فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم February 1, 2015, 01:51 PM
 
لمن يرجع المسلمون؟

لمن يرجع المسلمون؟


أفرزت الأحداث الأخيرة سؤالاً ظل يتردد على ألسنة الكثيرين، وهو: من له الحق ليتحدث بلسان المسلمين؟ ومن له صلاحية اتخاذ القرار نيابة عنهم؟ ولمن يرجع المسلمون؟

لقد وقفت الشعوب الإسلامية موقفاً واضحاً تجاه الأحداث ورفضت الحرب الأميركية على المسلمين في الأفغان وفي العراق وفي فلسطين ولبنان وسوريا وذلك بخلاف موقف الحكام الذين لم يكونوا على قدر من الجرأة ليقفوا مع شعوبهم ضد أميركا وإسرائيل، وهذا بطبيعة الحال أظهر مدى الهوة بين الشعوب والحكام، فأن تقف الشعوب مواقف تعارض موقف الحكومات فإن هذا يعني عدم انقياد الشعوب للحكام وعدم الثقة بهم، وهذا ما شاهدناه في بلاد المسلمين؛ العربية منها وغير العربية.

فالشعوب الإسلامية لم تزل تشعر بحاجتها لمن يمثّلها، خاصة وأنها قد أسقطت من حسابها حكامها وعلماءهم الذين يصدرون الفتاوى المفصلة حسب الرغبات والأهواء.
وفي خضم هذه الأحداث وتلك المواقف ظهر هذا السؤال، وأصبح توجيهه أمراً طبيعياً وفورياً لكل من أفتى بفتوى أو طرح رأياً أو عبر بما يجيش في نفس الأمة الإسلامية. فمن قال: لا يجوز التحالف والقتال مع الأميركان والوقوف معهم ضد المسلمين، قيل له على الفور: من أنت ومن أين لك المرجعية؟ ومن قال: يجوز قتال المسلمين للمسلمين تحت قاعدة الضرورة، قيل له: من أنت ومن أين لك المرجعية؟ ومن قال: يجوز محاربة أميركا بقتل مدنييها، قيل له على الفور: من أنت ومن أعطاك الصلاحية لتتحدث باسم الإسلام والمسلمين. بل وصل الحال ببعض المسلمين أن سألوا هذا السؤال بشكل مباشر وصريح: لمن نرجع نحن المسلمين في هذه الأحداث الجسيمة ومثيلاتها، ومن الذي له الحق ليتكلم ويتخذ القرارات باسمنا نحن المسلمين، ومن هو راعينا الذي نحتاج لرعايته لنا في هذا الوقت العصيب.

إن الإسلام لا يعترف برجل الدين الذي يتحدث باسم الله فيحل كما يشاء ويحرم كما يشاء دون أن يجرأ أحد على مناقشته وردّ حكمه، وذلك كما عند أهل الكتاب، قال تعالى في سورة التوبة: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، قال الإمام القرطبي في تفسيره: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم في كل شيء، قال عبد الله بن المبارك: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها، روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن أبى البختري قال: سئل حذيفة عن قول الله عز وجل: ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) هل عبدوهم؟ فقال: لا, ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه, وحرموا عليهم الحلال فحرموه. وروى الترمذي عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: «ما هذا يا عدي اطرح عنك هذا الوثن» وسمعته يقرأ في سورة [براءة] ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) ثم قال: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه» انتهى.

إن الأحكام شرعية في الإسلام أخذت من النصوص الشرعية وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، والذي يقوم بأخذ هذه الأحكام هو من توفرت لديه آلة الاجتهاد وفق الطريقة الشرعية، وهم المجتهدون، الذين يستنبطون الأحكام الشرعية من النصوص الشرعية وفق قواعد اللغة العربية وقواعد الشرع.

والاجتهاد ليس هوى أو انحرافاً طالما التُزم فيه بالطريقة الشرعية ووفق قواعد اللغة، فمثلاً: القول بجواز مشاركة الجنود المسلمين في أميركا الجيش الأميركي في قتال المسلمين في أفغانستان تحت الضرورة أو دفع الضرر أو أخف الضررين، فإنه ليس من الإسلام في شيئ وهو يخالف قطعي النص والدلالة مهما سيقت له الأدلة، لأن النفس الإنسانية معصومة في الإسلام ويحرم قتلها إلا بنص، وذلك بغض النظر عن كون هذه النفس مسلمة أو كافرة، والمجتهدون والفقهاء قاطبة أجمعوا على أن المسلم لو أكره ليقتل نفساً معصومة حرم الله قتلها (أي يقتل من قتلها) ، فإنه لا يقتلها وإن أدى ذلك إلى قتله، لأن نفسه ليست أولى بالحياة من نفس غيره. فهذا القول وأمثاله مما يخالف الإسلام جملة وتفصيلاً ليس من الإسلام في شيئ ولا يجوز أن يطرح على أنه رأي إسلامي.

ولقد حاول حكام المسلمين ومن ورائهم الغرب الكافر، أن يهيئوا رجالاً يقومون مقام رجال الدين عند أهل الكتاب وذلك عبر إعطائهم مناصب الفتيا، وتقريبهم من السلطة، والترويج لهم عبر القنوات التلفزيونية وما يسمى بالفضائيات، ولقد حاول هؤلاء الرجال أن يقوموا بالدور كما طلب منهم، ولكنهم لم يفلحوا لعدم قدرتهم التوفيق بين رغبات الحكام وتطلعات الشعوب، فهم يكرسون التجزئة والفرقة بين المسلمين بإضفاء الشرعية على هذه الحكومات، والشعوب الإسلامية تتطلع للوحدة، وهم يمهدون الأجواء للسلام مع اليهود بطرح ما يسمى الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وقيام دولة لهم، والشعوب الإسلامية تلعن اليهود كل يوم أكثر من سابقه، وتبغضهم وتدرك ألا خلاص إلا بالقضاء عليهم.

لقد فشلوا في احتواء الأمة وصبغها بصبغتهم، فسبقتهم الأمة في تطلعاتها، وآمالها، على الرغم من ضعفها، وانكسارها تحت هذه الأنظمة، وقد كانوا بالفعل (حكاماً وعلماء) حجر عثرة حقيقي يحول دون نهضة الأمة ووحدتها وعزتها.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو المرجع الأوحد للمسلمين فقد كان رسولاً يبلغهم التشريع، وكان حاكماً يقودهم ويرعاهم، فقاد بهم الحروب وفتح الجزيرة العربية ووضع أقدامهم على أبواب العالم حتى توفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترك لهم الكتاب والسنة وأمرهم بالوحدة تحت راية رجل واحد، فقال فيما رواه البخاري: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» فالإمام جنة أي ستر ووقاية، فبه يحمى الدين، وخلفه يقاتل المسلمون، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه» وقال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» أي أنه جعل الوحدة تحت رجل واحد من القضايا المصيرية التي يحافظ عليها بسفك الدماء، لا سيما إن كانت تلك الدماء معصومة.

فالخليفة هو الراعي الذي أوجده الإسلام للمسلمين وغير المسلمين ليرعى شئونهم «فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته» ، ويمثلهم في السلم والحرب، ويقودهم لحمل الإسلام إلى العالم، ويحافظ على عزتهم، ويحميهم من الجور والظلم، ويحفظ لهم أموالهم وأنفسهم وأرضهم من الانتهاك.
وإذا اختلف المجتهدون في الرأي المستنبط من الأدلة الشرعية، كالاختلاف مثلاً في توزيع الأراضي أو الاختلاف في المعاهدات أن تكون عشر سنوات أو أقل، فإن الخليفة هو الذي يتبنى الرأي الذي يحسم الخلاف وفقاً للقاعدة الشرعية المشهورة والتي أجمع عليها الفقهاء (رأي الإمام يرفع الخلاف) والقاعدة الشرعية: (أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً) وغيرها من القواعد الشرعية التي لا خلاف حولها، والتي أخذت من سيرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كحاكم ومما أجمع عليه الصحابة الكرام في الخلافة الراشدة الأولى.

فالخليفة هو الراعي الشرعي الذي شرع الله وجوده وفرض تنصيبه على المسلمين، والشرعي أي الذي نص الشرع على وجوب إيجاده، وجعل له شروطاً تجعله شرعياً يسقط الإثم ببيعته، وتجب فيها طاعته فيما لا معصية فيه.

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة وما سبقها من أحداث أن الحكام ومؤتمراتهم العربية والإسلامية، والمظاهرات والأعمال المادية بسائر أنواعها، كل ذلك لا يمكن أن ينهض الأمة بحال من الأحوال إن لم يكن في حقيقته عائقاً أمام نهضتها ووحدتها، وأن نهضتها الحقيقية وعزتها التي أراد الله لها لن تكون إلا في دولة خلافة شرعية توحد المسلمين، وتقوي شوكتهم أمام أميركا الهشة وأذيالها من دول الغرب والشرق، وحينها فسيحسب للمسلمين ألف حساب، ولن يكونوا كما مهملاً تفعل بهم الأعاجيب من الظلم والقتل والتشريد والإهانة ولا ينهض لنجدتهم أحد





رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
3 2 1 يرجع صدى الصوت..!! نزيف قلم المواضيع العامه 1 April 6, 2010 01:50 PM


الساعة الآن 09:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر