تعرف علي الطريقة المحافظة البيانية فى كتابة المقال

طريقة المنفلوطى
أو الطريقة المحافظة البيانية ( كما يسميها الأستاذ الدكتور أحمد هيكل )
كانت هذه الطريقة قد بدأت على يد الشيخ محمد عبده ، ثم جاء المنفلوطى فوصل بهذه الطريقة إلى قمتها ، و جاءت مقالاته ـ بالرغم من أنها فى الاجتماع و السياسة و الدين ـ قطعا من الأدب الرفيع.
و كان المنفلوطى ينشر مقالاته فى صحيفة المؤيد ، ثم جمعها فى كتاب بعنوان النظرات ، و قد شاع هذا الكتاب بين الناشئة و المتأدبين ، حتى إن الكتاب لكثرة الإقبال عليه ، و ملاءمته مزاج العصر قد طبع ست عشرة مرة . . . و اتسمت طريقة المنفلوطى ـ فى رأى الدارسين و المتلقين ـ بعده سمات أو خصائص فنية ، أوضحها ما يأتى :
أ ـ البعد عن التقليد و التكلف.
ب ـ الاهتمام بالصياغة.
جـ ـ رعاية الجانب العاطفى.
د ـ القصد إلى الصدق.
هـ ـ الميل إلى السهولة و الترسل.
و ـ ترك المحسنات ، و الزخرفة اللفظية ، عدا المطبوع منها . .
و ليكن مقاله بعنوان "الرحمة" نموذجا للقراءة ، و التحليل ، لنتعرف على ما لهذه الطريقة من إيجابيات ، و ما عليها ـ فى رأى بعض النقاد ـ من مؤاخذات . . . جاء فى هذا المقال قوله :
" أيها الرجل السعيد ، كن رحيما ، أشعر قلبك الرحمة بعينها ، ستقول إنى سعيد ؛ لأن بين جنبى قلبا يلم به من الهم ما يلم بغيره من القلوب. أجل فليكن ذلك كذلك ، و لكن : أطعم الجائع ، و اكس العارى ، و عز المحزون ، و فرج كربة المكروب . . . يكن لك من هذا المجموع اليائس خير عزاء يعزيك عن همومك و أحزانك ، و لا تعجب أن يأتيك النور من سواد الحلك ، فالبدر لا يطلع إلا إذا شق رداء الليل ، و الفجر لا يدرج إلا من عهد الظلام.
أيها الإنسان ، ارحم الأرملة التى مات عنها زوجها ، و لم يترك لها غير صبية صغار ، و دموع غزار ، ارحمها قبل أن ينال اليأس منها ، و يعبث الهم بقلبها ، فتؤثر الموت على الحياة.
ارحم المرأة الساقطة ، لا تزيد لها ضلالها ، و لا تشتر منها عرضها ، علها تعجز أن تجد مساوما يساومها فيه ، فتعود به سالما إلى بيتها.
ارحم الزوجة أم ولدك ، و قعيدة بيتك ، و مرآة نفسك ؛ لأنها ضعيفة ، و لأن الله وكل أمرها إليك ، و ما كان لك أن تكذب ثقته بك.
ارحم ولدك ، و أحسن القيام على جسمه ونفسه فإنك إلا تفعل فقدته أو أشقيته ، فكنت أظلم الظالمين.
ارحم الجاهل ، لا تتحين فرصة عجزه عن الانتصار ، فتجمع عليه بين الجهل و الظلم ، و لا تتخذ عقله متجرا تربح فيه ؛ فتكون من الخاسرين.
ارحم الحيوان ؛ لأنه يحس كما تحس ، و يتألم كما تتألم ، و يبكى بغير دموع ، و يتوجع و لا يكاد يبين.
ارحمه ، و كذب من يقول : " إن الإنسان طبع على ضرائب لؤم ، أقلها أنه يقبل يد ضاربه ، و يضرب من لا يمد إليه يدا."
ارحم الطير ، لا تحبسها فى أقفاصها ، ودعها تهيم فى فضائها حيث تشاء ، و تقع حيث يطيب لها التغريد و التنقير ، و إن الله وهبها فضاء لا نهاية له ، فلا تغتصبها حقها ، فتضعها فى محبس لا يسع مد جناحها. أطلق سبيلها ، و أطلق سمعك و بصرك وراءها . . . "
* * *
بهذه الديباجة المشرقة كان المنفلوطى يعالج مآسى و آلام الناس ، و يبكى لبكائهم ، و يدق على أوتار الحزن والأسى فى نفوسهم ، فى عهد انتشر فيه البؤس ؛ فعم الحزن النفوس ، و اشتد فيه ضغط الاحتلال على صدر البلاد ؛ فعم فيه شقاء الإنسان ، و مرارة الظلم ، و كآبة الحياة.
و برغم المميزات التى تميزت بها المقالة المنفلوطية غير عيوبا و مؤاخذات قد وجهت إليها ، بعد أن قيست بمقاييس نقدية واعية ، و موازنة بين هذه الطريقة و بين غيرها ، و من أهم هذه المآخذ على المقالة المنفلوطية ما يأتى :
ـ الاهتمام البالغ بالأسلوب.
ـ فقد الجانب الفكرى.
ـ المبالغة فى اصطناع الأسى ، و إثارة العاطفة.
ـ الميل إلى حشد الترادف ، و العبارات المكملة ، و الكلمات المؤكدة.
ـ عدم الدقة فى الاستعمال اللغوى.