

أَن تُرجِعَ هذه الرِّوايَةُ القارِئَ إِلى الأُدباءِ القُدَماءِ، لَهُوَ قَولٌ يَتَضَمَّنُ قَدْرًا مِن الثَّناءِ إِلى قَدْرٍ مِنَ الشَّطَط. فَإِذا كان المَقصُودُ أَنَّها تَتَمَتَّعُ بِما كانَت عَلَيهِ رِوايَةُ”القُدَماءِ”مِن مَتانَةِ اللُّغَةِ، وخُلُوِّها مِن الأَخطاءِ الإِعرابِيَّةِ، وبَيانِها المَصقُولِ الرَّاقِي، فَإِنَّ هذا لَثَناءٌ تَطمَحُ أَن تَكُونَ جَدِيرَةً بِه. وأَمَّا إِذا قُصِدَت ضَعَفاتُ القَصِّ القَدِيمِ، مِن سَذاجَةٍ في الأَحداثِ، إِلى مُفاجآتٍ تَتَخَطَّى المَعقُولَ تُتَصَنَّعُ لِبُلُوغِ تَشوِيقٍ أَو حَلِّ عُقدَةٍ تَأَزَّمَت، أَو الخُرُوجِ مِن مَأزِقٍ، إِلى تَبسِيطٍ طُفُولِيٍّ، أَحيانًا، في المَشاعِرِ والأَحاسِيسِ والدّرامِيَّةِ المُفرِطَةِ بُغيَةَ استِدرارِ الدَّمعِ وتَوَسُّلِ الآهاتِ، إِلى الغُلُوِّ في الوَعظِ والإِرشادِ، إِلى التَّعَمُّلِ في إِسباغِ بَلاغَةٍ ضافِيَةٍ لا يَحتَمِلُها القَصُّ، فَإِنَّ”أَقدار”بَراءٌ مِن هذا كُلِّهِ، وَ"البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى"!
أَمَّا في أَهَمِّيَّةِ التَّشكِيلِ، وقِيمَتِهِ، فَيَحضُرُ إِلى خاطِرِي قَولُ الدّكتُور مُصطَفَى جَواد:”أَلحُرُوفُ العَرَبِيَّةُ إِذا أُزِيلَت عَنها الحَرَكاتُ زالَت مِنها البَرَكات".ناهِيكِ بِما تَعتَوِرُ القِراءَةَ مِن التِباساتٍ حِينَ تَرِدُ الكِتابَةُ عارِيَةً مِن الحَرَكات. والنَّصُّ العَرَبِيُّ وُلِدَ مُحَرَّكًا، سَوِيًّا، لا شائِبَةَ فِيه، فَهَل نَمسَخُهُ كَرْمَى لِلخَمُولِينَ المُتَوَجِّسِينَ مِن أَخطاءٍ كِتابِيَّةٍ تَكشِفُ عَوراتِهِم؟!وسَبَقَ أَن ذَكَرتُ، في مَقالَةٍ لِي حَولَ اللُّغَةِ، قَولًا مُتَداوَلًا عَن أَهَمِّيَّةِ الحَرَكاتِ، وهو:”إنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشرِكِينَ ورَسُوله". فَجَرُّ اللَّامِ في”ورَسُوله"، وضَمُّها، يُعطِيانِ مَعنَيَينِ مُتَضادَّين.
ثُمَّ أَلا يَزُجُّ إِلغاءُ الحَرَكاتِ القارِئَ في مَتاهَةِ التَّأوِيلِ الَّذي يُفضِي إِلى مَعانٍ مُختَلِفَة؟! التَّشكِيلُ، يا سَيِّدَتِي، عِمادٌ رَئِيسٌ في العَرَبِيَّةِ، وهو الَّذي يَقِيها مِن كُلِّ عِثارٍ، ويَصُونُها أَمِيرَةً بَينَ اللُّغاتِ، فَلا نَستَسهِلَنَّ الأُمُورَ كَي لا نَقَعَ في المَحظُور!



- أَقدار”هي رِوايَةٌ كلاسِيكِيَّةٌ، ويُمكِنُنِي وَصفُها بِالتَّربَوِيَّةِ القائِمَةِ على السَّبكِ اللُّغَوِيِّ، ومَتانَةِ الصُّورَة. لِماذا هذا الأُسلُوب؟


نَعم هي كلاسِيكِيَّةٌ، أُصُولِيَّةٌ، فِيها مَلامِحُ القَصِّ التَّقلِيدِيِّ، مِن سِياقٍ يَتَساوَقُ مَعَ تَسَلسُلِ الزَّمَنِ، ولُحمَةٍ تَربِطُ الأَحداثَ فَلا تَتَفَكَّكُ وتَتَراكَبُ، ووَصفٍ لِلشَّخصِيَّاتِ مِن خارِجٍ ومِن داخِلٍ، إِلى التَّركِيزِ على البِيئَةِ طَبِيعَةً ومُجتَمَعًا، وإِحياءِ عاداتٍ وسُلُوكِيَّاتٍ مِن صَمِيمِ الرِّيفِ عَفَّاها الزَّمَنُ، وأَكَلَها صَدَأُ النِّسيانِ، وذلك مِن دُونِ السُّقُوطِ في تَجرِبَةِ الوَعظِ والإِرشادِ، والمُصادَفاتِ الصَّادِمَةِ، وتَدَخُّلِ القَضاءِ والقَدَرِ والمَشِيئَةِ العُليا. وهي تَربَوِيَّةٌ مِن ناحِيَةِ التِزامِها بِالقِيَمِ، وابتِعادِها عن تَوَسُّلِ الجِنسِ أَداةً لِلانتِشارِ الرَّخِيص. أَمَّا السَّبكُ اللُّغَوِيُّ المَتِينُ، وَوَفرَةُ الصُّوَرِ، فَهذا مِن مُقَوِّماتِ الكِتابَةِ الَّتي تَدُومُ، والَّتي تَلِيقُ بِها الرُّفُوفُ العُلَى. وفي الأُسلُوبِ الَّذي اتَّبَعتُهُ في هذه الرِّوايَةِ، أُسلُوبِيَ الَّذي لا يَنفَصِلُ عَنِّي، شِعرِيَّةٌ تَتَجَلَّى في النَّثرِ فَتُحِيلُهُ شِعرًا غَيرَ مَنظُومٍ، لائِقًا بِالسَّردِ الرَّاقِي الَّذي يَسِيرُ على حافَّةٍ سَنِينَةٍ بَينَ الطَّبَعِيَّةِ والتَّعَمُّل.
ولا نَنسَى أَنَّ الرِّوايَةَ حَمَّالَةٌ لِكَثِيرٍ مِن الأَلوانِ الأَدَبِيَّةِ، فَهِي تَأخُذُ مِن الشِّعرِ الكَثِيرَ، ومِن السِّينَما رَكائِزَ صُلبَةً تغُنِيها، ومن الفَنِّ التَّشْكِيْلِيِّ أَبعادَهُ وصُوَرَهُ والتَّعبِيرَ عَمَّا يَختَفِي وَراءَ المَشهَدِيَّةِ الظَّاهِرَةِ، ومِن التَّارِيخِ قاعِدَةً تَرتَكِزُ عَلَيها، ومِن النَّقدِ بَراعَةَ تَحاشِي السَّقَطات. ثُمَّ أَلَيسَت الرِّوايَةُ”شِعرَ الدُّنيا الحَدِيثَةِ"، كَما يَقُولُ أَدِيبُنا الكَبِيرُ نَجِيب مَحفُوظ؟!


- تُعِيدُنا الرِّوايَةُ إِلى أَصالَةِ الأَدَبِ المُحَمَّلِ بِجَمالِيَّةِ الصُّورَةِ والمَعنَى. هَل تَأَثَّرتَ بِالأُدَباءِ مِيخائِيل نُعَيمَة، وأَمِين نَخلَة، وسِواهُما؟


"إِنَّ كُلَّ نَصٍّ جَدِيدٍ هو نَسِيجٌ مِن اقتِباساتٍ مُستَلَّةٍ مِن نُصُوصٍ سَبَقَته". قالَها رُولان بَارْت (Roland Gérard Barthes, penseur Français, 1915 - 1980) صائِبًا. ومِن هُنا لا يَستَطِيعُ أَدِيبٌ أَن يَتَبَرَّأَ مِن أَثَرِ الكَثِيرِينَ، مِمَّن اطَّلَعَ على نِتاجِهِم. فَاللَّاوَعْيُ خَزَّانٌ مِن مَعارِفَ دَبَّجَتها الإِنسانِيَّةُ في مَسِيرَتِها الطَّوِيلَةِ، يَمتَحُ مِنها الوَعْيُ، دَرَى الكاتِبُ أَم لَم يَدْرِ. وكُلُّ مُبدِعٍ هو نَتِيجَةٌ لِتَوقِ النَّفسِ الشَّفِيفَةِ إِلى الجَمالِ الكائِنِ في الطَّبِيعَةِ وفي الأَعمالِ الفَنِّيَّةِ الخالِدَةِ، وفَضْلُ المُبدِعِ على سِواهُ يَكمُنُ في الصِّياغَةِ الَّتِي يَصُوغُ، أَمَّا المَضامِينُ فَهِيَ راهِنَةٌ مِن سَلَفٍ إِلى خَلَف. إِنَّا وَرِثنا الكَثِيرَ مِن كُنُوزِ الكَلِمَةِ، وسِحرُها أَنَّها فاعِلَةٌ في كُلِّ مَن يَمَسُّها، والبَرَرَةُ هُم الَّذِينَ يُوَرِّثُونَها الآتِين. هكذا... ولا أُبَرِّئُ نَفسِي، إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ(1) بِالأَخذِ المُبارَكِ مِن كُلِّ إِبداعٍ وجَمال.
وقالَها الإِمَامُ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِب، بِبَلاغَتِهِ المَعهُودَة:”لَولا أَنَّ الكَلامَ يُعادُ لَنَفَد".
أَمَّا أَن تُعِيدَ رِوايَتِي القارِئَ”إِلى أَصالَةِ الأَدَبِ المُحَمَّلِ بِجَمالِيَّةِ الصُّورَةِ والمَعنَى"، فَهذا يُحسَبُ لَها لِأَنَّ الجَمالَ هو الشَّرطُ الأَوَّلُ لِلإِبداعِ، وتَحَدِّي الفَناءِ، والأَصالَةُ هي الباقِيَةُ أَبَدًا كَما عَلَّمَنا التَّارِيخ. أَلَا رَحِمَ اللهُ شَاعِرَنا مَحمُود دَروِيش إِذ قال:”الرِّوايَةَ لَيسَت مُجَرَّدَ سَردٍ أَو عَرْضٍ، إِنَّها بِناءٌ فَنِّيٌّ وَأَداءٌ جَمالِيٌّ لَهُ أَدَواتُهُ الخاصَّةُ ومَعمَلُهُ الخاصُّ، ولا تُسَمَّى الرِّوايَةُ رِوايَةً إِلَّا بِتَصمِيمِ هذا البِناءِ الفَنِّيِّ، وبِتَحقِيقِ هذا الجَمالِ الأَدائِيِّ".


- لا أُبالِغُ إِن قُلتُ إِنَّ الرِّوايَةَ هي تَربَوِيَّةٌ، وتُحاكِي كُلَّ المَراحِلِ العُمرِيَّة. هَل قَصَدتَ ذلك؟


لَقَد أَصَبتِ، يا سَيِّدَتِي، فَالتَّمَسُّكُ بِالقِيَمِ الأَخلاقِيَّةِ مِن إِخلاصٍ وصَداقَةٍ وتَعَفُّفٍ، والاحتِفالُ بِها، والتَّحرِيكُ الَّذي يُلزِمُ القارِئَ بِالقِراءَةِ السَّلِيمَةِ الَّتي تُصبِحُ مَلَكَةً إِذا استَدامَت مُمارَسَتُها، والإِنشاءُ الجَمالِيُّ السَّلِسُ، تَضَعُ هذه الرِّوايَةَ في مَصافِّ الأَعمالِ الَّتي يُنصَحُ الطُّلَّاب بِمُعالَجَتِها. وهي لا تُنَفِّرُ القارِئَ الثَّقِيفَ، لِما فِيها مِن شُخُوصٍ نَماذِجَ نَتَماهَى مَعَها، ومِن عَودَةٍ إِلى مَواطِئِ الطُّفُولَةِ والصِّبا، حَيثُ نَرَى أَنفُسَنا في مَراحِلَ مِن العُمرِ لا تَفُوتُ مَن أَسبَغَ اللهُ عَلَيهِ العُمرَ المَدِيد. وهي لا يَنقُصُها تَحلِيلُ الأَحاسِيسِ، وسَبرُ الأَغوارِ في الوِجدانِ البَشَرِيِّ الَّذي يَتَشابَهُ فِيهِ خَلْقُ الله.
وإِنِّي ما قَصَدتُ غايَةً أَسعَى إِليها وأَنا أُدَبِّجُ، بَل تَرَكتُ القَلَمَ على سَجِيَّتِهِ، يَطُوفُ حُرًّا في مَنازِلِ الذَّاكِرَةِ، كَي لا يُجَرِّحَ في الأَدِيمِ الزَّاهِي لِصُوَرٍ رَسَخَت في البالِ، وما عَفَّتها الأَيَّام.



- يُمكِنُ قِراءَةُ نَصِّ الرِّوايَةِ قِراءَةً إِفرادِيَّةً صَحِيحَةً فَالنُّصُوصُ مُحَرَّكَةٌ وهذا يَضَعُكَ أَمامَ الالتِزامِ بِقَواعِدِ اللُّغَةِ والتَّشكِيل. هَل تَلفِتُ الانتِباهَ إِلى ما يَجِبُ اتِّباعُهُ لُغَوِيًّا ؟


الانحِدارُ الَّذي نَراهُ، أَيَّامَنا هذه، في تَوَلِّي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، يَعُودُ، في بَعضِ مَناحِيهِ، إِلى الاستِسهالِ في مُقارَبَةِ هذه اللُّغَةِ المُعجِزَة. فَإِذا رُمْنا الإِصلاحَ وَجَبَ الابتِداءُ مِن حَيثُ سَرَبَ الدَّاءُ، أَي مِنَ التَّفَلُّتِ في تَدَبُّرِ اللُّغَة. لِذا وَجَبَ وَضعُ ضَوابِطَ لِلقِراءَةِ تَقِيها مِن الأَخطاءِ الَّتي تُصبِحُ مَقبُولَةً عِندَ النَّاسِ، وقَد تُصبِحُ القاعِدَةَ إِن أُرخِيَ لَها العِنان. ومِن هُنا كانَ القَولُ المَأثُور:”خَطَأٌ مَشهُورٌ خَيرٌ مِن صَوَابٍ مَهجُور".

- التَزَمتَ بِالحَبكَةِ اللُّغَوِيَّةِ المَتِينَة. أَلَم تُقَيِّدْكَ هذه البِنْيَةُ الرِّوائِيَّة ؟


في الحَقِيقَةِ، ما هو التِزامٌ شِئتُهُ، بَل هو مِن صُلْبِ طَبِيعَتِي الكِتابِيَّة. هو أُسلُوبِي،”جِلْدِيَ اللُّغَوِيُّ"، الَّذي لا أَكتُبُ إِلَّا مِن خِلالِه. وما أَحسَستُ قَطُّ بِقَيدٍ يُكَبِّلُنِي، لِأَنَّ مَن يَتبَعُ طَبِيعَتَهُ يَبقَى حُرًّا طَلِيقًا، ومَن يَتَعَمَّلُ لِلتَّألِيفِ لا تُفارِقُهُ السَّلاسِل.
وهُنا تَحضُرُنِي قَوْلَةٌ عَمِيقَةٌ لِلفَيلَسُوفِ مارتن هايدِغر(2):
”يَتَصَرَّفُ الإِنسانُ على أَساسِ أَنَّهُ سَيِّدُ اللُّغَةِ... لكِنْ في الواقِعِ تَبقَى اللُّغَةُ سَيِّدَةَ الإِنسان".
أَمَّا عِنايَتِي بِمَتانَةِ اللُّغَةِ، والأُسلُوبِ التَّعبِيرِيِّ الشَّاعِرِيِّ، فَمَرَدُّهُ إِيمانِي أَنَّ التَّعبِيرَ عَن الجَمالِ، طَبِيعَةً وعاطِفَةً ووِجدانًا، لا يَكُونُ إِلَّا بِجَمالٍ مُماثِلٍ مَطِيَّتُهُ لُغَةٌ سَلِيمَةٌ بِأَلفاظٍ فائِقَةِ الدَّلالِيَّةِ مَرصُوفَةٍ في جُمَلٍ تَتَناغَمُ فِيها السَّلاسَةُ والجَرْسُ ومُكْنَةُ التَّحرِيكِ والإِيحاء. وكُلُّ ذلك يَجِبُ أَن يَكُونَ في قِسْطٍ، فَالمُبالَغَةُ في التَّنمِيقِ اللُّغَوِيِّ تُسِيءُ إِلى الرِّوايَةِ كَالتَّراخِي والاستِسهال. ولا نَنسَى أَنَّ”الرِّوَايَة لَيسَت ظَاهِرَةً لُغَوِيَّة”كَما رَأَى إِيكُو(3). في النِّهايَةِ، على الأُسلُوبِ أَنْ يَكُوْنَ رَقِيقَ الوَقْعِ، شَفِيفًا نَرَى مِن خِلالِهِ الطَّبِيعَةَ، ويَحمِلُنا بِطاقَتِهِ الإِيحائِيَّةِ إِلى أَعماقِ الشُّخُوص.



المصدر
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الروائي موريس النجار, الطِّفلُ, القارِئُ الصَّعبُ, الكَتَبَة, يُواجِهُهُ



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كوم النجار ......قصيدة كوم النجار احمد25رضا شعر و نثر 1 February 22, 2012 09:36 AM
موريس بوكاي و جثة فرعون (صور +كتاب) منبع الحنان كتب اسلاميه 6 April 21, 2010 12:41 PM
المصمم موريس أبوملهب 2009 روح الوسمي مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 0 May 21, 2009 05:19 PM
الروائح مس عبير مقالات طبية - الصحة العامة 8 January 17, 2009 02:37 PM


الساعة الآن 07:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر