فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم January 29, 2008, 07:56 PM
 
ن والقلم ... - د. وليد مشوّح

ن والقلم ... - د. وليد مشوّح- جريدة الاسبوع الادبي

كل الأديان السماوية والوضعية، وكل النواميس والشرائع وضعت الكتابة والقراءة بمرتبة القداسة، ففي القرآن قسم بالقلم وهذا دليل ساطع، وفيه الأمر الأول بالقراءة، وكأنه في الأمر يقول: "تأنسنْ"، وهذا دليل آخر على شمولية المعنى الأخلاقي المتمثل بالقراءة، وناتج القلم هو الغذاء الروحي- التأسيسي لأنسنة الإنسان، أي إذا صلح ناتج القلم، صلحت الذات القارئة، وإذا فسد حلّت الكارثة على تلك الذات.‏
من هنا جاءت أهمية صاحب القلم المبدع للقراءة، ومن هنا استمد قدسيته، وأخذ دوره الريادي في المجتمع، ولهذه الأسباب جميعاً احتفى به المجتمع، وأناط به مهمات، وعلّق عليه آمالاً، وكلما تقدم الزمن وأفرز العلم معطيات جديدة، توسعت مهمات صاحب القلم لأنه معني بالربط بين الحضارة والذات.‏
وكما صاغت الأديان للكتابة والقراءة قداستهما؛ عنيت أيضاً بالعمل، وكأنها جعلته البند الثاني من بنود صياغة القانون الذي يصنع القيمة في الإنسان، الذي إن تأنسن بدوره، فسيتأنسن الكون كله.‏
وقد جاء الأمر قاطعاً وهو يحضُّ على العمل، ولكن الأمر انصب على الكتابة والقراءة، بينما اختص التحضيض على العمل، فالأمر وقع على الفرد، بينما التحضيض وقع على الفرد والجماعة سواء بسواء: "ومن عمل صالحاً فلنفسه"، "ومن أساء فعليها، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم"...‏
لم أطرح هذه المقدمة دون قصد أردته؛ فقد استجبت لإيمانات الكثيرين من المبدعين والمتلقين؛ بأن فساد الثقافة يعني فساد العمل، وفساد العمل يُفسد الإدارة، وفساد الإدارة يعني انتفاء الكثير من القيم الإنسانية، فالمفسد لا يسبح في مستنقع الأنانية إلا إذا خلع عنه إنسانيته، والإنسان عندما يتخلى عن إنسانيته يتحول إلى وحشٍ ضار تكون معدته هي محور الضرر، وتكون "أناه" هي الطحلب الذي يسيء للنقاء ويلوّث الطبيعة، ويضر بإنسانية الإنسان إذ يجلب عليه الاستلاب والقهر فينتفي بذلك تشريع الكون الأمثل الذي يقتضي التكافؤ والتكافل والمساواة في ظل القانون الذي رسم أساساً من أجل سعادة الإنسان والحفاظ على تواشج المجتمع.‏
فإذا وقف المبدع نائياً بإبداعه عن هذه المسألة فإنه فاسد بالطبع، فاسد في "الآن" ومسيء "للأمس" ومفسد "في الغد"؛ أما إذا أفسد في أدبه نتيجة لفساد ذاته التي أصيبت بجرثومة الراهن؛ فهو في الأصل كان مبدعاً مزيفاً /بفتح الياء مع تشديدها/ ومزيفاً /بكسرها مع تشدديها/ وهنا منبع الخطر، لأن -المفترض بالمبدع- أن يكون ضمير أمته، كما القاضي الذي يمثل ضمير العدالة الإجتماعية؛ فإذا فسد الضمير فسدت الأمة ومات التاريخ واندثرت الجغرافيا.‏
فإذا عنَّ لأحدكم أن يتساءل-بعصبية-: ما الذي جرى؟ وما سبب هذه المناحة؟!!؛ فإنني سأنبئه بأن ثمة عينات ممن اختلسوا صفة الإبداع فتسللوا كالفيروس إلى الضمير الجماهيري؛ فباتوا يمثلون فساد الثقافة فيتسببون بكسادها كما قدمتُ في زاوية سابقة على هذه، وسأعرض -على عجالة- لنماذج غير محمودة ولا مشكورة لمثل هذه العينات وهي بيننا بالفعل، ولا علاقة للخيال بصنعها أو صناعتها.‏
-مبدع- مدع، امتلك موهبة وفقد موقفاً كريماً، وضميراً حيّاً، فنأى عن الشموخ، وتنكر لشرف الأدب، إذ سخّر موهبته للارتزاق، فتحول إلى مدّاحة نواحة، فامتلأت جيوبه برزم الدولارات التي تفوح منها رائحة "الكاز"، ولم يكتف بذلك بل أطلق للسانه العنان لينال من أولئك الذين يكرسون شرف الكلمة الموقف.‏
-مبدع- مدع لا يمتلك من المهارات سوى المقدرة على التدبيج والصياغة والوزن بات همه الشاغل البحث عن مسابقة ما، بشروط ما، فغمس قلمه بدم الحقيقة وراح يكتب متطلبات المسابقات بأوسام مختلفة: زوجته، ابنته، صديقته، وربما جارته، بأوسام أخوته، ولابد من إصابة الهدف من خلال وسم، المهم أنه ربح دريهمات لا تمسح عرقاً ينبجس من جبينه في أزمنة الشفافية المفرطة، وعلى الرغم أن القاصي والداني يعرف لعبة هذا وهذاك؛ فإنه يراجع المؤسسة الثقافية هنا وهناك يسأل عن نتاج صناعته، ويغضب إن تأخر عليه امرؤ بالرد.‏
-مبدع- مدع، لا يمتلك إلا المقدرة على حسن التفصيل كأي إسكافي في شارع شعبي، يلبي الطلبات في كل المناسبات، لكنه وللتاريخ يكتب في المواقف إن طلب منه ذلك.‏
-مبدع- مدع، يؤجر قلمه لمن يشاء طالما عبوة الحبر رخيصة، فإن نفد الحبر، فلا مانع لديه من أن يكتب بعرقه الطبيعي، لا عرق الخجل، لأنه لا يمتلكه بكل أسف.‏
مبدع- مدع يجاري سياسة حزبه تسديداً لفاتورة توجبت عليه تجاهه، فهو من صناعة الحزب وتكريسه وتلميعه وإضاءته فقد وسم مبدعاً دون إبداع، فصدّق الكذبة ومضى بها، فأوغل.. ومازال...‏
هؤلاء المبدعون- المدّعون لا يرعوون عن الثرثرة، والنقد، والشكوى لعدم تملكهم لفرصهم، علماً أنهم لو يوّضحوا ماهية هذه الفرص (...!)‏
هذه النماذج لا تنفي وجود مبدعين- مبدعين؛ لكن إنسانيتهم في داخلهم تحتضر لغلبة مرض ال"أنا" عليهم، فباتوا يعيشون على إيماضاتهم ذات زمن، وهم أولئك الذين تحولت ألسنتهم إلى أنياب ينهشون الآخر والمؤسسة، ولا يفعلون إلا هذا، وهم يعانون فصام الإبداع كما يسميهم علم النفس.‏
أليست النماذج الآنفة تمثل فساد الثقافة، وهي بحاجة إلى تشخيص ومعالجة، وبتر إن وصلت الأمور حد الغرغرينا...؟!!.‏

__________________

أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف
ولكنني أحب الرصيف أكثر

أحب النظافة والاستحمام
والعتبات الصقيلة وورق الجدران
ولكني أحب الوحول أكثر.
(محمد الماغوط)



أنا من حدة العطر اجرح
أنفض ريشي كالطير
اقتبس الصمت اكتبه بدفاتر حبي
أساور ترنيمة أنت علمتني نصفها
يا لئيم فقط نصفها
أتذاهب ما زلت في موضعي
انما لست فيه
وعندك أمسي
وراء المخافر واللوز والياسمين
أفتش عن كلمتين
وأقنع نفسي بجدواهما
قلت : لم تكتمل هذه
غادرت عاقبت نفسي مغادرة
وأردت اكون كأنت
أنت وليس التفاصيل
أنت بدون الحجارة
والباب والغرف الجانبية
فوجئت بالغرف الجانبية
كنت تخون
تخون أصول الخيانة ايضا
وتسحب طاولة اللعب
تسحب من ورقي ودموعي
وتلعب ضدي
قامرت بالذكريات
هدرت دمي في الكؤوس
ووزعته للرفاق
تقربت ؟ لا لم تقترب
كتب البعد في قاف قربك مني
وللقاف نردان ارميهما
والمقادير ترمي
" مظفر النواب "






رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مشوّح, ولحد, والقلم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الممحاة والقلم ...؟؟ hossamf18 النصح و التوعيه 2 August 20, 2007 10:10 AM
كيف سوف اربيك يا ولدى............؟؟؟ zayed امومة و طفولة 1 August 10, 2007 12:33 PM
الممحاة والقلم RiiMii كلام من القلب للقلب 2 July 27, 2007 06:45 PM
درب وآحد.........‍ RiiMii كلام من القلب للقلب 6 July 27, 2007 06:20 PM


الساعة الآن 05:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر