فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم November 6, 2015, 12:09 PM
 
هل ينبغي للمعلم أن يشرب القهوة في الصف؟

البعض سيسخرون من اختيار هذا الموضوع، وسيتساءلون عما إذا كانت مشاكل التعليم قد انتهت، من تأهيل المعلم، إلى المناهج المناسبة للعصر، والمباني اللائقة، والتجهيزات العصرية، واللامركزية في اتخاذ القرارات، كلها أمكن التوصل إلى حل لها، وبقيت فقط مسألة القهوة أو الشاي أثناء الدرس، فعلاً موضوع سخيف، أليس كذلك؟ لكني سأرد عليهم: مادام المعلمون في الغرب يتناقشون حول هذا الموضوع، فإن الكثيرين يرون أنه يصبح عندئذ مهمًا، واشهدوا بأنفسكم!


المؤيدون

كارين هايمان كانت معلمة جغرافيا ولغة ألمانية، لسنوات طويلة، انتهت عام 2011م، انتقلت بعدها للتدريس في جامعة زيجن، وهي تتحدث نيابة عن مؤيدي تناول القهوة في الصف، تقول إنها لم تشغل بالها بهذا الموضوع من قبل، إلى أن جاء يوم قارس البرودة، دخلت فيه إلى غرفة المعلمين وهي تحمل في يدها فنجانها الفارغ، عائدة من الصف، لتجد مدير المدرسة ينتظرها، ويطلب منها بوجه جامد أن تمر عليه في المكتب، بعد انتهاء الدوام.

لم تفهم ما يريده منها هذا الرجل الذي اعتادت منه الذوق الشديد، وتوجيه النصح بدون أوامر، لكنه في هذه المرة كان مختلفًا، إذ بدأ كلامه بأنها خالفت قاعدة تلتزم بها المدرسة، وهي عدم تناول القهوة في الصف، صحيح أنها لم تشرب قهوة في الصف، بل كاكاو، لكن ذلك لا يغير من الأمر شيئًا، وأوضح لها أن طلاب الصف الأول الثانوي الشعبة (جـ)، أرسلوا المتحدث باسم الصف، ليشتكي من ذلك.

لم تغضب المعلمة مطلقًا من الطلاب، لسبب بسيط وهو أنها تعرف أن قواعد المدرسة، تنص على عدم جواز تناول الطعام أو الشراب في الصف، وتسري هذه القواعد على الطلاب والمعلمين بنفس الدرجة، وهي تعلم أن الطلاب اشتكوا مرات عديدة، ولذلك لم يكن الهدف من شكواهم أن يتسببوا في إيذائها على الإطلاق، بل يسعون فقط لتبرير طلبهم المتكرر كل عدة أشهر، بأن تسمح إدارة المدرسة بالتخفيف من هذه القاعدة، والسماح باستثناءات، في حالات عديدة.

تقول السيدة هايمان إنها تدرك تمامًا أهمية أن يكون المعلم مثلاً أعلى وقدوة للطلاب، وأن يشعر الطلاب بالعدل والمساواة في التطبيق، لكنها أشارت إلى أن هناك بعض الاختلافات، فالطلاب يحصلون على استراحة أو أكثر يمكنهم خلالها التفرغ للطعام والشراب واللعب ودخول الحمام، وعلى العكس من ذلك كثيرًا ما يكون المعلم ملزمًا بتأدية مناوبة، أو يضطر لأن يظل في الصف مع الطلاب المتأخرين، سواء كان السبب عدم انتهائهم من الاختبار، أو من النقل من اللوح، أو للإجابة على أسئلتهم عن أشياء لم يفهموها.

وتتساءل المعلمة الألمانية عن كيفية التوفيق بين هذه الالتزامات، وبين الحاجات الإنسانية، مثل تناول فنجان قهوة، يعيد النشاط أثناء يوم مثقل بالعمل، وليخفف من حدة البرد الذي يلفح الوجه عند الانتقال من صف إلى صف، وتشرح أن اليوم الذي وقعت فيه الواقعة الجلل، كانت من هذه الأيام التي يكون كل شيء فيها معقدًا، فماكينة عمل القهوة، فارغة من الماء، وبعد تعبئتها، اكتشفت أن القهوة انتهت، ولذلك صنعت كاكاو، وبعدها تبين أن الحليب موجود في غرفة أخرى، وبعد أن انتهت من كل ذلك، دق الجرس معلنًا انتهاء الاستراحة، وكان الحل إما أن تترك هذا المشروب اللذيذ يبرد، أو أن تشربه ملتهبًا دفعة واحدة، أو تأخذه إلى الصف معها، ففعلت الخيار الأخير.


بعض الليونة والمرونة

تقول المعلمة إنها قالت للمدير إنها تعترف بالخطأ، ولكنها تطالب ببعض المرونة لها وللطلاب، بحيث تكون هناك استثناءات، مثل السماح بالشرب، بدلاً من مغادرة الصف، وإزعاج المعلمة أثناء الشرح لسؤالها، ثم إزعاج الصف كله عند فتح الباب أثناء الخروج، ثم عند العودة، أو تناول بعض الطعام، إذا شعرت الطالبة بضعف وإعياء. ويسري نفس الأمر على المعلم، الذي يشعر بحاجته إلى ما يعينه على مواصلة الحصة، بدلاً من الاستئذان أو إكمال الحصة على مضض، وبمعاناة شديدة.

وأوضحت المعلمة أنها لا تريد أن يتحول الأمر لفوضى، أو أن يصبح الطعام والشراب أمرًا طاغيًا على الحصة والشرح، بل تشترط أن يتم ذلك بهدوء شديد، وكعنصر جانبي وليس محورًا للدرس، وأن يتعامل الطلاب والمعلمون مع هذا الترخيص بمسؤولية ووعي.

استمع لها مدير المدرسة، ووجهه جامد مثل لوح الثلج، ثم قالها بصورة قاطعة «لا»، كان هذان الحرفان حادين مثل السيف الباتر، قطع كل أمل في نقاش أو حوار أو تبادل الرأي، أو الحجج والحجج المضادة.
خرجت المعلمة وهي عازمة أن تكون مثل الماكينة، عندما يدق جرس الحصة، فهي لا تسمع ولا ترى، ولا تتكلم، تأخذ كل شيء، وتنطلق إلى غرفة المعلمات، لتحتسي القهوة في شموخ وكبرياء، وتستمتع برائحة البن المتصاعدة من الفنجان، أو بلون الكاكاو البديع، ولا تخرج من الغرفة حتى تنتهي من آخر قطرة، قبل أن يرن الجرس مؤذنًا ببداية حصة جديدة، تدخلها ويدها ليس فيها فنجان، فطعم المشروب اللذيذ مازال يسبح في فمها، ويملأ عطره أنفها، ولونه ماثل أمام عينيها، هي في
نشوة لن تجعل شيئًا في الكون يقطعها عليها.


الاستسلام

ثلاثة أيام فقط استطاعت فيها الصمود والجمود والجحود، رأت نظرة الأسف في عيون طلابها، وهم يفتقدون معلمتهم التي كانت تبقى معهم، ولا تغادر الصف، حتى ترد على آخر سؤال، وتتمشى معهم في الاستراحة، لتتناقش معهم عن الصعوبات التي تواجههم، وسألوها عن سبب إصرارها على جمع أوراق الاختبار، حتى لو كان الأمر يتعلق بدقيقة واحدة لإكمال العبارة، فلم ترد.

لكنها بعد ذلك قررت أن تتنازل عن القهوة والشاي والكاكاو، لكنها ما زالت ترى إمكانية تحقيق الهدف، دون هذه الروح العسكرية الصارمة، وترى أن القضية ليست عدد الدقائق التي يستمع فيها الطلاب إلى الشرح، بل إلى الاستفادة الفعلية من الحصة، التي لا ترتبط بالأمور الشكلية، حسب رأيها، فليشرب الطلاب والمعلمون ما يشاؤون، إذا كان ذلك سيجعلهم أكثر استفادة، لكنها في النهاية موظفة في الدولة، ويجب عليها الالتزام بالقواعد التي تفرضها الأنظمة، مادامت قبلت بعقد العمل وبنوده، ولذلك ستلتزم بذلك.


الرافضون: تناول القهوة رمز للتسيب

تمثل هايدماري شيفرز، التي كانت مديرة مدرسة في مدينة دسلدورف، الفريق الرافض لتناول القهوة أو أي مشروب آخر في الصف، فترى أن تناول المشروبات مع الزميلات في غرفة المعلمات، يقرب بينهن، ويسهم في عذوبة الحديث، والتخلص من ضغوط العمل، لكن تناولها في الصف يشير إلى أن المعلم يعمل تحت ضغط مستمر، ويحتاج إلى ما يخفف عنه، مما يجعل الطلاب متوترين، لأن المعلم يدخل الصف، وهو منهك القوى، وينتظر تحديات يجب عليه التغلب عليها، ويحتاج إلى منبهات، مثل القهوة أو الشاي.

وتتساءل عما سيفعله المعلم الذي يحمل فنجان القهوة الساخن، والذي سيفقد طعمه عند برودته، فهل سيركز في توزيع عناصر الدرس على وقت الحصة، أم سيجعل الأولوية لفنجان القهوة الذي لابد أن يحتسيه في الدقائق الأولى من الحصة، ليستمتع بمذاقه، ولينتظر الطلاب، وعندها سيكون بوسعهم أن يتبادلوا أطراف الحديث، الذي بدؤوه في الفرصة، وليكملوا الحكايات والنقاشات.

وإذا كان المعلم يبث لطلابه رسالة مغزاها: دعوني أستكمل الشعور الممتع بالاستراحة، أثناء تناولي القهوة، ألا يعطيهم ذلك إشارة بأن الدرس ثقيل على قلب المعلم، وأن من حقهم أيضًا أن يشعروا بنفس هذا الشعور، ويقولوا لأنفسهم: ما أثقل هذه المادة! وما أصعب الانتقال من حالة الاسترخاء إلى الاجتهاد والعمل!


رفع الضغط وخفضه

لا يستطيع المعلم أو الطلاب أن يعملوا طوال الدرس بنفس الوتيرة، فهم يحتاجون إلى ضغط العمل بكثافة، ثم خفض الضغط، لاسترداد الأنفاس، وتجديد الطاقة، ثم رفع الضغط من جديد، ولكن هذه المراحل لا تتحدد تبعًا لرغبة المعلم في تناول القهوة أو التوقف عن ذلك، بل تبعًا لتخطيط جيد للحصة، وتوزيع مناسب لعناصر الدرس.

والأهم من ذلك أن يدرك الطلاب أن المعلم يشاركهم نفس الشعور بالضغط عند العمل المركز، لا أن يكلفهم بمهمة صعبة، تحتاج إلى جهد كبير منهم، في حين يجلس هو على مقعده، يمد ساقيه، ويسترخي بجسمه، ويرفع فنجان القهوة إلى شفتيه، وهو في عالم آخر، ليستمتع هو، وليتعذبوا هم، بدلاً من أن يمر بينهم، ويعطيهم دفعات من التشجيع، وشحنات من الحماس.

وبعد أن تنتهي الحصة، يجلس الطلاب فيما بينهم، ويتبادلون الحديث، ويشربون ما يريدون، ويعود المعلم إلى زملائه، ليستمتع معهم بحديث مع أنداده وأترابه، عندها يمكن له أن يتناول القهوة، ولا يكون بحاجة طوال الوقت أن يفكر في ضرورة أن يضل مثلاً أعلى وقدوة لمن يشاهده من الطلاب، طالما أنه بين معلمين مثله.

ليس صحيحًا أن المعلم الذي يبقى أثناء الاستراحة مع طلابه، ويرافقهم في الساحة ليستمع إلى مشاكلهم، أفضل من المعلم الذي يضع خطوطًا واضحة بين الحصة والاستراحة، بين وقت الجلوس مع الطلاب، ووقت استرداد الطاقة بعيدًا عنهم. هذا الانضباط والالتزام، هو الذي يحقق التوازن المطلوب.

القواعد موجودة لاحترامها، وليس المفروض البحث عن استثناءات منها، وليس من حق كل شخص أن يعيد تفسيرها على هواه، أو أن يضع قواعد بنفسه لنفسه. وإذا كنا ننتظر من الطالب أن يحترم القواعد، فلا يجوز أن نكون أول من يخرقها ويخالفها.
إن ما يريده الطالب أو ولي الأمر أو حتى مدير المدرسة من المعلم، لا ينبغي أن يتحقق فورًا، إذا لم يكن في الوقت المخصص له، وربما يكون الأفضل أن ينتظر الطالب أو ولي الأمر أو المدير، حتى تنتهي الفرصة، التي يتناول المعلم فيها فنجان القهوة الساخن اللذيذ، دون شعور بتأنيب ضمير، أو دون بث إشارات خاطئة، أليس كذلك؟


الحل العربي

عمومًا نحن في العالم العربي لا نحتاج إلى وقت طويل لتناول القهوة، فتكفينا شربة واحدة أو شربتين، قبل دخول الصف، ولا داعي في كل مرة للتمر والفنجان تلو الآخر، وعندها لا نحتاج إلى أن نخوض في هذه الصراعات الغربية، التي تقوم على ضخامة حجم فنجان القهوة، وهكذا نكون قد تفوقنا على الغرب
وتوصلنا لحلول لم يصل إليها الألمان وغيرهم من الغربيين، واستطعنا أن نخصص كل دقيقة في الحصة لطلابنا الأعزاء، ولكن هل يريد طلابنا ذلك؟
ولاء اصيل likes this.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وصفة القهوة والروزماري للبشرة،ماسك القهوة والروزماري الرائع ReeMi مجلة العناية بالبشرة 2 November 30, 2016 10:23 PM
أهمية وفوائد القهوة للنساء , تعرف علي فوائد القهوة للنساء Yaqot الطب البديل 0 February 23, 2014 10:33 PM
رسالة شكر للمعلم سوريا حرة الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 0 March 7, 2012 02:13 AM
طريقة عمل جميع أنواع القهوة ...فقط لعشاق القهوة دفء المشآعر وصفات الحلويات والعصائر و الآيسكريم 4 September 24, 2010 04:43 AM


الساعة الآن 10:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر