فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم March 3, 2014, 02:52 PM
 
تحليل مسرحية نحـن هنا


مسرحـــــــــــية (نحـن هنـــــــا)


منور ناهض الخياط






شخوص المسرحية :
1 ــ فرج هلال عيد . ( رب الأسرة )
2ــ ربيع الصواف . مراسل قناة ( البساط السحري ) الفضائية .

3ــ صادق المصور.


( المشهد الأول )
( على المسرح أربعة شواخص لقبور يجاور بعضها بعضها ، جميعها لا يحمل أي اسم من اسماء المتوفين او أي دلالة أخرى).
فرج ــ ( يدخل وهو مثقل بحمل الحقائب) هيا يا أعزائي ، لقد أتانا الفرج من حيث لا ندري ( ضاحكا ) ، أنا اسمي فرج وقد جاءنا الفرج ، كم جميل هذا ، هيا يا أحبتي لا تخافوا من شيء ، أنا على يقين تام بان الأمور ستكون عادية جدا بالنسبة لكم حالما تتأقلمون مع مسكنكم الجديد ، فقط قليلا من الصبر ، الأمر يتطلب قليلا من الصبر ليس ألا ، هيا يا أم نجم يا زوجتي العزيزة ، أدرك ان الحمل قد أتعبك ، لكن ما باليد حيلة ، كان يجب ان نقطع هذه المسافة مشيا على الأقدام ، أني اعلم يا عزيزتي كم كان وقع الخبر عليك صاعقا ،حين أخبرتك بأننا سنسكن المقابر ، ماذا .. ماذا ، تقولين ؟ ، ليس هذا وقت الكلام ، نعم هذا صحيح جدا ، فالكلام والسير الطويل قد أتعباك ، حسنا سنصل بعد قليل ، عجبا ، لهذه الساعة لم اسمع صوت أحبائي ، نجم شمس أين أنتما ؟ ، هيا اسمعاني صوتكما ، ما رأيكما لو قمنا بالغناء ؟ ، هيا يا أعزائي ، هيا .. حسنا سأبدأ أنا بالغناء ولكن عليكم مرافقتي ، اتفقنا ، حسنا سأبدأ .. تررا .. تررا .. تررا .. أوه اشعر بحشرجة في بلعومي ، ( ضاحكا ) فاصل ونعود ، حسنا ، هيا يا أطفالي لنواصل فقرتنا الغنائية .
ماذا تقولين يا زوجتي العزيزة ؟ ، أنهم خائفان ، وأنت كذلك ، ( هامسا ) وأنا كذلك ولكن ماذا يمكن ان أقول ؟ ، نجم حبيبي ، شمس حبيبتي ، لا داعي للخوف ابدأ ، فكل ما حولنا هي عبارة عن أبنية صغيرة جدا ، فلا داعي للخوف من القبور مطلقا ،أوه يا شمس يا له من سؤال ، ماذا يوجد تحت الأرض التي نسير عليها ؟ .. شمس حبيبتي ، وما علاقتك أنت بالموضوع ، دعي تلك الأمور جانبا ، ولا تزعجي رأسك بها ، هذا أفضل لك ، يا لك من لحوحة ، حسنا ، ( متلكأ ) يوجد في باطن هذه الأرض .. يوجد .. وماذا يمكن ان يوجد غير أحجار ، ومعادن ، وأملاح ، شانها شان بقية الأرض ، هذا كل شيء ، ها عرفت ، ألان ماذا يوجد يا عزيزتي ، فلا داعي أبدا للخوف أو الريبة ، ماذا ليس هذا فقط ما يوجد ؟ .. أوه يا شمس يبدو أني لا استطيع الإفلات منك أبدا .. نعم ، نعم ، يوجد في باطنها ، أناس أموات ، أين المعضلة في ذلك ؟ ، أنهم عبارة عن بشر مستغرقين في النوم ليس ألا ، خذوا الأمور ببساطة يا أعزائي .. ولماذا أنا لا أخذ الأمور ببساطة ؟ ، آه يا أم نجم ، كيف يمكن لي ان أخذ الأمور ببساطة وأنا المسوؤل عنكم ؟ ، كيف لي أن أبسط الأمور حين أكون عاطلا عن العمل ، وحين نصبح بلا مأوى ، وحين نكون راضخين لرغبات المفسدين والسراق ، كيف لي أن أخذ ألأمور ببساطة وأنا أرى حياتنا تدنو شيئا فشيئا من حدود الفناء والعدم ، انظري كيف بات أمرنا ، وأين نحن الآن نسير ؟ ، ولا أدري من هم الأموات هم أم نحن ؟ ، آه يا أم نجم لقد حركتي علي المواجع بسؤالك هذا ، حسنا لننهي هذا الموضوع الآن ، فأننا ندنو من مسكننا الجديد .
( يقفون أمام باب مغلق لغرفة صغيرة ) أحبائي نحن نقف الآن على أعتاب سكننا الجديد ، الخطوة الأولى ان تدخلوا بقدمكم اليمنى ، هذه الليلة سنمضيها على ضوء الفانوس ، وهذا بالطبع ليس بالغريب عليكم ، وغدا أن شاء الله سأجلب مولدة ، لقد استطعت اقتراض مبلغا لشرائها من أحد الأصدقاء ، وسنتبع أيضا أسلوب القطع المبرمج ، كم اسمه ساحر ، القطع المبرمج ،على أية حال يا أبنائي ، لندخل الى بيتنا الجديد ، ولنلقي جميعا بهمومنا خارجا ، فلعلها تجد قبرا يستوعبها ، أخيرا يا أم نجم أصبح لدينا سقف ، وسيرتاح بالنا قليلا ، آه يا حبيبتي أتعلمين منذ متى لم نلتق .. ( غامزا ) اليوم بالتأكيد سنطفئ نار الأشواق .. ها ماذا تقول يا نجم ؟ ، ( ساخرا ) ولكنك ترى والدتي كل يوم يا لك من ملعون ؟ ، وما دخلك أنت كي تسال ؟ ، يبدو أني سأسميك نجم الفضولي ، ( يحدث نفسه ) لكن هل أستطيع انجاز ما أحلم وما أتمنى وأنا محاط بكل هذه الأجواء التي لا تسر عدوا ولا صديقا .
وألان يا أحبائي اعلم جيدا ان هذه الليلة في كونها الأولى ستكون موحشة دون شك ، ولكن لا باس سيحضن كلا منا الآخر كي نشعر بالاطمئنان ، وبعدها سنتعود ، صدقوني سنتعود ، ( ساخرا ) كما تعودنا سابقا على أشياء كثيرة حتى آل بنا المصير للنوم في المقابر ، أو المزابل أو في برادات الثلج الخشبية ، هيا يا أبنائي ادخلوا قبل ان يبدأ الموتى بالبكاء علينا .

( المشهد الثاني )
( المكان السابق نفسه ، ( ربيع الصواف ماسكا بالميكرفون، وصادق المصور ماسكا بكاميرا للتصوير التلفزيوني ) يدخلان ) .
فرج ــ ( صوت خارجي ) كوني مطمئنة يا أم نجم ، فنحن الآن خارج السياق المعتاد عليه للعيش كبشر ، وبذلك فلن يزعجنا أحد بعد الآن ، انها أفضل ملجأ لنا من سخونة الأيام التي تعصف بالبلد ، على الاقل سنبقى هنا ، حتى تنقشع الغيمة . يا أم ( نجم ) صدقيني ان هذه الغرفة التي نسكن فيها لم يعد فيها مكان لدفن احد ، أي بمعنى آخر ان عدد الأموات المسموح بدفنهم قد اكتمل ، هذا ما أكده لي صديقي ( جليل ) ، فقد قال لي بان في هذه الغرفة قد دفن فيه جدته وخاله وزوجته ، أما أبناؤهم فقد هاجروا جميعا منذ عدة سنين الى خارج البلاد ، وهكذا انتهت حكاية بيت خاله هنا ، لتبدأ من خلالها حكايتنا .
ربيع ــ هيا يا صادق أسرع ، أسرع ، لنجدهم قبل غيرنا ، ( يقف أمام الغرفة ) هو هذا المكان بكل تأكيد ، ويفترض أنهم الآن هنا ، لنطرق الباب ( يطرق الباب ) .
فرج ــ ( صوت خارجي ) يا أم ( نجم ) أتسمعين ، أبابنا الذي يطرق ، أم يتهيأ لي ذلك ؟ ، ( يستمر الطرق ) انه بالتأكيد بابنا ، ما الذي سأفعل ؟ ، هل افتح الباب أم لا ؟ ، ( يستمر الطرق ) ، نعم .. نعم سأفتح الباب وليكن ما يكن ( يفتح الباب وهو في حالة ترقب وخوف ) .
ربيع ــ السلام عليكم .
فرج ــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ربيع ــ أنا ( ربيع الصواف ) مراسل قناة ( اليوم السعيد ) الفضائية ، وهذا زميلي ( صادق المصور ) .
فرج ــ ( مبتسما ) وأنا ( فرج هلال عيد ) أهلا وسهلا ، هل من خدمة ؟ .
ربيع ــ لقد ورد الى مسامعنا عن عائلة تسكن المقابر ، وكما تعرف يا سيدي العزيز أنها ظاهرة فريدة في مجتمعنا ، لذا أردنا أجراء لقاء معكم ، من اجل ان يطلع الآخرون على الظروف التي دفعتكم للسكن هنا ، فما قولك يا سيدي ؟ .
فرج ــ ( فرحا ) ماذا ؟ ، أتقصد أننا سنظهر في التلفزيون .
ربيع ــ نعم .
فرج ــ وهل استطيع ان أتكلم ما شاء لي ؟ .
ربيع ــ ( مترددا ) ها .. نعم .. نعم .
فرج ــ حسنا ، نحن على استعداد .
ربيع ــ والآن يا سيدي ، عليك أخبار عائلتك الكريمة بذلك كي يهيؤوا أنفسهم لذلك .
فرج ــ سأقوم بذلك على وجه السرعة ( ينسحب مسرعا ، ثم يعود ) ، عفوا أستاذ ، كيف فاتني هذا ؟ ، تفضلوا أرجوكم الى الداخل كي نؤدي واجب الضيافة .
ربيع ــ شكرا لك،شكرا،سنقوم في اخذ بعض اللقطات للمكان،وتحديد الزوايا المناسبة لتصوير اللقاء،فشكرا لك شكرا .
فرج ــ أذن اسمحوا لي .
ربيع ــ تفضل أرجوك ، ( ينسحب فرج ) ، حسنا يا صادق ، سنبدأ بأخذ لقطة عامة للمكان ( يقوم بتوجيه صادق ) ، ومن هنا أيضا ، من هذه الزاوية لو سمحت .. حسنا رائع جدا .
فرج ــ ( يدخل ) أنا على استعداد .
ربيع ــ وأين عائلتك الكريمة ؟ .
فرج ــ ( متأسفا ) لا يريدون .
ربيع ــ ولماذا ؟ .
فرج ــ ( مبتسما ) يشعرون بالخجل .
ربيع ــ ألا تحاول أقناعهم بالأمر؟ .
فرج ــ صدقني يا سيدي ، لقد حاولت .
ربيع ــ ألا تعيد الكرة من جديد ؟ .
فرج ــ لا فائدة من تكرار المحاولة ، أني متأكد من ذلك .
ربيع ــ أذن سيكون اللقاء معك فقط ، لا باس ، اسمعني يا سيدي ، بداية سوف نعرف المشاهدين باسمك ومهنتك ، ومن ثم نعرج على عائلتك الكريمة ، يعني .. عددهم ، أسماء الأولاد ، أسماء البنات ، الزوجة هل لها مهنة ،أم ربة بيت ، ومن ثم تتكلم عن الظروف التي دفعتك للسكن هنا .
فرج ــ مفهوم يا سيدي مفهوم .
ربيع ــ رائع ، سنبدأ التصوير ألان ، هيا يا صادق .
فرج ــ لحظة أرجوك يا سيدي .
ربيع ــ ماذا في الأمر ؟ .
فرج ــ سيدي أتمنى ان يكون اللقاء هنا ( يذهب نحو القبور الاربعة ) .
ربيع ــ ولماذا هنا بالذات ، أليس من الأفضل ان يكون اللقاء قرب المكان الذي تقيم فيه ؟ .
فرج ــ المكان الذي أقيم فيه ، باق في مكانه ، وتستطيع ان تأخذ له لقطات ما شاء لك ذلك ، ولكن يا سيدي أود ان تسلط الأضواء ولو قليلا على أصدقائي .
ربيع ــ أصدقاؤك ،منذ متى ؟ .
فرج ــ منذ ان باتت المقبرة سكنا لي .
ربيع ــ ولكني أرى القبور تبدو قديمة ، أي انهم كانوا هنا قبل قدموكم ، فكيف أذن أصبحتم أصدقاء ؟.
فرج ــ نعم ما تقوله صحيح ، ولكن هكذا أصبح الامر وبتنا أصدقاء .
صادق ــ ( مناديا) يا سيد ربيع، يا سيد ربيع .
ربيع ــ نعم .. عفوا سيدي استأذنك للحظات .
( يتجه نحو( صادق المصور ) ، ويتكلمان مع بعضهما بهمس ) .
صادق ــ أتسمع ما يقوله الرجل ؟ ، يبدو أننا نتعامل مع مجنون .
ربيع ــ ماذا تقول؟، أوه يا للكارثة ، ان كان ذلك حقيقة ، ماذا سنفعل أذن يا صادق؟.
صادق ــ ( يتمعن في فرج قليلا ، الذي بدت عليه الحيرة)أو ربما يدعي الجنون كي يلفت الأنظار أليه ؟ .
ربيع ــ نعم ، نعم، قد يكون كلامك صحيحا ، وعندها ماذا سنفعل يا صادق؟ ، هل نعود أدراجنا ؟ ، أم .. لا ادري ، لا ادري ، أني في حيرة من أمري .
صادق ــ لنتعامل مع المسالة كواقع حال .. شخص وعائلته سكنوا المقبرة ، بسبب الفقر ، أو الجنون ، أو أي سبب آخر ، فكل ما علينا ان ننقل الحدث الى الناس ، المهم في الأمر ان نحقق سبقا إعلاميا .
ربيع ــ أحسنت يا صادق راي سديد،حسنا لنبدأ الآن ( يتوجه نحو فرج ليقوم بأجراء اللقاء )، هل أنت مستعد الان يا صادق،( صادق يعطيه اشارة البدأ)، لقد تعود الإنسان في بلدنا العزيز على السكن في الجبال أو السهول أو الصحاري أو الأهوار ، ولكن لم نسمع مطلقا ، أو لم نرى مطلقا ، أو حتى لم يتبادر في أذهاننا يوما ، بان أنسانا قد سكن المقابر ، ولكن هذا ما حصل فعلا مع عائلة السيد ( فرج هلال عيد ) والمتكونة عائلته من زوجة وطفلين .
فرج ــ عفوا يا سيدي وطفل قادم في الطريق ان شاء الله .
ربيع ــ ان شاء الله يا سيد فرج ان شاء الله ، هل لك ان تطلع المشاهدين الكرام على الظروف التي دعتكم للسكن في هذه المقبرة .
فرج ــ وماذا يمكن ان يكون غير الفقر والعوز الى سقف نحتمي به ، لقد أنهكني التعب في البحث عن عمل .آه ..منذ طفولتي وانا اعمل بالأعمال الشاقة ، حمالا في السوق ، أو في أعمال البناء ، انا الآن لست بإنسان ، بل بقايا إنسان ، لقد استهلكتنا الحروب ، والحصار ، ودهاليز الخوف التي نعجز من الخروج منها لحد هذه الساعة ، وعلى هذا كان لزاما علي ان اشد الرحيل الى هنا .
ربيع ــ ( حزينا ) ولكن أليس هنالك من شيء آخر ، اقصد أليس هنالك من أمل ؟ .
فرج ــ لا بد أن يكون هنالك امل.
ربيع ــ (ضاحكا) ، حتى ونحن بين هذه القبور؟.
فرج ــ هذه الحجارة لا تعني نهاية العالم ، ففي كل لحظة ثمة شيء جديد يولد، اليس كذلك؟، ( ضاحكا ) يبدو أننا قد نسينا أنفسنا ، فأنت من يفترض ان يسال وأنا من يجيب .
ربيع ــ ( مبتسما ) لا باس يا سيد ( فرج ) لا باس ، ولكن ألا تشعرون بالخوف ؟ .
فرج ــ وممن نخاف ؟ ، فكل ما حولنا جيران في منتهى الهدوء ، لم نلمس منهم أي إزعاج أو أذى ، لقد أصبح البعض منهم أصدقاء لي . (مشيرا الى القبور الاربعة)
ربيع ــ ولكن يا سيد لم قبور أصدقائك دون أسماء أو عنوان؟.
فرج ــ الاسم او الجنس او العنوان ليس لهم عندي أي اهمية.
ربيع ــ ولكنها بيانات لا يمكن أن يستغنى عنها أبدا.
فرج ــ أنها بيانات لعينة،ليس الا،أتعلم أن المئات قتلوا بسبب اسمائهم،جريمتهم الوحيدة أنهم حملوا أسماء لا يحبها البعض،أسم يحمله أنسان يكون سببا في ذبحه، أي كابوس مريع هذا ، وأي زمن مسخ نحيا فيه.
ربيع ــ (حزينا) هذا صحيح جدا،صحيح، حسنا يا سيدي، وأبناؤك كيف يمضون وقتهم ؟ .
فرج ــ أنهم يلعبون في المحيط القريب من السكن،ولا شيء يقلق أبدا،لقد بات الأمر بالنسبة لنا جميعا طبيعيا جدا.
ربيع ــ وأنت يا سيد ( فرج ) كيف تمضي وقتك ؟ .
فرج ــ أقضيه هنا ، عند أصدقائي ، أحدثهم ويحدثونني ، ان الوقت ليمضي سريعا دون ان نشعر به .
ربيع ــ ( ثمة سخرية ترتسم على وجهه ) وهل يعقل ذلك ؟ .
فرج ــ تظنني مجنونا أليس كذلك ؟ .
ربيع ــ لا بالطبع لا أرجو المعذرة على ذلك ، فليس هنالك قصدا سيئا في سؤالي هذا .
فرج ــ لا تعتقد يا سيدي ان القبور التي أمامنا هي مجرد أحجار صماء ، أنها في الحقيقة ابعد من ذلك ،فحين تكون معها تستطيع ان تخبرك بكل شيء ، ولكن عليك أولا وقبل دخولك الى هذه المملكة ، أن تلقي بكل همومك التي تثقل قلبك وروحك خارج أسوارها ، تلك الهموم اللعينة التي تجعلنا نتخاطف كالضباع ، أو قل تلك التي صهرتنا وجعلتنا كما تريد ، هياكل بشرية تتحرك وتمضي هنا وهناك ، دون روح ومشاعر ، نعم انه السحر الاسود بعينه ، ذلك السحر الذي يجعلك كائنا ممسوخا ، عاجزا على معرفة ما يدور من حولك لقد بتنا كائنات بائسة تسعى بكل قوتها للخراب وللدمار دون ان تدري بأنها تدمر نفسها أولا، لقد نسينا الغناء ، والحب ، والذكريات الجملية ، والأقبح من ذلك أصبحنا سخرية ، فبين كل حقبة زمنية ، وحقبة ، يأتي من يسخر منا ، ونحن لا نفعل شيء سوى ان نكون له صاغرين ، بل قل خانعين ، فهم تارة يأتون دعاة لحق العشيرة التي سلب منها منذ ألاف السنين ، وما علينا سوى ان نقاتل ونقاتل كي نسترجع الحق المغتصب ، لا ضير ان نمضي عمرنا كله في القتال ، لا ضير ان يذبح الجميع ، وأن تنتهك أعراض الجميع ، وأن تسلب أموال الجميع ، المهم في ألامر أن نسترجع حق العشيرة المغتصب ( ساخرا ) وهكذا بتنا نهرع الى الموت وكأنه مزحة. وهناك من ياتي ليقول لنا بأنه أبن السماء ، وأنه مبارك في كل خطواته ، وما علينا ألا أن نكون له صاغرين في كل شيء ، عيشوا فنعيش ، موتوا فنموت ، تزوجوا فنتزوج .
أتعرف ماهو المضحك بالامر؟، فبعد كل تلك الجعجعة التي نخلقها بغبائنا وغطرستنا وجهلنا ، سنجد انفسنا في نهاية المطاف باننا خارج الزمن ، وما نحن الا أمواتا، بالرغم من أننا ما زلنا على قيد الحياة .
صادق ــ يا سيد ربيع ، يا سيد ربيع ، لحظة من فظلك.
ربيع ــ نعم يا صادق .( يتجه نحوه )
صادق ــ هذا الشخص يبدو مجنونا أو فيلسوفا ، أنه في كل الاحوال رجل غامض ، واشد ما يقلقني الغموض ، فما
بالك ونحن وسط هذا المكان، فأنه وبدون شك سيثير في النفس الخوف والرعب ، كم أتمنى أن نغادر هذا
المكان سريعا، ولكن الفضول يدفعني لمعرفة حكاية أصدقائه الموتى.
ربيع ــ حسنا سيكون سؤالي الاخير عنهم .( يتجه نحو فرج ) هل لك يا سيد فرج أن تكلمنا قليلا عن أصدقائك .
فرج ــ حسنا يا سيدي ، ( يشير الى القبر الاول) اعرفك على أولهم،صديقي هذا كان مغنيا وعاشقا للنساء ، وحين منعوه من الغناء والعشق ، مات ، تلك حكايته ببساطة شديدة.
ربيع ــ ومن الذين منعوه ؟.
فرج ــ (ضاحكا) من لا يحبون الغناء ولا العشق .
ربيع ــ حسنا ، ولم القبر يخلو من أسم او عنوان ؟.
فرج ــ لقد محوه يا عزيزي ، محوه ؟.
ربيع ــ ومن هم يا سيد فرج ؟.
فرج ــ ( يفتعل حالة من الخوف ) أرجوك ، دع هذا السؤال جانبا ، (هامسا ) فأن للجدران آذان .
ربيع ــ طيب ، وما حكاية الآخرين ؟.
فرج ــ ( يتجه نحو القبر الثاني )هذا صديقي ألاخر، كان عسكريا ، رفض أن يخوض في وحل الحروب القذرة ، فاعدم رميا بالرصاص بتهمة الخيانة ، لقد مات مبتسما ، هذا آخر شيء فعله .
ربيع ــ ولم هذا أيضا يخلو من اسم او عنوان.
فرج ــ لقد محوه يا عزيزي، محوه.
ربيع ــ ومن هم الذين محوه؟.
فرج ــ ( ضاحكا) الذين أعدموه.
ربيع ــ ( تبدو عليه علامات الحيرة والاستغراب) لنكمل حكايات الاخرين .
فرج ــ ( يتجه نحو القبر الثالث )صديقتي هذه كان ينتظرها مستقبل رائع ، فقد كانت تخطو خطواتها الاولى لاكمال دراستها العليا ، الا أن قاعدة بنت العم لابن العم ، كانت نقطة في حياتها ، فقضاء العشيرة حكم عليها ان تتزوج من أبن عمها الذي كان فاشلا في كل شيء ، فكان من الطبيعي جدا ان ترفض .. تقاوم .. تنتفض .. تتمسك بحقها في الحياة ، فكان جزاؤها القتل، وتحت يافطة غسلا للعار.
ربيع ــ واين أسمها؟.
فرج ــ حذفوه، كي يمحون ذكرها تماما، الا أنها تتابى الرحيل عن ذاكرتهم أبد،فهي على الدوام تؤرق مضاجعهم، هذا ما تحدثني به دوما.
ربيع ــ ( مندهشا ) أقسم بالله أنك تبدو صادقا في كل ما تقول ، ولكن هل أنت كذلك ؟ .
فرج ــ ( يتجه نحو القبر الرابع ) اما هذا القبر فهو لصديقتي الصغيرة، فحالها كحال الكثير من اطفالنا ، الذين قتلهم مرض السرطان ، أن شبح الحرب يأبى الرحيل عنا ، من دون أن يغتال اطفالنا واحلامنا .
ربيع ــ (تبدو عليه السخرية) ومن حذف اسم صغيرتك تلك؟.
فرج ــ (غاضبا) هم حذفوها .
ربيع ــ (صارخا) من هم؟.
فرج ــ من يحاول أخفاء حقيقة،ان الاطفال في بلدي يتساقطون كاوراق الشجر.
ربيع ــ وكيف تمكنت من معرفة حكاياتهم تلك ؟ .
فرج ــ هم من أخبروني بذلك .
ربيع ــ ( غاضبا ) أنك مجنون من دون شك ، هيا يا صادق لنمضي سريعا قبل أن تصاب عقولنا بلوثة .
فرج ــ ( ضاحكا ) ولماذا؟.
ربيع ــ أما أن تكون كاذبا ، أو مجنونا ، وفي أعتقادي ألاحتمال الثاني هو الاقرب .. أنت،أتريد أقناعنا واقناع الا خرين ، بان هؤلاء الموتى هم من أخبروك بتلك الحكايات ؟ .
فرج ــ وهل ثمة غرابة فيها ؟ .
ربيع ــ ( مستغربا ) فيمن ؟ .
فرج ــ في الحكايات ، أليست هي حكايات كل يوم؟ .
ربيع ــ نعم ، هذا صحيح ، لا غبار على الحكايات ، ولكن تقول لي بأن الموتى هم من يحكون لك ذلك، فهي مسالة لا يمكن لأي عاقل أن يتقبلها .
فرج ــ (ضاحكا)نحن في زمن قد اختلطت فيه الامور،وبات من الصعب فيه أن تميز الاشياء..من منا الحي ومن منا الميت،فكثير من الاجساد التي ضمتها تلك القبور،يقولون لك نحن هنا..نحن ما نزال احياء..نعم احياء، بحكاياتنا ومواقفنا.في حين أن كثيرا من الناس الذين يمشون على الارض قد خيم عليهم الموت منذ زمن طويل .
ربيع ــ ( مرتبكا) هيا يا صادق لنمضي من هنا سريعا ، فثمة صداع يكاد أن يفتك بي .
فرج ــ (ضاحكا) ولكنك ستعود ؟ .
ربيع ــ كلنا سنكون هنا ذات يوم .
فرج ــ ليس هذا ما قصدته .
ربيع ــ وماذا أذن ؟ .
فرج ــ أنك ستعود الى هنا كي تستمع الى حكاياتهم ، والتي ستثير في نفسك وبدون شك الحزن ، وقد تجهش بالبكاء ، عندها ستشعر بانك قد عدت أنسانا من جديد .
(تعتيم)
( المشهد الثالث )
( المشهد السابق نفسه ، باستثناء اضافة قبر خامس يحمل اسم قبر المرحوم ( فرج هلال عيد ) ، ربيع الصواف واقفا امام القبور الخمس حاملا الميكرفون ).
ربيع ــ من مقبرة المدينة ، التقي بكم من جديد ، اسمحوا لي بان اعرفكم على أصدقائي ( مشيرا الى القبور الخمسة)، هذا صديقي الذي مات لانهم منعوه من العشق والغناء ، وهذا صديقي ، عسكري، أعدم رميا بالرصاص ، لانه رفض ان يكون جزء من لعبة قذرة اسمها ( الحروب العبثية ) ، وهذه صديقتي قتلت على يد عشيرتها ، لانها ارادت أن يكون لها مستقبل مشرق ، وتلك صديقتي الطفلة التي قتلها السرطان ، الذي بعثته الينا حرائق الحروب ، واخيرا وليس آخرا ، هذا قبر صديقي ( فرج هلال عيد) الذي قتله الهم . مات وفي راسه أحلام مؤجلة، كان يحلم في الحصول على عمل ، وسكن لائق ، وبمدرسة لاطفاله وملعب ، وبحديقة كبيرة تحتضن الجميع . لم يمحى ألاسم ، لان الجميع يعرفوه، فقد عرفتموه ، وعرفته، وعرفه الهم، هؤلاء هم اصدقائي ، أسمعهم من قبورهم يقولون كل الحكايات انتهت ، الا حكايات الناس ،ربيع الصواف من قناة الحقيقة الفضائية .
(تعتيم )
( انتهت )
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مسرحية مسافر بلا متاع .. للكاتب الفرنسي جان أنوي , مسرحية مسموعة معرفتي كتب صوتية , كتب مسموعة 59 June 12, 2017 04:32 PM
تحميل كتاب مئة سر بسيط من أسرار السعداء pdf مجانا – ديفيد نيفن مقدسي و لطيف علم النفس 0 March 8, 2013 09:38 PM
مسرحية رابعة العدوية - يسري الجندي - دعوة إذاعية الى مسرحية معرفتي كتب صوتية , كتب مسموعة 1 February 15, 2013 03:49 PM
مسرحية آل باريت من شارع ويمبول - تأليف رودلف بيزييه , مسرحية مسموعة معرفتي كتب صوتية , كتب مسموعة 1 February 15, 2013 03:48 PM
قمبيز - مسرحية شعرية - أمير الشعراء أحمد شوقي , مسرحية مسموعة معرفتي كتب صوتية , كتب مسموعة 3 February 14, 2013 08:58 AM


الساعة الآن 02:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر