فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم May 27, 2017, 06:45 AM
 
قيام الليل والتهجد وصلاة الجماعة

قيام الليل والتهجد وصلاة الجماعة




أحبتي في الله، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
كلما استزاد المسلم من إتيان ما يُتقرب به من ربه سبحانه، لا يبتغي غير رضوان الله وجنّته، وكلما سار نحو المرتقى السامي وثبت على هذا المرتقى، يعتلي من عليٍّ إلى أعلى، وكلما خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى..
حينها يستولي على الحياةِ بحقها، وينال الآخرة بسعيه لها وهو مؤمن، فتكون أسمى صفة من صفاته أنه عبد لله خالقه وبارئه.
لذلك سنتحدث في هذا المقام عما خص اللهُ بها أولياءه، وجعلها زاداً لأحبابه، وعدة في طريق السابقين، وذخيرة تقربهم من مرضاة ربهم العزيز الرحيم، تلك التي جعلها الله للمؤمن لتكون دلالة في الإخلاص وشدة في رغبة الوصول إلى المقام الذي أعده الله للمتقين والسابقين وأصحاب اليمين.
سنتحدث عن بعض الشعائر التي كتب الله المحبة من لدنه لباغيها، تلك التي يجتهد فيها المؤمن للتزود منها، لنيل مراتب الآخرة مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
فمن عظمة الإسلام أنه حث على النوافل، وترك الباب مفتوحا للاستزادة منها من غير أن يضع حدا، أو يقدر مقدارا، فالباب مفتوح للتسامي، والأجواء طليقة للتحليق؛ فأين الطامحون؟
إن التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء ما افترض، سببٌ في محبة العبد، وهي وسيلة للصلة الدائمة بالله عز وجل، والعيش ساعة فساعة في طاعته وفي كنفه، فقد قال (ص)، إن الله قال: (...وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...)أخرجه البخاري
وسأتحدث إليكم أحبتي، في هذا الشهر الفضيل، مذكراً نفسي وإيّاكم عن بابين عظيمين من أبواب التقرب إلى الله سبحانه، سنتحدث عن فضل " قيام الليل وصلاة الجماعة " وكيف كانت هذه الطاعات مطمع السابقين وتجارة الرابحين في أسواق هذه الدنيا الفانية، عند من عرفوا غاية عيشهم ووجودهم في هذه الدنيا.
فقيام الليل وصلاة الجماعة: دأبُ الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين.، تلك الطاعات العظيمة، والسنن الكريمة، والفضل الذي لا ينقطع، والكنز الذي لا ينهل منه إلا من عرف قدره، وخاض سباق التنافس في ساحة الوصول إلى الرضوان.
فعن رسول الله (ص) قال : عليكم بقيام الليل, فإنه دأب الصالحين قبلكم, وقربة لكم إلى ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة عن الإثم. أخرجه الحاكم
ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، نفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى ربها طمعا في عظيم العطايا والهبات.
قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) السجدة
يقول سيد قطب رحمه الله في تفسيره للآية:
إنهم الموصوفون بأبلغ قول وأعظم صورة في قوله تعالى:{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبهُمْ خَوْفا وَطَمَعا } ، يرسم القرآن لهم " صورة المضاجع في الليل تدعو الجُنوب إلى الرقاد والراحة والْتِذاذِ المنام ولكن هذه الجنوب لا تستجيب؛ لأن لها شغلا عن المضاجع اللينة والرقاد اللذيذ، شغلا بربها، شغلا بالوقوف في حضرته، والتوجه إليه في خشية وفي طمع يتنازعها الخوف والرجاء " (الظلال).
وفي المحافظة على صلاة الجماعة، يستشعر المؤمن بالسكينة والطمأنينة، وبأخوة العقيدة التي تربط المسلم بأخيه، ويلمس أدنى مراتب الوحدة بين أبناء أمته
فالمحافظة على صلاة الجماعة هو اتباعٌ لسنن الهدى التي سنها لنا رسول الله (ص)، وعلامة إخلاص القلب إلى الله والطمع في رحمته وغفرانه، ينال صاحبها براءة من النفاق بعد أن يحظى بالبراءة من النار.
فقد قال رسول الله (ص): ( مَن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) (رواه الترمذي)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً ، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بِهِن ، فإن الله تعالى شرع لنبيكم (ص) سُنن الهدى ، وإنهن من سُنن الهدى ، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته ؛ لتركتم سُنَّة نبيّكم ، ولو تركتم سُنّة نبيّكم لضللتم .. ولقد رأيتنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النِّفاق...)) [ رواه مسلم ] .
فكفى بصلاة الجماعة فضلا قولُ رسول الله (ص) أتاني الليلة آتٍ من ربي. قال: يا محمد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفّارات والدرجات، ونقل الأقدام للجماعات، وإسباغ الوضوء في السَّبَرات، وانتظار الصلاة، ومَن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) رواه أحمد
وكفى بصلاة الليل فضلا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: (..وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) رواه الترمذي
وجماع تلك الفضائل ما قاله- ابن المنكدر-: " ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث :قيام الليل ،ولقاء الإخوان ،وصلاة الجماعة"
ونحن كأمة مسلمة وصفها الله بأنها خير أمة أخرجت للناس، حين نعلم عِظَمَ هذه القربى وحرص النبي (ص) على أدائها وتبليغها والحث عليها، لينبغي لنا حقا شرف التلبية والإقتداء .
فلا ينبغي للمسلمِ التقصيرُ فيما يُتقرب به إلى الله سبحانه في تلك الشعائر بل عليه أن يكون دائما أنموذجا يُقتفى ونوراً يهدي ؟!
إن على المسلم أن يدعو الناس إلى هذا الخير، لذلك عليه أن يكون أول من يأتيه، وعليه أن يكون قدوة وسراجا ينير طريق الخير لكل من أراد أن يسلكه، هذا هو حال رسول الله (ص)، وهكذا كان حال صحابته، لا يكلّون ولا يملّون في سباق الخير، كان الواحد منهم يحرص ليكون أول من بادر، وأصدق من نطق، وأخلص من عمل، لذلك استحقوا أن ينزّل الله عليهم نصره، وتمكينه.
هكذا كان الأولون بإخلاصهم لله واقتدائهم بنبيهم واتباعهم للحق .
إن مَنْ كان هذا حالُه فإنه بالقطع لا يدَع نافلةً إلا وتزود منها وتقرب بها إلى ربه، فما كان يُتوقع لحظة أن يقصر أمثال هؤلاء الرجال بقربات كقيام الليل وصلاة الجماعة ؟!!
فهذه حالهم وتلك هي سيرتهم :
قال أبو عثمان النهدي: "تضيّفتُ أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا "
وكان طاووس يثب من على فراشه، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين!!
يقول وهب بن منبه رحمه الله: "قيام الليل يُشَرَّفُ به الوضيع، ويُعزُّ به الذليل، وصيام النهار يَقطع عن صاحبه الشهوات، وليس للمؤمن راحة دون الجنة" أخرجه ابن أبي الدنيا
ويقول ابن عباس: (من أحب أن يهوِّن الله عليه طول الوقوف يوم القيامة فليره الله في ظلمة الله ساجداً وقائماً، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) ذكره القرطبي.
وحالهم كذلك بالمثل مع صلاة الجماعة:
فقد كان إبراهيم بن ميمون، يعمل صائغاً يطرق الذهب والفضة. فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء وضعها ولم يردها.
وقال سعيد : ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.
ولهذا قال إبراهيم التيمي : إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه .
أقول: هكذا كان حال القوم مع خالقهم وبارئهم، كانت أقدامهم تدوس على الأرض، وقلوبهم ترنو إلى هناك، إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، فأَعَدّوا العدة للرحيل، وتهيؤا للقاء الجليل، ورضوا بالقليل، وعملوا بما اقتضاه التنزيل. فكان شعارهم في الحياةكما قال الشاعر:
امنع جفونك أن تذوق مناماً وذَرِ الدموع على الخدود سجاماً
واعلم بأنك ميـت ومحاسَبٌ يا من على سخط الجليل أقاما
لله قومٌ أخلصوا في حبه فرضى بهم واختصهم خداماً
قوم إذا جنّ الظلامُ عليهمُ باتوا هنالك سُجّداً وقياما
خُمُصَ البطون من التعفف ضُمَّراً لا يعرفون سوى الحلال طعاماً

وجماع الأمر بعد ذلك ثماره، وأعظم ثمرة من ثمراته الفوز بشرف محبة الله سبحانه، مالك هذا الكون وخالقه، الغني عن الخلق أجمعين، ثم الفوز بشرف القرب من حضرته، وذكره لعبده في خير ملأٍ عنده، ثم إن هناك عظيم شرف الإقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا مقام لا يناله إلاّ من كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير، ليكون في مصاف عباد الرحمن لينال المقام المحمود الذي أُعِد.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قيام الليل قيام الليل..ثوابه عظيم عادل الاسد النصح و التوعيه 0 March 5, 2016 07:28 AM
تحميل كتاب فضل قيام الليل والتهجد للآجري ألاء ياقوت كتب اسلاميه 2 July 29, 2012 10:54 AM
قيام الليل والتهجد وصلاة الجماعة eyouba النصح و التوعيه 1 July 23, 2012 06:47 AM
قيام الليل ( فضله واهميته والاسباب الميسرة له وطبقات السلف في قيام الليل احاسيس مهجوره النصح و التوعيه 0 January 20, 2012 10:35 AM
الفوائد الصحية لقطع الانسان نومه لأداء قيام الليل وصلاة الفجر kanza النصح و التوعيه 1 April 3, 2009 03:21 AM


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر