فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الحياة الاجتماعية > الاسرة والمجتمع

الاسرة والمجتمع الاسره و المجتمع , توطيد العلاقات الاسريه, التربيه و حل المشاكل الاسريه و المشاكل الاجتماعيه



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم December 15, 2011, 12:03 AM
 
صراع الأجيال...بين....و......

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست عبارة "صراع الأجيال" مما جاء بلفظه ولا بمعناه كتاب، ولا جاءت به سنة. لكننا نستعمله عنوانا لشيوع مفهومه عند المتكلمين في السياسة والاجتماع، ولأن أمام الأمهات المومنات ومن حوالَيْهن أجيال شتى، تتحدث من مواقع شتى، وتنازع وتصارع وتقاوم المشروع الإسلامي. فإن كانت الدعوة استمالة وتلطفا وتحبيبا للدين فإن معرفة القُوى المعاكسة والرياح التي تجري بسفين الحياة إلى وِجهة لا يرتضيها الدين ضرورة وسلاح.

ما تستطيع الأم المومنة أن تنفرد ببناتها وأبنائها ليقع تأثيرها عليهم لا تشوبُه ولا تحرفه تأثيرات غيرها. أمامها ومن حواليها مؤثرات بشرية تُذْبِل زهرة الأخلاق، وتُعَوِّجُ عود الاستقامة، وتمتص رحيق الأغصان، وتسقي السموم، وتلقِّح بذور الشيطنة.

هيهات! فالنوافذ التلفزيونية مفتوحة تنازع، إِن أغلقتِها في بيتكِ هفَت إلى خزعبلاتها النفوس، وتبعتها الأعين إلى بيوت الأقارب والجيران والسنِمات والمقاهي. جيل نشأ على الغدُوّ والرواح إلى نديِّ التخييل والتمثيل والتهام سخافات تسخر من الدين. وذلك صراع بين حق لا يزال نية في صدور أهل الإيمان، وباطل كاسحٍ ماسحٍ. صراع لاحتلال مواقع الثقافة المانعة، ولتسخير الأجهزة وما يغذي الأجهزة ويزودها ويحركها، وتدويرِها وتحويرِها إلى الكعبة، وتتويبها من استقبال هولوود.

هيهات ما تستطيع المومنة أن تنفرد بالبنات والبنين لتصونهم عن مهَب الرياحِ العقيمة وهم لا بد أن يخرجوا إلى الشارع ويكلموا أبناء الجيران ورفقاء المدرسة. وتلك مجالات أخرى وصراعات أخرى. تنازع الأمَّ المومنة في أبنائها أجيال تتعايش من قريب قاطن، أو مَزُورٍ زائر، من راكنٍ إلى مذهب المومنة في التربية وغيرِ راكن. منازعون ومنازعات ابتداءً من الحماةِ. تريد الحماة -من جيل العجائز الأميات أو المخضرمات- أن تدخُل الكَنّةُ وأولادُها تحت سيطرة أهل المكان لا أن يدخل أهل المكان في سيطرة جديدة طارئة. لا تقبل الحماة أن تستَقِلَّ الطارئَة بالأحفاد بعد أن سرقت الابن. إلا أن تكون فاضلة، والفواضِل في الحموات كثير. تدخل المومنة بالظن الجميل.

تنفق المومنة من كنوز المحبة، واحتياطي المداراة، وملطفات الأجواء بالخدمة واللياقة واللباقة، ومنْجِدات التحمل والصبر. وصْلُ ما أمر الله به أن يوصل من عُرا القرابة إصلاحٌ في الأرض، وإصلاحٌ للعمل. لا تأْلو المومنة جُهداً في تلافي ما يفصل ويقطع ويوحش.
فإن كان الأحماء من طينة بشرية غيرِ ما تعهَد المومنة، وإن كانت المفاجآت وخيبات الأمل فوق ما كانت تتوقع أو فوق ما تحتمل، فذاك البرهان على أن المومنة لا تزال غِرّة في الحياة، وأنها لم تستشر قبل الزواج، ولم تُغَلب العقل على العاطفة، والتريث على العَجَلة. أو أنها قاسَت قياسا فاسدا فظنت العسَلَ ليس حولَه نحْلٌ، وأن الرجل الصالحَ لا تكون له فُروع لها طعم غير طعمه. وعندئذ فليس ما دون المصابرة من مَقيلٍ إلا أن يوسع الله الرزق، وترضَى الراعِيَة المسؤولة في بيت زوجها، ويرضى الزوج، وتُرَضَّى الرعيَّة من الأجيال المنازعة بالسَّكَن المستقِل.

إن معاناة الأحماء والعجوز الأمية ليست أقلّ وطأةً من معاناة طباع الزوج، ولا الكياسة معهم أقلّ تعيّناً من الكياسة معه. وإنّ الجدة الحاضنة الحريصة على احتواء الأحفاد وضمهم إلى صدرها لكيلا يخطَفَهم منها خاطف، ولكيلا تصيبهم ريح بزكام، ولكيلا يخطوا في الحياة خطوة وراء ما تعْرفهُ الجدة، لَمِنْ أهم عوائق التربية. البنات المحضونات والبنون المدلّلُون يبلغون الثلاثين في عمر السنين وهم في عُمر العقل والنضج النفسي والشجاعة على مواجهة الحياة لم يتخطوا الطفولة الأولى.

عجائز أميات يجْرُرْن إلى الوراء، دهِشاتٍ من كل جديد، أو متظاهرات بأنهن على اطلاع بآخر ما فاه به التلفزيون. يجررْن إلى خلفيات معهودهن في المدينة، أو موروثهن من البوادي، لا يرين للأحفاد من الطوفان الجديد إلا الانكماش في الأحضان. صراع أجيال. صراع وأجيال.

والعصر يتقدم بسرعة صاروخية، زادُكِ من المعلوماتِ عن العالم وحركته، وعن المِهنة وتطورها، يصيبه البِلَى والتَّقادُمُ في فترات تتقارب، فلا تكونين على مستوى الأحداث لتقولي كلمة الإسلام، وتربي تربية الإسلام، وتُرَشِّدِي جيل الإسلام، إلا بتدريب، يتلوه تدريب، يتلوه إعادة تدريب. والحماة الفاضلة، وحتى العمات والخالات اللواتي أُكِل شبابُهن، إن كنّ في دوامة تدور بهن في عالم هن عنه غريبات، فإن معهن من مخزون التقاليد وموروث التدين وقابليات الفطرة ما يمكن، بل يتعين أن تستصلحيه. من ذلك الحفاظ على الحياء والعفة والسمعة وصنع الجميل ورد الجميل بالجميل.

محظوظة من لها حماة عاقلة تطاوعها، وتأنَسُ إلى خُلقها فتثق بها. الحموات العواقل يشُدُّهن إلى مألوف العوائد تاريخ وحنين إلى الماضي وذكريات وتطبُّع منذ الصبا أصبح طبعا. مما يثقل كاهل الزوجين، ويُرهق ميزانيتهما، عادة رد الهدية بهدية أجمل وأثمن. ويكثر الأقارب والأعراس والمواليد، فتصبح الهدايا وتكاليفها وحرص الأحماء على عادة الرد موضوعا للخصام والنزاع.
وذاك مجال للصراع بين عادة لها أصل حميد، وهو التهادي وتطْيِيب الخواطر، وبين عبادة هي الابتعاد والتبري من التكلف. الهدية الرمزية -من سَعةٍ- سنة، لكن العادة تردت بها لتكون لعنة.

محظوظة من لها حماة عاقلة فاضلة، وأنتِ حماةُ الغد، لا تعجلي!
كوني لها بنتا محبة تكن لك أما. كوني عاقلة تكن فاضلة. بكياستك وأدبك ولطفك حصليها في أسرِكِ.
في الأسرة الذَّرِّيَّة المنسوجة على منوال المجتمع الأوربي، المتكونةِ من زوجين وذريتهما، مقطوعين ممنوعين، يتولى الخَدَمُ تربية الأطفال. أعني أنهن يتولين تدمير الأطفال. لو لم يكن من فضائل الأسرة التقليدية الممتدةِ إلا وجود جدات وعمات وخالات يعطفن على الطفل ويُحْبِبْنَهُ حقا وصدقا لكفى. ولكان مصير الطفل المحضون المدلل بين أيدي العجائز أحسن حالا من الطفل الـمُلْقى إلى أيْد أجيرةٍ يُشوِّهْن خَلْقَه النفسي ما شاءت لهن كراهية وضعهن البئيس، ونقمتهن، وبؤسهن.

تتضاعف أسباب الخلاف والنزاع بين جيل الحموات وجيل الزوجات إن كان للزوجات عمل خارج البيت، من وظيفة أوصل إليها التعلُّم والتحصيل والكفاءة، أو كدْح ألجأت إليه الحاجة والفقر، ولبثت الحموات في البيوت. تشقَى الحماة الفقيرة، ما معها خادم، في شؤون البيت من طبخ وكنس وتفريش وتسوُّق، وتدخل الكادحة والموظفة متعبة مكدودة ثائرة الأعصاب. فالنزاع يتضاعف ويتثلث: البيت بيت من؟ والابن الزوج لمن؟ والأولاد مَن غذاهم ونظفهم وأخذ بيدهم إلى المدرسة؟

محظوظة والله من لها حماة فاضلة ينفتح قلبها لذكر الله، فلا تعارض المومنات والمومنين أن يحضروا البيت ويجلسوا للتعلم. في ظروف اضطهاد الدعوة تخاف الحماة على ابنها وعلى كَنَّتها. ما لها من سابقة تجربة بالعمل المنظم الموقوت المسؤول المناهض للحكم الجائر، وما لها من علم بذلك غير ما يتضارب في أذنيها: السمعة المصنوعة المحاربة للإسلاميين، وشهادة الابن والزوج الطارئة بأن الإخوان والأخوات رحمة من الله وجهاد وشرف. إلى أيهما مال الأحماء كان البيت. أو يَقطع الناس بعضُهم حبال بعض، وذلك إيذان بفشل المومنة في الإيلاف والتأليف والتبْشير والدعوة بالتي هي أحسن.
ذلك بيت فقدته الدعوة، فالأطفال فيه ينشأون في جو كدِر. ذلك موقِع صراع سقط في أيدي العدو، فما كان يُرجى أن يستنشقه فيه الأطفال من منعشات الإيمان تُشبعه غازات سامة تنزع الحياة وتنازعها، لا تَهبُها.
إن يُتم الأطفال الجزئي من أم كادحة خارج البيت، كيُتم البيت من دعوة طردها الخوف، وسوء التبليغ، والقصور في التأليف. وذاك من معوقات التربية وآفاتها.

نستريح من عناء الصراع إلى باقةٍ من أدب الرافعي رحمه الله. نقرأ له مقتطفات من قصة أب تأيم من زوجه، وتيتم أطفاله بموت العزيزة الغالية.
قال رحمه الله:"رأيت الناس قد أنعم الله عليهم أن يكونوا آباءً فنَسَأَ (مدّ) بالوَلد في آثارهم، ومد بالنسل في وجودهم، وزاد منه في أرواحهم أرواحا، وضم بِه إلى قلوبهم قلوبا، وملأ أعينهم من ذلك بما تَقِرُّ بِهِ قرَّة عين كانت لم تَجِدْ ثم وَجدَتْ. فهم بهؤلاء الأطفال يملكون القوة التي تُرجعهم أطفالا مثلَهم في كل ما يسرهم، فيكبَر الفَرح في أنفسهم(...) وتلك حقيقة من حقائق السعادة لا أسمى ولا أعظَمَ منها إلا الحقيقة الأخرى: وهي القوة التي يتحول بها الكون في قلب الوالدين إلى كنز من الحب والرحمة وجمال العاطفة، بسحر من ابتسامة طفل أو طفلة، أو بكلمة منهما أو حركة، على حينِ لا يتحول مثلَ ذلك ولا قريبا منه بمال الدنيا ولا بـمُلك الدنيا" .

ماتت الوالدة في الطلْق، فيقول الكاتب عن المولودة: "إنها طفلة وُلِدَتْ وكأنما أُخْرِجَتْ من تحتِ الرَّدم، إذْ وُلدت تحت ماض من الحياة منهدم. وهلْ فرقٌ بين هذا وبين أن تكون أمها قد ولدتها في الصحراء ثم أُكرِهت أن تدعها وحدها في ذلك القفر تصرخ وتبكي! فالمسكينة على الحالين منقطعة أول ما انقطعت من حنان الأم ورحمتها، طفلة وُلدت صارخة، لا صرخة الحياة، ولكن صرخة النوْح والندْب على أمها. صرخةً حزينة معناها: ضعوني مع أمي ولو في القبر! صرخةً ترتعد، كأن المسكينة شعرت أن الدنيا خالية من الصدر الذي يُدفِئها. صرخة تتردد في ضراعةٍ، كأنها جُملة مركبة من هذه الكلمات: "يا رب ارحمني من حياة بلا أم!" .
عاد الزوج بعد دفن العزيزة إلى بيته، قال:" "أعادني قدماي إلى البيت لأرى طفلتي -وما كنت رأيتها- ولقد كانت الوِلادة أولَ الحياة لها، وأولَ الحياة لِي.(...). يا وَيلتا! لم تلتق عيني بعين الطفلة حتى انفجرت تبكي! أتبكين لي يا ابنتي أم تبكين عليَّ؟ أهذا بُكاؤك أيتها المسكينة أم صوت قلبك اليتيم؟ أصوْتُكِ أنتِ أم هو روح أمّكِ تصرُخ تَرْثِي لي، وتتوجّع لفَرْطِ ما قاسيْتُ؟ يا ابنتي! إنما أنتِ الحقيقة الصغيرة التي خرجت لي من كل تلك الخيالات الشعرية الجميلة، خيالات الأيام السعيدة التي مَرَّتْ!
"يُخلق المواليد من اللحم والدم، وأَراكِ أنت يا مسكينةُ خُلقْتِ من اللحم والدم والدموع. بقيةُ حياة ماتت، فهل معنى ذلكِ إِلا أنكِ بقية موت يَحيَى! مسكينة! مسكينة! لو أنّ نواميس العالم متغيرةٌ لشيءٍ لتَغيرت من أجل بؤسِك فردت أمّك إليك" .

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار


من كتاب تنوير المؤمنات - للاستاذ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل و الاحسان

رد مع اقتباس
  #2  
قديم December 25, 2011, 10:50 PM
 
رد: صراع الأجيال...بين....و......

نـبْـضُ شـوقٍ خـفـقـه الـفـؤاد عـلـى أعـتـاب الـذكـرى و حسن التعبير ،،

و بـوحٌ قـد كـسـاه الرونق والجمال ،،

ودي
__________________



تِكرَار { الحمدُ لله } .. عِلآج نَفسيّ يَجلبَ لكَ السَعَاده♥ !







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
علم الأحياء البحرية admin العلوم و الطبيعه 3 March 15, 2013 12:54 AM
كتاب_ التقصير المحدال روبن السوري أرشيف طلبات الكتب 1 May 14, 2010 06:40 PM
يا شراع....... ابتسام العطيات كلام من القلب للقلب 4 February 23, 2010 12:31 AM
صراع حبي اجمل الاحساس شعر و نثر 9 February 5, 2009 05:07 PM


الساعة الآن 12:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر