فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم October 16, 2017, 03:33 PM
 
Smile سقوط الأندلس بقلم الأديب والدبلوماسي عز الدين شكري فشير

سقوط الأندلس بقلم عز الدين شكري فشير
سقوط الأندلس بقلم عز الدين شكري فشير
سقوط الأندلس بقلم عز الدين شكري فشير

سقوط الأندلس
بقلم الأديب والدبلوماسي
عز الدين شكري فشير

يشغى الفكر العربى المعاصر بإشارات إلى سقوط الأندلس، باعتباره رمزا لفقداننا مكانتنا كقوة كبرى فى العالم، وربما باعتباره تأريخاً لبداية «السقوط العربى» وصعود أوروبا الغربية، المسيحية، التى ستتحول تدريجيا إلى قوة استعمارية كبرى تتغلغل فى العالم العربى والإسلامى، ثم تُخضعه لسيطرتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بأشكال وأدوات متنوعة وممتدة حتى اليوم.
قضى المفكرون العرب والمسلمون قرنين كاملين فى تحليل أسباب هذه الهزيمة التاريخية وكيفية الخروج منها. هذا هو سؤال «النهضة» الشهير، بإجاباته المتنوعة، من محاكاة الغرب أخذاً بالأسباب والوسائل التى أدت إلى نهضته وتخلفنا، إلى العودة لأصول نهضتنا فى «العصر الذهبى» للإسلام والعروبة وإحيائها كى ننهض كما نهضنا أول مرة، إلى الجمع بين المحاكاة والإحياء بأشكال ودرجات متفاوتة.
هذا أيضا هو سؤال علاقتنا بـ«الغرب»: كيف نصوغ علاقاتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية بهذا «الغرب» القوى المسيطر، سواء فى مرحلة الاستعمار التقليدى أو خلال ما سُمى «الاستعمار الجديد» فى الستينيات والسبعينيات، وانتهاء بما سُمى مرحلة «العولمة».. هل نهادن هذا الغرب حتى تتقلص قوته ونبنى قوتنا أم نقاومه بما نملك من عناصر القوة الآن فى مواجهة ممتدة حتى يُكتب لنا النصر، أم نمزج الأمرين معا؟
لم تكن هذه أسئلة نظرية، فالإجابات التى قدمها المفكرون والسياسيون العرب والمسلمون شكلت تاريخنا وحياتنا منذ مائتى عام وإلى هذه اللحظة، منذ ثورة الأمير عبدالقادر الجزائرى فى 1832 حتى مواجهة المؤامرة الغربية لتفتيت العالم العربى ونشر الفوضى الخلاقة وحروب الجيل الرابع. هذه الإجابات شملت ثنائيات شهيرة فى حياتنا السياسية: من استراتيجيات التفاوض إلى المقاومة المسلحة للتحرر من الاستعمار، من عدم الانحياز أو الممانعة إلى الاعتدال أو التحالف مع الدول الغربية، من الانخراط فى تقسيم العمل الدولى إلى محاولات كسر التبعية الاقتصادية، من محاولات التنوير إلى مقاومة الغزو الثقافى، ومن التعاون الأمنى مع الدول الغربية إلى عمليات التفجير والقتل فى العواصم الغربية. والخلاف بين أصحاب هذه الإجابات ليس نظريا ولا هينا، ففى سياق الصراع المحتدم بينهم خوّنوا وكفّروا وسجنوا وقتلوا بعضهم البعض، ولايزالون.
الدول التى قامت مع رحيل الاستعمار قالت إنها غير مستعدة لمواجهة الغرب فى ضوء موازين القوى العالمية، وستحتاج عقودا كى تنهض بنفسها ثم تواجهه. ومن ثَمَّ يجب مهادنة الغرب وتنحية أحلام استعادة الأندلس وغيرها جانبا حتى يأتى- على رأى أمل دنقل- مَن «يلبس الدرع كاملةً، يوقد النار شاملةً، يطلب الثأرَ، يستولد الحقَّ من أَضْلُع المستحيل». لكن بعد سبعة عقود من المهادنة، لم تَبْدُ أى علامة على «انتصار العرب والمسلمين». أصبحت المهادنة قبولا ممروراً لهزيمة دائمة، واستقرت أحلام استعادة المجد الضائع فى باب «مرثيات الأندلس الضائعة»، كما لخصها نزار قبانى:
«كتبتِ تسألينَ عن إسبانيه، عن طارقٍ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانيه..
عن عقبة بن نافعٍ يزرع شتلَ نخلةٍ فى قلبِ كلِّ رابيه..
سألتِ عن أميةٍ، سألتِ عن أميرها معاويه، عن السرايا الزاهيه، تحملُ من دمشقَ فى ركابِها حضارةً وعافيه..
لم يبقَ فى إسبانيةَ منّا، ومن عصورنا الثمانيه غيرُ الذى يبقى من الخمرِ بجوف الآنيه..
وأعينٍ كبيرةٍ.. كبيرةٍ، مازال فى سوادها ينامُ ليلُ الباديه..
لم يبقَ من قرطبةٍ سوى دموع المئذناتِ الباكيه».
التنظيمات الإسلامية المقاتلة، من «الجهاد» إلى «القاعدة» وما تلاها، تنبذ البكائيات وتقول لأتباعها إنهم هم التجسيد الحى لعقبة بن نافع وطارق بن زياد، وإن القوة تُبنى من خلال المقاومة، لأن الغرب الغاصب لن يعطينا الفرصة لبناء قوتنا بما يكفى لتَحَدِّيه لاحقا. من ثَمَّ تستخدم هذه التنظيمات ما استطاعت من قوة الآن كوسيلة لمواجهة مستمرة وطويلة تُنهك الغرب وتهزمه فى نهاية المطاف. فى المقابل، ترى النخب المسيطرة على الدول العربية فى هذا ضربا من الجنون أو الحماقة، إن لم يكن مؤامرة من القوى الغربية، لاستدراج العرب والمسلمين إلى مواجهة هم غير مستعدين لها، تعطى الغرب الذريعة للتدخل فى شؤوننا والسيطرة علينا أكثر.
المفارقة التى لا نلتفت لها أن الإسلاميين، والنظم الحاكمة، ومعارضيهم من قوميين ويساريين وليبراليين، يتبنون نفس الرؤية للذات وللغرب، وإن اختلفت استراتيجيتهم للتعامل معه.
فكل هؤلاء يرون كيانا عابرا للتاريخ اسمه «الغرب»، يربط أبناءه عبر التاريخ بهوية واحدة تجمعهم. جوهر هذا الكيان هو تحالفات الحروب الصليبية، أو تحالف قشتالة وأراجون الذى طردنا من الأندلس، أو تفاهمات «القوى الأوروبية» التى كسرت محمد على ومهدت لموجة الاستعمار التالية، أو حلف الأطلنطى والقوى المسيطرة على مجلس الأمن والبنك والصندوق الدوليين. أحيانا يتسع هذا الجوهر ليشمل عناصر إيجابية، كالتنوير والفكر الإنسانى، وأحيانا يضيق بحيث يقتصر على السيطرة، دافعا بالعناصر الأخرى إلى الهامش، باعتبارها أجنحة معاونة فى مشروع غربى عابر للتاريخ يهدف إلى الهيمنة على العالم. وفى كل الأحوال، تظل إيزابيلا ملكة قشتالة، وإيزابيلا راقصة الفلامنكو فى «سيفيل» اليوم، وريتشارد قلب الأسد وريتشارد نيكسون، وإيمانويل كانط وإيمانويل ماكرون، يشكلون جميعا جزءا من هذا «الغرب»، الذى- وإن تشاحنت أجزاؤه- يظل كيانا متماسكا، جوهره الثقافة الغربية بمكوناتها، وهدفه إدامة سيطرته على العالم.
ونحن؟ أعضاء فى كيان عابر للتاريخ أيضا، جوهره الإسلام والثقافة العربية، يربط كل مَن عاش على قطعة أرض حكمها هذا الكيان يوما- بغض النظر عن الوسيلة التى بسط بها سيطرته على هذه الأرض- من الأندلس غربا إلى بعض أقاليم الصين شرقا مرورا بوسط أوروبا والقوقاز. هذا الكيان يربط قادة ومواطنى مصر والدول العربية الحاليين بقادة ورعايا الدول العربية- الإسلامية عبر التاريخ، يربط ضحايا الحروب الصليبية، بالنازحين من الأندلس، بضحايا «فرنسا» فى الجزائر وسوريا ولبنان، وضحايا «إيطاليا» فى ليبيا، وضحايا «أمريكا» فى العراق.
أمة عربية- إسلامية واحدة، ذات رسالة خالدة، فى مواجهة أمة غربية- مسيحية واحدة، ذات رسالة خالدة أيضا.
وباستثناء بعض التفاصيل حول حدود هذا الكيان، لا يختلف الإسلاميون مع القوميين وغيرهم على هذه الرؤية. فى نظرهم جميعا، تعايشت هاتان الأمتان العابرتان للتاريخ حينا وتصارعتا أحيانا، منذ الفتوحات الإسلامية الأولى ومرورا بالحروب الصليبية والفتوحات العثمانية، ثم موجة الاستعمار وما تلاها وصولا إلى حروب الجيل الرابع. وحين خرج علينا صمويل هنتنجتن بنبوءة «صراع الحضارات»، وجدوها تصديقا لما بين أيديهم واعترافا من قلب الليبرالية الغربية بصحة هذه الرؤية.
لكن، هل هذه هى الرؤية الوحيدة الممكنة لأنفسنا وللغير وللتاريخ وللحاضر أم أن هناك رؤى أخرى ممكنة؟ ولو نظرنا للتاريخ وللحاضر بطريقة مغايرة، فماذا نرى؟
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
سقوط الأندلس، مقال ،عز الدين شكري فشير،مقالة،مقالات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الهويات نائمة لعن الله من أيقظها بقلم الأديب والدبلوماسي عز الدين شكري فشير معرفتي مقالات الكُتّاب 0 January 22, 2018 01:22 PM
أخطاء يناير بقلم الأديب والدبلوماسي عز الدين شكري فشير معرفتي مقالات الكُتّاب 0 January 22, 2018 12:11 PM
الثأر من الظالمين بقلم الأديب والدبلوماسي عز الدين شكري فشير معرفتي مقالات الكُتّاب 0 October 16, 2017 03:51 PM
عالم سمسم بقلم الأديب والدبلوماسي عز الدين شكري فشير معرفتي مقالات الكُتّاب 0 October 16, 2017 03:47 PM
ست فرق ضالة وفرقة ناجية بقلم الأديب والدبلوماسي عز الدين شكري فشير معرفتي مقالات الكُتّاب 0 October 16, 2017 03:43 PM


الساعة الآن 04:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر