فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > تحميل كتب مجانية > الأخبار الثقافية وعروض الكتب

الأخبار الثقافية وعروض الكتب جديد الكتب في الأسواق واخبارها ومتابعتها والمناقشات والاصدارات الجديدة



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم January 9, 2014, 12:38 AM
 
Smile

«لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة».. ما فعله اللون الأسود بالأخضر



محمود عبد الشكور
نشر: 5/1/2014
ترسم رواية «لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» للسورى خالد خليفة، وبحروف تمتلئ بالصدق والشجن والحنين، صورة لا تنسى للحصاد البائس لدولة بوليسية، يحكمها الخوف والقلق، فتترك آثارها على أسرة يعيش أفرادها اغترابًا معذبًا، وانهيارًا لا فكاك منه، تصنع الدولة البوليسية مؤسسات خاوية، فتولد بيوت يسكنها أشخاص معلّقون فى الهواء، يعيشون حياتهم متفرجين، فى حياة موازية لدولة الحزب، لكنهم يدفعون الثمن كاملًا: تشوهات نفسية، وانفجارات عنيفة، هجرة وهروب، حياة بلا دفء، أحلام مجهضة، وقطارات لا تصل أبدا.
بحساسية لا تنقصها التفاصيل، تبدو الرواية كما لو كانت وثيقة عن زمنها، وعن شخصياتها الحية والنابضة، وتبدو حلب الشهباء، وقد أصيبت فى روحها إصابة مباشرة، فانعكس ذلك على العائلة النازحة من الريف، مأساتها فى أحد معانيها خلقها اثنان من الآباء: رب الأسرة زهير الذى ترك زوجته وأولاده، وهرب مع سيدة أمريكية إلى الولايات المتحدة، ورب الوطن / الزعيم الذى فرض الحزب والأناشيد والعيون المتجسسة، فلما مات عام 2000، لم يصدق أحد موته، وأورث ابنه عزبة اسمها الوطن، وما بين الاثنين، يلتقط خالد خليفة باقتدار مؤثر نماذجه المغتربة فى وطنها: الأم المعلّقة بين الصحو والغيبوبة، المهجورة من الزوج والعمل، والابنة المعلّقة بين الحزب والحب، وبين الحلم والفوضى، والابن الحائر بين الموسيقى والموت، والشقيق الثالث (راوى الأحداث) القانع والمستسلم والشاهد على المنزل الخاوى، والخال المعذب بين جسده وروحه، وحول الأسرة نماذج أخرى أصبحت إما جزءًا من ماكينة النظام الغبية، أو رفضت رقصة الدبكة على إيقاعات الحزب، فعاشت منكفئة على ذاتها، ترصد وتتأمل لحظات العار القومى، أو تنتظر الفرصة للهروب بعيدا عن مدينة فقدت روحها: «جميعنا نسير فى البيت غرباء عن بعضنا، حياديين تجاه الأثاث الذى بدأ يتهالك، أمى فى السادسة والأربعين من عمرها، امرأة هَرمة كفاية لكى لا تشعر سوسن بكراهيتها، دخلت إلى غرفتها، وجدت آلات رشيد الموسيقية، الكمان والتشيللو والساكسفون الذى بدأ يعزف عليه مؤخرا مقطوعات جاز رائعة تذكرنا بوجوه فلاحات ميدان أكبس وموظفى محطتها، أمى بقيت مصممة على إعادة عزف الموت والعذراء لشوبرت، يعلق رشيد ساخرا بأن أمنا ولدت على درج أوبرا فيينا، رجت رشيد أن تبقى آلاته فى غرفتها، يعزف لها أغنية فرنسية لجاك بيريل ترجمتها له ومضت تشرح بحماس معانيها».
لا تمتلك الشخصيات سوى الذكريات والانتظار، هناك عجائز ينتظرن الموت، وعمائر عشوائية قبيحة تكتسح حقول الخس، وحارة توحشت لا يمكن الخروج فيها دون التسلح بسكاكين، وحوادث يومية تنبئ عن جحيم أرضى مكتسح: ذلك الأب الذى قتل زوجته وأطفاله الأربعة ثم انتحر بسكين المطبخ صارخا فى جيرانه: «الموت حرقًا أكثر شرفا من انتظار الموت جوعا»، سائلا بحُرقة: «ألا توجد سكاكين فى مطابخ هذه المدينة»؟، تظل المدينة رغم ذلك مستسلمة لقدرها، وكأنه لا سكاكين يمكن استخدامها تعبيرا عن الرفض والتمرد، تكتفى الشخصيات بأحلام اليقظة والنوم، تدفن أفكارها فى الأوراق والرسائل، وكأن الجميع ينتظرون قطارًا لا يأتى، ويقنعون بصور باهتة لعائلة كانت هناك، ولا مزيد من الأطفال فى بلد لم يتحقق فيه الحالمون: «أصابتنا الدهشة حين اكتشفنا أننا دون أصدقاء، طبخت أمى يالنجى ويبرق وتبولة وأطباق طعام كثيرة، فوجئنا أنها لم تنسَ أطباقنا المفضلة، لم تمانع حين فتح رشيد زجاجة ويسكى بلاك ليبل، رفع كأس سوسن أميرة العالم كما أسماها، اكتفينا بنصف احتفال، لم تعد سوسن مجنونتنا التى تلهب مناسباتنا القليلة بصولة رقص شرقية، اكتفينا بتقطيع التورتة التى أحضرتها أمى من محلات سلورة فى الجميلية، تحاول استعادة مكانة عائلية قديمة».
تتداعى الحكايات، وتتزاحم الخيبات، الكل يخاف الكل، حتى الزعيم يخاف شعبه، تتجمد الطموحات مثل صقور محنطة، وتتحول الأمنيات إلى بقايا رماد طفلة معوقة فى قارورة زجاجية، براعة الرواية المكثفة فى هذا المزج الواعى بين العام والخاص، فى تعبير الأسرة عن مأساة الوطن، وفى تقديم هجائية لاذعة لدولة القبيلة البوليسية، بوعى وصدق، ودون شعارات.
«لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» رواية كبيرة تهز قارئها من الأعماق، تنقل شخوصها إلى حجرتك، وتشهد على ما فعله الحمقى بالمدن، وما فعلته المدن بعشاقها، وما فعله اللون الأسود باللون الأخضر: «مكبرات الصوت صدئت لكنها ما زالت معلقة مكانها، مكتفية ببث أغانى الحزب الثورية فى مناسبات لا تنتهى، فى السنوات الأخيرة تُسمع كما لو أثناء سيرك مسجلات عتيقة تبث آيات من القرآن الكريم تنبعث من شبابيك شقق فى الحى تشبه القبور، بنيت على عجل بمواد مغشوشة وبيعت مبالغ طائلة لفلاحين فقراء ما زالت حلب تجسد حلمهم بالثراء والعيش المدنى، رغم تحول أكثر من ثلاثة أرباع أحيائها إلى عشوائيات غير صالحة للحياة، انتشرت الجريمة، ملتحون يطاردون بكبت فى وضح النهار أى امرأة ترتدى ملابس قصيرة، يذهبون إلى المحاكم إن قبض عليهم، ويخطبون فى جموع القضاة عن الشرف والانحلال الأخلاقى، وحقهم فى محاسبة المستهترين بتعاليم الدين الحنيف، مهرجان جنون حقيقى، وروائح غريبة، أصبحت حلب مدينة مستباحة لخوف لم يتوقف، مدينة مُعاقبة، تئن تحت رغبات تحت رجال مخابرات ومسؤولين فاسدين لا يتقنون شيئا إلا الولاء، وعقد حلقات الدبكة فى استفتاءات الرئيس التى جعلت جان يكتب لابنه بأنه شعر لأول مرة فى حياته بعار لا حدود له».
يقول خالد خليفة فى روايته: «الأمكنة التى لا تعنينا لا نسمع أنينها»، ولأن وطنه يعنيه، فقد تحولت حكايته إلى قصيدة أنين وحنين للأماكن والجدران والبشر، وما نهاية الانتظار والجمود إلا الموت، ذلك الفعل البسيط «كدلق كأس ماء على أرض جافة».


المصدر




تعيد السوريين إلى زمن الخمسينيات
"لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة".. بئر الذاكرة الحلبية


لا يتفوق خالد خليفة في روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" سوى على نفسه، كروائي، وسيناريست، فبالمقارنة مع روايته "مديح الكراهية" التي يطيل فيها المونولوغ على حساب تماسك السرد، وتسلسل الحكاية، يعود هنا إلى شغفه كسيناريست ليقدم رواية مثيرة في تقنيتها البسيطة من حيث التحكم بعنصر الزمن، فيتلاعب به بما يناسب تخلخل الزمن السوري، الذي يمسك بتلابيب ذاكرة السوريين، عائداً بهم إلى زمن الخمسينيات، كلما أظلم في وجههم واقع الحياة السورية، سياسياً وأخلاقياً، وخاصةً منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وحتى يموت الجد المتقاعد تحت عجلات قطار بضائع بطيء، تتزوج الابنة المعلمة رجلاً ريفياً مخالفةً إرادة الأسرة، الزوج الريفي يهجر زوجته مع عالمة آثار أمريكية تكبره بثلاثين سنة، البنات يتخبطن في حريتهن، فسوسن تشارك في دورة إنزال مظلي في الثمانينيات، ومن ثم تذهب بحالة عشق توازي الإنزال المظلي سقوطاً مع مرافق قائد الدورة، المرافق يتحول إلى تابع لرجل مال في دبي، وحين يتزوج يهجر سوسن، العائلة تتسامح مع الميول المثلية لابنها، أو هكذا بدا الأمر خلال السرد، الابن المثلي موسيقي بارع ووجه من وجوه المجتمع المخملي في حلب، وأخوه الآخر موسيقي بارع يفقد يقينه بمستقبله فيبحث عن آخرته في العمل المسلح تحت راية الجهاد في العراق، لكنه يعود بالندم بعد تجربة مثيرة ومختزلة كان بإمكان خالد خليفة تركيب حكاية كاملة عنها لو أراد، أو إلحاقها ربما بمسلسله الناجح "هدوء نسبي".

تلك بعض من أحداث الرواية الصادرة عن الآداب 2013 للروائي السوري خالد خليفة التي رشحته للمرة الثانية للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في دورتها هذا العام، بعد المرة الأولى التي رشح فيها للقائمة القصيرة للجائزة نفسها في دورتها الأولى عن روايته "مديح الكراهية" عام 2008.




هجرة الريف
تبدأ الرواية من فصل بعنوان "حقول الخس"، التي يعرفها كل من زار حلب قبل أواسط ثمانينيات القرن الماضي، وقبل أن تزحف البنايات المستنسخة عن بعضها لتبنى في مكان حقول الخس، كسكن للريفيين المهاجرين الذي أعادوا استنساخ حياتهم الأولى الأفقية بالسكن في بناء عمودي تغطي شرفاته ستائر بشعة تحجب الرؤية عن هواة التلصص على البيوت.

تقول الأم التي لم تستوعب أن الدكتاتور مات "دم الضحايا لا يسمح للطاغية بالموت" ص9، في إشارة إلى موت حافظ الأسد في 10 حزيران عام 2000.

من هذا الحدث تبدأ الرواية بتقدم الزمن، وصولاً إلى ما بعد احتلال العراق في عام 2003، وبعودات متوترة ينتقيها الكاتب في نوع من الاستطراد، كلما احتاج واقع الرواية إضاءة من الماضي، وهي ذاتها المقدمات المنطقية التي جعلت حلب تُبتلع، وهي: المكان- المدينة- السياسة- الاقتصاد- الثقافة- التاريخ، وهي الرمز البارز في الحياة السورية، هكذا عنوةً، وبمأساوية، تراجعت المدينة النظير لمدينة ليون الفرنسية في صناعة النسيج، إلى مجرد مخزن بضائع كاسدة تعتمد فقط على شطارة تجارها في مقاومة حالة الابتلاع لصالح دمشق واللاذقية.
في عرف النظام، حلب أخطر عليه من دمشق، فسحب البساط من تحت قدمي حاضرها إلى حين، لكن تاريخها التجاري والثقافي ظل يشير إليها كإحدى أهم محطات طريق الحرير، وأهم مدن الشرق التي لم يغفل أحد من الرحالة فرصة زيارتها في طريقه إلى الشرق البعيد في الصين والهند.

اغتيال حلب
يقول خالد خليفة ما يقارب هذه المقولة العمومية شبه المتفق عليها بين الحلبيين ومحبي حلب من زوارها ومن أقام فيها دارساً أو مقيماً لفترة موقتة.

تبدو الرواية مجرد حكاية واقعية تمثلها أسرة حلبية من الطبقة المتوسطة، معيلها معلمة هجرها زوجها مع عالمة آثار أمريكية تعلمت صناعة مربى المشمش من المعلمة فخطفت زوجها وذهبت، غير أن جرعة الدراما في الرواية التي يكتبها خبير سيناريو يكره الخطابة تدل على حجم المرارة التي يريد إيصالها للقارئ البعيد الذي لا يملك خلفية عن حلب الأمس التي كان تجار النسيج وصانعوه فيها يهزون الأسواق بقراراتهم، قبل أن يتحولوا إلى سياسيين "حزب الشعب" فتهتز لهم العاصمة دمشق، وتتردد صدى تحركاتهم في الموصل، بل وتحث الكاريزما الحلبية من خلفهم صانعو قرارات الأمم في الخمسينيات لتشكيل حلف بغداد الشهير الذي قام ولم يقم، لكن أحفاد صانعي ذلك القرار لم ينسوا بعد أن بإمكانهم المحاولة من جديد.

عن حلب تلك يريد خالد خليفة التحدث، لكن دون التشعب في التاريخ الحلبي متعدد الروائح، فاختار أن يثبت أسوأ روائح العهد البعثي المديد، تاركاً لذاكرة القارئ أن تنشر من بئرها روائح الغار الحلبي في أسواقها القديمة، وأن يركب الأجزاء الناقصة التي تتداعى في الذاكرة عند قراءة حكايات إحباطات عائلة حلبية كانت تنظر إلى المستقبل فسحقتها عجلات قطار بطيء.

قصة مُعلنة
يُفترض أن الرواية ليست واقعاً يطابق حكايات عاشها الكاتب، غير أن كم القصص التي يوردها مما أعرفه أنا شخصياً يجعلني أعتقد أن ما أضافه الكاتب على الوقائع الشهيرة قليل القليل، لكن تلك الوقائع المتجاورة، المتواشجة، المتنافرة، والتقنية التي أخرجها بها، هي ما تحسب للكاتب، وبديهي أنْه "كيف نقول الأشياء هو أهم من الأشياء نفسها".

كان لابد لكل تلك الأحداث من نهاية روائية مفجعة ليس لها عواقب، وأي شيء أشد وقعاً من الموت أثراً على أشقاء عاشوا حياة لا طول لها ولا حول "وقبل نهوضي إلى سريري سمعت نزار يقول بهدوء: رشيد يريد أن يموت، كأنه يقول لي ببساطة أن أتدفأ بشكل جيد، فبرد كانون ينخر العظام، كان يعرف بأنه سيموت، وانتظر الفجر كي يتأكد بأن رفيق عمره ربط الأنشوطة بشكل جيد" ص255.

وأتم الكاتب روايته في ربيع 2013، وبدأها في خريف 2007، وتثير أماكن الكتابة (دمشق- أيوا- هونغ كونغ) ملاحظة إضافية إلى جانب الذاكرة المديدة للكتابة الموازية لزمن أحداث الرواية، إذ تبدأ بخريف وتنتهي بربيع، لعلها مجرد مصادفة أن تكون كُتبت بين خريف وربيع، دون أن نغفل أن الكاتب تمنى، في لا وعيه على الأقل، أن الحدث التراجيدي لبئر حلب آن له أن ينضح مائه الصافي.
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save

التعديل الأخير تم بواسطة معرفتي ; October 6, 2014 الساعة 11:31 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة ، رواية ، خالد خليفة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صدور رواية "لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة" عن دار "عين" FARES_MASRY الأخبار الثقافية وعروض الكتب 0 August 8, 2013 02:01 PM
مطابخ بنفسجية اللون،ديكورات مطابخ بنفسجية،مطابخ جميلة ReeMi الفنون الجميله 0 August 7, 2013 11:05 AM
كيف ترتدين اللون الأسود بأناقة رمز الهدوء مجلة المرأة والموضه 2 June 27, 2012 01:00 AM
أناقة المنزل تأتي مع اللون الأسود فتحي الدريدي الفنون الجميله 1 March 11, 2009 10:40 AM
*فخامة اللون الأسود* سحرالأنوثة الفنون الجميله 21 October 24, 2008 03:24 PM


الساعة الآن 02:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر