فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم June 29, 2009, 07:39 PM
 
Present صالح باي و أعماله الاقتصادية و العسكرية

أعماله الإقتصادية و العسكرية
المبحث الأول: الناحية الاقتصادية
1. الزراعة:
يقول مرسي " عمل صالح باي بعد توليته على إستتاب الأمن، وإقامة علاقات تجارية وشجع الصناعات و الحرف كالدباغة والحياكة، وعمل على بناء طواحن في مختلف أرجاء المقاطعة وقام بعدة تجارب في ميدان الفلاحة"(1).
كما قام بإقامة حديقة جميلة على بعد بضعة كلمترات غربي المدينة أمام الباب الرئيسي، والتي إتخذ منها مسكنه الريفي*، كما شجع غراسة الزيتون وفلاحة الأرز، وباقي أشجار الفواكه، واستحدث شبكة من قنوات الري لإيصال المياه إلى المزروعات المسقية خاصة بالحامة وسيبوس بنواحي عنابة، ونقل جنود الزمالة إلى سهل عين مليلة على طريق باتنة وأسكنهم هناك، وملكهم أراضي خصبة في عين كرشة وبرج الفسقيا وأمرهم بإستصلاحها، وزراعتها، وممارسة تربية الخيول لصالح إدارة البايلك، وهذا من ضمن الأغراض التي دفعته إلى إتمام بناء برج الفسقية الذي شرع أحمد القلي قبله في تشييده، ومن ضمن مهام جنود الزمالة في سهل عين مليلة، مراقبة أعمال الحرث والحصاد وجمع المحصول، واستغلال الشعير لعلف الحيوانات والقمح للمتاجرة به في الأسواق، وتزويد جنود الزمالة بحاجاتهم الغذائية(2)، فأصبح بذلك الشرق الجزائري المنطقة الأولى في الإنتاج الفلاحي، حتى أن صالح العنتري وصف الأوضاع بهذه العبارة "وملك الأملاك في كل البلاد وعم الخير كل العباد"(1). كما يقول أحد الكتاب أيضا " ... وكسب من الأموال والخيول والأبقار، والإبل، والقمح، والشعير ما لا يحصى بمراد إلا له سبحانه وتعالى، وبنى دولة رخاء، فمن جملة ذلك كانت البقرة السمينة تساوي 8 فرنكات، والفرد 12، والكبش السمين فرنك والعود المليح الأنيق بركوب الصبايحية يساوي مائة فرنك والصاغ من القمح يساوي 2 فرنكات، والشعير 1 فرنك، والرطل من السمن نصف فرنك وأقل من ذلك، والعسل مثله والزيت كذلك " (2).
- ومن مآثره أيضا تفجير المياه بالصحراء، وربط الينابيع ببعضها في شبكة من القنوات المجموعة بكيقية هندسية محكمة العمل، لسقي البساتين والحقول من النخيل أو غيره من المغروسات والمزروعات، وذلك التوزيع غاية في الإحكام والدقة، وإعتمدته المحاكم الشرقية في تحديد الحقوق وبيان المقادير المائية لسقي كل مساحة (3)، ولعل أهم مشروع متعلق بالري قام به صالح باي هو حله لمشكل الري بالجنوب الجزائري عامة وبسكرة خاصة.
• حل مشكلة الري(بسكرة):
- قبل إتمام تفقده للمنطقة الزيبانية، حل صالح باي مشكل الري ببسكرة، الذي لم تتمكن منه القايدية المسؤولة عن الضواحي الخمس المرتبطة بنبع عين الحامية، إستعان صالح باي بإرشادات الهيروليكي "عبد الله بن سيدي عبد الواحد" والإمام "خليفة بن سيدي حسن " المقيم بزاوية سيدي ناجي، بنى الباي حصنا (برج الترك) بشمال بسكرة في المكان المسمى " رأس الماء" لإيواء سرية مراقبة، مكلفة للقيام بدوريات على طول مجرى الماء، وفرض الطريقة المحكمة لتوزيع مياه الري حسب أهمية عدد السكان والزراعة المعترف بها لكل ضاحية من الضواحي الخمس التي تتجاوز وتتشابك وسط واحة بسكرة، وإلى يومنا هذا يمكننا أن نرى في المكان المسمى (الفرض) أي الموزع، الواقع في الحديقة العامة الكبرى 5 جويلية 1962، آثار ساقية كبيرة عرضها متران وأربعون سنتمتر(2,40م) تتفرع إلى ثلاث سواقي صغيرة أبعادها على التوالي:
1. أربع لكزات*: أي بعرض أربعين سنتمتر للجدول التابع لضاحية المسيد.
2. ثماني لكزات: أي بعرض ثمانين سنتمتر للجدول الموجه لضاحية باب الدرب.
3. أثنا عشرة لكزة: أي بعرض مائة و عشرين سنتمتر للجدول الموجهة للضواحي الثلاث: رأس القرية، مجنيش، وقداشة(1).
- كما أضاف صالح باي مكسبا آخر لواحة بسكرة عندما قرر جعل بستان للنخيل في المنطقة المسماة "بني مرة" باسم العرب الرحل المخيمين به القادمين من جبال العمور، الذين طردوا إلى الزاب الغربي، ويقول البساكرة القدامى أن ناس بني مرة المسلوبون كانوا ضحية هجوم جائر من طرف البايلك، كما تدل العبارة العامية "صكهم عود البايلك" بمعنى رفسهم حصان الباي.
- غرست بأرض بني مرة أجود أنواع النخيل والتي أهديت من طرف المزارعين "جودي"، و "بن عبدي" لأنها أصبحت ملكا خاص بالبايليك قسنطينة .
- قرر الحاكم صالح باي أن تمنح هذه الحديقة الجديدة حصة من مياه الري تعادل لكزة واحدة، أي ساقية عرضها عشرة سنتمترات سميت "المرية" وتم هذا الإقتطاع البايلكي لفائدة بستان بني مرة على حساب مجموعة الضواحي الثلاثة المحاذية، التي انخفضت حصتها المائية إلى أحد عشر لكزة، أي بعرض مائة وعشرة سنتمتر، وبعدما عبر الزيبانيون عن رضاهم بالزيارة التفقدية، عاد صالح باي إلى قسنطينة مرفقا بحرسه العسكري بعد أن نصب بقايدية بسكرة الكرغلي أميرالي شريف(1870- 1915) خلفا للقائد سكمباجي " الذي أقيل من مهامه(1).
وعندما نجوب الطريق التي رسمتها الساقية نكتشف مختلف المزارع التي إعتنى بها البساكرة، وكذلك الواحات وذلك بفضل صالح باي الذي عمل جاهدا على حل مشكل الري ومن بين تلك الأماكن نذكر:
- زبارة، الحرث، جنان (بستان أخضر)، غابة مفرد غيب (بستان نخيل أو زيتون)، طبة (قطعة أرض صغيرة)....
وكانت الحياة الإجتماعية والإقتصادية في بسكرة متعلقة بالماء ولأراضي الزراعية وأهم الساقيات بها نذكر:
1/ الساقية المسيدية: التي تنحدر عبر قناة واحدة، إبتداءا من مكان التقسيم "بالحديقة العامة الكبرى" إلى غاية المكان المسمى "خروفة" الواقع عند مدخل ضاحية المسيد.
2/ الساقية الدربية: تنحدر عبر قناة واحدة إلى غاية المكان المسمى "القلتة"(البركة)، الواقعة عند مدخل ضاحية باب الدرب أين تتفرع إلى أربعة مجاري.
3/ الساقية القداشية: تنحدر عبر قناة واحدة حتى المكان المسمى "شرشارة*" وتتفرع إلى مجريين.
4/ الساقية الغلياشة: هي جدول مستقل ينبع من عين قرمود، تنحدر الساقية المذكورة إلى غاية الفرض (الموزع)، الواقع بالمكان المسمى "قنطرة محجوبة" لتنقسم فيما بعد إلى أربعة مجاري مائية(1).
- هذه الساقية إحتفظت بسعة تدفقها المساوية لسعة الساقية المسيدية، وذلك كونها لم تكن محل نزاع أو تغيير في عهد صالح باي.
- وبهذا يمكن أن نقول بأن القطاع الزراعي كان مزدهر في عهد صالح باي، وذلك بسبب جهوده الكبيرة للنهوض بهذا القطاع في كل مقاطعات البايلك، حتى أنه كان يصدر الحبوب لبعض الدول الأوربية بسبب الفائض والإنتاج الوفير، حيث كان لميناء عنابة دور كبير في تصدير المواد الزراعية مثل القمح حيث يقول نقيب الأشراف «...وكانو النصارى يوسقون القمح والشعير»(2) وهذا دليل على إزدهار القطاع الزراعي ببايلك الشرق في عهد صالح باي، حيث جاء في مخطوط تاريخ بايات قسنطينة (صاحبه مجهول)
«... صاحب حق وعدل، وكانت تحبه جميع الأوطان،... وكسب من الأموال والقمح والشعير، ما لا يحصى بمراد إلاّ له سبحانه وتعالى»(1) .
2. الصناعة:
- إهتم صالح باي بالصناعة وشجع أصحابها على إختلاف مهنهم وحرفهم وأصبحت قسنطينة في عهده تعج بالورش المختلفة والأسواق الصناعية المزدهرة(2)، كما عمل صالح باي كل ما في وسعه لتكون مردودا كبيرا لصالح الخزينة و لأخذ فكرة عن مدى إنتعاش الصناعة على عهد صالح باي نورد الأرقام التالية:
- كان هناك 28 سوق وسويقة،
- 21 ساباطا.
- 7 تربيعات يتجمع بها صناع النسيج.
- 3 رحبات لعرض السلع.
- 5 أفران للخبز.
- 27 مطحنة رحى لطحن الحبوب ومنها خمسة داخل المدينة تعالج يوميا 484 كيسا من الدقيق(3).
- ومن ضمن المصنوعات المزدهرة بقسنطينة في هذه الفترة الجلود والنحاس، والحدادة، والحلي، والنسيج، والخشب وأدوات الطين والخياطة، والأدوات الحديدية، والطينية،

والخشبية وغيرها هذا بالإضافة إلى الدباغة والحيَّاكة(1).
- وبالتالي فصالح باي كان له دور كبير في إزدهار الصناعة في بايلك الشرق وأصبحت قسنطينة المدينة الثانية من حيث النشاط الصناعي في الإيالة الجزائرية.
3. التجارة:
لقد عرف النشاط التجاري إزدهارًا كبيرًا، على عهد صالح باي حيث جعل من قسنطينة المدينة الثانية من حيث النشاط التجاري في الإيالة الجزائرية(2)، وأصبحت قسنطينة ملتقى للقوافل التجارية، التي تجوب أنحاء الشرق الجزائري، وتربط قسنطينة بكل من الجزائر وتونس و قدامس، وقد ذكر أحد الكتاب المعاصرين لصالح باي أن القافلة المتوجهة إلى تونس في كل شهر كانت تتألف من "150 إلى 200 جمل" كلها محملة بالمحاصيل الزراعية والسلع المصنوعة بقسنطينة، وأثناء ذلك عرفت الموانىء البحرية التي كان يتم تصدير الإنتاج عن طريقها مثل عنابة والقالة وسطورة توسعا ملحوظا. في حجم المبادلات التجارية، وهذا ما دفع بصالح باي إلى توظيف وكيل في كل منها مكلف باستلام حقوق الديوانة المفروضة على الصادرات والواردات، والتي تعود إلى خزينة البايلك مباشرة، ولهذا الغرض أسس مرسى سكيكدة بجوار سطورة القديمة، وخصصه لتصدير القمح للخارج، وقد ذكر ذلك "صالح العنتري" بهذه العبارة:« وهو الذي أسس مرسى سكيكدة، وشهرها، وصاروا كل الأجناس يأخذون الوسق منها، وقد أنجزت له من تلك المرسى فوائد عديدة وذخائر مثمنة مفيدة»(1) ولعل أهم الموانىء على عهد صالح باي ميناء عنابة، الذي كان يزود خزينة البايلك بمداخيل محترمة جعلت نقيب الأشراف يخص مداخيل عنابة بهذه الكلمات: « و كانوا النصارى يوسقون القمح والشعير من عنابة سنين عديدة، حتى صار الباي لايقبل الدور من النصارى، ولا الضلبون المعهود بيننا، عندما تعمرت خزائنه أمرهم بأن يجعلوا الضلبون فيه مائة ضلبون، فامتثلوا لأمره، وصنعوا له مثلما أمرهم»(2) .
- كما شجع صالح باي التجارة الداخلية والخارجية، حيث كانت بعض القوافل التجارية المحملة بالبضائع تتجه نحو الجهات الإفريقية، والمشرق العربي، كما قام باستصلاح بعض الموانىء كعنابة والقل، والقالة، التي تأتي إليها السفن والمراكب التجارية الأوربية كإيطاليا، وفرنسا وغيرها للغرض التجاري، فتبيع بضائعها الأجنبية وتشتري بضائع البايلك، وقد وضع صالح باي كما ذكر سابقا وكلاء لمراقبة التجارة الخارجية و استخلاص الضرائب على الصادرات والواردات(3) .
- بالإضافة إلى هذا كان يوجد في قسنطينة مركز تجاري كبير يضم عدد هائل من الأسواق، وهذا المركز يقع في النصف الجنوبي من المدينة، منحصرا بين مسجد أبي مروان شرقا، والسور الجنوبي، والسور الغربي، ومسجد صالح باي، وكان منظما كأسواق متخصصة كما يلي:
- سوق الحوكة أعلى نهج عيسات إدير).
- سوق الحجامين(نهج نغرة محمد)(1).
- سوق الجزارين (نهج شمنتي عزوز).
- سوق النجارين(نهج الأهرام).
- سوق الفخارين (نهج الأهرام).
- سوق العطارين (نهج غزيري زينة).
- سوق الجيارين (قرب باب قسنطينة).
- سوق الحدادين (أسفل نهج عيسات إيدير) .
- سوق الخرازين (وسط نهج عيسات إيدير)(2).
وبالتالي فالتجارة على عهد صالح باي كانت مزدهرة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وهذا ما جعل من مدينة قسنطينة ملتقى للقوافل التجارية(3).
4. نظام الضرائب :
- أما في المجال الضريبي، فقد امتاز بالدقة والملائمة لأوضاع البايلك، حيث ظل العمل به بعد حكم صالح باي، فقد أخضعت جميع الأراضي الزراعية لضريبة الجبري(4) * ، وما يعادلها من الشعير، وعشرة شبكات من التبن كعلف للحيوانات.
- وبمقتضى هذا قسم البايلك إلى قطاعين: " شرقي وغربي"، يفصل بينهما وادي الحمام، وكل قطاع يشرف عليه قائد الجبري والذي يخضع بدوره لقائد الدار، ويتقاضى مقابل قيامه بهذا العمل ضريبة الزمام(1)، ويقوم بخرجتين في العام، إحداهما في الخريف لمراقبة أعمال الحرث، وأخرى في الصيف أي بعد الحصاد، ويقوم بمساعدته شيوخ الدواوير، وقياد النواحي، وفرسان المخزن، ومن إيجابيات هذا النظام هو أنه لا يتطلب عدد كبير من الموظفين، ويعطي أيضا فكرة واقعية عن مردود الضرائب مسبقا، كما أنه يشجع الفلاح على الإنتاج(2).










المبحث الثاني: الناحية العسكرية
لكي نتناول أعمال صالح باي الحربية يجب أن نعود إلى فترة سبقت فترة حكمه، وهذا لما أظهره من دهاء وحنكة فيها. ففي الوقت الذي ظهرت فيه مهارته العسكرية والبدنية، تحرك الجيش التركي بقيادة الباي زرق عينو، إلى قسنطينة لصد هجوم التونسيين على المدينة سنة 1170ه - 1756 م، وكان صالح باي من بين الذين توجهوا رفقة الباي، ومرة أخرى أثبت صالح بن مصطفى قدرته الفائقة في الحرب، فأثار إعجاب قائديه ومن ضمنهم "الباي أحمد القلي"(1)، وتكون هذه المساهمة هي التي فتحت أمامه أبواب الإرتقاء في المناصب، أولها قائد العواسي لقبيلة الحراكتة والتي بقي على رأسها "ثلاث سنوات"، إكتسب من خلالها حنكة في تسيير الأمور الإدارية ومعالجة المهام العسكرية، الأمر الذي أهّله لتولي منصب خليفة الباي مدة ستة سنوات، وما إن حلت سنة "1771"، حتى حل محل صهره وخلفه على رأس المقاطعة بعد وفاته، فكانت فترة حكمه من أزهى الفترات التي عرفتها المنطقة، لما تميز به من حكمة في القيادة، وكذلك السلام والأمن الذي عمّ المنطقة بفضل إخماد الثورات التي كانت قائمة، وذلك بإتباع سياسة سار على نهجها طيلة فترة حكمه، وهي سياسة تعتمد على القوة والحكمة(2).



1- حملاته داخل الجزائر:
الأعمال الحربية التي إشتهر بها صالح باي مع تعدّدها وتنوع أغراضها تتمثل في الحملات الفصلية لإستخلاص الضرائب ومعاقبة العصاة، ووضع حد للفوضى، وفي هجمات عسكرية إستهدفت الأقاليم البعيدة عن قسنطينة، قصد توسيع نفوذالبايلك، ومد سلطة الدولة على المناطق النائية، كالجهات الصحراوية والأقاليم الجبلية؛ هذا إذا لم تكن أعمالا حربية تهدف إلى رد هجوم خارجي أو تأمين الحدود الشرقية لبايلك قسنطينة، وتتبعه لعشيرة السقنية، إنطلاقا من مركز قناق* تاشودا، وقد تمكن صالح باي أثناء ذلك من فرض المغارم الكثيرة وقتل العديد من الممتنعين عن رجال قبيلة السقنية**، وفي هذا المجال نشير إلى محاولاته التكررة لمهاجمة أولاد عاشور بفرجيوة (1776/1781) حتى يحد من تطلعات شيخهم "محمد الشلهوم"، ويضاف إلى هذا النشاط الحربي تجريده لحملة عسكرية للحد من نشاط الشيخ الولي سيدي أحمد الزواوي، الذي إلتجأ مع أتباعه إلى جبل أوزغار، وحاول إثارة العامة ضد سلطة البايلك، هذا هو الصنف الأول من أعماله الحربية، أما الصنف الثاني فهو الهجومات العسكرية البعيدة المدى مثل حملته على أولاد عمور(1)، الذين أعلنوا العصيان، وجاهروا بالعداء ضد سلطة الدايات بالجزائر منذ سنة 1785، وقد إنتهى صالح باي في حملته هذه إلى أفلوا، الأغواط وتاجموت، وعاقب العصاة فاضطروا إلى إعلان الخضوع له، ومن حملاته العسكرية مهاجمته لدشرة "النميلة" التي أوقع بها عقابا صارمًا عندما قتل 100 رجل وبعث برؤوسهم لتعلق بقسنطينة ولتكون عبرة لمن تسول له نفسه العصيان(1) ، كما يندرج ضمن أعماله الحربية غارته على "أولاد نايل"* الذين شقوا عطى الطاعة في وجه الداي بالعاصمة فطلب هذا الأخير من صالح باي التوجه إليهم، وفعلا قاد حملة عسكرية ضدهم، وإقتحم الجلفة وبوسعادة وعاقبهم، وحصل على مغانم ضخمة بعد إنتصاره على جموع المتمردين في معركة" مسيف" أو " مالح"، وقبل أن يعود إلى قسنطينة ليدخلها دخول المنتصرين في شهر أكتوبر" 1187ھ - 1773م" كان قد بعث إلى العاصمة الكثير من الغنائم مع" 60 رأس و400 زوج أذن" للعصاة الذين قضى عليهم، وتمت عملية التعذيب بواسطة خازوق على الشكل التالي: " كانوا يعمدون إلى عمود خشبي، يقومون بنثر الشوائب من كل جهة، ثم يقومون بسنه من الأطراف حتى تصبح حادا للغاية، ثم يعمدون إلى دهنه بالزيت والصابون، ثم يدخلونه من الجانب الحاد داخل جسد الشخص المعنى حتى يحترق كتفيه، ثم يجعلون العمود قائما ليبدوا الرجل وكأنه يمتط حصانا، فتبقى يداه ورجليه دابة حتى تفارق روحه جسده"(2) ويحدث كل هذا على مرئ من الناس حتى تكون عبرة لهم.
كما يدخل في نطاق هذا النشاط الحربي أيضا حملته على مناطق الزيبان ومحاولته إستدراج شيخ الدواودة** محمد الدباج، للدخول تحت طاعته، وقد إضطر هذا الشيخ بفعل تخوفه من بطش صالح باي وشروطه الثقيلة إلى التسليم بمطالبه، هذا وقد توّج صالح باي نشاطه بضواحي الزيبان وذلك بمهاجمته توقرت* وإخضاع أمرائها من بني جلاّب 1202ھ/1788م الذين رفضوا دفع الضرائب للبايليك (1)، بالإضافة إلى تحريض الشيخ أحمد الناقم على إبن عمه الشيخ عمر حاكم توقرت،وعدم رضا صالح باي على الشيخ فرحات الذي خلف أباه في حكم منطقة وادي ريغ بسبب الغرامة المترتبة عليه، كل هذه الأسباب دفعت صالح باي إلى التقدم نحو منطقة الزيبان حيث كان خليفته بلشانة يسهر على جمع الضرائب من طولقة، بوشقرون، الزعاطشة وبعض الواحات الأخرى، وعندما بلغت الحملة وادي جدي تولى صالح باي قيادتها بسبب رداءة الأحوال الجوية وتساقط الثلوج بين 1788ھ/1789م وهو ما صعّب من مهمة صالح باي في إخضاع المنطقة، إلاّ أن صالح باي تمكن بعد 18 يوما من قطع جبال الأوراس والوصول إلى نواحي سيدي خليل ونصب خيامه أمام توقرت، وأمام تعنت حاكم توقرت فرض صالح باي حضارا شديدا على المدينة(2)، إستمر 70 يوما(3)، وواصل ضرب أسوارها وتحصيناتها بالمدافع التي إستصحبها معه لهذا الغرض، وزاد من تضييقه على المدينة بأن أمر جنوده بقطع أشجار النخيل المحيطة بها، وعندما أحدثت المدافع ثغرات في أسوار المدينة لم يجد حاكمها بدّا من طلب الصلح والقبول بشروط صالح باي الثقيلة، فقدّرت الغرامة التي فرضت عليه ب 300 ألف ريال*، يضاف إليها مجموعة من النخيل والعبيد وذلك مقابل الحصول على الأمان ونيل رسم التولية على إقليم وادي ريغ(1)، كما نذكر هنا أن صالح باي قد توجه أربع مرات إلى الزيبان حيث كانت تدعوه النزاعات التي تثيرها العائلتين الكبيرتين أولاد بوعكاز، وعائلة أبن قانة، وكان الإنتصار في الأخير لعائلة أبن قانة بدعم من صالح باي(2) ، كما حاول صالح باي بالإضافة إلى هذا ضم ميزاب إلى ولايته عام 1206ھ - 1792م، وسبب ذلك أن صالح باي طلب من بني مزاب التجار بقسنطينة غرائم باهضة دون غيرهم، مما أدى إلى سوء تفاهم بينهم وبينه، فتجرأ عليهم وصادر أملاكهم وأرزاقهم وأجلاهم من قسنطينة، فالتجأوا إلى زاوية بو حجر فاستقبلهم شيخ الزاوية وبالغ في إكرامهم، ثم رجع بهم إلى قسنطينة، وواجه صالح باي باللوم وأمره أن يرد عليهم ما أخذه منهم، وهدده فامتثل صالح باي رغم أنفه، عند ذلك وجه صالح باي طلبا إلى حسن باشا(3) في الجزائر، راغبا منه بالحاج أن يهب له وادي ميزاب ليكون تحت سلطته وولايته مضمرا نيته في الإنتقام لنفسه بتشريده أهل ميزاب والإيقاع بهم، وبمجرد ما بلغ الخبر علماء ميزاب ثار الوادي، فرأوا من الصواب أن يخبروا أولاً حسن باشا صاحب السلطة المركزية العليا راغبين منه أن يعدل عمّا خوّل لصالح باي من وضع وادي ميزاب تحت سيطرته ونفوذه، فانتدب المجلس الأعلى لوادي ميزاب الشيخ "ابراهيم بن بيحمان" ليقوم بتحرير رسالة في الشأن، فبعثوها في ذي القعدة 1206ه إلى أمير الميزابيين في الجزائر "إبراهيم بن صالح" الذي قدمها إلى الباشا بواسطة صهره "الحاج علي بن عبد اللطيف" فلما قرأ الرسالة حسن الدولاتي أجاب عنها ، وأبطل ما عهد إلى صالح باي من ضم ميزاب إلى ولايته.
يقول الشيخ بن بيحمان في مخطوطه « فكتب حسن الدولاتي إليه (صالح باي) أن يرجع عما عزمه ويخلي سبيل بني ميزاب، وحذره وأكّد عليه أن لا يذكرهم ولو بالسان مادام مرور الزمان، فلما وصله خبر المولى أنف وأبى واستكبر وعلا وغضب... فبعث إليه (حسن الدولاتي الباشا) باعزاله وبمن يقوم بدله في مكانه.... »(1) وفي أوائل محرم 1207ه كلف بني ميزاب الشيخ ابراهيم بن بيحمان أن يبعث مكتوب شكر وامتنان لحسن الدولاتي، كما أرسل مكتوب شكر وتقدير لصهره الشيخ علي بن عبد اللطيف، في أواخر صفر 1207 ه (2)
وبقراءة مثل هذه الأحداث يتبادر إلى الذهن أكثر من سؤال: هل كانت قسوة صالح باي ناجمة عن حياته الصعبة والقاسية التي إعتادها؟، أم هي الصرامة التي تحمي قوانينه وتحفظ له هيبته وهيبة الدولة؟ أم هي سياسة الترهيب لئلا يتجرأ أحد على التفكير في السطو على البايلك أو المس بترابه، ولكن بالرغم من أن الحكام الأتراك بصفة عامة كانوا جفاة غلاظا، وامتاز عهدهم بالعنف الدموي، والصراع على الكرسي والمؤامرات فيما بينهم من أجل السلطة، كما إمتازوا أيضا بالفوضى والرشوة والظلم والفساد، وهذا هو الجانب الأسود من حكمهم إلاّ أننا لا ننكر الجانب المضيء أو المشرق وهو أنهم مسلمون دافعوا عن الجزائر ضد الإحتلال الأجنبي الصليبي، وكانوا أرحم من الفرنسيين، أما صالح باي فرغم ما قيل عنه من قسوته إلاّ أننا نرى أنه لو لم يستعمل القوة في حكمه، لما شهد بايلك قسنطينة ذلك الإزدهار الذي شهده في جميع النواحي الثقافية والإقتصادية والإجتماعية، هذا بالإضافة إلى الأعمال العمرانبة الكبرى التي أقامها من أجل سكان البايلك بالإضافة إلى أنه بفضل جهوده العسكرية ساد الأمن لسنوات طويلة في هذا البايلك*.
وبالإضافة إلى هذه الحملات كانت حملات أخرى خاصة ضد شيوخ الزوايا مثل زاوية الشيخ سيدي عبيد في بلاد الحنانشة، والتي كانت تتمتع بشهرة عظيمة، وكثيرا ما يفتخر بثرواتها وخاصة بقطعان إبلها الكثيرة(1)، وحتى يحكم صالح باي سيطرته على القبيلة ويتمكن من إخضاعها سعى إلى التحالف مع إبراهيم بوعزيز شيخ الحنانشة، فأرسل إليه باش يسار بورنان بن زكري ليتفق معه على الوسائل التي ينبغي إتخاذها لتنفيذ الخطة المدبرة، وهي الهجوم على القافلة المحملة بالحبوب والموجهة إلى قبيلة النمامشة**، المتمردة ضد سلطة الباي، ولم يتمكن أفرادها من رد الهجوم، ففروا واحتجزت الإبل بحمولتها ورجع إبن زكري إلى قسنطينة وتتقدمه هذه الغنيمة البالغة، وخرج صالح باي لإستقباله وهنأه بحرارة على غنيمته، ودمغت الحيوانات بطابع البايلك الخاص،ثم ضمت إلى القطيع العام، ولم يجد شيخ أولاد عبيد حيلة أمام سكوت الباي عن شكواه سوى الدعاء عليه، ونظم قصيدة ينشد فيها صراحة موت الباي، وامتثل بورنان بوزكري أمام القضاء الجزائري وتمت تبرأته بعد أن ألقى للوم على صالح باي، وقد بعث داي الجزائر إلى صالح باي خفية يأمره بقتل بن زكري وتم تنفيذ الأمر فورا بقطع أطرافه(1).
ويذكر مرسي أن صالح باي كان قد طلب إبنة إبراهيم شيخ الحنانشة* للزواج، ولكن في الوقت الذي إستعدت فيه العروس للذهاب إلى قسنطينة في موكب فخم، غيرت رأيها، وما كان من والدها إلاّ الرضوخ أمام دموعها، فغضب صالح باي وقاد حملة ضده وعزل إبراهيم وعين بدله إبنه بو حفص، فلجأ إبراهيم إلى التحصن في "قلعة سنان"، ولكنه في أجبر في الأخير على الإستسلام، وسجن في قسنطينة، والراجح أن هذه الأحداث وقعت بعد حملة صالح باي على أولاد سيدي عبيد ربما بين عامي 1790- 1791م لأنه لو كانت العلاقة بينهما متوترة لما لجأ إلى التحالف معه.
- وفي نفس السنة قاد حملة على الحضنة ومنطقة بريكة لمعاقبة سكانها، فأمر بقطع أشجار النخيل والحدائق الجميلة ومقر سيدي لخضر(2).
- كل هذه المواقف السلبية الصادرة عن صالح باي تسببت في تحويل تأييد العامة له و إظهار رفضهم لسياسته(3) ويظهر هذا التحول والرفض من خلال علاقته برجال الزوايا الذين أصبحوا يكرهونه ويحرضون الناس ضده.
- ومن بين الناس الساخطين أيضا على صالح باي، نذكر المرابط سيدي محمد* الذي تميز بإنتقاداته للاذعة وذمه وقدحه الشديد، وكان أول من تجابه وتجرأ على الوقوف في وجه الباي معتمدا في ذلك على عدم تعرضه للعقاب إستنادا إلى شهرته وشعبيته الواسعة والتي ترفعه إلى درجة القداسة، إلاّ أن صالح باي ما كان ليسمح له بالتمادي عليه فحكم عليه بالإعدام، وبالرغم من توسل العلماء وبالرغم من الشعور العميق الذي أثاره هذا الحكم في المدينة، فقد تم تنفيذ الحكم على مرأى الناس، لكن الأسطورة تقول" أنه في الوقت الذي سقط فيه رأس المرابط على الأرض المخضبة بالدم. تحول الجسم إلى غراب، وحلق نحو دار التسلية التي أمر الأمير ببنائها في المكان المواجه للمدينة، وألقى للعنة عليه،وهذا الأمر أثر في نفسية صالح باي، الذي أحس بالندم، وليكفر عن ذنبه، قام بتأسيس ضريح بإسم الشيخ، ومنذ ذلك الوقت ضل يحمل إسم سيدي محمد الغراب (1).
بالإضافة إلى هذا أيضا كان هناك الشيخ أحمد الزواوي* والذي كان صديقا مقربا لصالح باي، والناصح له، لكن هذه العلاقة لم تدم، بعد أن عجز الشيخ عن إقناعه بضرورة التخفيف من قسوته، واستقر الشيخ على قمة "جبل أوزغار"، و قام بتوجيه الخطب المعادية للباي و التحريض ضده، فأرسل الباي محلة عسكرية تتألف من الأتراك فقط، لمحاربة المرابط وأتباعه الذين لاذوا بالفرار، وعندما إقتربت منهم المحلة قامت بتخريب تلك الجهة، لكنهم فشلوا في تحقيق هدفهم الأساسي وهو إلقاء القبض على الشيخ، لأن أتباعه تمكنوا من إنقاذه من غضب الباي، وبمجرد أن علم الشيخ أن أراضيه تتعرض للغزو، أوقد النار في كل الضيعات التي إعترضت سبيله(1)، وعاش منفيا، وقد إجتمع معه عدد من الناس حيث قارب 300 نفر، وتذكر الأسطورة أنهم عندما وصلوا إلى مدينة مشتى النهار إعترض طريقهم ثعبان ضخم فأمرهم الشيخ بقتله، ولكنهم عجزوا، فنزل الشيخ عن صهوة جواده ووضع رجله على الثعبان ولواه حتى مات، ثم استدار نحو الحشود المتعجبة وقال بأعلى صوته: "الغلبة لله وحده، ونحن عبيده ولا نخشى أحدا من دون الله"وأمر كل أتباعه بالإنصراف إلى ديارهم وتوجه هو إلى بيته(2)، كما تذكر الرواية بركات الشيخ الزواوي الذي توقع هجوم الإسبان فانتقل وأصحابه ليلا من جبل أوزغار وهو راكب على فرسه إلى ضفاف الحراش، وتمكن من القضاء على المسيحيين بعدما تجمدت مياه البحر، ولما عاد في الليل قص الحادثة على أصدقائه على أن تبقى سرًّا بينهم*.
- وبالتالي نستنتج بصفة عامة أنه رغم المكانة الخاصة التي حظي بها شيوخ الزوايا وعلاقاتهم الجيدة مع البايات إلاّ أن هذه المكانة العالية لم تدم طويلا، خاصة على عهد صالح باي وذلك بظهور خلافات كان من أسبابها:
إستحداث صالح باي لعدة أمور، أولها توحيد نظام الضرائب، وهو ما أزعج من كانوا يستفيدون من الإعفاءات على عهد البايات السابقين(3)، وقد تسبب ذلك في نقص الموارد التي كانو يحصلون عليها من عوائد أهالي الريف، وتعرضت أملاكهم للتغريم والمصادرة(1) .
- وبالتالي أحس شيوخ الزوايا بنوع من المنافسة لزواياهم خاصة بعد الإصلاحات التي أدخلها صالح باي في الإدارة بصفة عامة، والتعليم الإبتدائي، خاصة المدرسة الكتانية والتي خصّها الباي بميزانية، حيث كانوا يقومون بتعليم الطلبة القرآن الكريم، وأمور دينهم من سنّة وفقه، وكان الطلبة يقدّمون بعض المبالغ الرمزية أو الهدايا لشيوخ الزوايا، كل هذه الأسباب أثارت الحقد والغيرة والطمع والجشع في نفوس هؤلاء الشيوخ، الأمر الذي أدى بصالح باي إلى معاقبتهم وإقامة الحد لهم(2).
2- حملاته ضد تونس:
أما الصنف الثالث من أعمال صالح باي الحربية فهو الذي قصد منه رد هجوم خارجي، وتأمين حدود البايلك الشرقية ونذكر بهذا الصدد مشاركته في رد الهجوم الإسباني، وموقفه من باي تونس حمودة باشا سنة 1783 و 1787، هذا الموقف الذي جعل الشيخ المبارك يصف صالح باي "بأن له اليد العليا على صاحب تونس" (3).
- وبالإضافة إلى أن العلاقة بين الجزائر وتونس حينها كان يسودها نوع من التذبذب، والذي سرعان ما تحول إلى خلاف وصراع بعد الذي أقدم عليه باي تونس حمودة باشا، بمنع بعث حمولتين بحريتين من الزيت إلى الجزائر، ورغم تدخل السلطان العثماني فإن حمودة باشا رفض الرضوخ وقطع الدفع جملة وتفصيلا(1) ، وبايعاز من داي الجزائر الذي لم يخف إستياءه مما حدث، فوقف صالح باي وقفة ضد باي تونس والذي هو خير شاهد على حنكته السياسية، وحسن تصرفه في مثل هذه القضايا، هو أن صالح باي أصرَّ على تقديم تعويضات ملائمة عن الخسائر التي كان قد أحدثها جند حسن الكبير قائد على باي تونس، عند ملاحقته لقبائل تونسية إستقرت جنوب تبسة هربا من تعسف علي باي تونس، وكانت مقدار تلك التعويضات أربعين ألف سقين"sequins"*، وهو مبلغ كبير من المال، فتعجب حمودة باشا من هذا الطلب الغريب لقضية منسية، وكاتب داي الجزائر يعلمه بذلك ويهدده بقطع جميع العلاقات معه اذا أيّد باي قسنطينة(2)، لكن حمودة باشا لم ينتظر الرد من داي الجزائر وقاد فيلقا من الجيش وانتقل أولا إلى منطقة الجريد واقترب من الحدود، وكان صالح باي متواجدا مع زمالته في أرض القبيلة الهاربة**، فأقدم على أمر لم يكن حمودة باشا ينتظره، حيث أرسل عددا من جنده لتحيته وقدموا له عددا من الخيول الجيدة هدية له، وفتحت هذه الإلتفاتة الحسنة باب الأمل لحمودة باشا في إيجاد تسوية مرضية للخلاف الذي طرأ بين الجزائر وتونس،بيد أن هذه التسوية لم تتم مثلما كان يتوقعها باي تونس، إذا جاء رد داي الجزائر صريحا ومفاده:" ديوان الجزائر أيد وساند صالح باي" حينئذ خرج حمودة باشا على رأس محلة سنة (1199ه - 1784م) نحو قسنطينة وسميت "بمحلة الخمس بايات" وأثناءها كان صالح باي معسكرا مع جيشه على أراضي القبائل اللاّجئة، وقد هنأ زعيم القبيلة وبعث إليه بعض الخيول والهدايا، فما كان أمام حمودة باشا سوى الإذعان خاصة بعد إشتداد عدائه مع البنادقة، خوفا من أن يقع في صراع على الجبهتين أوروبية و جزائرية، وانتهت هذه الأزمة في شهر جوان من نفس السنة بدفع ما قدر ب 25000 محبوب (سقين)(1) إلى القبيلة التونسية والتي أصبحت تحت السلطة الجزائرية، وبقي الأمر هادئا بين البلدين إلى غاية مطلع 1202ه - 1787م(2)، ظهر نزاع آخر وكما هي العادة تتسبب فيه عادة القبائل القاطنة على الحدود التونسية الجزائرية، فظهر النزاع مجدّدا نتيجة متابعة صالح باي لبعض العشائر الجزائرية، الخاضعة لحكمه والتي إلتجأت بدورها إلى الأراضي التونسية هروبا من المطالب المالية، التي فرضها عليها عمال صالح باي، وعندها تهيأ صالح باي لمهاجمة تونس وذلك بإتهامه حمودة باشا بتحريضه لتلك القبائل، فتوجه نحو تونس على رأس جيش ناهز "6000 محارب"، ورغم استعداد حمودة باشا لصد هذا الهجوم بقوة قدر عددها "2000 تركي" و" 3000 من الكراغلة" وكثير من الفرسان العرب، إلاّ أنه ركن أخيرا إلى مهادنة صالح باي، ودفع ما توجب عليه من التعويضات(3)،وقد وصف هذه الأحداث أحد المؤرخين القسنطنيين المتأخرين بقوله «...ولما إنتهى إلى باي تونس بأن صالح باي نزل حيدرة مريدا إسترجاع من فر من وطنه إلى تونس عظم عليه الأمر وخشي على نفسه فوجه إليه كاتبه ابن عبد العزيز... ثم بعد ذلك إجتمع صالح باي وتحدث معه ووعده بمال جزيل وأمره صالح باي بأن يبلغ مكتوبه إلى باي تونس بأن يكون معينا لمن يرسله ليرجع الفارين من وطنهم فأنعم له بذلك، ثم أن صالح باي بعد إنفصال عبد العزيز من عنده، وجه قريبه محمد خوجة العجمي لإسترجاع الفارين من بلد تونس، وتوجه هو وكافة من كبراء الفرسان إلى بلد تونس...، فمكث هناك أياما واستحضر من أراد إسترجاعه» (1).
3- حملاته ضد إسبانيا:
ومرة أخرى يظهر من الذكاء والحنكة ما يجعل صالح باي محل تقدير واحترام الجميع، من خلال الدّور الهام الذي أدّاه في صد الهجوم الإسباني على مدينة الجزائر سنة 1189ھ - 1775م، التي قام بها ملك إسبانيا مدعما ببعض القوات الأوربية، وبعد تحقق صالح باي من قدوم الحملة الإسبانية إمتثل لأوامر الداي، وجمع قواته وعاد مسرعا ليتخذ مواقعه في الجهات الشرقية للجزائر العاصمة، فيما بين واد الحميز، وواد الحراش، وقد بادر بالهجوم على طلائع الحملة الإسبانية، وأبدى في ذلك شجاعة نادرة وبسالة قل نظيرها، وقد تعرض لها نقيب الأشراف في قوله: " جاء صالح باي قسنطينة من ناحية الواد، وقدم أمام الإسبانيول الألوف (كذا) من الإبل، فلما قربت من المتارز، إبتدأ القتال..... حمل صالح باي أولا بقومه وعسكره على المتارز، ثم لحقه النصارى ملقين(1) على الأرض بدون رؤوس ... ولحقوا الهاربين منهم إلى البحر... فقتلوا من لحقوه".
- ولعل ما يثير التساؤل هنا كم هو عدد الجيش الذي عسكره صالح باي بالقرب من وادي الحراش؟، وعلى كل فإنه على الأرجح كان يتجاوز عدة آلاف، وإن كانت بعض المصادر تقدره ب "2000" من مجموع "100 ألف" جندي شاركوا في صد الهجوم.
- وهنا تبادرت في ذهن صالح باي فكرة نفذها، إذ أنه قام بتجميع كل الإبل الموجودة، ووضعها أمام الجند لتكون حاجزا، كحماية لهم وقاد الهجوم بنفسه، فقدم الفرسان نحو الإسبان وتبعهم قادتهم وأقدموا على إجتياح المخيم(2).
- وعلى إثر جلاء الحملة الإسبانية من السواحل الجزائرية، سارع الجزائريون إلى الإحتفال بهذه المناسبة السارة، وعاد كل واحد إلى أهله، ورجع صالح باي إلى عاصمته قسنطينة ليلقى الترحيب الكبير، بعد النصر الباهر على الإسبان، والذي زاد من شعبيته، وجعله يفرض إحترامه وهيبته، فتفرغ بعد ذلك لشؤون حكمه(3)، وأسس في السنة نفسها مسجدا ومدرسة سيدي الكيتاني(4).
رد مع اقتباس
  #2  
قديم February 17, 2011, 02:54 AM
 
رد: صالح باي و أعماله الاقتصادية و العسكرية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سررت كثيرا لاني وجدت هذه المقالة التي اعتبرها عمود مشروع بحثي في الماجستير و الذي هو بعنوان:
الصراعات الداخلية و أثرها على المجتمع الريفي أواخر العهد العثماني 1771 الى 1830
وجدت في هذه المقالة معلومات قيمة لكن المشكلة تكمن في المصادر التي اعتمدت عليها غير موجودة لذلك اطلب منك اخي الكريم ان تدرجها لتفيدني اكثر و جزاك الله عني الف خير
اذا أردت الاتصال فيمكنك ان تراسلني على هذا الموقع
بوركت

التعديل الأخير تم بواسطة splender ; February 18, 2011 الساعة 06:13 PM سبب آخر: ممنوع وضع الايميلات
رد مع اقتباس
  #3  
قديم February 18, 2011, 06:14 PM
 
رد: صالح باي و أعماله الاقتصادية و العسكرية

اهلا بك اختي djininou
تم حذف الايميل لأن وضعه ممنوع
صاحب الموضوع لم يدخل منذ 2009 ولا اظن انه سيدخل الان
بالتوفيق لكِ
__________________



اللهم اغفر لـ أبي وارحمه واجعل مثواه الجنة
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسم من ذهب في تاريخ العسكرية العربية رجل المهام الصعبة شخصيات عربية 1 June 14, 2009 04:23 AM
الاستراتيجية العسكرية لحرب عاصفة الصحراء المقدام كتب السياسة و العلاقات الدوليه 4 April 29, 2009 08:40 PM
ورودالعدالة والتنمية واشواك المؤسسة العسكرية abdeslam844 المواضيع العامه 0 August 23, 2008 10:02 PM


الساعة الآن 12:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر