فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > اقسام الحياة العامه > مقالات الكُتّاب

مقالات الكُتّاب مقالات وكتابات من الجرائد اليوميه و المجلات.



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم May 12, 2017, 09:44 PM
 
Rose التاريخ .. الذي لا يُفارقنا! بقلم : عمر عاصي

التاريخ.. الذي لا يُفارقنا!
بقلم : عمر عاصي
25/2/2017



في رواية «عالم صوفي» لغوستاين غاردر، يقول آلبرتو لصوفي في صفحة 207 تحديدًا "نحن لا نعيش عصرنا فقط، إننا نحمل تاريخنا كله في ذواتنا"، وفي فلسطين نحن لا نحمل التاريخ بل لا نزال نعيشه.. في كثير من تفاصيل حياتنا الدقيقة.. والدقيقة جدًا أحيانًا، بل نادراً ما يُفارقنا لأن الواحد منّا إلا يُعرف عن نفسه إلا بقوله أنا فلسطيني 1948 وآخر من فلسطينيي 1967 وليس الأمر ينحصر بالأرقام بل حتى الكلمات!

لستُ باحثًا في التاريخ ولا اللسانيّات، ولا أفقه كثيرًا في بقايا الآراميّة والسريانية في لهجتنا الفلسطينية ولكن الكثير من الأفعال العجيبة التي نستخدمها يوميًا مثل "شلح" بمعنى "تعرّى" و"بهدل" بمعنى "وبّخ" وهذا غير "بحّر" أي "نظر بتعمق" وكلمات أخرى مثلها تؤكد أن جذورنا عميقة جدًا جدًا في هذه الأرض.

للدهشة، يكفيني شخصيًا الغوص في حكاية المثل الشعبي "وصل الدم للركب" الذي نُكثر من استخدامه في أوقات الحروب ولا نُلقي له بالاً، فأكثرنا لا يدري أن هذا المثل يحمل معه ذكريات واحدة من أشنع المجازر التي حصلت في فلسطين والقدس، في أيام الحملة الصليبية الأولى ومع دخول الصليبيين القدس في يوم 15 يوليو 1099 تحديدًا، حيث يُروى أن عدد ضحايا المجزرة بلغ 70 ألفًا، فلم يجد المؤرخ ريموند "Raimund von Aguilers" كلامًا لوصف شناعتها أشد من هذه الكلمات: "لقد كان الذبح مهولًا، لدرجة أن الدماء كانت تُغطي أرجلنا حتى الرُكب" وهكذا راح أجدادنا يكررونها حتى اليوم.


حتى كلمة "طز" التي نستخدمها لوصف كُل ما هو عديمٌ للقيمة، تحمل لنا هُموم أجدادنا منذ أيام الخلافة العثمانية، بحيث أن "طز" تعني الملح بالتركيّة، ولأن الملح كان من السلع القليلة المُعفاة من الضرائب، كان أجدادنا يستخدمونها للتهرب من الضرائب التي أنهكتهم، ولهذا ربما لا يزال أجدادنا يصفوننا بالـعونطجية -وهي كلمة تركية- إذا ما كشفونا نتحايل، كما كانوا يتحايلون على أيام العثمانيين.

للإنصاف فإن العثمانيين لم يتركوا لنا "الطز" فقط، فالـ "كشكوان" هي الجبنة التركيّة kaşkaval التي نتناولها عند الفطور غالبًا، وكذلك الـ "طتلي" المربى اللذيذة التي نُحلي بها أفواهنا هي كلمة tatlı العثمانيّة أصلاً وتعني لذيذ، والكلمات التركيّة العثمانية في لهجتنا كثيرة جدًا، ومعظم الجهود التي تُبذل تكون غالبًا لتجميعها، أما الحكايات فلا تزال أكثرها غامضة والأكيد الأكيد أن وراء احتفاظ اجدادنا بكلمات مثل "زغورت" و"قبضاي" أو حتى قولهم "عفارم عليك" قصص تشرح 400 عام من التاريخ العثماني في فلسطين!

لهجتنا لا تحمل الكلمات التركيّة فقط، بل نجد فيها كلمات حتى من اليونانيّة مثل طربيزة τραπέζι والتي تعني طاولة صغيرة، قرطلّة κάρταλλος وهي سلّة تصنع من أغصان الشجر عادة، هذا غير الكثير من الكلمات الفارسية مثل دفتر وخُم ورزنامة وحتى البرواز والبشكير، وأكثر هذه الكلمات وجدتها مُدونة في قاموس "ألماني فلسطيني" للباحث اولرش زيغير الذي قضى سنوات طويلة من حياته في دراسة هذه اللهجة، والحقيقة أنني حاولت البحث في مكتبات فلسطين عن كُتب تشرح حكايا دخول هذه الكلمات فلم أجد شيئًا يُذكر.

الأكيد، أننا نحمل الكثير من ذكريات فلسطين أيام الانتداب البريطاني في لهجتنا، وبالأخص في كلمات أجدادنا، فهم يستخدمون كلمة "بوكسة" بدلاً من صندوق، و"تنكة" بدلاً من وعاء بشكل عفوي وقد ورثناها عنهم، حتى يكاد الواحد منّا ينسى بأن هذه الكلمات إنجليزية أصلاً، كحالنا مع كلمة "باص" بدلاً من حافلة، كلمة كهذه تحمل لنا بوادر انتشار استخدام الحافلات في فلسطين، ومن يدري لعل كلمة «إمكندش» التي تستخدم لوصف الشخص الجالس باستمتاع في مكان مُريح تعود لدخول المكيّفات أو المراوح إلى بلادنا، فهي ليست إلا تحريفًا لكلمة air-conditioned، وللعلم فقد شهدت فلسطين حينها نهضة صناعيّة مميزة وقد تم تناولها المخرج رامز قزموز في فيلمه الوثائقي «اغتيال المدينة» بشكل إبداعي.

لا عجب في أن الاحتلال الصهيوني ساهم في دخول الكثير من الكلمات العبريّة على اللسان الفلسطيني حتى في غزّة والضفّة حيث تعتبر كلمات مثل "محسوم" بمعنى حاجز عسكري أو "رمزور" بمعنى "إشارة ضوئية" من الكلمات الشائع استخدامها، ولو تحدثنا عن الكلمات العبرية لدى فلسطينيي 48 لما انتهينا، ولكن المدهش أكثر أن اللغة العبرية المحكية متأثرة أصلاً بأصول المهاجرين اليهود، فاليهودي الألماني هاجر وهاجرت معه كلمات ألمانية مثلاً، ولو تأملنا جيدًا، سنجد أننا نستخدم كلمة مثل "شينتسل" في مطاعمنا كثيرًا وهي وجبة ألمانية مشهورة في ألمانيا والنمسا، وأكثر عُمّال البناء والتجار يتداولون كلمات مثل "شباختيل" و"شالتر" و"شبلونة" وحتى "نيروستا" والتي يتخيلونها عبرية، مع أنها بلا شك: ألمانية!

حتى بين الكلمات الأعجمية التي كُنت أسمعها كثيراً ما أسمعها في قريتنا وهي كلمة "آلتيزاخن - אלטעזאכן" التي تعني "خردة" وكُنت أتخيّلها عبرية كذلك، ثم عند دراستي للألمانية بدت لي بما لا يدعو للشك أنها ألمانيّة، ومع الوقت اكتشفت انها من كلمات لغة "الاييديش" وهي لغة طوّرها يهود ألمانيا، المعاني فيها ألمانيا أو "أوروبية" والحروف عبريّة، وهكذا وبعد كل هذه الطريق وصلت قريتنا وتحمل لنا الكثير من أسرار الاحتلال وأحواله.

لن أطيل أكثر، ولكن هذه مُجرد تأملات متواضعة.. في مُحاولة تصوّر ثِقل الحِمل الذي يحمله الفلسطيني معه في حاله وترحاله!
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتابة التاريخ حسب ما يطلبه الجمهور بقلم : موسى إسماعيل صالح الصفدي علامة تعجب مقالات الكُتّاب 0 May 12, 2017 09:35 PM
المجلس الذى كان موقرا بقلم أحمد بان معرفتي مقالات الكُتّاب 0 January 15, 2016 09:08 PM
من يكتب التاريخ... ؟؟؟!! .... بقلم قتيل الهوى ... قتيل الهوى_ع بوح الاعضاء 16 April 13, 2010 04:44 PM


الساعة الآن 12:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر