فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم April 6, 2013, 01:59 AM
 
Smile مشاهد من ثورات المصريين من الحملة الفرنسية «2».. فلاحو الدلتا يقاومون الاحتلال - أبو غازي


مشاهد من ثورات المصريين من الحملة الفرنسية «2».. فلاحو الدلتا يقاومون الاحتلال

عماد أبو غازي
نشر فى : الجمعة 29 مارس 2013 - 8:00 ص
جريدة الشروق المصرية


منذ اللحظة التى وطأت فيها جيوش بونابرت أرض مصر اشتعلت نار المقاومة ضد الغزاة ولم تخمد طوال السنوات الثلاث التى قضتها الحملة الفرنسية فى مصر.



كانت قوات الحامية العثمانية قد انهزمت وغادرت البلاد، كذلك فشل أمراء المماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك فى التصدى للحملة؛ فانتقل عبء المقاومة إلى الشعب المصرى الذى حُرّم عليه حمل السلاح لقرون. عماد أبوغازى

لقد انسحب إبراهيم بك بقواته إلى الشرقية ومنها إلى الشام، وتراجع مراد بك إلى الصعيد ليحتمى به ويناوش الفرنسيين منه، وأصبحت القاهرة والدلتا خالية من أية قوات نظامية يمكنها التصدى لحملة بونابرت، وقد تصور القائد الفرنسى المظفر أن انتصاره على العثمانيين والمماليك سيكفل له استقرار الأمور فى مصر، أو على الأقل فى القسم الأكبر منها.

وكان المنشور الذى أصدره بونابرت باللغة العربية ووجهه إلى أهالى مصر يدعوهم فيه للتعاون مع الفرنسيين ويحذرهم من مغبة معارضتهم يسبق قواته فى كل مكان تتوجه إليه، وقد جاء فى هذا المنشور الذى سجل نصه المؤرخ المعاصر للأحداث عبد الرحمن الجبرتى:

«جميع القرى الواقعة فى دائرة قريبة بثلاث ساعات عن المواضع التى يمر بها عسكر الفرنساوية، فواجب عليها أن ترسل للسر عسكر من عندها وكلاء كيما يعرف المشار إليه أنهم أطاعوا، وأنهم نصبوا علم الفرنساوية الذى هو أبيض وكحلى وأحمر. وكل قرية تقوم على الفرنساوية تحرق بالنار، وكل قرية تطيع العسكر الفرنساوى أيضا تنصب صنجق السلطان العثمانى محبنا دام بقاؤه».

بعد هذا التحذير وبعد هزيمة القوات النظامية فى مصر بدأ بونابرت يخطط لنشر قواته فى أنحاء الدلتا المختلفة، فعين لكل منطقة قائدا، وأوفد هؤلاء القادة على رأس قوات عسكرية من الخيالة والمشاة للسيطرة على أنحاء البلاد المختلفة.

كانت المشكلة الأساسية التى تواجه قوات بونابرت هى نقص الجياد اللازمة لفرق الخيالة، فاتجه إلى جمعها من قرى الدلتا، وكان أسوأ ما توقعته قيادة الحملة امتناع الفلاحين المصريين عن إمداد القوات بالخيول التى تحتاج إليها، لكنهم لم يتوقعوا أبدا أن تلقى هذه القوات مقاومة مسلحة من المصريين؛ وقد وجه بونابرت رسالة إلى قواده المتوجهين إلى الدلتا تضمنت تعليماته بخصوص أسلوب التعامل مع المصريين، جاء فيها:

«اصدروا أوامركم بأن تقدم لكم كل قرية جوادين من خير الجياد، وأيما قرية لم تفعل ومضت خمسة أيام من إعلانها بالأمر ضربت عليها غرامة ألف ريال، وإن هذه هى الطريقة الفعالة للحصول على خمسمائة من الجياد تسد من حاجتكم، وعليكم عند طلب الخيل أن تطلبوا كذلك عدتها من الركاب واللجام لتتوافر لكم فى الحال فرقة من الخيالة، فإنها الوسيلة الوحيدة لإخضاع هذه البلاد».

لكن واقع الحال كان غير ما توقع بونابرت، ففى مساء الخامس من أغسطس سنة 1798 تحرك الجنرال فوجيير متوجها إلى الغربية التى عينه بونابرت قومندانا عليها، وتوجهت القوات الفرنسية إلى منوف أولا، واستقرت فيها حتى الثالث عشر من أغسطس، حيث خرجت منها إلى الغربية، وإلى الشمال من منوف وبعد مسير ساعة واحدة اصطدمت القوات الفرنسية بأول حركة للمقاومة الشعبية فى الدلتا عند قريتى غمرين وتتا؛ فقد ثار أهالى القريتين وحملوا السلاح وأغلقوا الطريق فى وجه القوات الفرنسية، وبدأوا فى الاشتباك معها، ولما عجز الجنرال فوجيير عن مواجهة الأهالى بقواته أرسل يطلب العون والمدد من زميله الجنرال زايونشك قومندان المنوفية الذى كان قد استقر بقواته فى منوف.

ووصلت الإمدادات من منوف، وحاولت القوات الفرنسية تطويق القريتين وإخضاعهما، لكن الأهالى قاوموا مقاومة شديدة، خاصة أهالى قرية غمرين، وبعد ساعات من القتال غير المتكافئ بين جيش عصرى حديث مسلح بالمدافع والبنادق، وفلاحين يحملون العصى والفئوس وقليلا من الأسلحة النارية، نجحت القوات الغازية فى اقتحام القريتين، لكن الأهالى ظلوا يقاومون الغزاة فى طرقات قرية غمرين ويدافعون عن بلدتهم حتى غطت جثث القتلى شوارع القرية.

ويصف الكابتن فيروس أحد ضباط القوة الفرنسية معركة غمرين فى رسالة بعث بها إلى الجنرال كافاريللى قائلا:

«جاءنا المدد وتعاونت الكتيبتان على مهاجمة قرية غمرين؛ فأخذنها عنوة بعد قتال ساعتين، وقتلنا من الأعداء من أربعمائة إلى خمسمائة بينهم عدد من النساء كن يهاجمن جنودنا بكل بسالة وإقدام».

لقد انتهت المعركة غير المتكافئة باستشهاد مئات من الفلاحين والفلاحات من أبناء قريتى غمرين وتتا مقابل قتل وجرح عدد قليل من قوات جيش الاحتلال، لكن دلالة المعركة كانت أهم من نتائجها بكثير، فقد كانت المرة الأولى منذ سنوات طوال التى يخرج منها الفلاح المصرى حاملا فأسه ليشق به رأس المعتدى المحتل بدلا من أن يشق به أرضه ليزرعها. كما كانت المرة الأولى منذ مئات السنين التى تعود فيها الفلاحة المصرية إلى ساحة المقاومة المسلحة جنبا إلى جنب وكتفا بكتف مع الفلاح المصرى.

كانت المعركة درسا للغزاة الفرنسيين عرفوا منها أن حملتهم على مصر ليست نزهة سهلة يتحقق النصر فيها بمجرد هزيمة العثمانيين والمماليك، بل إن هناك شعبا يقاوم ويحارب حتى ولو كان سلاحه العصى والفئوس.

وهذه شهادة ضابط فرنسى على المقاومة فى الدلتا:

«كان الجنود يعملون على إخماد الثورة بإطلاق الرصاص على الفلاحين وفرض الغرامات على البلاد، لكن الثورة كانت كحية ذات مائة رأس، كلما أخمدها السيف والنار من ناحية ظهرت من ناحية أخرى أقوى وأشد مما كانت، فكأنها كانت تعظم ويتسع مدادها كلما ارتحلت من بلد إلى آخر».

لقد كان انتقام الفرنسيين من أهالى قريتى غمرين وتتا شديدا، فلم يكتف الغزاة بقتل خمسمائة من رجال ونساء القريتين، بل قاموا بإحراقهما، لقد كان هدف الفرنسيين من إحراق القريتين عقاب أهلهما على مقاومتهم للحملة من ناحية، وترويع المصريين من ناحية أخرى حتى لا يحذو حذو أهل القريتين فى المقاومة.

لكن هل نجح الفرنسيون فى إخماد جذوة الثورة؟

لم ينجح أسلوب القمع والإرهاب فى القضاء على المقاومة المصرية فى الدلتا، لقد كانت الحملة الفرنسية هى التى استنفرت شعورا كامنا لدى الفلاح المصرى ظل مكبوتا لسنوات وسنوات فجَّره مجىء الحملة، وظلت المقاومة مشتعلة طوال السنوات الثلاث التى عاشتها الحملة فى مصر، ولم تؤد الإجراءات الانتقامية فى غمرين وتتا إلى إخماد المقاومة بل على العكس زادتها اشتعالا، فبعد أسابيع قليلة ثارت مدينة طنطا أثناء الاحتفال بمولد السيد البدوى، وكاد الثوار يفتكون بالقوات الفرنسية، لكن قوة النيران الفرنسية كانت عادة ما تحسم المعركة لصالحهم.

وفى هذه المرة حاول بونابرت أن يجرب أسلوبا آخر فى التعامل مع الثوار، حيث خشى من تطبيق أسلوب العقاب الجماعى والانتقام بإحراق المدن مع مدينة مثل طنطا تحوى مزارا روحيا مهما لدى المصريين، أعنى مقام السيد أحمد البدوى القطب الصوفى الكبير.

ويقول بونابرت فى رسالة موجهة إلى قائد قواته فى الغربية عقب إخماد ثورة طنطا فى أكتوبر سنة 1798:

«لقد علمت بمزيد الأسف ما حدث فى طنطا، على إنى راغب فى احترام هذه المدينة، وأعتبر تخريب هذا المكان المقدس فى نظر الشرق كارثة كبرى، على أنى أكتب إلى أهالى طنطا، وسأطلب من الديوان العام أن يكتب إليهم، وإنى راغب فى أن تنتهى الحادثة بالمفاوضة على صلح ووئام».

لكن مثلما فشل حرق القرى والعقاب الجماعى، فشل أيضا أسلوب المهادنة فى إخماد ثورات المصريين ضد الحملة الفرنسية.

المصدر
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقالات ، عماد أبو غازي ، الشروق ، تاريخ ، ثورات ، الثورة المصرية ، مقالة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مشاهد من ثورات المصريين زمن الحملة الفرنسية (3)الدقهلية تنتفض ضد الفرنسيين - عماد أبو غازي معرفتي مقالات الكُتّاب 0 April 6, 2013 01:49 AM
الحملة الفرنسية على الجزائر 1830م عبد الغني28 كتب التاريخ و الاجتماعيات 4 February 8, 2012 12:28 AM
اسمرار الحلمة / سواد الحلمة / اغمقاق لون الحلمة / تغير لون الحلمة في فترة الحمل أبتسامات امومة و طفولة 0 May 26, 2010 11:27 AM


الساعة الآن 08:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر