فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > اقسام الحياة العامه > المواضيع العامه



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم November 15, 2017, 04:05 AM
 
الشدة واللين في ميزان الحكمة وسنة سيد المرسلين

تلشدة واللين في ميزان الحكمة وسنة سيد المرسلين
جمع مادته واعده / خالد محمد شويل

الفصل الأول
الحكمة مفهومها ودلالاتها
مقدمة
الحكمة وسيلة من وسائل الدعوة، فلابد أن يكون الداعية حكيماً في تصرفاته؛ حتى لا يكون من قطاع الطرق المنفرين عن الله سبحانه وتعالى و الحكمة تقتضي من الإنسان أن ينوع الأساليب باعتبار المدعوين، وأن يجامل في موضع المجاملة، وأن يجدَّ في موضع الجد، ولا يقول إلا الحق في كل ذلك.
لكن احياناً كثيره تبادر الى أذهان البعض من الدعاة أن الحكمة تعني اللين دائماً فتراه يداهن أصحاب المعاصي ويسكت عن الأخطاء التي لا ينبغي أن يسكت عنها وحجته في ذلك الحكمة تقتضي ذلك , ولقد أصبح كثير من الناس يتصورون أن الحكمة والموعظة الحسنة تعني التربيت على أخطاء الناس وانحرافاتهم ، وعدم مواجهتهم بها خشية أن ينفروا من الدعوة ولا يستجيبوا لها ! فمن أين جاءوا بهذا الفهم لهذا التوجيه الرباني الكريم ؟ ! و هل هناك من هو أكثر فهماً لهذا التوجيه الكريم من الرسل الذين وجه القول إليهم ؟ فكيف فهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر المنزل إليه من ربه أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؟ وكيف فهم موسى وهارون عليهما السلام توجيه الله لهما أن يقولا لفرعون قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ؟
فأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد صدع بما أُمِرَ فقالت عنه قريش : لقد عاب آلهتنا وسفه أحلامنا ، وكفر آباءنا وأجدادنا ! !
وأما موسى وهارون عليهما السلام فقد بدآ بأن قالا : السلام على من اتبع الهدى ، ولم يقولا لفرعون : السلام عليك ! وفي ذلك إشارة ملحوظة إلى أن فرعون غير متبع للهدى ، ثم ثنيا بأن قالا : (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) ، وفي ذلك تهديد واضح لفرعون وقومه بالعذاب الذي ينتظرهم إن هم كذبوهما ، وتولوا عن الحق الذي يعرضانه عليهم .وكان هذا هو القول اللين الذي أُمِرَا بتوجيهه إلى فرعون . إن التلطف واجب ولكنه التلطف في إظهار الحق ، وليس التلطف في إخفاء الحق .فهذا الأخير هو الذي قال عنه تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- [ ودوا لوتدهن فيدهنون ]
فليست الحكمة في الدعوة تعني دائماً الضعف، بل الحكمة هي وضع الأمر في موضعه، ولذلك يقول الشاعر: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى فوضع الضعف في موضع القوة ليس من الحكمة، ووضع القوة في موضع الضعف ليس من الحكمة، هناك شخص لا يصلح له إلا القوة، والحكمة أن تأخذه بالشدة، وهناك شخص لا يصلح له إلا اللين، والحكمة أن تأخذه باللين، وهناك وقت لا يصلح له إلا اللين، وهناك وقت آخر لا يصلح له إلا الشدة.
فقد كان - صلى الله عليه وسلم - أحكم البشر وهو أرحمهم . انظر إليه وهو يأمر من نقر صلاته أن يعيدها مرة واثنتين ، وانظر إليه يترك الحسين يرتقي ظهره فيل الصلاة ويزجره عن الأكل من تمر الصدقة ، انظر إليه يوقع صلح الحديبية ، ثم انظر إليه يحل دم من هجا المسلمين ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ، انظر إليه وهو يقول : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، إذن فالحكمة لين في مكان اللين وشدة في موضع الشدة .
وكذلك فمن الدعاه ؛ من فقد الفقه- فقه الدعوة إلى الله- وظن أن اللين مداهنة، وأن كل تلطف، أو كلمة طيبة، أو خلق حسن مع العاصي أو المخالف، هو مداهنة، ويرى أن كل سكوت مؤقت عن الخطأ - بغية إصلاح ما هو أعظم، أو انتظار فرصة أفضل، أو التدرج مع المدعوين تمييع، ومداهنة.
وهؤلاء؛ فقدوا الحكمة، وخالفوا الشرع، فغلظت قلوبهم، وساءت أخلاقهم، وقست عباراتهم مع الناس، فنفروا العباد، وأساءوا إلى الدين، وضيعوا كثيراً من المصالح، وجلبوا كثيراً من المفاسد عليهم، وعلى الدعوة، ولم يكتفوا بذلك، بل عابوا على غيرهم حكمتهم، واتهموهم بـ ( المداهنة ) والـ ( التلون ) لتلطف فعلوه، أو لكلام طيب مع العاصي أو المخالف أظهروه، أو لبيان حق لمصلحة شرعية أخروه، واحتجوا بعموم النهي عن ذي الوجهين، وبعموم الأمر بالصدع بالحق، متغافلين عما أمر الله به من الحكمة، وما كان من سيرة رسول الله ? في مثل هذه المواقف.. من الرفق والكلام الطيب.. وتأخير البيان لمصلحة جلية، وما شابه ذلك، وقد سبق من الأدلة على هذا مما يغني عن تكراره.

ونتيجة لخلط الأمور عند بعض الناس والدعاة حول مسألة الحكمة واستدلالاهم بقوله تعالى (( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه)) عند كل تنازل يقدموه وند كل سكوت عن الباطل يقدموا علية ولذلك فإننا سوف نقوم في هذا الفصل بتوضيح معنى الحكمة من القران الكريم وكذلك اللغة العربية وأقوال العلماء ومن ثم نتطرق إلى تفسير قولة تعالى (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه)) لنخرج بالمفهوم السليم من الحكمة ومدلولها الصحيح
وذلك من خلال عدة مباحث كما يلي :-
المبحث الأول : -
معاني الحكمة في القرآن الكريم :
ورد لفظ الحكمة في القرآن الكريم عشرين مرة، في تسع عشرة آية، في اثنتي عشرة سورة، وقد ورد لعدة معان، فجاء بمعنى القران والسنة وجاء بمعنى التصرف الحسن وقد اختلف المفسرون في تفسير الآيات الواردة بلفظ الحكمة، وسنوضح موجز هذه الأقوال بما يأتي :
1-يقول مقاتل -كما ذكر الرازي - يقول: تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه
أحدها: مواعظ القرآن، قال -تعالى- في سورة البقرة، الآية : 231: { وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } (البقرة: من الآية 231) ومثلها في آل عمران.
وثانيهما: الحكمة بمعنى: الفهم والعلم، ومنه قوله - تعالى -: { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } (مريم: من الآية 12)، وفي سورة لقمان (الآية: 12) { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } (لقمان: من الآية 12) يعني: الفهم والعلم، وفي (الأنعام الآية : 89): { أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ } (الأنعام: من الآية 89)
ثالثها: الحكمة بمعنى النبوة، ففي النساء 54: { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (النساء: من الآية 54)، وفي (ص 20) { وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص: من الآية 20) وفي البقرة: { وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ } (البقرة: من الآية 251
ورابعها: القرآن بما فيه من عجائب الأسرار، ففي النحل 125 { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ } (النحل: من الآية 125)، وفي (البقرة 269) { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } (البقرة: من الآية 269) (1) .
2- ويقول الفيروزآبادي : وردت -الحكمة- في القرآن على ستة أوجه
لأول: بمعنى النبوة والرسالة، { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (آل عمران: من الآية 48). { وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ } (صّ: من الآية 20) { وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ } (البقرة: من الآية 251). أي: النبوة
الثاني: بمعنى القرآن والتفسير والتأويل، وإصابة القول فيه: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } (البقرة: من الآية 26
الثالث: بمعنى فهم الدقائق والفقه في الدين { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } (مريم: من الآية 12).
الرابع: بمعنى: الوعظ والتذكير { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (النساء: من الآية 54). أي: المواعظ الحسنة، { أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ } (الأنعام: من الآية
الخامس: آيات القرآن وأوامره ونواهيه { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } (النحل: من الآية 125).
السادس: بمعنى حجة العقل على وفق أحكام الشريعة، { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } (لقمان: من الآية 12) أي: قولًا يوافق العقل والشرع (1) .
قال الألوسي : وفي (البحر): إن فيها تسعة وعشرين قولًا لأهل العلم، قريب بعضها من بعض، وعد بعضهم الأكثر منها اصطلاحًا واقتصارًا على ما رآه القائل فردًا مهمًا من الحكمة، وإلا فهي في الأصل: مصدر من الإحكام، وهو الإتقان في علم أو عمل أو قول أو فيها كلها (2) .
3-أما ابن عاشور فقد قال: وفسرت الحكمة بأنها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة، أي: بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض، ولا يغلط في العلل والأسباب (3) .
4- ونختم أقوال المفسرين في الحكمة بما ذكره سيد قطب -رحمه الله- حيث فسر الحكمة بأنها: القصد والاعتدال وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال
هذه خلاصة لأهم أقوال المفسرين في تفسير معنى الحكمة في كتاب الله، تعالى
المبحث الثاني
الحكمة كما عرفها بعض العلماء
ذكر العلماء العديد التعريفات للحكمة وهي لا تخرج عن معنى التعريفات السابقة، ولكن ذكرها يزيد الأمر وضوحا، ومن ذلك:
1- قيل: هي وضع الشيء في موضعه
2- وقال ابن القيم : وأحسن ما قيل في الحكمة قول مجاهد ومالك، إنها: معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان.
3-وقال رشيد رضا : الحكمة: العلم الصحيح، الذي يبعث الإرادة إلى العمل النافع الذي هو الخير
4- قال الرازي : حكم الحكمة والعقل، هو الحكم الصادق المبرأ من الزيغ والخلل، وحكم الحسن والشهوة والنفس توقع الإنسان في البلاء والمحنة
5- قال عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: (الحكمة: هي العلوم النافعة، والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، ثم قال: وجميع الأمور لا تصح إلا بالحكمة التي هي وضع الأشياء في مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام)
6- يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: "إن الشريعة تعبدتنا بالوسائل كما تعبدتنا بالغايات، فليس لك أن تسلك إلى الغاية التي شرعها الله لك إلا الطريق التي جعلها الله وسيلة إليها، وللحكمة والسياسة الشرعية معانٍ معتبرة، ولكن في حدود هذه الوسائل المشروعة فقط... ومن الخطأ أن تحسب مبدأ الحكمة في الدعوة إنما شُرع من أجل تسهيل العمل الدعوي، أو من أجل تفادي المآسي، بل السر إنما هو سلوك أقرب الوسائل إلى عقول الناس وأفكارهم، ومعنى هذا أنه إذا اختلفت الأحوال وقامت عثرات الصد والعناد دون سبيل الدعوة، فإن الحكمة حينئذ إنما هي إعداد العدة للجهاد والتضحية بالنفس والمال، إذ الحكمة هي أن تضع الشيء في مكانه"
7- وقال سيد قطب -رحمه الله-: (القصد والاعتدال وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال)
وأخيرا: لعل خير خلاصة تجمع أغلب هذه المعاني التي وردت في الحكمة هي أنها: "فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي" . ولنأخذ، مثلا، يوضح لك:
الأمر بالصلاة، مما ينبغي، والأمر بشرب الخمر، لا ينبغي. وعلى الوجه الذي ينبغي، فقد يكون -الأمر بالصلاة- تذكيرا، أو أمرا، أو ضربا حسب الأحوال . وفي الوقت الذي ينبغي، وذلك بمراعاة الزمان والمكان، وهذا له عدة صور وأحوال تجب مراعاتها.

المبحث الثالث
المعنى اللغوي للحكمة
1- قال ابن فارس : الحاء والكاف والميم أصل واحد، وهو: المنع، وأول ذلك الحكم، وهو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة؛ لأنها تمنعها. والحكمة هذا قياسها؛ لأنها تمنع من الجهل، والمحكم: المجرب المنسوب إلى الحكمة، قال طرفةليت المحكم والموعوظ صوتكما ... تحت التراب إذا ما الباطل انكشفا أراد بالمحكم الشيخ المنسوب إلى الحكمة .
2- وقال ابن منظور :قيل: الحكيم: ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم .
3- وقال الجوهري : الحكم: الحكمة من العلم. وصاحب الحكمة: المتقن للأمور. وقد حكم- بضم الكاف، أي: صار حكيما، قال النمر بن تولب :
وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما
قال الأصمعي : أي: إذا حاولت أن تكون حكيما، والمحكم -بفتح الكاف- هو الشيخ المجرب، المنسوب إلى الحكمة
4-وقال في (تاج العروس): والحكمة -بالكسر- العدل في القضاء كالحكم، والحكمة العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، والعمل بمقتضاها، ولهذا انقسمت إلى علمية وعملية، ويقال: هي هيئة القوة العقلية العلمية.
5- وقيل: الحكمة: إصابة الحق بالعلم والعمل. فالحكمة من الله: معرفة الأشياء، وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفته، وفعل الخيرات.
6-وأحكمه إحكاما: أتقنه، ومنه قولهم للرجل إذا كان حكيما: قد أحكمته التجارب.
7- وأحكمه: منعه من الفساد.
8- وفي (المصباح المنير): الحكمة وزان قصبة للدابة، سميت بذلك؛ لأنها تذللها لراكبها حتى تمنعها الجماح ونحوه. ومنه اشتقاق الحكمة؛ لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال
هذه أهم المعاني اللغوية التي وردت في الحكمة وأصلها وكلها تدور حول المنع؛ لأنها تمنع صاحبها من الوقوع فيما يذم فيه، أو ما قد يندم عليه، وتمنعه من اختيار المفضول دون الفاضل، أو المهم قبل الأهم.
وعلية ومما سبق من تعاريف للحكمة في القران واللغة واقوال العلماء يتبين أن الحكمة تأتي لمعان كثيرة :
1- ما تضمنه كتاب الله سبحانه وتعالى من الدعوة إلى الإيمان بالله ، وعبادته ، والتزام صراطه المستقيم، ودينه القويم ، فالآخذ بهذا قد أحكم أمره، وعرف طريقه، وبهذا فسر ابن جرير الطبري معنى : [ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [ 125 ] ] سورة النحل . أي : ما تضمنه هذا القرآن الكريم.
2- سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاءت الحكمة معطوفة على الكتاب كثيراً في القرآن كما قال تعالى: [ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [ 164 ] ] سورة آل عمران.
فالحكمة هنا : هي بيان القرآن الكريم ، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- الحكمة يعنى : وضع الأمور في نصابها، والوصول إلى الأهداف المطلوبة بأيسر الطرق ، وأحسنها كما أمر الله باللين في الدعوة مع الجبابرة : [ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [ 44 ] ]سورة طه . وبالشدة في مواطنها ، كما قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ 9 ] ] سورة التحريم ... وبالعفو ، واللين في مواطنه : [ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفضواْ مِنْ حَوْلِكَ [ 159 ] ] سورة آل عمران.
المبحث الرابع
تفيسر قولة تعالى ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)
1- تفسير حومد :- ادْعُ يَا مُحَمَّدُ قَوْمَكَ إِلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الله طَرِيقِ الحَقِّ الذِي شَرَعَهُ اللهُ لِلنَّاسِ ، وَاسْتَعْمِلْ فِي دَعْوَتِكَ مَعْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الوَسِيلَةَ النَاجِعَةَ مَعَهُ ، وَالطَّرِيقَةَ المُنَاسِبَةَ ، وَجَادِلْ أَهْلَ الكِتَابِ بِالحُجَّةِ وَالقَوْلِ اللَّيِّنِ ، وَالعِبَارَةِ الحَسَنَةِ التِي لاَ تَشُوبُهَا قَسْوَةٌ وَلا عُنْفٌ ، لِيَسْتَمِرَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمُ الحِوَارُ وَالجَدَلُ وَالنِّقَاشُ ، فَتَسْتَطِيعَ إِقْنَاعَهُمْ بِصِحَّةِ دَعْوَتِكَ ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى اتِّبَاعِكَ ، وَاتَرْكُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَهُمْ للهِ ، فَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ مَنْ ضَلَّ فَلاَ يُفِيدُ مَعَهُ جَدَلٌ وَلاَ دَعْوَةٌ ، وَهُوَ الذِي يَعْلَمُ مَنْ صَفَتْ نَفُسُهُ ، وَسَلِمَ تَفْكِيرُهُ ، فَاهْتَدَى وَآمَنَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ .
2- سيد طنطاوي :- والخطاب فى قوله - تعالى - { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة } للرسول صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه كل مسلم يصلح للدعوة إلى الله - عز وجل - . أى : ادع - أيها الرسول الكريم - الناس إلى سبيل ربك أى : إلى دين ربك وشريعته التى هى شريعة الإِسلام { بالحكمة } أى : بالقول المحكم الصحيح الموضح للحق ، المزيل للباطل ، الواقع فى النفس أجمل موقع .وحذف - سبحانه - مفعول الفعل { ادع } للدلالة على التعميم ، أى ، ادع كل من هو أهل للدعوة إلى سبيل ربك . وأضاف - سبحانه - السبيل إليه . للإِشارة إلى أنه الطريق الحق ، الذى من سار فيه سعد وفاز ، ومن انحرف عنه شقى وخسر .وقوله - تعالى - : { والموعظة الحسنة } وسيلة ثانية للدعوة إلى الله - تعالى - أى : وادعهم - أيضا - إلى سبيل ربك بالأقوال المشتملة على العظات والعبر التى ترقق القلوب ، وتهذب النفوس ، وتقنعهم بصحة ما تدعوهم إليه ، وترغبهم فى الطاعة لله - تعالى - وترهبهم من معصيته - عز وجل - وقوله - تعالى - : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } بيان لوسيلة ثالثة من وسائل الدعوة السليمة . أى : وجادل المعاند منهم بالطريقة التى هى أحسن الطرق وأجملها ، بأن تكون مجادلتك لهم مبنية على حسن الإقناع ، وعلى الرفق واللين وسعة الصدر فإن ذلك أبلغ فى إطفاء نار غضبهم ، وفى التقليل من عنادهم ، وفى إصلاح شأن أنفسهم ، وفى إيمانهم بأنك إنما تريد من وراء مجادلتهم ، الوصول إلى الحق دون أى شئ سواه .
3- المنتخب أيها النبى : ادع إلى طريق الحق الذى شرعه ربك مع قومك ، واسلك فى دعوتهم الطريق الذى يناسب كل واحد منهم ، فادع خواصهم ذوى المدارك العالية بالقول الحكيم المناسب لقولهم ، وادع عوامهم بما يناسبهم من إيراد المواعظ ، وضرب الأمثال التى توجههم إلى الحق ، وترشدهم من أقرب طريق مناسب لهم ، وجادل أصحاب الملل السابقة من أهل الكتب بالمنطق والقول اللين ، والمجادلة الحسنة التى لا يشوبها عنف ولا سِبَاب حتى تتمكن من إقناعهم واستمالتهم . هذا هو الطريق لدعوة الناس إلى اللَّه على اختلاف ميولهم ، فاسلك هذا الطريق معهم ، واترك أمرهم بعد ذلك إلى ربك الذى يعلم من غرق فى الضلال منهم وابتعد عن طريق النجاة ، من سلم طبعه فاهتدى وآمن بما جئت به
4- ويقول السيد قطب على هذه الأسس يرسي القرآن الكريم قواعد الدعوة ومبادئها ، ويعين وسائلها وطرائقها ، ويرسم المنهج للرسول الكريم ، وللدعاة من بعده بدينه القويم فلننظر في دستور الدعوة الذي شرعه الله في هذا القرآن . إن الدعوة دعوة إلى سبيل الله . لا لشخص الداعي ولا لقومه . فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه لله ، لا فضل له يتحدث به ، لا على الدعوة ولا على من يهتدون به ، وأجره بعد ذلك على الله .والدعوة بالحكمة ، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم ، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها ، والطريقة التي يخاطبهم بها ، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها .وليس من « الحكمة والموعظة الحسنة » إخفاء جانب من هذه الحقيقة أو تأجليه ، لأن الطواغيت في الأرض يكرهونه أو يؤذون الذين يعلنونه! أو يعرضون بسببه عن هذا الدين ، أو يكيدون له وللدعاة إليه! فهذا كله لا يجوز أن يجعل الدعاة إلى هذا الدين يكتمون شيئاً من حقائقه الأساسية أو يؤجلونه؛ ولا أن يبدأوا مثلاً من الشعائر والأخلاق والسلوك والتهذيب الروحي ، متجنبين غضب طواغيت الأرض لو بدأوا من إعلان وحدانية الألوهية والربوبية ، ومن ثم توحيد الدينونة والطاعة والخضوع والاتباع لله وحده!إن هذا لهو منهج الحركة بهذه العقيدة كما أراده الله سبحانه؛ ومنهج الدعوة إلى الله كما سار بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتوجيه من ربه .
وبذلك نرى الآية الكريمة قد رسمت أقوم طرق الدعوة إلى الله تعالى - وعينت أحكم وسائلها ، وأنجعها فى هداية النفوس .
إنها تأمر الدعاة فى كل زمان ومكان أن تكون دعوتهم إلى سبيل الله لا إلى سبيل غيره : إلى طريق الحق لا طريق الباطل ، وإنها تأمرهم - أيضا - أن يراعوا فى دعوتهم أحوال الناس ، وطباعهم ، وسعة مداركهم ، وظروف حياتهم ، وتفاوت ثقافاتهم . وأن يخاطبوا كل طائفة بالقدر الذى تسعه عقولهم ، وبالأسلوب الذى يؤثر فى نفوسهم ، وبالطريقة التى ترضى قلوبهم وعواطفهم . فمن لم يقنعه القول المحكم ، قد تقنعه الموعظة الحسنة ، ومن لم تقنعه الموعظة الحسنة . قد يقنعه الجدال بالتى هى أحسن .وعلية نجد انه لا بد أن ينظر الداعية إلى الأمور نظرة متبصرة على بصيرة وفهم، وفهم الواقع قبل فهم الأدلة الشرعية أمر هام، وهذا الكلام ليس لداعية من دعاة العصر لا والله، بل هو كلام تأصيلي لأئمة السلف، اقرأ أول المجلد الثالث في إعلام الموقعين للإمام ابن القيم سترى كلاماً عجباً يقول ابن القيم : ولا يجوز للمفتي أن يفتي في مسألة من المسائل إلا بعلمين: علم الواقع، وعلم الأدلة الشرعية. علم الواقع لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ثم بعد ذلك يقول: وعلم الأدلة الشرعية. فالفهم -أيها الأحبة- فهم الأدلة ومراتبها، فهم المناطات الخاصة والعامة، فهم الواقع أو فهم المسألة التي تريد أن تسحب لها دليلاً عاماً أو دليلاً خاصاً، لا بد من الفهم للداعية ليتحرك إلى الله عز وجل على بصيرة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه البخاري من حديث معاوية -: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) قال الحافظ ابن حجر : يفقهه في الدين أي: يفهمه. فلا بد من الفهم الصحيح والدقيق، لتتحرك لدعوة الله ودينه عز وجل على بصيرة.
إن الحكمة في الدعوة إلى الله لا تقتصر على الكلام اللين والترغيب والرفق والحلم والعفو والصفح ، بل تشمل جميع الأمور التي عملت بإتقان وإحكام ، وذلك بأن تنزل في منازلها اللائقة بها ، فيوضع القول الحكيم والتعليم والتربية في مواضعها ، والموعظة في موضعها ، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها ، ومجادلة الظالم المعاند ، والمستكبر في موضعها ، والزجر والغلظة والقوة في مواضعها ، وكل ذلك بإحكام وإتقان ، ومراعاة لأحوال المدعوين ، والواقع والأزمان والأماكن ، في مختلف العصور والبلدان ، مع إحسان القصد والرغبة فيما عند الكريم المنان .
البقية في الفصول القادمة إنشاء الله






اللين ورقة القلب هي الأصل في الكلام والتعامل حتى مع المخالفين، كما قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46] ولكن قد يعدل عنه إلى غيره حسب ما تقتضيه الحكمة، ومقامات الأحوال) (1) .
قال أبو حامد الغزالي: (قال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في مواضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه؛ وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق) (2) .
وقال الجاحظ: (القساوة مكروهة من كل أحد، إلا من الجند وأصحاب السلاح، والمتولين للحروب؛ فإنَّ ذلك غير مكروه منهم إذا كان في موضعه) (3) .
وهذه المواطن التي يباح فيها القسوة، والغلظة، والفظاظة، تخضع لقاعدة مراعاة المصالح والمفاسد.
لذا فلا (يظننَّ أحد، أنَّه إذا وجدت تلك الأحوال أو بعضها، شرع في استخدام الشدة والقسوة في الدعوة، من غير النظر إلى العواقب والنتائج.. بل يجب مراعاة ما يتوقع حدوثه عند استخدام الشدة والقسوة، فإن تأكد لديه أنَّ لجوءه إلى الشدة سيكون سبب حدوث منكر، أعظم من المنكر الذي أراد إزالته، أو ترك معروف أهم منه، فليس له أن يلجأ إليها آنذاك) (4) والكلام وإن كان عن الدعوة، فإنه عام في جميع الأحوال.
ومن المواطن التي تباح فيها القسوة، والغلظة، والفظاظة:
1- في الجهاد:
- جاء في قصة الحديبية حينما قال عروة بن مسعود الثقفي للرسول صلى الله عليه وسلم: ((فإني والله لأرى وجوهًا، وإني لأرى أوشابًا (5) من الناس خليقًا أن يفرُّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر (6) اللات، أنحن نفر عنه وندعه، فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك)) (7) .
- ((تناول عروة بن مسعودٍ الثقفي لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقفٌ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد -أي لابس سلاح المقاتل من درع ونحوه- قال: فقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل- والله- لا تصل إليك. قال: ويحك! ما أفظك وأغلظك)) (8) .
2- مجادلة الظالم المتعد من أهل الكتاب:
قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].
(وقوله: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ. استثناء من الذين يجادلون بالتي هي أحسن، أى: ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. بأن أساءوا إليكم، ولم يستعملوا الأدب في جدالهم، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإغلاظ والتأديب.
وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى في مجادلتهم لأهل الكتاب عموما، ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم) (9) .
3- عند إقامة الحدود:
قال تعالى في حق الزناة: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2].
يقول الطبري: (يقول تعالى ذكره: لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة، وهي رقة الرحمة. دِينِ اللَّهِ، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحد عليهما على ما ألزمكم به) (10)
وعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: ((والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله)) (11) .
4- عند ظهور العناد والاستهزاء بالدين.
5- عند بدور مخالفة الشرع لدى من لا يتوقع منه ذلك (12) :
كما في حديث شفاعة أسامة في المرأة المخزومية التي سرقت: ((فكلم فيها أسامة بن زيدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله))
موقف النبي بعد فتح مكة
1/ حديث الطلقاء والربعة الذين امر النبي بقتلهم
وهو حديث ( يا أهل مكة أو يا معشر قريش : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) 0 وهذا الحديث أورده ابن إسحاق في ( السيرة ) - كما في ( سيرة ابن هشام ) 4 / 54 - 55 معضلاً فقال : ( فحدثني بعض أهل العلم 000 ) فذكره 0 وقد رواه الطبري في ( تاريخه ) 3 / 60 - 61 عن شيخه ابن حميد - وهو الرازي المتهم بالكذب - عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمر بن موسى الوجيه - وهو ممن يضع الحديث متناً وسنداً كما في ( الميزان ) 3 / 224 - عن قتادة مرسلاً 0 فالحديث لا شك في ضعفه بل وضعه بهذا اللفظ ؛ إذا سلمنا بأن الساقط من رواية ابن إسحاق في ( السيرة ) هو : الوجيه الوضاع ؛ فإن في الطريق إليه : ابن حميد ، وهو متهم بالكذب !

وهناك لفظ اخر اصح من هذا في ( السنن الكبرى ) للبيهقي 9 / 118 ، وفي ( دلائل النبوة ) له 5 / 57 - 58 ، وعند ابن أبي الدنيا في ( كتاب العفو ) و ( كتاب ذم الغضب ) ، وكذا عند ابن الجوزي في ( الوفا ) - كما في ( إتحاف السادة المتقين ) للزبيدي 8 / 41 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : ( ما تقولون وما تظنون ؟ قالوا : نقول : ابن أخ ، وابن عم ، حليم ، رحيم 0 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أقول كما قال يوسف : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) قال : فخرجوا كأنما نشروا من القبور ، فدخلوا في الإسلام ) 0 قال العراقي في ( تخريج الإحياء ) 3 / 179 : ( فيه ضعف
* عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ
إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ اقْتُلُوهُ )
في حَدِيث سَعِيد بْن يَرْبُوع عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم
أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَرْبَعَة لا أُؤَمِّنُهُمْ لا فِي حِلٍّ وَلا
حَرَم : الْحُوَيْرِث بْن نُقَيْد , وَهِلال بْن خَطَل , وَمِقْيَس بْن صُبَابَة , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي سَرْح ، قَالَ فَأَمَّا هِلال بْن خَطَل فَقَتَلَهُ
الزُّبَيْر ، وأما عبد الله بن أبي سرح فاستأمن له عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة وقينتين ينفذ لمقيس تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت أحدهما وأفلتت الأخرى" .
2/ حديث من دخل دار ابو سفيان فهو امن بعد الفتح ورفض النبي مقابلته قبل الفتح
عن ابن عباس قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس قلت والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لعلي أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه فإني لأسير إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال ما لك فداك أبي وأمي قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس قال فما الحيلة قال فركب خلفي ورجع صاحبه فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم قلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو - ص 163 - آمن قال فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد
* يستطع زعيم قريش أبو سفيان السكون طويلاً على هذا الوضع المقلق الذي خلقه نقض قومه لعهدهم مع المسلمين؛ فخرج يتحسس الأخبار ففوجئ بجيش المسلمين الضخم عند مكان يسمى "ثنية العقاب" قرب مكة، فأسرته قوة من استطلاعات المسلمين، وهمَّ عمر بن الخطاب أن يضرب عنقه، إلا أن العباس أجار أبا سفيان وأركبه خلفه على بغلته، ليدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسون العفو.

رفض النبي صلى الله عليه وسلم استقبال أبي سفيان في بداية الأمر، فقال أبو سفيان: "والله ليأذنن، أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا". فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رقَّ له، ورحم عزيز قومٍ أصابته تقلبات الدهر، وأذن له بالدخول، ولما رآه قال له: "ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم ألا إله إلا الله؟".
* حديث (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال
وآب النبي في صحابته إلى المدينة وإن قلوبهم لتفور بالحقد والحفيظة، فلولا أن رسول الله نهاهم لما انتهوا عما أرادوا؛ وتوزعتهم خواطر وهموم، وثقل عليهم ما يلقى إخوانهم هناك، ولكنهم طائعون لأمر الله ورسوله!
. . . ووجد أبو بصيرة سهوة من حراسه فحطم أغلاله ومضى، وتقاذفته الفلوات وحيداً بلا زاد ولا راحلة، حتى بلغ يثرب، وإنه ليعلم ما هناك. . .
وجد الطلب في أثره، فما أدركه قومه إلا وهو في أمان محمد، وما كان محمد ليغني عنه وذلك العهد بين محمد وقريش قائم، ولكن أبا بصير قد أعد عدته لأمر. . .
وجاء رسولا بني زهرة يذكران محمداً العهد القائم ويطلبان إليه أن يرد أبا بصير إلى قومه؛ وما كان لمحمد أن يغدر بما عاهد عليه القوم. . .
. . . وطأطأ أبو بصير رأسه وعاد مع الرسولين أدراجه وعيون المسلمين تشيعه بالدمع، وإن قلوبهم لتفيض بالألم والحسرة؛ ولكن أبا بصير لم يلبث أن عاد إلى المدينة وحيداً وعلى ظبة سيفه دم يسيل!. . .
وماذا على محمد بعد وقد وفى بما عاهد عليه القوم فرد إليهم رجلهم ثم أختار الرجل لنفسه؟
حر أنتصر فلا جناح عليه!
وافتر ثغر النبي عن ابتسامة وهو يقول: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال!)
وسمعها أبو بصير فوعاها، ثم ودع صحابته ومضى لأمره وما تزال يده على قائم السيف. . .
وعلى سيف البحر من ذي المرؤة، كمن أبو بصير كمون القدر يتربص لكل رائحة وغادية
(ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال!)

* ومن الأحاديث التي نقلها النووي رحمه الله في رياض الصالحين، في باب العفو والإعراض عن الجاهلين هذا الحديث، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء؛ ضربه قومه حتى أدموا وجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
وهذا من حلم الأنبياء وصبرهم على أذى قومهم، وكم نال الأنبياء من أذى قومهم؟! قال الله تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا)(الأنعام:34) فهذا النبي صلى الله عليه وسلم ضربه قومه حتى أدموا وجهه يقول:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وكأن هؤلاء القوم كانوا مسلمين، لكن حصل منهم مغاضبة مع نبيهم ففعلوا هذا معه، فدعا لهم بالمغفرة، إذ لو كانوا غير مسلمين لكان يدعوا لهم بالهداية، فيقول اللهم اهد قومي، لكن هذا الظاهر أنهم كانوا مسلمين. ".



عن بن مسعود رضي الله عنه قال استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش على شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبي جهل بن هشام فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى قد غيرتهم الشمس وكان يوما حارا











(
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشدة ' اللين ' الدعوة ' الرفق 'الحكمة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شهر عسل بين مختلف الجزر والمدن الماليزيه حلم الحياااه السياحة و السفر 0 July 9, 2015 01:16 AM
ألى أهل البلاء والمحن والمصائب عادل الاسد النصح و التوعيه 0 December 17, 2014 12:28 PM
كيف تتعلم الصبر والتحمل واللين فى التعامل Yaqot علم النفس 0 April 9, 2014 03:49 PM
تعرف علي حيوان الشيب , معلومات وصور نادرة لحيوان الشيب وردة الثلج معلومات ثقافيه عامه 0 June 5, 2011 12:50 PM


الساعة الآن 11:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر