|
LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||
|
||
يوميات هادئة
عندما بدأت الكتابة شعرت أنه مجرد عزف على نغم ما يصدر من داخلك و مع مرور الزمن اكتشفت أنه سحر الكتابة ما يبسط كل تلك العقد التي تسمى التأليف ، و أصبحت أجد صعوبة في كتابة الكثير من الأفكار التي كنت أحسبها بسيطة و سهلة . و منها يومياتي . لقد فكرت بالموضوع منذ ثلاثة أيام و لم أجد أي نسق في مخيلتي ، و قررت أن يكون عشوائيا كأيامي نفسها . دون تسبيقات و لا تردد ، دون تفكير طويل . أتمنى أن تصل عفويتها و بساطتها تماما كما أردت لها أن تكون .
__________________
{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا} |
#2
|
||
|
||
1 يوم هادئ
يوم هادئ كان يوم ثلاثاء من شهر أكتوبر سنة 1994 كنت في زيارة لبيت عمتي التي تسكن الريف ، كانت أول زيارة لي منذ وفات والدي -رحمه الله- ، كنت أشعر بتردد كبير في لقاء عمتي ، فلا تربطنا علاقة جيدة بعائلة والدي و لا تحببنا الذكريات في زيارتهم ، و طبعا كان هذا رأي شقيقي 1، أما أختنا الوحيدة فكانت سعيدة جدا ، لصغر سنها من جهة ، و عدم حضورها الكثير من المواقف و الذكريات من جهة أخرى ، أحبت الريف كثيرا ، و كانت طوال الطريق تحدثنا عن برنامجها للأسبوع في الريف ، أحببنا ثرثرتها كثيرا خاصة أنها كانت مضحكة فهي ترسم خيالها البسيط الرتيب ، الذي يشبه إلى حد بعيد خيال أي طفلة تسافر لأول مرة إلى الريف . عندما وصلنا إلى مدخل المزرعة ترجلنا عن سيارة الأجرة ، و أكملنا كيلومترين نمشي و أنا و شقيقي نحمل الحقائب ، بينما تقفز أختي هنا و هناك ، تقطف زهرة ثم ترميها و تقطف أخرى تركض ثم تعود تمشي قفزا تحدث أمي بسعادتها تهديها وردتين تضحك من مظهر الحمالين الذي بدونا فيه أنا و شقيقي وصلنا إلى البيت الريفي ، ذي الطابقين ، به نوافذ كثيرة و يعلوه قرميد أحمر يبدو عليه القِدم ، حتى البيت أعجب أختي ، و طار عقلها يسرح في شكله الداخلي ، لكن والدتي لجمتمرحها بأن بدأت تحاول تذكيرها بالإيتيكيت الذي تريده كل الأمهات بناتهن ، بدء من كونها أصبحت شابة و لم تبقى طفلة ، و أن عليها أن تترك انطباعا حسن ،،، إلى هنا بندخل البيت . لن أقول أن أختي لم تكن تصغي لوالدتي في تلك اللحظة ، بل بتعبير أدق كانت والدتي تحدث جسدا خوارا لا روح فيها ، فروحه لولو (أختي) كانت تحلق في أرجاء المزرعة ، تداعب عشبه الندي الغض ، و تقطف بعض البرتقال ، و تهيّج الدجاج ، و تمشط ظهر الحصان . داخل البيت كانت عمتي و ابتها ايميلي ، كانت أصغر منا بسنتين ، و كانت تزورنا كثيرا كونها صديقة لولو و مقربة من والدي . بعد أن سمعنا أخبارهم الروتينية علمنا أن إبني عمتي لورون و جو2 في المزرعة مع والدهما [في هذا الوقت لم ألتقي ايميلي بعد]. كما يفترض خرجت و شقيقي إلى المزرعة ، غير أن شقيقي عاد إلى البيت ليحضر القبعات فنحن لم نعتد على الشمس في(سانت دونيه)3 و مضيت متعجبا من تأخره ، و لقيا زوج عمتي أنريك بتهجا تحت ظل شجرة البرتقال أنساني تعجبي ، انضممت إليه بعد أن قام و قطف برتقالة كبيرة ، قشرها ثم قدمها إلي ، كان رجلا ضخما تبدو عليه الرجولة ، طيب يحب زوجته و أولاده ، لقد كان أميا ،و لكنه كان يفهم الحياة جيدا ، هذا ما أذكره من حديث والدي عنه . لم يكن والدي يهتم للمستوى التعليمي كثيرا عند الريفيين ، فهم بالنسبة إليه يعلمون ما يكفي ليعيشوا بسعادة و يسعدوا غيرهم ، و كان أنريك واحدا من المقصودين ، لقد كانت معرفته بالأشجار مذهلة ، حيث كان يسمي لي الأشجار و أعمارها و الأمرضا المحتملة عنها ، و كيف وقايتها ، لقد كان موسوعة ريفية كاملة الأجزاء . كلامه بسيط سلسل بعيد عن التصنع ، تضفي طيبته و صدقه على محياه لمسة براءة تحببه لقلب من يراه . في هذه اللحظات أقبل الولدان سعيدان نحوي ، ضماني بقوة حتى كادت ضلوعي تتشابك ، كانا أكبر مني بخمس و سبع سنوات ، يشبهان والدهما كثيرا ، خاصة البكر لورون ، جلسنا نتحدث عن كل شيء و أهم شيء المزرعة و حياة الريف بالنسبة للمدينة ، انصرف الوالد إلى أصدقاءه المزارعين و بيقينا حتى احمرّت الشمس و قد وصل بنا الكلام إلى باريس و النساء. لم أكن من النوع الذي يحب التحدث عن تفاصيل الطبيعة كنت أفضل تأملها و تدبر خلقها أكثر، و بالمقابل كنت أعشق تفاصيل النساء بجنون . أُعجب الشابّان بمعارفي ، و روت قصصي ظمأ خيالهما ، و صارت ضحكاتهما تتعالى حتى ضجت بها السحب و أظلمت الدنيا ، فعدنا و هما يصران أن تكون قصة أخرى من قصصي أنيسة الطريق ، غير أن شعور افتقاد شخص ما لم يفارقني. ***كان يجلس شقيقي مع ايميلي عند مدخل الزريبة يحدثها و تمشط هي الحصان ، كانا يشعران أن ما يجب أن يقال أكثر من أن تحاصره العيون أو أن تعتقله الأسماع . [في ذلك الوقت كنت أجهل كل شيء عن هذه العلاقة الوحيدة الخفية لشقيقي] [محرجا مضطربا]- كيف الريف ؟ [لا تقل عنه اضطرابا]- أشعر أنه مختلف اليوم . صمت طويل صاخب بالنبضات الخجولة و النظرات المسروقة ، خجل و تردد [بصعوبة]- اشتقت إليك ! قلبه ينبض آلاف النبضات المجنونة ينتظر جوابها [متشاغلة عنه]- و أنا أيضا ،،[برهة] ،، بل أكثر اشتقت إليك . كان سيحلق شقيقي لو أنه جرب الرفرفة بذراعيه لحظتها . *** على مائدة العشاء التي تلاونت بمختلف الأطعمة البهية ، تنشرح النفس لمنظرها و تزيد شهيتك ذرات الهواء النقي التي تثمل الرئتين منه بعد سنوات من لوث المدينة و دخانها ، لم أتعجب عندما أخبرتني والدتي أن لولو قد نامت ، لقد استنفذت كل طاقتها و لم تنجز إلا ربع مشاريعها التي أخبرتنا طول الطريق عنها . على رأس الطاولة كان زوج عمتي و على يمينه عمتي و ابنتها ، ثم والدتي و وسيم (شقيقي) و على يساره ولداه ثم أنا . غرفة المعيشة طويلة و عرضها أقل من نصف طولها ، مزينة بلوحات كثيرة لأحصنة غالبا مرسومة و أخرى فوتوغرافية لزوج عمتي في شبابه ، حيث كان فارسا مشهورا قبل أن يصاب بتآكل الفقرات ، و يحرم من مجده و رمز افتخاره . بعد العشاء حاولت استشعار نبضات شقيقي التي لم تكن عادية أبدا ، و لكن زوج عمتي شغلني بحديثه عن أمجاده بنبرة فيها لحن قديم من الحزن ، كان يذكر والدي كثيرا بطيب الخصال ، و تركت الاستشعار لأستمع لمآثر هذا الرجل الطيب الحزين . كان الولدان يخرجان سيف والدهما و درعه ، و بعض السكاكين و الخناجر ، و يحدثانني في آن واحد عن آلاف الصور و القصص ، و يتخلل كل هذا ضحكات فخورة تتسلل من أبيهما ، كنت أشعر بأني انتباهي مواساة للرجل ، و عزاء لي في والدي الذي حرمت جلساته و انا في سن مبكرة ، كنت أبتسم و أنتظر غمزات وسيم الذي كان يشاركني فكرتي و لا يشاركني مشاعري فقلبه كان مليئا ليس فيه مكان لي و لمشاعري . والدتي أحضرت الأغطية و الأفرشة و دلنا الولدان على غرفة نومنا ، و التي كانت إلى جوار غرفة نوم والدتي و لولو . داخل الغرفة و نحن منهمكان في تجهيز الفراش - لماذا لم تحضر القبعات ؟ [بتجاهل]- ظننتك استغنيت ، عندما عدت لم تكن موجودا [شعرت أن في الأمر ريبة]- فقط ؟ لم يرد طويلا ، ثم تمدد على فراشه و عدّل غطاءه [بحسم]- ليلةً سعيدة . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ 1- التوائم متصلة بالتفكير و الذوق و الرأي و أحيانا نفس الكلمات في التعبير 2- اسمه الكامل : جون بيير و يدعلى ج.ب و غيرت اسمه لسياق القصة3- سانت دونيه مدينة باريسية معروفة بمناخها المتقلب البارد و الغائم غالبا
__________________
{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا} التعديل الأخير تم بواسطة طويل بال ; November 24, 2011 الساعة 12:00 AM سبب آخر: إدراج اليوم |
#3
|
||
|
||
رد: يوميات هادئة
احجز لنفسى مقعدا هنا لحين عودتك مره اخرى
فلا تغيب انى منتظر |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
يوميات رجل | لا دنب لي الا انتي | كلام من القلب للقلب | 5 | May 7, 2011 12:24 PM |
يوميات حاج | المدرب د.أشرف عبد الجواد | كتب اسلاميه | 1 | November 22, 2010 01:03 AM |
يوميات قلب | جنان الدليمي | شعر و نثر | 7 | March 9, 2010 12:09 AM |
يوميات حاج | سفير الفضيلة | النصح و التوعيه | 0 | December 12, 2008 04:46 PM |