فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم February 24, 2014, 11:21 PM
 
أحلي وأجدد مقال عن جسور الخيال

جسور الخيال


في عالم أصبح القبح شعاراً له، ما الذي نملكه سوى الخيال؟!

كانت درجة الحرارة العالية بالإضافة إلى الزحام غير المبرر الذي لا ينتهي من الشوارع، بمنزلة خلفية طقسية مناسبة لمشهد سيدة تسرع خطاها باتجاه البنك قبل موعد إغلاقه لصرف راتبها الشهري، تلك الأوراق الملونة الملعونة والمعروف سلفاً مصيرها حيث ينبغي أن تذهب لعدد من الأشخاص ينتظرونها مثل صاحب البيت وصاحب السوبر ماركت وصاحب شركة المحمول لإعطائها لأشخاص آخرين ينتظرونها بدورهم لإعطائها لأشخاص آخرين ينتظرونها أيضاً وهكذا..
تعبر من أمام واجهة متجر ملابس فاخرة فتغض الطرف عن حلم طالما راودها متمثلاً في اقتنائها ذلك الرداء أزرق اللون باهظ الثمن، تنظر إلى السوبر ماركت وكأنها تخبره: «أقبض بس وأجيلك»، تكمل طريقها باتجاه البنك بينما تتشاجر مع زوجها على الهاتف، حيث إن هذا قد أصبح هو كل ما يجمعهما مؤخراً، الشجار!
تحصل على راتبها غير المأسوف على شبابه، تتحول بعض أوراق هذا الراتب إلى أكياس كثيرة تحمل شعار سوبر ماركت معروف تحملها السيدة تحت ضغط العرق والرطوبة والزهق، تحاول التحليق بجسدها على طفلتها الصغيرة أثناء خروجها من بوابة السوبر ماركت، حيث إن يديها منشغلتان بحمل الأكياس، بينما عامل الباركنج يناولها باقي الأكياس، تسقط سلة البيض على حذائها الجديد، تنظر للعامل ولحذائها وللبيض بملامح من الواضح أنها لم تعد تحتمل كل هذا الهراء الحياتي، تترك الأكياس من أيديها لتسقط على الأرض، تصرخ بأقصى ما تحتمله أحبالها الصوتية، تطلق صرختها الغاضبة باتجاه السماء حيث الشمس لا تبالي كثيراً بصرخات أمثالها من المنهارين عصبياً، تُلقي هاتفها على الأرض بغضب لتتناثر أجزاؤه بجوار أكياس السوبر ماركت وابنتها، تنظر للأمام وتغمض عينيها لتهدأ لثانية قبل أن تطلق لساقيها العنان، وتجري!
أثناء جريها اللاهث والغاضب كانت تتراءى لها مشاهد حياتها كمشاهد من سيت كوم هزلي ساخر وغير منطقي وفوضوي، كانت تلهث في جريها محاولة الابتعاد عن تلك المشاهد قدر الإمكان، هي تعلم بالطبع أن الإنسان لا يستطيع التخلي عن حياته عن طريق الجري، إلا أن هذا كان ما فعلته.
يصمت الصخب فجأة ويختفي الزحام ويصبح الجو خالياً من الغبار والأتربة، ثم تجد نفسها فجأة بداخل حديقة، ليس هناك سوى الأشجار بأخضَرها المرصع بلآلئ قطرات الندى، وعيون الماء الصافية التي تتداخل موسيقى خرير مائها مع أنغام موسيقية سماوية لا تدع للجسد مجالاً لأن يستمر في شعوره بالإنهاك أو بالتعب، تتخذ مجلسها بجوار أحد ينابيع الماء تلك، تنظر إلى صفحة المياه فترى انعكاس وجهها، ذلك الوجه الذي أتعبته السنون وخانته الأيام وأنصفه الخيال، وجه امرأة هادئة الملامح، ترتدي ثوبا أزرق باهظ الثمن، حيك بالحرير وخيوط الذهب من أجلها هي فقط.
تقرر السيدة تمضية الباقي من حياتها في تلك الحديقة، تمر السنوات القليلة الأولى ممتلئة بالبهجة بعيدا عن ضغوط الحياة الفعلية، وفي أحد الصباحات وبينما تسير السيدة في مملكتها الجديدة تلمح على حافة النبع صخرة صغيرة تحمل زرا بلونها المفضل الأزرق، وقد كُتب عليها «أحمل لك مفاجأة»، لم تكترث السيدة في البداية بذلك الزر الغامض، حيث ظنته اختباراً كونياً للتحقق من مدى رضائها عن مستوى الخدمة بالحديقة، إلا أنها بعد ذلك بدأت تفكر مرة أخرى بشكل جدي في الضغط عليه، خاصةً بعد أن بدأ الملل يعتريها من تلك الحياه الهادئة إلى حد الموت، وبعد أن بدأت تشتاق إلى حياتها الصاخبة الماضية، وبعد أن بدأت تدرك أن الحياه من دون صراع ليست حياة، وأن الخيال يمكنه فقط أن يمنحنا لحظات طاقة دافعة للأمام، إلا أنه لا يمكنه أن يمنحنا حياة كاملة.
لهذا ضغطت السيدة على الزر، وأغمضت عينيها وفتحتهما لتجد نفسها على الرصيف بجوارها أكياس بقالة وبقايا موبايلها المكسور وابنتها الصغيرة تبكي بينما البيض يغطي حذاءها، تخرج منديلاً ورقياً من حقيبتها تمسح به حذاءها بهدوء، تتناول الأكياس من على الأرض وتمسكها في يد وفي يدها الأخرى تمسك يد ابنتها، قبل أن تكمل طريقها حتى تختفي وسط الزحام وسحابات التراب والدخان.
في عالم أصبح القبح شعاراً له، ما الذي نملكه سوى الخيال؟!


--





نرمين يسر


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أجمد وأروع ديكورات السلالم , أفضل وأجدد ديكورات السلالم Yaqot الفنون الجميله 0 January 22, 2014 01:05 PM
أحلي واجمل الديكورات العصرية , أفضل وأجدد ديكورات كشخة Yaqot الفنون الجميله 0 November 20, 2013 10:43 AM
مقال الدكتور "محمد البرادعي" الذي أقال إبراهيم عيسى من الدستور @abdelrahman@ قناة الاخبار اليومية 2 October 8, 2010 10:41 AM


الساعة الآن 05:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر