فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم May 31, 2011, 07:17 PM
 
المرأة التي ابكت الرجال (اهدا للثورة السورية )



الا هداء
الي شعب سوريا الحر
الي الثورة السورية
الي العضوة السورية بالمنتدي حنين الاقصي
000000
اما من مجد الاسد يوما ما واتهمه بالشجاعة لاهديه هذا الموضوع
.............
..........
....





الأم الشهيدة، ثانية بنات الداعية الإسلامي الشيخ علي طنطاوي ، ولدت في سوريا الفيحاء، نبتت نباتاً حسناً، وتربت في بيت العلم والفضيلة على العفّة والطهارة والحياء، وتتلمذت على أبيها، الذي تميز بالعطاء المتواصل طوال ستين عاما في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والقضائية والاجتماعية، وأسهم في التوعية الإسلامية، ورد الشبهات، ونقض الافتراءات، وتفرد بالإبداع في مناهج القول، واستقت من معارفه، وتثقّفت على كتب التراث والأدب، تزوّجت من الأستاذعصام العطار المراقب العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، الذي ضيّق عليه النظام السوري في أعقاب استيلاء البعث على السلطة 8/3/1963 واضطهده، فكانت كلّما طرقوا دارها وانتزعوا زوجها ليلقوه في غياهب السجون، وقفت بجرأة وشموخ أمام كلّ الإجراءات القمعيّة التعسّفيّة إلى جانب الحق والقوّة والحريّة التي بشّر بها زوجها .


يروي الدكتور أحمد البراء الأميري ابن الشاعر الإسلامي الكبير عمر بهاء الأميري في مقالة منشورة له بعنوان: (امرأة تُبكي الرجال!): كنت أزور والدي في السجن وكانت الأخت بنان تزور زوجها في سجنه بعد أن اعتقله النظام الحاكم، فسمعتها تقول لزوجها " يا عصام، أنا والأولاد بخير وسلامة، فلا تقلق علينا، كن قويا كما عرفتك دائما ولا ترِ هؤلاء الأنذال من نفسك إلا قوة وصلابة واستعلاء الحق على الباطل" كانت تتجلد وتصبر نفسها أمامه، لتربط على قلبه، وكم بحاجة هي لمن يربط على قلبها.

وهاجرت معه بعد منعه من دخول سوريّة بعد تأديته مناسك الحج ، وأقامت إلى جانبه سبعة عشر عاماً من التشرد والغربة، قبل أن ينفّذ القتلة جريمتهم المدبّرة، وأخذت تبشّربالاسلام عقيدة وشريعة، وتدعو بنات جنسها إلى التمسك بقيمالاسلام والالتزام بمبادئه، وعلى يديها التزم العديد من السيّدات بالدين الحق، وكان (المركز الإسلامي النسائي للمسلمات) الذي أنشأته في مدينة آخن الألمانيّة منارة إيمان وصحوة في ديار الاغتراب .
كانت نموذجا يحتذى وقدوة لنساء عصرها، أليست هي المرأة التقيّة النقيّة الصالحة التي وقفت مع الدعوة، وعاشت رحلة الاغتراب، وربّت أبناءها على حب الإله والعمل الصالح، وختمت حياتها بالشهادة.

وتستعيد الابنة الصالحة هادية العطار سيرة والدتها الشهيدة فتكتب قائلة: كانت أمي رحمها الله تعالى تُكْثِر من قراءة القرآن، وتكثر من الدعاء، وكانت تقرأ بفهمٍ وتدبّر، وخشوعٍ وتأثّر، وكنّا نراها أحياناً وهي مستغرقة في تلاوة القرآن، فنرى الدموع تفيض من عينيها على خَدّيها وصدرها.

وكانت حريصة على سلامة موقف زوجها لأنّها أدركت أنّ الرجل موقف، وأن انحراف القائد وتنازله عن ثوابت عقيدته انحراف أمّة وتخاذل شعب بأكمله، فوقفت تشدّ أزره وتدعوه للثبات والصبر.

وفي إحدى رسائلها لم تنس تذكيره بدعوته، فها هي تقول له: نحن لا نحتاج منك لأي شيء خاص بنا، ولا نطالبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يرضي الله عز وجل، وبمتابعة جهادك الخالص في سبيل الله حيثما كنت وعلى أي حال كنت، والله معك يا عصام، وما يكتبه الله لنا هو الخير.
وعندما أصيب زوجها (أطال الله عمره ومتعه بالصحّة) بالمرض، لم تتخل عنه ووقفت معه في محنته، وكانت تقول له: لا تحزن يا عصام، إنك إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا، تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكلته وآمنت به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك - إن اضطررنا- الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام.

وكانت أديبة مثقفة، تتقن فن القول، نشرت العديد من المقالات في الصحف والمجلات الإسلاميّة، وكانت تؤمن بأنّ للمرأة دوراً اجتماعيّاً وثقافيّاً لا يقل أهميّة عن دور الرجل، ومهمة دعويّة مؤتمنة عليها، إلى جانب دورها الطبيعي في رعاية الأسرة وتربية الأجيال، وصدر لها كتاب: (دور المرأة المسلمة).

وفي السابع عشر من آذار سنة واحد وثمانين وتسعمائة وألف، كانت بنان على موعد مع الشهادة، اقتحم المجرمون شقة جارتها (الألمانيّة) وأجبروها على أن تحدثها في الهاتف أنها قادمه لزيارتها، حينها فتحت "بنان" الباب فاقتحم ثلاثة من القتلة المأجورين منزلها بمدينة آخن الألمانيّة، وعندما لم يجد القاتل زوجها المعارض للنظام لتنفيذ جريمته، أطلق القاتل الجبان عليها خمس رصاصات، أصابتها في العنق، وفي الكتف، وفي الإبط، فسقطت مضرجة بدم الشهادة.

يستعيد الشيخعلي طنطاوي (رحمه الله) ذكرى مقتل أبنته في مذكراته والدمع يملأ مآقي عينيه والخفقان يعصف بقلبه الجريح فيقول:
إن كل أب يحب أولاده، ولكن ما رأيت، لا والله ما رأيت من يحب بناته مثل حبي بناتي... ما صدّقت إلى الآن وقد مر على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة وأنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت، إنني أغفل أحيانا فأظن إن رن جرس الهاتف، أنها ستعلمني على عادتها بأنها بخير لأطمئن عليها، تكلمني مستعجلة، ترصّف ألفاظها رصفاً، مستعجلة دائما كأنها تحس أن الردى لن يبطئ عنها، وأن هذا المجرم، هذا النذل .... هذا .......يا أسفي، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدّد الجارة (الألمانيّة) بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئن فتفتح لها، ثم اقتحم عليها، على امرأة وحيدة في دارها فضربها ضرب الجبان والجبان إذا ضرب أوجع، أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها وفي وجهها، ما هربت حتى تقع في ظهرها كأن فيها بقية من أعراق أجدادها.
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدما


ويواصل الشيخ وصف الجريمة فيقول: ثمّ داس القاتل بقدميه النجستنين عليها ليتوثّق من موتها كما أوصاه من بعث به لاغتيالها، دعس عليها برجليه ليتأكد من نجاح مهمته، قطع الله يديه ورجليه، (آمين) لا بل ادعه وأدع من بعث به لله، لعذابه، لانتقامه، ولعذاب الآخرة اشدّ من كل عذاب يخطر على قلوب البشر.

وفي اليوم الثاني للجريمة طلعت الصحف والمجلاّت الألمانيّة على الملأ تصف جريمة الاغتيال المدبرة وصفاً صادقاً وعطوفاً، وألقي القبض على الجاني، فانهار واعترف بجريمته، وأدلى بمعلومات في غاية الأهميّة عن الجهة التي أرسلته لتنفيذ ما أقدم عليه.

وكان أشد الناس حزناً عليها زوجها الشهيد الحي الذي فدته بروحها، فرثاها بقصائد باكية رقيقة، جمعت في ديوان: (رحيل) ومنه هذه الأبيات:
بنان" ياجبهةَ الإسلام دامية

مازال جرحك في قلبي نزيفَ دمٍ

"بنان" ياصورة الإخلاص رائعةً

ويا منال الفِدى والنبل والكرم

عشنا شريدين عن أهلٍ وعن وطنٍ

ملاحماً من صراع النور والقيم

الكيد يرصدنا في كل منعطفٍ

والموت يرقبنا في كل مقتحم

ومضت سنوات طوال وذكرى اغتيال الشهيدة بنان حي في ضمائر الأحرار، لأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون.

[/gdwl]

تابع
__________________
عبد الرحمن
رد مع اقتباس
  #2  
قديم May 31, 2011, 07:33 PM
 
رد: المرأة التي ابكت الرجال (اهدا للثورة السورية )


زوجتي بنان علي الطنطاوي





بقلم الأستاذ عصام العطار

مضى في هذا اليوم 17-3-1981م ثمانية وعشرون عاماً على استشهاد زوجتي بنان علي الطنطاوي « أم أيمن » رحمها الله تعالى

ثمانيةٌ وعشرون عاماً مضت على غيابِ هذا الكوكبِ الذي أضاءَ حياتي وحياةَ أُسْرتي في أحلك ليالي الغُربة والتشرّد والخطر والمرض ، وأضاء لمن كان حولنا حيثما سَرَيْنا في الأرض .

ثمانية وعشرون عاماً مضت على فراق زوجتي وحبيبتي وصديقتي ورفيقة دربي ، وسَنَدي وعَوْني حيث لا سندَ ولا معينَ إلاّ الله

ثمانيةٌ وعشرون عاماً مضت على رحيل هذه المسلمة العظيمة والزوجة العظيمة والأُمّ العظيمة والإنسانة العظيمة .. لم تحمل في قلبها وفكرها هموم بلدها وأهلها وأخواتها وإخوتها فحسب ، بل حملت مع ذلك هموم عالمها العربيّ والإسلامي ، وهموم الإنسانية والإنسان أَنَّى كان هذا الإنسان ، وفاضت في قلبها الرحمة فشملت سائر المخلوقات ، وكم رأيتُها تبكي لمآسي ناس لا نعرفهم في بلاد لا نعرفها ، وكم سمعتها تُذكِّر في أحاديثها ودعوتها إلى تعارف الشعوب وتراحمها وتعاونها على الحق والعدل والخير ، بقول الله عزَّ وجلَّ لرسوله الكريم : ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء : 107] وقول الرسول r : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ تبارك وتعالى . ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ ... » رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ، وقول الله تبارك وتعالى : ) ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... ( [المائدة : 2]

لم تكن الأخوةُ الإنسانيةُ والمسؤوليةُ الإنسانيةُ وعالميةُ الإسلام عندها مجرَّد شعارات أو كلمات ؛ ولكنها كانت حقيقةً راسخةً مُؤَثّرةً في الفكر والشعور ، والضمير والسلوك


وكانت -رحمها الله- تعرفني وتفهمني وتُحِسُّ بي إحساساً عجيباً كأنها تسكن في داخلي ، وتعيش معي مشاعري وخواطري ، ولو لم أنبس ببنتِ شفة . كانت تستطيع بنظرةٍ واحدة خاطفة أن تستشفّ ما يدور في خَلَدي ، وأن تعرف -مهما كنتُ عادِيَّ الْمَسْلَك ، هادئَ المظهر -إن كنت في أعماق نفسي حزيناً أو مسروراً ، مشغول البال أو مطمئن النفس ، وكانت وهي شريكةُ حياتي كلِّها تستطيع أن تُقَدّر دون سؤال أسبابَ ما أنطوي عليه من سرور أو حزن ، ومن طمأنينة أو قلق ، وما كان أقدرَها عند ذلك على أن تحيطني من محبتها وفهمها ومشاركتها الوجدانية العميقة الصادقة في ظروفنا المختلفة الصعبة بكلّ ما يُسَرّي عن النفس ، ويُجدّدُ العزمَ والنشاط ، ويعين على متابعة الطريق مهما كانت المصاعب والظروف


كانت -رحمها الله- قادرة رغم حساسيتها الشديدة ، وتأثُّرِها الشديد ، بكلّ ما يعرض لنا ، أو ينـزل بنا ، قادرةً على أن تَسْتَنْبِتَ أزاهيرَ سُرورٍ في أراضي الأحزان ، وتُوَفِّرَ لنا لحظاتِ مُتَعٍ بريئةٍ في زحمة الواجبات والأعمال ، وأن تُحَوِّلَ غُرَفاً حقيرةً سكناها إلى ما هو أحلى من قصور ، وأن تجعلَ سعادةً غريبةً تسكنُ معنا وتعيش بيننا حيثُ سَكَنّا من البلدان ، وكثيراً ما شعرنا في غُرَفِنا الحقيرة بهذه السعادة الغامرة ، وبِنَشْوَةِ الاستعلاءِ على الشدائدِ والمغرياتِ في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، فردَّدْنا أو أنشدنا -بنان وأنا وطفلانا الصغيران : هادية وأيمن- فُرادَى ومُجتمعين هذه الأبياتَ القديمة الرائعة التي كانت وما تزال تهزّنا هزّاً ، والتي كانت تُعَبّرُ وما تزال تُعَبّرُ عنّا وعن حالِنا وخيارِنا الجميل النبيل الأليم :

فإن تكُنِ الأيّامُ فينا تَبَدَّلَتْ *** بِبُؤْسَى ونُعْمَى والحوادثُ تفعَلُ
فَمَا لَيّنَتْ مِنّا قناةً صَليبَةً*** وَلا ذَلَّلَتْنا لِلَّتي لَيْسَ تَجْمُلُ
ولكنْ رَحَلْناها نُفوساً كَريمةً *** تُحَمَّلُ ما لا يُسْتطاعُ فَتَحْمِلُ

.................................................. ...................

نعم ، لم نكن دائماً في طباعنا ورغباتنا وآرائنا وخياراتنا في أمور الحياة المختلفة صورةً واحدةً لا نختلفُ أبداً في حُبٍّ أو كُرْه ، وفي تقويم أو حُكْم ، وفي رَأيٍ أو خيار .. ولكن لم يكن يطولُ أو يشتدُّ بيننا خِلافٌ إن حصل -ونَدَرَ ما كان يحصل- بيننا خلاف ، فالبواعثُ في حياتنا واحدة ، والمنطلقاتُ واحدة ، والغايةُ واحدة ، والأهدافُ واحدة ، والمقاييسُ والموازينُ واحدة ، والحبُّ العميقُ المتجدِّدُ لا يَنْضَب ولا يضعف ، والإعجابُ والتقديرُ والعرفانُ يزدادُ يوماً بعد يوم

كانت إذا أحَسّتْ في نفسها ، أو أحَسّتْ منّي في حِوارِنا ونقاشِنا في بعض الحالاتِ النادرةِ بَوَادِرَ زَعَلٍ أو غضب لم تسمح لهذا الحوار والنقاش أن يستمرَّ ويشتدّ ، وانفردتْ بنفسها ساعةً تطولُ أو تقصر تقرأ القرآن -كما تَعَوَّدَتْ- بقلبها وعقلها ولسانها ودموعها .. ثم تنهض أَهْدَأَ ما تكونُ حالاً ، وأرضى ما تكونُ نفساً ، وأكثرَ ما تكونُ انشراحاً ونشاطاً .. « لِلّهِ هذه المرأةُ المسلمةُ ما كان أَوْثَقَ ارتباطَها بكتاب الله عزَّ وجلَّ ، كان القرآن العظيم حقيقةً لا كلاماً ولا وهماً ربيعَ قلبِها ، ونورَ صدرِها ، وجَلاءَ حُزنِها ، وذَهابَ همّها .. كان القرآن حياتها وباعِثَها ، ودليلَها وهاديها في مختلف مشاعرها ومواقفها وخطواتها ، وكان حِصْنَها الحصين ، وملجأها الأمين ، عندما كانت تُطْبِقُ علينا في بعض أيامنا الظلمات ، وتعصفُ حولَنا العواصف ، وتطرُقُ أبوابَنا المخاوفُ والمخاطر ، فلا يكونُ أحدٌ في الدنيا أكثرَ مها وهي تعتصم بالإيمانِ والقرآنِ طُمَأْنينةً وأمناً ، ولا قدرةً على الثبات والصبر ، وعلى تحدّي الطاغوتِ ولو ملأ بطغيانه الدنيا » .


قلت قبل قليل : كانت بنان -رحمها الله تعالى- إذا أحسّتْ في نفسها ، أو أحست منّي في حوارنا ونقاشنا بوادرَ زَعَلٍ أو غضب لم تسمح لهذا الحوار والنقاش أن يستمرّ ويشتدّ ، وانفردتْ بنفسها ساعةً تطولُ أو تقصر تقرأُ القرآن -كما تعَوّدتْ- بقلبها وعقلها ولسانها ودموعها .. ثم تنهض أهدأ ما تكونُ حالاً ، وأنعمَ ما تكون بالاً ، وأوفرَ ما تكونُ انشراحاً ونشاطاً ، ولا نستأنفُ ما كنّا فيه من حِوارٍ ونقاش ؛ ولكنها تكتبُ إليَّ قبلَ أن ينصرمَ النهارُ ، ويَنْسَدِلَ الظلامُ رسالةً فيها ما يشاءُ المحبون الصادقون من رِقّةٍ وعاطفةٍ وأناقةٍ وجمال .. رسالةً مِلْؤها الحبُّ والعرفانُ وشُكْرُ الله عزَّ وجلَّ على ما أنعم به علينا من الإيمان والطاعة والمحبة والسعادة ، ومن سائر النعم ، ثمّ تعرضُ عرضاً موضوعيّاً أميناً ما دار بيننا من حِوارٍ ونقاش ، وما اتفقنا عليه أو اختلفنا فيه ، وتشرحُ وجهةَ نظرِها بهدوء ووضوح واختصار ، ثم تترك في نهاية الرسالة الأمر إليّ أختار فيه ما أراه ، وأنا أختار عادةً في أمورنا الخاصة ما تختاره هي ، فإذا تعلّق الأمرُ بواجب من الواجبات ، أو بما يجرُّ نفعاً أو ضرراً لآخرين ، عاودنا الجلوس والحوار والنقاش بهدوء وانبساط واستيعاب ، وانتهينا فيه إلى اتفاق على ما نراه صواباً أو أقرب إلى الصواب
***********************************

وكتابة الرسائل عند « أم أيمن » رحمها الله إلى زوجها عادةٌ من أرسخ العادات عندها وأجمل العادات وأنفع العادات ؛ فهي تكتب إليّ ونحن نعيش في بيت واحد ، ونتحدّثُ ما شئنا الحديثَ في أيِّ ساعةٍ من ساعات الليل والنهار في أيِّ أمرٍ من الأُمور كَبُرَ أو صَغُرَ بشغف وبعفوية وبساطة دون أيّ تكلّف أو حرج ؛ ولكنها مع ذلك تكتب إليّ .. تكتب لتعبّر بأسلوبٍ بليغ ساحر عن أعمق أعماق نفسها ، وعن أَدَقِّ أحاسِيسِها ومشاعرها .. عن محبتها الغامرة لزوجها وطفليها وأهلها .. عن حنينها الدائم للشامِ وأحبابِنا في الشام ومَدارجِ طفولتِنا وشبابِنا وذكرياتنا في الشام .. عن مآسي العرب والمسلمين والإنسانية والإنسان ، وعن همومهم ومآملهم في كلّ مكان .. وعن واجباتِنا الكبيرةِ الكبيرةِ التي يجب علينا أن ننهضَ بها ، ونكرّسَ لها حياتنا كلَّها حيثما كُنّا من الأرض



هذه الرسائل التي كتبتها بنان بقلبها وفكرها ، وأحاسيسها ومشاعرها ، وثقافتها وتجربتها ، وآمالها وأحلامها .. هذه الرسائل كنـزٌ إسلاميٌّ إنسانيٌّ أدبيٌّ لا يقدّر بثمن ؛ ولكنني أضعت هذا الكنـز وا أسفاه ، أضعتُه أو سُرِقَ مني مع ما ضاع أو سُرِقَ من أوراقيَ الأُخرى ، عندما فُرِضَ عليَّ فَرْضاً من سلطاتٍ ألمانية ألاّ أستقرّ في مكان ، فهناك -كما قالوا- قتلةٌ مسلّحون يقتفون أثري ، ويريدون قتلي ، فيجب أن يتغيّر عنواني وسَكَني باستمرار ..
قلت لهم :
- دعوني أُقْتَل فأنا لا أخافُ القتلَ ، ولا أرهبُ الموت ، ولا أُحَمِّلُكُم ولا أُحَمِّلُ أحداً غيري مسؤولية ما يصيبني
قالوا :
إنّ وجودك في مكانٍ دائم يُهَدِّدُ حياةَ غيرك من السكّان وينشُرُ القلقَ والفزع في الشارع الذي تسكن فيه ، ويصنع كذا وكذا وكذا من الأخطار والأضرار ، فلا بدّ لك -كما طلبنا- من تغيير عنوانك وسكنك باستمرار!
وجمعتُ أوراقاً مهمةً لي ، أثيرةً عندي ، ومن أهمّها رسائل أم أيمن القديمة والحديثة ، ووضعتُها مع المصحف الشريف في حقيبة خاصّة ، وأسلمت نفسي لقضاء الله وقدره
سَنَةٌ ونصفُ السنة ، لا يكادُ يستقرُّ جنبي في بلد أو سَكَن حتى يُقالَ لي : إرحلْ فقد عرف مكانك! إرحلْ .. إرحلْ .. إرحلْ ، وفي هذا الرحيل المتواصل في الصيف وفي الشتاء ، وفي الربيع والخريف ، بين مدنٍ وقُرىً ، وفنادقَ ومنازلَ منقطعة عن العمران ، يباعد بعضَها عن بعضٍ أحياناً مئاتُ الكيلومترات ، وأنا مُتعَبٌ مُرْهَقٌ مَريضٌ مَريض .. في هذا الرحيل المتواصل فُقدَتْ منّي -أو سُرِقت مني- أوراقي وفيها .. وفيها .. وفيها رسائِلُ أم أيمن رحمها الله ، وكلماتٌ من كلماتها ، فلم يبقَ لي إلاّ بعضُ رسائل وكلمات سبق نشرها أو نُسِخَ منها من قَبْلُ نُسَخٌ أُخرى




يا قرائي الأعزاء
ما أحبتْ زوجةٌ زوجَها أكثرَ ممّا أحبتْ بنانُ زوجَها
وما فهمتْ زوجةٌ زوجَها أكثرَ ممّا فهمت بنانُ زوجها
وما أعانت زوجةٌ زوجَها أكثرَ ممّا أعانت بنانُ زوجَها
وما تعبت زوجة بزوجها ، ولا ضَحّت زوجة من أجل زوجها أكثرَ ممّا تعبت وضحت بنان


وما شاركت زوجة زوجها في النعماء والبأساء ، والسرّاء والضرّاء ، واليُسر والعُسر ، والصحة والمرض ، والأمن والخوف ، والغربة والوطن بقلبها وفكرها وكلِّ كيانها وطاقاتها ، وآثرتْ زوجَها على نفسها في مختلف ظروفها وحالاتها أكثر من بنان


لقد امتزجتْ حياتُها بحياتي قَلْباً وفكراً ، ورؤيةً وأملاً ، وإرادةً وعملاً .. كان قلبي ينبضُ في صدرِها فَتُحِسُّ ما أُحِسّ ، وتطلبُ ما أطلب ؛ وكان قلبُها ينبضُ في صدري فأُحِسُّ ما تُحِسُّ وأهفوا إلى ما إليه تهفو ، فكأننا في معظم أمورِنا شخص واحد : إذا تكلمتْ -كما يعرف ذلك كلُّ من صَحبنا أو عَرَفَنا أو سَمِعَنا- فالروحُ روحي ، والنّبْرَةُ نَبْرَتي ، واللهجةُ لَهجتي ؛ وإذا كتبتْ فاللغةُ لُغتي ، والأسلوب أسلوبي ؛ فما يُفَرِّقُ بين ما أكتُبه أو تكتبه إلاّ ذَوّاقَةٌ خبير


يَخْطُرُ لي أحياناً خاطرٌ مفيدٌ أو طريفٌ أو جميل ، وأهمُّ بأن أُكاشِفَها به ، فَأُفاجَأُ بأنّهُ قد خطرَ لها مثلي ، فهي تتحدّثُ إليّ به قبلَ أن تَسمع مِنّي


وأفكّرُ في عملٍ واجبٍ نافع ، فإذا هي تلفتني إلى مثلِ هذا العملِ الواجبِ النافعِ ، وما نبستُ بشأنه بحرف ، ثمّ إذا هي تُسابقني إليه وتَسبقني في الحماسةِ والتخطيط والتنفيذ ، وتَبْسُط يدَها المحبّةَ الحانيةَ لزوجِها المريض لِتعينه على أداء الواجبِ ومُتابعةِ الطريق

هذه لمحةٌ خاطفة -لمحةٌ خاطفة فقط- من « بنان » وحياتي مع بنان

هذه لمحة خاطفة فقط من حياتي مع زوجتي الشهيدة التي اغتالوها ظُلْماً وغَدْراً على عَتبةِ بيتِنا في آخن
هذه لمحةٌ خاطفةٌ من حياتي مع زوجتي العظيمة التي فقدتُها قَبْلَ ثمانيةٍ وعشرين عاماً في 17-3-1981م ، ففقدتُ الحبيبَ والصديقَ والمعين
يا قرائي الأعزاء إنّ نفسي تموج في هذه اللحظة بالذكريات والمشاعر والخواطر والدموع ، ولكنّ يدي المهتزةَ المرتجفةَ الواهنة لم تَعُدْ قادرةً على الكتابة ولا على الإمساكِ بالقلم ، فوداعاً هذا اليوم ووعداً لكم أنني سأتابعُ معكم الحديث -إن شاء الله تعالى- عن هذه المسلمةِ العظيمة ، والشهيدةِ العظيمة ، فهذا حقُّ اللهِ عَلَيّ ، وَحَقُّ التاريخِ عليّ ، وحقُّ أجيالٍ إسلاميةٍ جديدةٍ تحتاجُ القدوةَ الصالحةَ بمثلِ هذه المؤمنةِ الرائعةِ الشامخة


رحم الله الشهيدة
وحقيقة عمل لايليق بكرامة الرجال
وبقيت سيرة الشهيدة
اما الخسيس حافظ اسد ذهب به الي مزبلة التاريخ هو وحزب البعث
__________________
عبد الرحمن

التعديل الأخير تم بواسطة @abdelrahman@ ; May 31, 2011 الساعة 09:36 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم June 1, 2011, 06:17 PM
 
رد: المرأة التي ابكت الرجال (اهدا للثورة السورية )

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
قف!!
ممنوع المرور قبل ان
تصلى على الرسول
















الله يجزيكى كل خير اختى طهر المشاعر ويجعله فى ميزان حسناتك



شكرا كثير اسيل

شكرا اخى البرت جزاك الله عنا كل الخير
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جزر فيجى اهيا حقيقه ام خيال ؟؟!!! Sma Elislam السياحة و السفر 17 April 7, 2015 11:33 AM
اقوال غير مأثورة ليلى بنت السودان المواضيع العامه 4 April 28, 2012 10:29 PM
سقوط مئة قتيل على الأقل في درعا السورية على أيدي قوات الأمن السورية رحلة قلم قناة الاخبار اليومية 4 March 30, 2011 02:14 AM


الساعة الآن 11:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر