فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم November 2, 2017, 11:47 AM
 
دوران حول الجعران: «ألم يكثر فينا ومِنَّا ومن حولِنا بهائم البشر؟» د. محمد المخزنجي

دوران حول الجعران: «ألم يكثر فينا ومِنَّا ومن حولِنا بهائم البشر؟»
بقلم
د. محمد المخزنجي

بأحد أركان معبد الكرنك كان هناك تمثال لجعران ضخم من الجرانيت الوردى منحوت بدقة ومصقول بتقنية تبدو خارقة فى زمنها وحتى فى زمننا. وكان ذلك الجعران العملاق الآتى من مبعدة آلاف السنين تحمله قاعدة من الجرانيت الوردى ذاته أُجريت فيها ترميمات ركيكة تتنافر مع براعة إبداع تمثال الجعران. وقد أحاطوا هذا المَعْلَم بكردون من قوائم وحبال مهلهلة لمنع زائرى المعبد من الإفراط فى لمس الجعران الجرانيتى الذى تروج حوله حكايات التبرك بلمسه للحصول على الحظ الحسن وفك الكروب وشفاء العلل. لكن اللمس خِلسة كان مسموحا به مقابل «بقشيش» مُعتبر من السياح لحراس المكان أو من ينتحلون صفتهم. أما عموم الناس من مواطنين وسياح لا يدفعون، فكان مُتاحا لهم الطواف حول الجعران خارج الكردون، مع حفنة حكايات تدفعهم إلى الدوران سبع مرات حول الجعران ليمنحهم الحظ السعيد فى الحب، فلا يطول الوقت بالعانس حتى تجد زوجا، ولا ينفرط للعشاق عقد، ويتجدد شغف الأزواج كل شريك بشريكه!

تمائم وقلائد للعالم الآخر

لم أذهب للطواف حول تمثال الجعران مع الطائفين، وإن كنت حثثت ابنىَّ اللذين كانا طفلين يومها ــ منذ خمسة عشر عاماــ للإسراع بدخول حلقة الطواف عندما رأيت فى عيونهما لمعة الفضول وانتظار ذلك «الحظ السعيد» الذى سيظهر لهما ما إن يُتما اللفات السبع حول الجعران. ووقفت بقلب الأب الهاش أتابع دورانهما مع الدائرين، بينما كانا يلتفتان نحوى ونحو أمهما إلى جوارى بنظرات حبور وزهو بالدوران مع الكبار. كنت أدعو الله أن يهبهما السعادة فى كل شؤون حياتهما بالطبع، لكننى لم أكن مقتنعا بأن ذلك الطواف يمكن أن يكون تميمة سحرية لجذب طائر الحظ السعيد حتى يحط على أغصان شجرة أى إنسان، وإن جعلنى نحت وصقل تمثال الجعران على هذا النحو مذهل الجمال والدقة، أندهش من احتفاء الأسلاف ــ الدينى والدنيوى ــ بهذه الحشرة، حتى صارت لديهم: مقدسة!؟





خنفساء الروث تدحرج كرتها ورأسا لأسفل وترى بضوء مُستقطب لا تدركه أبصارنا


بعدها، رحت أتعقب هذا الجعران المصرى المقدس لأفض مغاليق فضولى للتعرف على أساطير ماضيه وحقائق واقعه، وعرفت أن رسم جعران فى اللغة الهيروغليفية يمثل مُفرَدة لها العديد من المعانى تبعا لسياقها فى الجملة، فهى «الإتيان إلى الوجود»، أو «التحول»، أو «الانبعاث». وفى الرسوم والنقوش كانت ترتبط بإله الشمس، وثمة صورة لاتزال تحتفظ بألوانها الرائعة العتيقة على السقف الفلكى بمقبرة رمسيس السادس الذى يمثل دورة «الموت والانبعاث» مُعبَّرا عنها بابتلاع الليل للشمس ثم ميلادها فى النهار. وقد استوقفنى طويلا ذلك الربط المتكرر بين الشمس والجعران فى مصر القديمة، فالرسوم والنقوش الفرعونية كانت تصور الجعران قائما على أقدامه الأربع الخلفية ويحمل بين قوادمه ــ كما لو كانت يديه ــ قرص الشمس. ووجدت الجعران حاضرا باجتياح فى قلائد وتمائم تشمل أمور الموت والحياة لدى المصريين القدماء من الملوك وعامة الشعب، ولكل قلادة أو تميمة اسم ومناسبة، فتميمة «الجعران المُجنَّح» كانت تمهد حاملها لرحلة آمنة إلى العالم الآخر بعد انتهاء أجله، وقلادة «جُعران القلب» توضع فى مقبرة المتوفى لتضىء طريقه فى ذلك العالم. ومن أشهر قلائد وتمائم الجعران المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة وشبه الكريمة تلك المعروضة ضمن كنوز الملك توت عنخ آمون فى المتحف المصرى.

جعارين للحياة وصدمة





جاءت من أقاصي الشرق لتزهو وتفخر بصورة تذكارية مع جعراننا الذي لا نعرفه


لم تكن تمائم وقلائد مغادرة الحياة هى النماذج الوحيدة التى يتصدرها الجُعران المقدس، فقد كان هناك ما يخص الحياة، فثمة قلادة أو تميمة للعُرس، ومثلها للأمانى الطيبة، وأخرى لدرء الحسد، ولحماية الزرع، وصون الممتلكات، وكلها تحتوى على نحت الجعران بينما باطنه المسطح محفور فيه اسم حامله مع اسم مُقدَّس أو كلمات سحرية أو غيرها، لهذا يُعد المُستخرَج من هذه القلائد والتمائم والأختام المكللة بنحت الجعران من أكثر ما يعثر عليه المنقبون عن الآثار الفرعونية، فنشأت لها تجارة سرية تديرها مافيا لبيع قطع أصلية مهربة تروج حولها مزاعم سحرية من أساطير الماضى وإضافات عجائبية من مزاعم الحاضر. لكن الذى كان صادما لى، وسيكون صادما لكثيرين، أن هذا الحيوان الذى قدسه قدماء المصريين، لم يكن إلا حشرة من عائلة الجُعلان ومفردها جُعل، أو الجعارين ومفردها جعران، والتى هى فى حقيقتها العلمية: «خنافس الروث»، تأكل الروث، وتُنجب فى الروث!
كان اكتشافى صدمة بطابع النفور، بل حتى التقزز، فالخمسة آلاف نوع من تلك الخنافس، كان معظمها مرتبطا بالروث ارتباطا فظيعا، فهو طعامها، ورحم إيداع ذريتها وتغذية هذه الذرية وحمايتها حتى الاكتمال. وكانت هذه الصدمة كافية للكف عن البحث فى كنه تلك الخنافس، لولا أن شيئا فيها أثار عمق فضولى، وهو: تلك الكرة متقنة الاستدارة من الروث التى تشكلها ثم تدحرجها بطريقة أكروباتية فريدة: كيف؟ ولماذا؟ وإلى أين؟





مانجيبت سينج يجر حافلة فارغة فيصير خارقا بينما الخنفساء تفوقه قوة بعدة مرات


بحثا عن ضالتها المنشودة تظل خنفساء الروث تطير طيرانا يبدو لنا متخبطا بينما هو طيران مقصود ومُخطَّط له بدقة إعجازية، فهى تندفع إلى الأمام، وفجأة تستدير وتندفع للخلف، وباطراد تُحوِّر مسار هذا الاندفاع والارتداد كما لو كانت مؤشر ماسح رادارى يبحث عن هدف، وهى بالفعل تبحث عن هدف، وهدفها ــ وأرجو أن نؤجل تقززنا إلى حين ــ ليس إلا: الروث الطازج! فهى بطيرانها الخفيض الذى يبدو لنا متخبطا، إنما تتقاطع مع اتجاهات هبوب أو خفوت الهواء محددة أى جهة بالضبط تأتى منها أقوى رائحة، فلديها حاسة شم استثنائية تلتقط رائحة الروث من مبعدة عدة كيلومترات فور إطلاقه، وبذلك ترسم إحداثيات الهدف، وتهرع نحوه.
تصل الخنافس سِراعا إلى وليمة الروث فتفتته، وتسوِّى من الفتات بأرجلها الأمامية التى تعمل كأيادٍ بالغة المهارة كرات متقنة تكون أحيانا بأضعاف حجمها ووزنها، وبسرعة تبدأ كل خنفساء فى دحرجة كرتها مبتعدة، متخذة فى ذلك وضعا أكروباتيا عجيبا، فهى تقف منقلبة على رجليها الأماميتين ورأسها إلى أسفل وكأنها لاعب أكروبات يقف على يديه، تاركة باقى جسمها ليرتكز بأرجلها الأربع الباقية على كرة الروث، ثم تبدأ الدحرجة السريعة بماكينة الأرجل الأربع بينما الرجلان الأماميتان تهرولان إلى الخلف، فكأن الخنفساء تسوق كرتها وبصرها موجه نحو الأرض التى تفر فى الاتجاه المعاكس، فكيف لا تضل الطريق؟




سبع لفات حول الجعران الجرانيتي تجلب السعادة للطائفين . أسطورة تفوقها الحقيقة .

ترى ضوءاً لا تراه عيوننا

لقد ثبت أن هذه الخنافس ترى طريقها نهارا بخاصية تفتقر إليها عيون البشر وهى الإحساس بالضوء المُستقطَب من أشعة الشمس، أى الذى تمضى موجاته فى اتجاه واحد، وهو غير الضوء العادى الذى تنتشر موجاته فى كل اتجاه وتميزه عيوننا، وهذا يعنى أن فى عيون تلك الخنافس نوعا من مُرشِحات ومُستقبلات الضوء بالغة التطور، وهذا ما يتيح لها أيضا أن تهتدى فى الليالى المقمرة بالضوء المستقطب من نور القمر، أما الأعجب فيحدث فى الليالى التى يغيب فيها القمر، حيث تهتدى إلى أهدافها بالضوء المستقطب من بريق النجوم فى مجرَّة درب التبانة، وهى بذلك تكاد تكون الكائن الوحيد الفريد الذى يهتدى فى طريقه بأضواء المجرة! والمُلاحظ أن مسارات دحرجة كرات الروث تتم فى خطوط مستقيمة، مما يعنى الرغبة فى إنجاز مهمة نقل هذه الكرات إلى هدفها عبر أقصر الطرق، وبأسرع ما يمكن. فلماذا الاستعجال؟
سيتبادر إلى الذهن أن هذه العجلة ضرورة لتأدية مهمة حيوية بالغة الأهمية ولا تحتمل التأجيل، لكن العالِم «جان هنرى فابر» فى أواخر القرن التاسع عشر قدم لنا تفسيرا مختلفا استقاه هو ومعاونوه بعد ملاحظة طويلة ودقيقة لسلوك هذه الخنافس فى بيئتها الطبيعية، وثبت أن هناك من أفرادها لصوصا يكمُنون عند المنعطفات ويقطعون الطريق على الخنافس العائدة بكراتها ويسلبونها هذه الكرات بالقوة والغدر وهى مُجهَدة، وقد فطنت الخنافس الشريفة إلى هذا الإجرام فكانت تتحاشى الوقوع فى فخاخه بدحرجة كراتها بأقصى سرعة عبر طرق مستقيمة، فلا توقعها الطرق الملتفة فى قبضة اللصوص!
ويكشف لنا عِلم سلوك الحيوان (إيثولوجى) أن كرة الروث هذه ليست لعبة تلهو بها هذه الخنافس فهى مصدر غذاء كامل وحيد لها ولذريتها، كما أنها غرف احتضان تضع فيها بيضها فيفقس فى دفئها وتخرج اليرقات لتجد غذاءها وفيرا حولها، منه تتغذى وعليه تكبر وتتطور حتى تبلغ الاكتمال فتشق طريقها نحو النور للعيش على سطح الأرض.




قلادة لتوت عنخ آمون من الذهب والأحجار الكريمة لجعران مجنح يحمل قرص الشمس

للنزول تحت الأرض وقت

فى حياتها المعتادة لا تنزل خنفساء الروث تحت الأرض إلا لدفن ما جلبته من كرات روث تخبئها زادا للأيام العجاف، كما أنها تنزل تحت الأرض لتوُدِع كرة الروث التى تكون غرفة احتضان لذريتها فى موسم التزاوج. وفى هذا الموسم يتعارف ذكر وأنثى فيمضيان معا بعد انفراد، ومعا يُشكلان كرة روث أكبر من المعتاد ويفران بها، الذكر يدحرج الكرة والأنثى تتبعه، ويحدث كثيرا عندما يكون الطقس شديد الحرارة، أن يُنهَك الذكر من تسخين الدحرجة وسخونة الجو، فيصعد إلى قمة الكرة ليستريح ويستبرد قبل أن يهبط ويعاود الشقلبة ودحرجة الكرة الثمينة من جديد. وقد أثبت التصوير الحرارى أن درجة حرارة كرة الروث فى العراء تكون أبرد مما حولها نتيجة بخر ما بها من مياه!
فى نهاية رحلة الدحرجة ووقفات الراحة والابتراد، يصل زوجا الخنفساء إلى بقعة أرض لينة التربة فى مكان آمن، فيتوقفان ويشرعان فى الحفر بلهفة الرغبة فى التزاوج التى تتأجج فى هذا المَأْمَن، يُنزلان كرتهما فى عمق الحفرة ويهيلان عليها التراب ويُموهان السطح فوقها، ثم يتسللان بحذر وسرعة ودقة ليتعانقا تحت خِباء التراب لصق غرفة احتضان الذرية، بعدها تبذر الأنثى بيضها المخصب فى الكرة ويمكث الزوجان يحرسانها دون أن يأكلا منها أو يكلا، حتى يخرج صغارهما منها مُكتَملين ويصعدوا إلى سطح الأرض لإعادة سيرة الآباء والأجداد.

حق الأخذ وواجب العطاء

الذى بدأ يزيح عندى دواعى التقزز والنفور ليحل بمكانها الاندهاش، ثم التقدير والإكبار، أن هذه الكائنات وهى تقوم بدفن واستهلاك الروث خدمة لذاتها، إنما تؤدى لبيئتها خدمة نادرة شاملة نبيلة، تبعا لمفهوم فطرى لم تنتبه البشرية إلى أهميته القصوى فى الحفاظ على الحياة والأحياء على كوكب الأرض إلا مؤخرا، ومتأخرا جدا، بعدما أوشك البشر بسلوكهم الأنانى الأحمق وقصير النظر على تدمير الحياة وسحق الأحياء فى هذا الكوكب. فخنافس الروث فيما تقوم به تتحرَّى مبدأ «الاستدامة» للحفاظ على سلامة البيئة الطبيعية من حولها واستمرار عطائها، بالتوازن بين حق الأخذ وواجب العطاء، فهى بينما تصنع كرات طعامها وحاضنات نسلها وتدفنها تحت التراب، إنما تُنظِّف سطح الأرض، وتعيد تقليب التربة، وتزيد من خصوبتها بذلك السماد الحيوى الذى تنثره وتنشره فى أرجائها، وهى بصنيعها تخدم النبات والحيوان وحتى البشر أينما وُجِدت ووجِدوا، ليس فقط بما تضيفه إلى الأرض، بل أيضا بما تحميها منه، فلو أن الروث ظل على سطح الأرض مكشوفا لتيبس وأعاق بزوغ أى نبات من جوفها، كما أن ركام الروث المكشوف يتحول إلى مزارع للميكروبات والآفات الضارة بالبيئة وكل الأحياء فيها، وقد ذكر المعهد الأمريكى للعلوم البيولوجية أن خنافس الروث تنقذ صناعة الماشية فى الولايات المتحدة بدفنها للروث فتوفِّر للمربين 380 مليون دولار سنويا كانت ستُنفق على مواد مكافحة الآفات وعقاقير مُعالجة أمراض القذارة، وهى كيماويات ذات حدين، فهى بينما تقى وتعالج، تتسرب إلى البيئة فتلوثها وتؤذى كل الأحياء فيها.




جعران فرعوني طوله 1.5 متر من عهد البطالسة وُجِدَ في إسطنبول ! والآن في لندن !

أقوى كائن فى كوكب الأرض

لكل ما ذُكِر وما لا تتسع المساحة لذِكرِه من أفضال خنافس الروث على الأحياء والحياة، صارت مادة ثمينة للتصدير والاستيراد شأنها شأن النفط والذهب والغاز والفضة. ففى أستراليا اضطلعت منظمة البحوث العلمية التابعة للكومنولث بمشروع يسمى «خنفساء دنج» لاستيراد خنافس الروث من جنوب أفريقيا، فأدخلت 23 نوعا منها فى الفترة من 1965 حتى 1985 مما أدى إلى تحسين نوعية التربة وخصوبتها وأيضاً تحسين صحة الماشية بتخفيض عدد ذباب الأوبئة بنسبة تقارب 90%. وفى نيوزيلندا طلبت شركة «ريزارتش» استيراد 11 نوعا من خنافس الروث لتحسين تربة المراعى وحماية صحة حيوانات الرعى، إضافة لتخفيض انبعاثات غاز أكسيد النيتروز الملوث للبيئة والمؤجِّج للاحتباس الحرارى. فأى فعالية وقوة تكمن فى هذا الكائن الضئيل الذى يحسبه الكثيرون هينا ومَهينا؟!
لقد أثبت بحث علمى حديث أجراه الدكتور «روب كونل» من وحدة الملكة مارى بجامعة لندن أن خنفساء الروث قد تكون جسمانيا أقوى مخلوق فى كوكب الأرض، فهى تُظهِر علامات قوة خارقة مقارنة بحجمها ووزنها، ولإثبات ذلك أجرى تجربة وضع فيها الخنفساء فى نفق صناعى بالمختبر، مُثبِّتا بظهرها طرف خيط ألصقه بصمغ شديد الفعالية وربط الطرف الثانى من الخيط بوعاء يسكب فيه الماء، وظل يزيد من كمية الماء فى الوعاء مع حث الخنفساء على جَرِّه حتى توصَّل إلى الوزن الأقصى الذى تستطيع الخنفساء سحبه، ونشر نتائج بحثه فأحدث دويا بهذه النتائج التى تؤكد أن خنفساء الروث تستطيع جر ثقل يساوى 1141 مرة مثل وزنها، وهو ما يعادل جر ستة حافلات من ذات الطابقين ممتلئة تماما بالركاب، وهى بذلك تفوق بقوتها أضخم وأبرع وأكثر الحيوانات توحشا، وضمنها بالطبع الحيوان البشرى الذى بالكاد استطاع فرد منه هو البريطانى الهندى «مانجيت سينج» جر حافلة ذات طابقين، فارغة من الركاب! أما فى نطاق رفع الأثقال، فهذه الخنفساء قادرة على حمل ثقل يفوق أكثر من 50 مرة مثل وزنها، متفوقة بذلك على الغوريلا (10 أمثال وزنها) والإنسان (2.3 مثل وزنه) والنمر (2 مثل وزنه) والفيل (1.7 مثل وزنه) والثور (1.5 مثل وزنه)، أما الدب البنى أو الأغبر فلم يكمل القدرة على حمل مثل وزنه بل 0.8 منه، فقط!


من يُنظف الغابة البشرية

الآن، وبعد خمسة عشر عاما من الوقفة الحائرة أمام جعران معبد الكرنك الجرانيتى الوردى الكبير البديع، لا تتوقف رؤيتى لذلك الكائن عند حدود قوته المادية التى هى عجائبية وخارقة بكل تأكيد، بل تمتد لترى بفلسفة المعرفة بالتناظر ما هو معنوى، بل أخلاقى، وإن كان الدليل عليه ماديا، ففى جولة لى بمحمية إيتوشا بناميبيا، رأيت مع غيرى فيلا يطلق روثه وراء ساتر من أشجار كاليهارى الصحراوية، فالفيل كائن حى وشديد الرقى لمن يعمق المعرفة به، وكانت كتلة الروث بحجم نصف متر مكعب أو تزيد. وبعدما غادرنا المكان ثم عدنا للمرور به بعد ساعتين من التجوال لم نر أثرا لتلك الكتلة. وقد عرفت أن البشر لا ينظفون هذه المحمية، فهى تنظف نفسها بنفسها وأولاً بأول. لكننى لم أكن أعرف على وجه التحديد: من الذى ينظف كل هذا الروث فى محمية تعج بالحيوانات آكلة العشب، والحيوانات أكلة الحيوانات آكلة العشب، وكلها تُخلِّف ما تخلِّفه وراءها؟
واليوم، أعرف من هو رسول النظافة الفطرية العظيم ذاك، والذى أدرك المصرى القديم عظمة دوره فلم يقرن اسمه بالروث، بل جعله مُبجلا، ينتسب إلى «التحول»، و«الشروق بعد الغروب»، و«الانبعاث». ورصَّع بصورته «التميمة المُجنَّحة» الواعدة بالسلام عند الرحيل و«قلادة القلب» الهادية إلى النور فى عالم الأبدية. أعرف، فأستعيد ذكرى «الجعران المقدس» من الجرانيت الوردى الضخم رائع النحت والصقل فى معبد الكرنك، ودوائر الطائفين حوله، والأساطير المحيطة به، والتى هو جدير بأفضل منها لأنه كائن عظيم، ولم يكن يستطيع إدراك عظمته إلا بشر عظماء العقل والروح، يتصادف أنهم أسلافنا، الذين بجَّلوا كائنا يصنع من مادة مهينة حياةً له ولنسله وإحياءً لكل المخلوقات من حوله، فيزداد يقينى بأنهم عرفوا الخالق بأفضل مما زعم ويزعم مُدمِّرو الحياة وجاحِدى الإحياء فينا ومن حولنا. أعرف، فأُغمض عينى وأطوف مع الطائفين، لا آملا فى أثر سحرى يجلب السعادة عسيرة المنال فى أيامنا، بل مُعتذرا للأسلاف عن انحدار الأخلاف، وحالِما بما يُطهِّر حياتنا من روث أفهام - قبل أجسام - بهائم البشر! ألم يكثر فينا ومنا ومن حولنا بهائم البشر؟
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقالات ، محمد المخزنجي, دوران حول الجعران

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لُوجوُرِيا بقلم د. محمد المخزنجي معرفتي مقالات الكُتّاب 0 July 27, 2013 12:43 AM
ارحلا بقلم د. محمد المخزنجي معرفتي مقالات الكُتّاب 0 July 27, 2013 12:35 AM
قالوا: البشر. قلت: النبي محمد خير البشر. ملك حنون شعر و نثر 3 July 1, 2010 03:25 PM
اليكي للشاعر محمد المخزنجي محمد المخزنجي شعر و نثر 0 October 26, 2008 12:05 PM


الساعة الآن 01:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر