فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الحياة الاجتماعية > الاسرة والمجتمع

الاسرة والمجتمع الاسره و المجتمع , توطيد العلاقات الاسريه, التربيه و حل المشاكل الاسريه و المشاكل الاجتماعيه



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم April 19, 2008, 10:40 AM
 
Omg الحريم

نشأتُ على «حريم» ... ولم أر وجه فتاة في حياتي!

محمد سيف الرحبي الحياة - 10/03/08//


قبل أن نعي معنى مفردة امرأة في حياتنا أمرونا بأن نغض الطرف عن كل ما يحمل هذه الصفة. تلبستنا حالة من الطاعة جعلتنا نخلط بين المرأة التي تترقب الموت لفرط مرور ظروف العمر والعصر فوق ظهرها، مع أخرى تتنفس الحياة وتستحق صفة «أنثى» لا مجرد كلمة «حرمة».
في قريتي الصغيرة المحاصرة بين سلسلة جبال عالية في الشرق وأخرى لجهة الغرب، كان يطلق على ذلك «الكائن» الذي لا يشبهنا اسم «حرمة»، وإن جمعن يقال عنهن «حريم». وإن أراد أحدهم أن يدللهن فيشير إليهن ب «النساء». وغالباً ما يضيف المتحدث بعد ذكرهن قول «حاشاكم» فيقول «حريم حاشاكم» أو «يكرم السامعين، تراهن حريم».
وكبرت على نوعين من النساء: نوع كالذي في قريتنا. مخلوقات وجدت لخدمة الرجل، فيجمع «سي السيد» منهن ما يظن أنه يحتاجه. مثنى وثلاث ورباع، يعملن ليل نهار لإرضائه حتى ان لم نكن نشعر بهن ككائنات لهن صفة «الأنوثة».
وهناك امرأة كنت أقرأ عنها في قصائد نزار قباني شعراً وأراها على شواطىء إحسان عبد القدوس رواية. أنثى تعلمني الحب والغرام، تشاركني أحلامي تحت ظلال أشجار النخيل، وتتقافز معي فوق سواقي الماء كما يفعل مطربو هذا العصر مع حبيباتهم في الأغاني المصورة.
«لا تنظر الى المرأة» يأتي الصوت رادعاً كلما صادفت خيال امرأة يلوح من بعيد في طرقات قريتي ودروبها المعفرة بالغبار. أكاد اصطدم بالجدران لفرط خشيتي من مخالفة التعاليم القاضية بتجنب الشبهات. والمرأة عورة، إن أقبلت أو تكلمت.
وحين تلوح سنوات التذكر من بعيد أسأل نفسي عن أي امرأة كنت أغض نظري ولم أكد أرى منهن إلا خيالات دالة على أن ثمة كائناً يطلق عليه هذا الاسم، ربما لتفريقه عن الرجال. حتى إذا أراد أحدنا إهانة آخر أو التقليل من شأنه وصفه بالحرمة! أما الويل فلمن يذكر اسم أمه في مجلس عام وإن على سبيل التلقائية الطفولية. فنساء المنزل لا أسماء لهن إلا في الدائرة العائلية الضيقة فقط، وأمام الجيران والأصدقاء، يشير الرجل إلى زوجته بمفردة «أولادي» أو «الأهل». فلا يقول كلمة زوجتي أو حرمتي، لأنه يرتكب بذلك جرماً اجتماعياً يستوجب السخرية بين القبائل.
تلك قريتي، وقرى الآخرين من حولي... قبل أن تتعلم حرفة الحب، وتسير في فضاءاتها ذبذبات البوح وإشارات عصرنة الجمال.
لم تعد تلك القرية القديمة، حيث لا يسير الرجل وزوجته في درب إلا وتتأخر «الحرمة» خطوات عن خطوة زوجها. هي الخشية من المساواة حتى في مسار الخطوتين، فلا يقترب الكائنان من بعضهما إلا في البيت، هذا إن سمحت ظروف الزحام العائلي. ومن التعاليم أيضاً ألا نتحدث مع أي فتاة لو صادفناها في الطريق مهما بلغت درجة القرابة بيننا. «عيب أن نفعل ذلك في الطريق العام» أذكرها جيداً مقولة رجل ستيني وهو ينتقد زوجين «في أرذل العمر» كما يقول، أخذا بأحضان بعضهما البعض أمام الناس... وكان المشهد فجيعة بابنهما المسجى أمامهما وقد باغته الموت فجأة. تصرف أهل القرية كأنهما ارتكبا فعلاً فاضحاً ولم يخفف وضعهما من تجريمهما وقد بلغ بهما العمر مبلغاً.
والواقع أن الذاكرة لا تسعفني في استحضار أي مشهد دال على أني سمعت كلمة أحبك قبل العشرين من عمري. تلك كلمة لم تُجد بها حياتنا المنزلية، ولا القروية، ولا التلفزيون الذي لم يدخل بيتنا إلا في منتصف الثمانينات. لم أكتبها لبنت الجيران، ولا لغيرها، وكأني لم أعرف من المراهقة شيئا، حتى أخال أحياناً أن هذه المرحلة لم تمر على شخصي. فكان العار أن تتبادل المشاعر بين اثنين، وعلى والد الفتاة رفض الشاب الذي يتجرأ على حب ابنته، وكأن شرط الزواج أن لا يحب الزوجان بعضهما بعضاً.
مرة رأيت لدى صديقي صورة امرأة، كانت بالأبيض والاسود، وبمقاس جواز السفر، احتفظنا بها كأنه سر عسكري. كنا نتأملها طويلاً. للمرة الأولى نتأمل وجه امرأة نعرفها من قرب، ومن دون تحفظ. فحتى قريباتنا لا نكاد نعرف ملامح وجوههن جيداً.
... مرت السنوات واستمع لطفلتي اليوم تحكي عن زميلها في الفصل الدراسي وقد أحضر لها هدية صغيرة فرفضتها لأنها «لا تقبل الهدايا من الأولاد». ضحكت وقلت في نفسي ان جينات الرفض ربما تنتقل من جيل الى آخر مهما تبدل العصر. ربما في دواخلنا أشياء ترفع شعارها الدائم بأنها ضد التغيير. الرجل رجل، والمرأة «حرمة»، ولن يلتقيا إلا بمعجزة يصنعها الحب.

<h1>نشأتُ على «حريم» ... ولم أر وجه فتاة في حياتي!</h1><h4>محمد سيف الرحبي الحياة - 10/03/08//</h4><p><p>قبل أن نعي معنى مفردة امرأة في حياتنا أمرونا بأن نغض الطرف عن كل ما يحمل هذه الصفة. تلبستنا حالة من الطاعة جعلتنا نخلط بين المرأة التي تترقب الموت لفرط مرور ظروف العمر والعصر فوق ظهرها، مع أخرى تتنفس الحياة وتستحق صفة «أنثى» لا مجرد كلمة «حرمة».</p><p>في قريتي الصغيرة المحاصرة بين سلسلة جبال عالية في الشرق وأخرى لجهة الغرب، كان يطلق على ذلك «الكائن» الذي لا يشبهنا اسم «حرمة»، وإن جمعن يقال عنهن «حريم». وإن أراد أحدهم أن يدللهن فيشير إليهن ب «النساء». وغالباً ما يضيف المتحدث بعد ذكرهن قول «حاشاكم» فيقول «حريم حاشاكم» أو «يكرم السامعين، تراهن حريم».</p><p>وكبرت على نوعين من النساء: نوع كالذي في قريتنا. مخلوقات وجدت لخدمة الرجل، فيجمع «سي السيد» منهن ما يظن أنه يحتاجه. مثنى وثلاث ورباع، يعملن ليل نهار لإرضائه حتى ان لم نكن نشعر بهن ككائنات لهن صفة «الأنوثة».</p><p>وهناك امرأة كنت أقرأ عنها في قصائد نزار قباني شعراً وأراها على شواطىء إحسان عبد القدوس رواية. أنثى تعلمني الحب والغرام، تشاركني أحلامي تحت ظلال أشجار النخيل، وتتقافز معي فوق سواقي الماء كما يفعل مطربو هذا العصر مع حبيباتهم في الأغاني المصورة.</p><p>«لا تنظر الى المرأة» يأتي الصوت رادعاً كلما صادفت خيال امرأة يلوح من بعيد في طرقات قريتي ودروبها المعفرة بالغبار. أكاد اصطدم بالجدران لفرط خشيتي من مخالفة التعاليم القاضية بتجنب الشبهات. والمرأة عورة، إن أقبلت أو تكلمت.</p><p>وحين تلوح سنوات التذكر من بعيد أسأل نفسي عن أي امرأة كنت أغض نظري ولم أكد أرى منهن إلا خيالات دالة على أن ثمة كائناً يطلق عليه هذا الاسم، ربما لتفريقه عن الرجال. حتى إذا أراد أحدنا إهانة آخر أو التقليل من شأنه وصفه بالحرمة! أما الويل فلمن يذكر اسم أمه في مجلس عام وإن على سبيل التلقائية الطفولية. فنساء المنزل لا أسماء لهن إلا في الدائرة العائلية الضيقة فقط، وأمام الجيران والأصدقاء، يشير الرجل إلى زوجته بمفردة «أولادي» أو «الأهل». فلا يقول كلمة زوجتي أو حرمتي، لأنه يرتكب بذلك جرماً اجتماعياً يستوجب السخرية بين القبائل.</p><p>تلك قريتي، وقرى الآخرين من حولي... قبل أن تتعلم حرفة الحب، وتسير في فضاءاتها ذبذبات البوح وإشارات عصرنة الجمال.</p><p>لم تعد تلك القرية القديمة، حيث لا يسير الرجل وزوجته في درب إلا وتتأخر «الحرمة» خطوات عن خطوة زوجها. هي الخشية من المساواة حتى في مسار الخطوتين، فلا يقترب الكائنان من بعضهما إلا في البيت، هذا إن سمحت ظروف الزحام العائلي. ومن التعاليم أيضاً ألا نتحدث مع أي فتاة لو صادفناها في الطريق مهما بلغت درجة القرابة بيننا. «عيب أن نفعل ذلك في الطريق العام» أذكرها جيداً مقولة رجل ستيني وهو ينتقد زوجين «في أرذل العمر» كما يقول، أخذا بأحضان بعضهما البعض أمام الناس... وكان المشهد فجيعة بابنهما المسجى أمامهما وقد باغته الموت فجأة. تصرف أهل القرية كأنهما ارتكبا فعلاً فاضحاً ولم يخفف وضعهما من تجريمهما وقد بلغ بهما العمر مبلغاً.</p><p>والواقع أن الذاكرة لا تسعفني في استحضار أي مشهد دال على أني سمعت كلمة أحبك قبل العشرين من عمري. تلك كلمة لم تُجد بها حياتنا المنزلية، ولا القروية، ولا التلفزيون الذي لم يدخل بيتنا إلا في منتصف الثمانينات. لم أكتبها لبنت الجيران، ولا لغيرها، وكأني لم أعرف من المراهقة شيئا، حتى أخال أحياناً أن هذه المرحلة لم تمر على شخصي. فكان العار أن تتبادل المشاعر بين اثنين، وعلى والد الفتاة رفض الشاب الذي يتجرأ على حب ابنته، وكأن شرط الزواج أن لا يحب الزوجان بعضهما بعضاً.</p><p>مرة رأيت لدى صديقي صورة امرأة، كانت بالأبيض والاسود، وبمقاس جواز السفر، احتفظنا بها كأنه سر عسكري. كنا نتأملها طويلاً. للمرة الأولى نتأمل وجه امرأة نعرفها من قرب، ومن دون تحفظ. فحتى قريباتنا لا نكاد نعرف ملامح وجوههن جيداً.</p><p>... مرت السنوات واستمع لطفلتي اليوم تحكي عن زميلها في الفصل الدراسي وقد أحضر لها هدية صغيرة فرفضتها لأنها «لا تقبل الهدايا من الأولاد». ضحكت وقلت في نفسي ان جينات الرفض ربما تنتقل من جيل الى آخر مهما تبدل العصر. ربما في دواخلنا أشياء ترفع شعارها الدائم بأنها ضد التغيير. الرجل رجل، والمرأة «حرمة»، ولن يلتقيا إلا بمعجزة يصنعها الحب.</p></p>عن الحياة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحريم



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معجزه في جسد المرأة whgp معلومات ثقافيه عامه 55 April 7, 2013 08:34 PM
والله مساكين الحريم,,,,, {الاحسآس الهآدي روايات و قصص منشورة ومنقولة 13 December 13, 2007 04:44 AM


الساعة الآن 07:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر