فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم October 23, 2011, 03:31 PM
 
(حكمة الحج ومشاهده)

عندما فرض علينا الحج قال لخليله{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } وما الحكمة؟ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم} حكمتين اثنتين:
الحكمة الأولى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}أي جهزها الله لهم في تلك الأماكن وهي منافع عاجلة ومنافع آجلة أما المنافع العاجلة فهي أن يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم خالصين من الذنوب والخطايا مستورين ومجبورين من الآثام والعيوب ويستجيب دعائهم ويصلح أحوالهم ويجيبهم في أحبابهم فقد قال r: {يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}
[1] والهدف المشترك بين جميع العبادات{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم} ولم يكتف بأن هذه هي الحكمة العالية والغاية السامية من تلك العبادات الراقية ولم يكتف بالتنبيه عنها وكلها في تلك الآية بل في كل خطوة من خطوات الحاج يذكرهم بتلك الحكمة فعندما ينزلوا من عرفات يقول الله لهم جميعاً {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فمرة يقول: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}ومرة يقول {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}أي اجعلوا ذكر الله هو الغاية العظمى فالغاية العظمى من الحج في كل خطواته وحركاته وسكناته هي ذكر الله.وكذلك الصلاة فيقول فيها الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فهو ذكر الله وذكر الله هنا التذكير فهو في هذا الموقف التذكير بالوعد والوعيد والجنة والنار في الطاعات والقربات بآيات من كتاب الله وبأحاديث رسول الله من باب فضل الله{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}و {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }والصلاة فيها ذكر الله فيها التحميد والتكبير والتهليل وفيها تلاوة كتاب الله وكلها في حركات الصلاة وكل حركة من حركاتها لها ذكر مخصوص يحب أن يسمعه الله من عباده المؤمنين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فكلها أحوال ذكر وكذلك الصيام فالهدف منه {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يعني من العبادات الجسمانية الهدف منها آية الذكر وقد علمنا rأنه ما أقيمت الصلاة وما فرض الصيام ولا نُسك الحاج إلا لذكر الله Uلماذا؟ ليعرفنا أن الدرجة الأولى في حياتنا هو ذكره I وليس هناك نهاية لنعم الله U. فلو حاول الواحد فينا أن يعد نعم الله عليه في نفس واحد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}نعمة واحدة إذا كانت ظاهرة أو باطنة بل نعمة واحدة من نعم الواحد كنعمة البصر أو السمع أو الكلام أو العقل أو الحركة أو القدرة أوالإرادة أو الحياة أو الرزق. نعم ليس لها نهاية نعمة واحدة منها لا يستطيع الواحد أن يحدها أو يحصرها من معطيها U ولكنه U طلب منا أن نذكره على ذلك. وطب منا أن نشكره على ذلك فإذا قمت من نومي وقد وهبني الحياة بعدما كنت في نومي كالأموات كما ذكر الله U{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندما أقوم من نومي وقد وهب لي الحياة لابد أن أشكره وأذكره وأقول كما علمني الرسول r: { الْحَمْدُ لّلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }[2] فأشكره على أن وهب لي الحياة وإذا نظرت إلى نعمة الأكل أذكره وأشكره وأقول { الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنـي هذا ورَزَقَنِـيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منِّـي ولا قُوَّة }[3]، وإذا أعطاني ماءاً أقول{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْباً فُرَاتاً بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحاً أُجَاجاً بِذُنُوبِنَا}[4]أي نعمة من النعم حتى نعمة الشهوة عندما انتهي منها أقول { الحمد لله الذي جعل من الماء نسباً وصهراً وكان ربك قديراً } لازم الإنسان يشكر الله على نعمائه. هي صحيح كلمات وليست شكراً وافراً ولا شكراً إيجابي لكن الله يقبلها منا ويدخرها لنا، ويعطينا عليها من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذاً كل العبادات يا إخواني تهدف إلى ذكر الله U وليس حلقات الذكر فقط هي الذكر لكن ذكر الله حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله U وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله. حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها ماذا علمني؟{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلىٰ كُلِّ حَالٍ}[5]ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله U وإذا جاءت مصيبة في نظري فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن لقول الله{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}فبنو إسرائيل لما اعتقدوا أن الموت نقمة وذهبوا إلى سيدنا موسى وألحوا عليه وقالوا له: يا كليم الله اطلب من ربك U أن يرفع عنا الموت فلا يموت منا أحد وكانوا قوماً شداداً في المكابرة والعناد. فلما ذهب موسى إلى ربه وطلب منه ذلك فرفع عنهم الموت وابتلاهم بالأوجاع والأسقام والفقر وقلة الأقوات فالمريض يشكو مُرَ الشكوى من الألم ولا يجد من يريحه وليس هناك موت كما طلبوا واشتد القحط وقلت الأقوات حتى أكلوا القطط والكلاب من قلة الأقوات وبخلت السماء بالماء وبخلت الأرض بالنبات وكانوا يأكلون بعضهم من قلة الأقوات والأرزاق ولا يجدون مناصاً ولا مخلصاً لهم وبعد خمس سنوات ذهبوا إلى موسى وقالوا له اطلب من الله U أن يأتينا بالموت لقد اشتقنا إلى الموت قال يا قوم ألم تطلبوه؟ ألم أنهاكم عنه وأنتم أصررتم على ذلك؟ قالوا ما كنا نعلم بالحكمة العالية التي من أجلها بعثه الله U فدعا الله U فاستجاب الله له ووجدوا أن الموت هو المصيبة فيما بينهم ووصفه ربنا على قدرنا أنه مصيبة وقال {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} لأن الموت يريح من اشتكى من السَقم ولا يجد من يريحه من شدة الألم ويفتح للناس الأبواب لكي يأخذ كل واحد منهم دوره في الحياة فلا يتمتع الشيوخ الكبار على حساب الشباب بل لكل واحد منهم قسط معلوم ومصير من الأقوات والأرزاق ونعم الحي القيوم فعلينا أن نقول عند الموت: الحمد لله على نعمه وحتى المرض فهو نقمة على الكافرين لكنه نعمة للمؤمنين. كيف يكون المرض نعمة؟ لأن الله U يطهر به المسلم من خطاياه ويغسله من ذنوبه وآثامه حتى ورد فى الأثر أن: { مرض يوم يكفر ذنوب سنة }وهذا إنما هو للمريض الصابر الذي لا يجزع ولا يشكو الله ولا يقول: لم خصصتني يا ربَّ بهذا الهم؟ ولم ابتليتني بهذا الغم؟ وأنا أصلي وفلان لا يصلي لأن هذا اختياره بعلم وحكمة وهذا اختيار العليم الحكيم U. فالمريض الصابر الذي لا يشكو من مثل هذا كل يوم من أيامه يكفر عنه ذنوب سنة ولذا قال r: يقول الله في الحديث القدسي: { أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ، فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ، حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إيتَنِفِ العَمَلَ –استكمل العمل-} [6].ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أن يمرض الرجل منهم قبل موته لما ورد عن رسول الله r ما معناه أنه إذا أحب الله عبداً أمرضه قبل موته، لماذا؟ ليرحمه ويمحو الذنوب التي عليه ويبدلها بحسنات ومكان الحسنة بعشر حسنات ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء على حسب قوة إيمانه وعلى حسب صبره وقدرته على تحمل المرض حتى المرض يا إخواني نعمة من نعم الله U لكن ليس معنى ذلك أن نرضى به ونسلم به ونترك التداوي وقد قال r: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إِلاَّ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً}[7].علينا أن نأخذ بالأسباب التي أوجدها مسبب الأسباب Uإن المؤمن يا إخواني عليه آناء الليل وأطراف النهار أن يذكر الله وعليه أن يشكره وعليه أن يستعين بنعمه وعليه أن يؤدي ما عليه من واجبات ذكره وشكره إذا واجهه ولو بالقليل من نعمه وفضله U حتى يدخل في ساحة الرضوان فيمن قال فيهم{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}أويدخل في قوله{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}فيدخل في هؤلاء القوم الذين سيكرمهم الله، والذين لا يندمون لحظة الخروج من هذه الحياة ولا يندمون يوم لقاء الله، ولا يندمون حتى بعد دخولهم في جنة المأوى وفي رحاب الله U. والمؤمن لحظة خروج روحه يرى ما له من الثواب العظيم على العمل اليسير فيكشف المولى ما له من الأجر العظيم على عمله في طاعة الله وعلى ذكره وعلى صبره وعلى حكمته في هذه الحياة فينادي ويقول كما قال الله{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }والذكر ليس له شروط فلا يحتاج إلى وضوء ولا إلى مكان معد ومحدد مثل هذا بل يجوز في الشارع ويجوز في السوق ويجوز في العمل ويصح في البيت ويصح على وضوء وعلى غير وضوء بل يجوز حتى على الجنابة فالجنب لا يصلي ولا يقرأ كتاب الله ولا يمس المصحف ولكنه يجوز له أن يذكر الله U. فأين العذر عندما يسألني الله؟ ماذا أقول له؟ كنت مشغولاً بالأرزاق فيقول لي: وما شأنك بذلك؟ ألم أقل لك{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }وكذلك في الآخرة فالسابقون في هناء وسرور من الطاعات والقربات والنوافل وعمل الصالحات فقد سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله U والمستهترون معناها الذين لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين قال r: {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىٰ اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَىٰ الرَّحْمنِ. سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ }[8]، وقال أيضاً { سيروا فقد سَبَقَ المُفْردُونَ، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: المُفْرَدُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيٌّاتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً }[9]، وود عن ذى النون: { إذا أكرم الله عبداً ألهمه ذكره }وقال r: { أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ غَداً، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، ويَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذِكْرُ الله عَزَّ وجلَّ }[10].


[1] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.[2] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي ذر، وحذيفة.

[3] رواه صاحب مسند الشاميين عن أنس.

[4] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى جعفر مرسلا

[5] رواه ابن ماجة في زوائده، والبيهقي في الدعوات والحاكم في المستدرك عن عائشة وأبو هريرة.

[6] رواه السيوطي في الفتح الكبير والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة.

[7] أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك.

[8] رواه الطبراني والبخاري في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه عن أبي هريرة.

[9] رواه الطبراني والترمذي ومسلم عن أبي الدرداء وأبي هريرة.

[10] رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم October 24, 2011, 05:53 PM
 
رد: (حكمة الحج ومشاهده)


تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهزه لنا الملك العلام فكلنا يود أن يذهب إلى تلك الأماكن ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين حتى أن بعضنا من شدة شوقهم إذا ناموا يرون أنفسهم في تلك البقاع يطوفون أو يسعون أو يقفون لأن الجميع يشتاق إلى بيت الله U. وقد ذكرني ذلك بقول سيدنا عبد الله بن عمر y عندما كان يحج ذات مرة وأخذ يزاحم على الحجر حتى دمى وجهه وحتى تورمت أصداغه فقال له بعض من حوله: يا عبد الله لم هذه المزاحمة وقد أغناك الله عن هذا ونهى رسول الله r عن شدة المزاحمة؟ ماذا قال t؟ قال: هويت إليه القلوب فأحببت أن يكون فؤادي معهم. أى هذا المكان اشتاقت إليه القلوب فوددت أن يكون قلبي معهم بين يدي مقلب القلوب U.هذا حال المؤمنين ممن اختارهم الله لزيارته كلهم شوق وحنين وحب وأنين خاصة من أسمعه الله نداءه على لسان الخليل فقلبه مملوء بالشوق وفؤاده لا يستقر في مكانه لأنه هائم هيام دائم في بيت الله U لماذا هذا الحنين؟ ولماذا هذا الشوق؟هذا لأن الله يقول{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت كيف تم ذلك؟ عندما أهبط الله آدم u ونزل في سرنديب في بلاد الهند ونزلت الجدة حواء في جدة وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عام وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم وقال له يا آدم اذهب إلى البيت وطف حوله يغفر الله لك. فجاء آدم u من بلاد الهند ماشياً غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض حتى وصل إلى البيت وكان البيت ليس كهيئته هذه وإنما صخور مرتفعة بناها الملائكة فطاف حوله وهو أول من طاف بالبيت من البشر وإن كان البيت لا يخلو من طائف في لحظة من ليل أو نهار فقد ورد في الأثر: { لا يخلو هذا البيت من ستمائة ألف يطوفون به كل يوم وليلة فإذا لم يتموا العدد من البشر أتمه الله من الملائكة } هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات ومهبط للبركات يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله U للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود هذا البيت في أي بلد؟ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}لمَ لم يقل الله مكة؟ هي مكة وبكة وأم القرى وهي البيت الحرام. وقال الله بكة لأن الله آلى على نفسه أن يبك (يدق) أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت. فهي بكة لأنها تبك (تدق) أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين U.وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله U كأنها فهمت قول الله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}وأخذت على نفسها العهد ألا تؤذي أحد من أجناسها فقبل الإسلام ولم يكن للبيت سور يحيط به ولا أبواب تغلق فكانت الحيوانات المتوحشة يجري بعضها إثر بعض ليقتنص فريسته فإذا جرت الفريسة ودخلت حدود الحرم وقف الوحش بدون حراك كأنه يعلم أن هذا حرم وأن هذا مكان آمن وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي وجهة اليمن يمشي أما جهة البيت فيصرخ فيحمو الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله U حتى أن الحيات وهي العدو اللدود للإنسان لا تؤذي إنساناً في الحرم ولا تروع إنساناً في البلد الأمين والطيور كذلك تقف على المصلين وتطير ذات اليمين وذات الشمال ولكنها تطوف كما أمر الله U المؤمنين بالبيت لو نظرت إليها لا تجد طائراً يعلو البيت الحرام إلا إذا كان به مرض فالحمامة التي تمرض يلهمها الله U أن شفائها في الوقوف على ظهر البيت للحظات فتصعد على ظهر البيت وتقف عليه للحظات فتشفى بأمر الشافي U أما الحمامة السليمة فإنها تطوف حوله كما يفعل المؤمنون وكما تفعل الملائكة وكما فعل النبيون والمرسلون أجمعون والكل ينفذ أمر رب العالمين{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}لابد أن يطوفوا بهذا البيت ولذا عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين. صدَّه الله U عن البيت مع كثرة عدد جنده فما كان منه إلا أن نطق بالإسلام وطاف بالبيت وكساه الديباج والحرير فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت حتى أن الحجاج عندما حاصر ابن الزبير وأمر جنوده أن يقفوا على جبل أبي قبيس في مواجهة الكعبة ويضربوه بالمنجانيق [وهي آلة كالمدفع إلا إنها تقذف قذائف مصنوعة من القماش وفي وسطها البارود وإذا نزلت تعمل حرائق كبيرة] فأطلق المنجانيق على البيت وأشتعلت النيران وإذا بسحابة تأتي من جهة جدة على قدر البيت فتقف قبالة البيت وتنزل الماء فتطفئ النار التي أشتعلت في كسوة البيت ثم تأتي صاعقة فتخطف الثلاثين رجلاً الذين قذفوا هذا البيت وتنهي حياتهم في لمحة ولكنه من شدة جبروته جاء بآخرين وقال لهم: لا يهولنكم الأمر أي لا تخافون فإنها أرض صواعق فجاءت سحابة أخرى فاختطفتهم أجمعين فرجع عن كيده للبيت بعد أن يئس منه لأنه علم أن الله U يحفظه بحفظه ويكلؤه بكلاءته{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله والصالحين الذين كانوا حوله ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت قال {مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }هو في ذاته مبارك وهو في ذاته هدى للعالمين لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان U فلو ذهب إليه تائب يتوب الله عليه ولو أتاه سائل يجيب الله له كل المسائل ولو ذهب إليه راج يحقق الله له كل رجاءه ولو ذهب إليه عابد يرجع بعبادة لا عد لها ولا حصر لها يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه، الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه، والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحة فيما سواه والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه حتى قال العلماء: لو صلى رجل صلاة واحدة جماعة في بيت الله الحرام كانت أفضل في الأجر والثواب له من أنه لو عاش عمر نوح في بلده يعبد الله U قيل له: وكيف ذلك؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وصلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة فحاصل ضرب المائة ألف في سبعة وعشرين يكون رقم كبير وعمل كثير لا يستطيع الإنسان أن يقضيه هنا ولو أعطاه الله عمر نوح uهذا البيت يقول فيه r{يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ: سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ}[2]وقال r: {مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[3]علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين من أول آدم إلى يوم الدين ويشهد لهم عند رب العالمين يعرفهم بأسمائهم ويصورهم ويردد الكلمات التي قالوها في مواجهته شهادة لهم عند ربهم وهو حجر لكنه مملوء بنور النور الأكبر U هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم عن أَبي سعيدٍ الْخدري t قَالَ: { حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ عَليُّ t: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ U، قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ}.[5] فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين ودهر الداهرين. فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربه من حر مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة. فما بالكم بالميزاب؟ وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين. كل من يدعو يؤمنون عليه ومن وافق دعائه دعاء الملائكة استجاب الله U له.
فما بالكم بمقام إبراهيم؟ وما بالكم بزمزم؟ وما بالكم بكذا وكذا.. آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور حتى نعرف منها بعض الحكم التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت

[1] رواه النسائي في سننه وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في سننه عن جابر.

[2] رواه الحاكم في الكنز وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس.

[3] رواه الدار قطني في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[4] الهندي فِي فَضَائلِ مَكَّةَ، أَبُو الْحسن الْقَطَّان فِي المطوالاتِ، والحاكم فى مستدركه، جامع المسانيد والمراسيل
رد مع اقتباس
  #3  
قديم October 26, 2011, 01:02 PM
 
رد: (حكمة الحج ومشاهده)

آية من آيات ربنا U كلنا نشهدها فى الحج إما بعين الرأس لمن وصل إلى هنالك وإما في وسائل الإعلام لمن لم يقدم الاستطاعة ويوفقه الموفق للوصول إلى هنالك يذهب الناس من فجاج الأرض يفارقون الأهل وهم فرحون ويفارقون المال والأوطان وهو مغتبطون ومسرورون لا يبكي أحد لفراقهم بل كلنا نهنئهم ونتمنى أن نكون على أثرهم ونلح عليهم أن يدعو الله لنا هنالك أن يكرمنا بالحج كما أكرمهم هذه الآية ما سرها؟سرها كلمة وقف أمامها الناس كثيراً فقد سُئل الإمام علي t وكرم الله وجهه: يا إمام كم بين السماء والأرض؟ فقال: دعوة مستجابة. ليس الفرق بين السماء والأرض بالكيلومترات ولا بالأميال ولا بسرعة الصوت أو الضوء أو غيرها بل هناك من هو أسرع من ذلك كله وهو الدعوة التي تخرج من قلب العبد المؤمن لله ربِّ العالمين فإنه لا يكاد يحرك بها شفتاه إلا ويستجيب لها الله U{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}بمجرد الاستغاثة أجاب لم ينظر في الأمر ولم يؤجله إلى ميعاد بل استجابة فورية بفاء الفورية لأن الله U وعد بذلك عباده المؤمنين وخاصة إذا كانت الدعوة تتعلق بأمر من أمور الدين إذا كان الإنسان في ضيق بسبب إتباعه وصدقه لأمر الله أو يتعرض للإيذاء أو الشدات لتطبيقه لأمر الله أو يصبر أمام أعاصير المادة التي تريد أن تقتلع جذور الإيمان من قلوب المؤمنين فهذا هو المثل عندما ضاق بإبراهيم u الميدان وفر بأهله وبولده وذهب إلى مكان لا يصدق أي إنسان بالحياة فيه لا زرع ولا ضرع ولا وحش ولا طير ولا خير فيها على الإطلاق لكن تجلت آية الكريم الخلاق لأنه هاجر بهم من أجل دين الله ولإحياء شعائر الله دعا فقال{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} هاجر بهم من أجل أن يقيموا الصلاة ويحيوا شعائر الله لأنهم لم يتمكنوا من إقامتها بين القوم الكافرين ودعا ماذا دعا؟ وماذا كانت إجابة المولى له{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } وهذا ما نراه منذ زمانه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أفئدة الناس وقلوب الناس وأشواق الناس تزداد إلى زيارة هذه الأماكن وتتمنى أن تطأ هذه المواطن. لماذا؟ هل يحصلون هناك أرزاق؟ هل يحصلون هناك على أوسمة أو نياشين؟ نعم لكن أرزاق ربانية وأوسمة ونياشين قرآنية وإلهية لم يهاجروا طلباً للدنيا أو زينتها وإنك ترى العجب عندما ترى الرجل الفقير يجمع القرش على القرش حتى يوفر نفقة الحج فإذا توفرت لديه كانت هذه أكبر فرحة عنده في هذه الحياة لا يضارعها فرحة بمنصب مهما كان عظمه ولا بمولود مهما كان شأنه كيف يفرحون وهم من أموالهم ينفقون؟ ولأهلهم وأوطانهم يفارقون؟ ولبلاد لا يعرفونها يذهبون؟ لأنها دعوة إبراهيم u التي استجاب لها الله وجعل هذا المكان قبلة لجميع خلق الله من لم يذهب إليه للحج يتجه إليه وهو في مكانه في الصلاة ولا تستوفى الصلاة إلا إذا اتجه إلى البيت الذي بناه إبراهيم u استجابة لدعوته U.
والشق الثاني من الدعوة{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }وهذا أمر والحمد لله رأيناه جميعاً فليس عندهم أنهار ولا أمطار ولا غابات ولا أشجار لكن الله أنبع لهم من الأرض أرزاقاً بغير عمل منهم فتأتي الشركات الأجنبية ويعمل فيها أهل أمريكا وأوروبا الذين لا يتحملون حرارة الصيف يأتون وهم المترفون يعيشون في الصحراء متحملين حرارتها وشظف العيش بها ليحفروا آبار البترول ويستخرجونها وبني إبراهيم والذين سكنوا في الأرض التي دعا فيها إبراهيم جلوس مستريحين لا يتعبون ولا يكدون ولكنهم يقفون على المواني ليحاسبون فكل شحنة لهم منها نصيب بلا تعب ولا عناء ثم زاد الله U بعد ذلك في خير هذه الأرض فجعل خير أي بقعة في الكرة الأرضية من فواكهها ونباتها ومصنوعاتها ومشتهياتها يعرض في هذه الأماكن بأسعار أرخص من الأماكن التي تنتج فيها لأن الله استجاب لإبراهيم عندما قال له{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}وعندما خوفهم بعض الكافرين بأن البترول مآله إلى النفاذ إذا بهم يكتشفون جبالاً من الذهب في باطن الأرض فتركوها كما هي للأيام الخالية لأن الله U شملهم بدعوة إبراهيم فرزقهم من جميع أنواع الثمرات والخيرات وتلك آية لنا جميعاً جماعة المؤمنين فيا أخي المؤمن يا من تشكو ضرك للمخلوقين وتشكو مكابدة الحياة وعناء العمل لمن لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً ذلك هو الطريق اصلح ما بينك وبين الله ونفذ على نفسك وأهل بيتك ما يحبه الله ويرضاه وخذ بهم وبأيديهم على كتاب الله وعلى سنة سيدنا رسول الله r ثم اطلب بعد ذلك ما شئت من مولاك يواليك بالعطاء بلا سبب لأن الله يرزق أحبابه بغير حساب كما استجاب لإبراهيم في ذريته وأهله عليهم السلام{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}كيف تكون مستجاب الدعوة؟ وما الأمر الذي يطلب منك لتنال هذه المكرمة وتكون من أهل تلك المنة؟إن رسولكم الكريم r لخص الأمر في كلمتين مجيباً لسعد بن أبي وقاص t عندما قال: يا رسول الله ادعوا الله أن يجعلني مستجاب الدعوة قال{يا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَة }[1] أي كل من طريق حلال ليس من غش ولا سرقة ولا خداع ولا ربا ولا تطفيف في كيل ولا غش في ميزان ولا تضييع لوقت العمل فيما لا يفيد وإهمال لمصالح المترددين من العبيد تحت دعوة على قدر فلوس الدولة نعطيها لأنك تعاقدت على ذلك وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه فإذا اتقنت العمل وابتعدت عن مواطن الزلل وحافظت على فرائض الله وكفى فإنه يكون بينك وبين الله خطاً مباشراً وهاتفاً مستعجلاً تدعوه في أي أمر ما لم يكن إثم أو قطيعة رحم. يعجل لك قضاءه في الحال وقد كان على ذلك أصحاب رسول الله r أجمعين والأمثلة في هذا المجال يضيق الوقت عن ذكرها قالe: { الرجُل يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربَّ يا ربِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْرَبُه حَرَامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وقَدْ غُذِيَ بالـحَرَامِ، فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ }[2]الذين يدعون الله ألا يستبطأ الإجابة ويقول دعوت ودعوت ولم يستجب لي فقد قال r:{ يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ }[3] فالأمر يحتاج إلى يقين هاجر وإسماعيل عندما أودعها وطفلها بين الصفا والمروة وقالت له: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها فكررت القول ثلاث فلما رأته لم يجبها قالت: أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. ثقة بالله ويقيناً وحسن ظن بالله U وقال r:{ حُسْنُ الظّنِّ بِالله مِنْ حُسْنِ الْعِبادَةِ }[4]فلما أحسنت بالله ظنها فرج الله أمرها فبينما هي تجري مسرعة بين الصفا والمروة بعد نفاذ السقاء الذي كان معها من الماء إذا بها تجد طيوراً عند صغيرها فتسرع إليه خائفة فإذا الماء قد نبع من تحت قدم رضيعها وعلى هذا الماء أمر عجيب في صحراء جرداء لا يرويها نهر ولا يأتيها مطر تروي الملايين والملايين في كل طرفة عين ولا ينفذ ماؤها ولا يتغير طعمها ولا يعطي منها ماء في الأول يخالف الماء في آخر اليوم فكأنها تنبع من الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإسماعيل u عندما حكى له أباه الرؤيا وقال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ولم يعترض على أمر الله ولم يهرب من أبيه بل عاونه وكان نعم العون له وقال له يا أبت لا تخبر أمي بخروجنا وخرجا وتظاهرا أنهما خارجان للسير فلما وصلا إلى منى قال: يا أبت اشحذ المدية (السكين) حتى تقطع بسرعة وانزع قميصي من على جسدي حتى لا يقع عليه الدم فتعرف بذلك أمي فتحزن لأجلي وألقني على وجهي حتى لا تنظر إلى قسمات وجهي فتأخذك رحمة في تنفيذ أمر الله U فقال له: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }ونزل الملك بفدائه من الجنة بكبش سمين لتكون سنة عملية لمن يحج ولمن لا يحج إلى يوم القيامة تثبت للناس أجمعين أن المؤمنين الذين يسلمون لأمر الله ولا يعترضون على قضاء الله الذي ليس في وسعهم دفعه ولا منعه يحميهم الله بلطفه وينقذهم الله U ببره لأنه نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير جماعة المؤمنين عليكم بباب الدعاء عليكم بباب الدعاء تعلموا آدابه وألزموا أنفسكم بشروطه وادعوا الله U في ليلكم ونهاركم في مساجدكم أو في أعمالكم أو في بيوتكم أو في شوارعكم تجدون الله U أقرب إليكم من كل شئ لكم أو حولكم وأقرب إليك من مالك الذي في البنك ومن زوجتك التي تنام إلى جوارك على الفراش ومن فلذة كبدك الذي أنفقت عليه آلاف الجنيهات وارحم بك من نفسك وارحم عليك من كل هؤلاء. فاستغني بالله يغنيك الله عمن عداه


[1] رواه الطبراني في الصغير عن سعد بن أبي وقاص t.

[2] رواه البيهقي في سننه ومسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه والدارمي عن أبي هريرة t.

[3] رواه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه والإمام مالك في الموطأ وأبي داود في سننه عن أبي هريرة.

[4] رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكمة القرن...حكمة غيرت حياة الملايين... saber83 علم البرمجة اللغوية والعصبية NLP وإدارة الذات 10 March 28, 2012 02:59 PM


الساعة الآن 03:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر