فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم February 3, 2016, 08:00 PM
 
Smile ليس لفاطمة ناعوت.. لحرية الفكر بقلم د. محمد المنسي قنديل



ليس لفاطمة ناعوت.. لحرية الفكر
محمد المنسي قنديل

2016-02-03

ليست المشكلة في كلمات فاطمة ناعوت، ولكن في قدرة الآخرين على فهمها وتأويلها، حتى الذين يناوئونها يعرفون أنها ليست كاتبة تقليدية، ولكنها روح طليقة، لا تكف عن التجريب والاجتهاد، بقليل من الغرور وكثير من الثقة في النفس، تنقلت من الهندسة المعمارية إلى مختلف فنون الكلمة، تكتب الشعر والنثر وتترجم أعمالا أدبية صعبة تدل على تمكنها من أكثر من لغة، ولكن أفضل ما في فاطمة ناعوت أنها مؤمنة بقدرة الكلمة على التغيير، وعمودها الصحفي هو وسيلتها لذلك، وهي تكون في أفضل حالاتها عندما تحدث أفكارها نوعًا من الجدل وتهز من قناعات الآخرين، لذا لم تكتف بالاختباء وراء حاجز الكلمات كما يفعل معظمنا، ولكن شاءت أن تهبط إلى عالم الصراع والدسائس والدنايا الصغيرة، إلى انتخابات مجلس النواب، وقد خاضت معركة صعبة انتهت بخسارتها، وصعبة هذه كلمة مؤدبة، فأنا من سكان ضاحية مصر الجديدة، دائرتها الانتخابية، وقد رأيت ما فعلوه بها، في كل يوم كنت أشاهد آثار المعركة القذرة التي يخوضها الآخرون ضدها، إعلاناتها الممزقة، وصورها المشوهة بعلامة إكس، والشعارات التي تدعو لعدم انتخابها، لم أر مثل هذا الحنق في التعامل مع غيرها من المرشحين، وفي النهاية لم يفز غير الأشخاص الذين رشحتهم قوى الأمن، وخرجت فاطمة من المعركة شاعرة بالمرارة، رغم أنها لم تكن معركتها ولا مكانها المناسبين.

قضية ناعوت هذه المرة هي حرية الرأي، ومقاومة الاغتيال المعنوي التي تتعرض لها، ومحاولة زجها خلف القضبان، من المؤكد أن شوارع القاهرة يتجول فيها القتلة والمهربون واللصوص والخونة والإرهابيون ولصوص المال العام وكل أنواع المفسدين، ومع ذلك لا يجد قضاة مصر الأجلاء إلا هذه الكاتبة الوحيدة ليقوموا بالحكم عليها بالسجن، فهم يتعاملون مع الكلمات وكأنها قنابل متفجرة وليست مجرد حروف نحيلة توحي أكثر مما تفعل، تماما كما فعلوا قبلها مع المفكر الديني إسلام البحيري الملقى الآن في السجن، لا يفعل ذلك إلا الأميون أو الجهلاء أو الذين يفكون الخط، ولكنْ أناس من المفترض أنهم وصلوا إلى مرحلة متقدمة من التعليم، لا يمكن أن نتهمهم بالتخلف العقلي أو قلة الفطنة، هناك ذلك المحامي الذي شعر بالغيرة على الدين، رغم أن الدين لم يمس بسوء، وقام برفع دعوى "ازدراء الأديان" على فاطمة ناعوت، ووكيل النيابة الذي حقق في الدعوى ووجد أنها تستحق أن تتحول إلى قضية، والقاضي الذي فحص الأوراق ووجد أن الكلمات تمثل تهمة وتستحق عقوبة، ثلاثة عقول تشاركوا في قضية عبثية من المستحيل تصديقها، شكلوا ملامح تهمة غامضة وحولوها إلى سيف مسلط على رقاب الفكر، بل على رقاب الأطفال أيضا، ففي الصعيد يوجد ثلاثة أطفال من المسيحيين، مسجونون بالتهمة نفسها، لأنهم تجرؤوا وانتقدوا "داعش"، داعش الذي يحاربه الجميع يدافع عنه قاض مصري جليل، انضمت ناعوت إلى كل الذين تجرؤوا وفكّروا واجتهدوا، والعقاب الذي حل عليها بسبب جهدها العقلي من قبل عقول لا تفكر، وهكذا يتحول القضاء ليصبح واحدًا من أسباب عدم استتباب العدل في مصر، ومع موقفهم الأخير من حرية الفكر، يصبح القاضي أقل من المنصة التي يجلس عليها، ومن المهمة الموكلة إليه، فهم يفعلون قانونا ليس غامضا فقط ولكن غير دستوري أيضا، كل فرد منهم يفسره على هواه، وليس وفق الأوراق التي أمامه، فالتهمة التي وجهت لناعوت اعتمدت على سطور قليلة في "تويتر" صغيرة جدا لا يتعدى محتواها مائة وأربعين كلمة، ومع ذلك بنى عليها حكمه الكبير لسلب حرية إنسان لمدة ثلاث سنوات، ورغم ذلك فإن هناك قاضيا آخر في دائرة أخرى نظر القضية نفسها، بكل أدلتها، ولم ير فيها أي وجه لإقامة الدعوى، وحصلت "ناعوت" على حكم بالبراءة للمرة الأولى، ولكن لسبب غامض تم تحويل أوراق القضية إلى قاض آخر، درس الأوراق نفسها، دون أي أدلة إضافية، ومع ذلك حكم بالإدانة، مسرحية مبتذلة تتكرر بحذافيرها كما حدث في قضية إسلام البحيري، قاض يبرئ وقاض يدين، دليل بيّن على أنه لا يوجد قانون واضح، كل شيء يخضع للمزاج الشخصي للقاضي، ينحدر لابتذال الشخصنة، وهكذا يعكف بعض القضاة الأجلاء على إعاقة الفكر لحساب الجهل، لأنهم جزء منه، فليس غريبًا أن نعيش حياة خالية من الفكر والمفكرين، لم نتوصل إلى فكرة عظيمة ولا اجتهاد بشري، لم يخرج من بيننا فيلسوف عظيم أو مفكر مجدد، هناك قهر يمارس ضد الجميع، ويئد الأفكار في مهدها، فكيف تنمو بذرة في أرض جدباء؟!




بنيت قضية "فاطمة ناعوت" على كلمات قليلة، علقت فيها الكاتبة على سنة الأضحية التي نقوم بها في كل عيد، ذلك اليوم الذي يقوم فيه المسلمون بذبح آلاف من الخراف والماشية في وقت واحد تقريبا، تنفيذًا لشريعة سيدنا إبراهيم الذي فدى ابنه إسماعيل بكبش عظيم، طقس سنوي تسال فيه الدماء وتسلخ الفراء، وفي مصر، بلدنا المتشنج العظيم، يؤدى هذا الطقس بطريقة مروعة، فتترك الأغنام ترعى لعدة أيام في الحدائق العامة وتلتهم أعشابها، ثم تتم عملية الذبح على الأرصفة وفي مناور البيوت وفوق الأسطح، وتلوث الدماء هذه الأماكن وتبقى رائحتها لفترات طويلة، هل هذا مقصد في الشريعة التي تحض على النظافة وتجعلها جزءًا من الإيمان؟
ألا يمكن أن نفكر في مغزى هذا الطقس بطريقة عقلانية وأفق أكثر اتساعا؟ عندما قدم سيدنا إبراهيم هذا الكبش للتضحية، كان هذا ما يملك، لم يكن لديه مال ولا عقار، فجميعهم في ذلك الوقت كانوا رعاة في الصحراء، ثروتهم تقاس بعدد ما يملكون من رؤوس الغنم، لذلك فالتضحية كانت جزءًا مما يملكون، الثروة الآن لا تقاس بالأغنام، وظروف الحياة لا تسمح بالرعي والذبح ولا تقسيم الأضحية كما كان يحدث قديما، ولكن يمكن إنفاق أموالها على المحتاجين، بهذا يمكننا أن نحافظ على جوهر الأضحية، أن نطور من شكلها لتناسب حياتنا المعاصرة، هذه دعوة للتفكير في الأمر برمته، بعيدًا عن اتهامات التكفير والخروج عن الدين، لقد لفتت فاطمة ناعوت أنظارنا إلى الجانب الدموي من طقس الأضحية، لم تدع إلى إلغائها أو التبرؤ منها، ولكن فقط أن ننشغل بجوهرها ونعظم فائدتها.
ما فعلته ناعوت -ومن قبلها إسلام البحيري وسيفعله غيرهما- هو محاولة التفكير بصوت عال، ليس من أجل نفي الفكر الديني ولكن لتطويره، ليس ازدراء للإسلام ولكن لإزالة الشوائب التي تكتنفه، لجعله مناسبًا للعصر الذي نعيش فيه، ومقارعة العقول الجامدة التي عطلت فريضة التفكير، علينا أن نعيد النظر في بعض الذين يجلسون على المنصات فيحكمون ويشرعون في غيبة تامة عن العقل والمنطق.

__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد المنسي قنديل, لحرية الفكر, ليش, لفاطمة, مقال, مقامات, ناعوت

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل لحظة تاريخ ، 30 حكاية من الزمن العربي ، د. محمد المنسي قنديل ، حصريات مجلة الابتسامة معرفتي كتب التاريخ و الاجتماعيات 12 April 20, 2022 03:29 PM
ثلاث حكايات عن الغضب ، محمد المنسي قنديل ، حصريات مجلة الابتسامة ، pdf معرفتي كتب أدب الأطفال والناشئين والكوميكس 3 November 16, 2021 02:55 PM
تحميل من قتل مريم الصافي , محمد المنسي قنديل , نسخة معالجة وصفحات فردية , pdf معرفتي الكتب المعالجة والمخفضة 3 August 24, 2019 08:47 AM
الزمن العربي - محمد المنسي قنديل ثائر أحمر طلبات الكتب 4 January 12, 2017 02:00 AM


الساعة الآن 01:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر