فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم January 13, 2015, 10:10 AM
 
Wilted Rose ( قصــــة ) أخـتـــــــــــي !!

بسم الله الرحمن الرحيم






( قصــــة ) أخـتـــــــــــي !!

( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
حين وعيت وعرفت الحياة وجدتها أمام عيني .. رفيقة السيرة في درب الطفولة .. ورفيقة العداء والشجار والتناحر .. وجدتها ذلك الخصم الذي يردد صدى أحزاني وبكائي .. وهي كعادتها منذ نعومة أظفارها كانت تحب وتنتشي بمشاجرتي وبمكايدتي .. كانت تجيد العناد والخصام وتجند كل رغباتها لتكون عكس مرامي .. فإذا قلت لها شرقاً قالت بل غرباً .. وإذا قلت يميناَ قالت بل شمالاَ .. إذا حكمت أنا نقضت حكمي وإذا حكمت هي أصرت على رأيها .. وإذا بكيت أزرف دموعي وجدتها ترقص فرحا وطرباَ .. وإذا ضحكت يوماَ فرحا وجدتها تظهر الحزن جهاراَ .. عجيب أمر أختي تلك الوحيدة .. فكأنها خلقت لتعكر صفوة حياتي .. كانت تعشق مضايقتي كما تعشق تنقيص راحتي .. لم نتفق يوماَ على جملة حرف تعني الوفاق .. ولم نضحك يوماَ على سيرة تفرح القلبين .. بل كان الشجار ثم الشجار .. ثم الحدة في اللفظ والحوار .. وعادة كانت تنتهي المناكفة والمكايدة بالتشابك بالأيدي ثم الدموع التي تسيل فوق خدي أو خدها .. وتلك الديمومة من الشجار والتناحر البيني فطمت عليها بدرجة أنني كنت أظن أن ذلك هو الواقع والحال بين الأخ والأخت في كل البيوت أينما تواجدا .. ولم يخطر ببالي أن تلك الحرب ليست بالضرورة وأن هنالك حياة غير تلك الحياة بأي حال من الأحوال .
................ حكمت الأقدار أن تكون للأسرة فقط ولد وبنت .. كنت أنا وكانت هـي .. فهي قد جاءت إلى الحياة قبلي وكانت تكبرني بعامين .. ترعرعنا سوياَ لنجتاز مراحل الطفولة .. والبيت كان يخلو من أطفال سوانا .. في أسرة هانئة متواضعة محافظة .. أب عطوف وأم حنونة .. وحين نتشاجر أنا وأختي كانت تتدخل أمنا لتفض المشاجرة .. أو يتدخل الأب في حال تواجده في الدار .. وبحكم جهالتي كنت أعتقد أن أبي يفضلها علي .. وهي بحكم جهالتها كانت تظن أن أمنا تفضلني عليها .. فإذا تشاجرنا كما يحدث عادة بين أخ وأخت كانت أمي تقف بجانبي وكان أبي يقف بجانبها .. والحكمة ليست متعمدة إنما ذلك هو الأب الذي يظن أن عليه أن يحمي البنت في حالة الشجار .. لأن البنت هي تلك القريرة التي تسر العين والتي يجب أن لا تتعرض للعنف مهما كانت الأسباب .. ولا بد من مساندتها حتى لا تتعرض لضرب قد يترك آثاراَ تشوه جمال وجهها .. والأم كانت تدافع عن ولدها الوحيد وتظن أن ولدها ضحية مكيدة بنتها الماهرة في التخطيط والمكايدة .. وهي قادرة أن تخدع زوجها لتكسبه في جانبها بدموع قليلة .. وتلك سنة الحياة بين أطفال الأسرة الواحدة أن تكون هنالك مناكفات ومشاحنات ومشاجرات وصولات وجولات بين حين لآخر .. وتلك النفوس الصغيرة من الأطفال ترى أنها أولى من غيرها بالاهتمام والرعاية .. وتلك الأولوية في الرؤية قد تكون سبباَ في الكثير من المشاجرات والمشاحنات بين الأطفال .. وهي حالة عدائية قد تستمر طوال سنوات الطفولة والجهالة .. ولكنها عادة مع إشراقه بوادر النمو العقلي تبدأ في الانحصار .. أما أنا وأختي فكانت معركتنا قوية ... وقوية بالدرجة التي كنا نظن أننا يجب أن يتخلص أحدنا من الأخر .. فكم من المرات مزقت لها كتبها المدرسية وجعلتها تبكي وتولول ثم يعود أبي فتحكي له الرواية بالرتوش اللازمة مع الكثير من الافتراءات الظالمة والدموع الزائفة .. ثم يكون العقاب بعلقة ساخنة من أبي الذي كان يصدق كل حرف من لسانها .. ثم إذا احتدت احتجاجاتي تتدخل أمي الحبيبة .. وتدافع عن ولدها المدلل !! .. وكم من مرات أخفت أختي ملابسي المدرسية وجعلتني أبكي وقد تأخرت عن موعد الدراسة .. وعدم التمكن من حضور طابور الصباح يعني علقة أخرى ساخنة وتوبيخ من أهل الشأن .. وتـلك ما كانت تتمناها أختي .
........... كانت تلك حياتنا في مراحل الطفولة .. معركة مستمرة مبنية على الكره الشديد .. وتفعيل للمكايدة للبعض .. حتى أنني كنت أكره كل شي لها صلة بها كصاحباتها وأترابها .. وهي أيضاً كانت تكره كل شي يخصني .. ثم دارت الأيام ونمت الأجساد وكبرنا عن ملاحقات المكايدة .. ونشأ بيننا نوع من الجفاء وعدم الوفاق والاكتراث .. وعدم الاهتمام بهموم الأخر .. فكأنها ليست بأختي وكأنني لست بأخيها .. ثم شاءت الأقدار وسمحت الظروف أن أفكر في الزواج .. فكانت الإجراءات والمراسيم خطوة بخطوة .. والعادة في قريتنا أن للأعراس طقوس كثيرة .. ومسميات تتم بمراحل حتى يتم التعاقد الشرعي في نهاية الأمر .. ولابد للزواج أن يمر بتلك المراحل العديدة من العادات والتقاليد المحلية .. ومن تلك العادات أن يخصص يوم لأقرب الأقربين من أهل العريس وتقدم لهم وليمة فاخرة .. وفي نهاية المطاف يجلس العريس على أريكة فتتقدم إليه الأم والأخت والجدة والخالة والعمة لوضع نقطة صغيرة من خلط العطور فوق جبين العريس .. وكثرة النقاط تعني كثرة الأهل من أولي الأرحام .. وفي اللحظة السعيدة همت إحداهن لوضع النقطة الأولى من خلطة العطور في جبيني .. وذلك وسط زغاريد الحسان وفرح الأحباب .. ولكن لذهولي وذهول الحاضرين سمعت صوت أختي وهي تصرخ بأعلى صوتها وتأمرها بالتوقف !! .. ثم وقفت وسط الجمع وأقسمت بالله بأنها هي التي سوف تضع النقطة الأولى فوق جبين أخيها .. ثم جلست أمامي مباشرةً وبدأت تأخذ النقطة من باقة العطور وتحاول أن تضعها فوق جبيني .. وهي تلبس أجمل الثياب بمناسبة العرس .. وحين جلست أمامي كانت تبكي فرحاَ وتخفي دموعها باستحياء وهي تنظر إلى الأرض .. فنظرت إليها متأملاَ .. فوجدت دموع الفرحة تتدفق من أعين أختي وهي تقاوم الفرحة ولا تقدر على كبت دموعها .. وفي تلك اللحظة نظرت إليها ونظرت إلي .. ولأول مرة تلتقي عيني بعين أختي في لحظة محيت فيها كل ذكريات الماضي .. ولأول مرة أيضاً أحس أن تلك أختي تقاسمني فرحتي .. وهي اقرب الناس إلى قلبي .. وفي لحظات نسيت كل الماضي .. ونسيت كل الخلق لأنظر في وجه أختي تلك الجميلة غاية الجمال .. ودون اجتهاد منا كانت الدموع تغادر عيني وعين أختي .. ودون أن نخطط كانت كفوف أختي فوق كفوفي .. وأنامل أختي تعانق أناملي .. ثم قبلت جبين أختي فقبلت جبيني .. وفي تلك اللحظة رأيتها أحب إنسانة إلى قلبي .. وهي تلك التي عبرت مسافة الطفولة معي في مشوار ليس بالقصير .. مشوار بحلاوته ومراراته .. مرت على الجميع وجوم وقداسة من مشاعر متدفقة .. حيث هناك لحظات السعادة الممزوجة بالدموع .. ثم نظرت أختي إلى الأرض باستحياء لتخفي مشاعرها وتخفي دموعها من الناس .. ثم سمعت لسانها لأول مرة وهي تردد كلمة كم كنت أحب أن اسمعها من قبل .. قالت أحبك كثيراَ أخي العزيز .. تلك الكلمة جاءت من أختي التي أنستني قسـوة المرارة التي لازمت العمر في دقائق معدودة .. فأحسست في أعماق نفسي بأنها أجمل وأغلى وأحلى وأعز كلمة أسمعها من أختي طوال حياتي .. تلك الأخت العزيزة التي ليس لي أخت سواها .. أقرب الناس مودةَ وأحب إنسانة في الدنيا إلى نفسي .. فهـي أختـي .


( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
ـــــــــــ
قصة خيالية للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع



الساعة الآن 11:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر