فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم September 24, 2011, 02:51 PM
 
Cup «أزمان حالكة» لديكنز: صراعات الطبقات الاجتماعية وخيباتها المتلاحقة

«أزمان حالكة» لديكنز: صراعات الطبقات الاجتماعية وخيباتها المتلاحقة


(24/9/2011ا

بقلم :إبراهيم العريس


كتب تشارلز ديكنز «أزمان حالكة» عام 1854، أي بعد سنوات قليلة من اندلاع «حرائق» الانتفاضات العمالية عام 1848. وفي زمن كانت تلك «الحرائق» تحرك مخيّلات زملائه الكتّاب والمفكرين وتجعلهم شديدي التفاؤل بالمستقبل الزاهر. هو كان أكثر صواباً منهم: صوّر الواقع وقال ان ذلك كله لا يمكن أن يفضي الى أي حل. شخّص ما يحدث وقرر أن الحماسة للنزعة «الشارتية» ذات السمات الاشتراكية الانسانية، لن تفضي الى شيء أيضاً. ومن هنا حملت روايته هذه، السوداوية نفسها التي وسمت معظم ما كان كتب وما سيكتب لاحقاً حول البؤس والبؤساء. بل انه في «واقعيته» الكأداء مهّد الطريق لسوداويات أخرى عادت واستشرت ولا سيما في الأدب الفرنسي الاجتماعي (هوغو، زولا... الخ)
تدور أحداث رواية «أزمان حالكة» في مدينة كوكتاون، حيث تزدهر الصناعة الناشئة وتحدث تبديلاً في الذهنيات وفي الأحوال الاقتصادية للناس. وهذه الصناعة تستأثر بكل ما في المدينة: بمياهها، بسمائها، بالنساء والرجال، وبشتى الطبقات الاجتماعية بمن فيها الطبقتان الصاعدتان بفضل الصناعة: البورجوازية والبروليتاريا. وإذا كان ديكنز رمّز الى البروليتاريا بشخصية العامل بلاكبول (الذي سنعود اليه بعد قليل)، فإنه رمّز الى البورجوازية عبر شخصيتين أساسيتين، كل منهما رب عائلة ويمثل قطاعاً من البورجوازية يختلف عن الآخر: فهناك من ناحية مدير المدرسة غراد غريند، الذي كان - لفرط ما لديه من نزعة مادية - يرى أن تربية الصغار يتعين أن تساير «الوقائع» وتكون خاضعة لها. وهو، تشديداً على نزعته هذه، يربّي أطفاله أنفسهم تربية شديدة المادية و «النفعية» وائداً لديهم كل قدرة على الإبداع والتخيل، وكل حساسية وكل نزعة مثالية. وفي مقابل هذا الشخص الذي يجسد البورجوازية، وهو بالأحرى خادم لها، لا جزءاً حقيقياًَ منها، هناك السيد باوندرباي، رجل الأعمال والمصرفي، صديق مدير المدرسة. وهو هنا، بورجوازي حقيقي يعيش حياته وأفكاره في خط واحد لا يتطور، ذلك ان وصوليته البيّنة وانتهازيته الواضحة - وهما يعبّران عن ترسخه الطبقي - على عكس ما هو حادث بالنسبة الى غراد غريند، غير الراسخ طبقياً -، يمنعانه من أي تفاعل انساني مع الواقع المعاش. والجزء الأساس من الرواية يتتبع مسار حياة الشخصيتين «البورجوازيتين» - معاً ومنفردين وكذلك في علاقة كل منهما مع أولاده - فإذا كان مدير المدرسة يكتشف ذات يوم أن تربيته لأولاده قد أدت الى كارثة وأنه قد عاش حياته وأفكاره وهو يؤلّه مبدأ الربح في نزعة وضعية لا علاقة لها بأية مشاعر انسانية أو أخلاقيات أو قدرة حقيقية على الوصول الى السعادة، فإن صاحب المصرف، صديقه، لا يكتشف شيئاً لأنه آلة حقيقية لمراكمة الأموال. واللافت هنا انه من بين أولاد غراد غريند وغيرهم من الأولاد، وحدهن الفتيات الأصغر ينفذن بجلدهن من ذلك الجمود المادي، ذلك انهن يقعن تحت تأثير المهرجة سيسي، التي كان غراد غريند لا يكف عن اضطهادها منذ بداية الرواية. ولأن سيسي فقيرة، كان من المنطقي أن تحظى بحب تشارلز ديكنز، لأن الفقراء، في رأيه «يعرفون عادة كيف يحافظون على أفئدتهم صافية نقية»، ما يجعلهم ويجعل شجاعتهم الأمل الوحيد المتبقي لخلاص هذا النوع من المجتمعات.
وبالنسبة الى تشارلز ديكنز، من الواضح أن الفقراء لا يتطابقون تماماً مع البروليتاريين، لأن هؤلاء ليست لهم، في مطلق الأحوال، نقاوة البائسين. وهنا، في هذا الاطار، نصل الى شخصية البروليتاري بلاكبول، الذي يقع ذات مرة ضحية لمؤامرة يحيكها ضده ابن سيده صاحب العمل، ومرة ثانية ضحية لسذاجة رفاقه في العمل في مصنع الحياكة. وإذا كان بلاكبول يمثل هنا شرف الطبقة العاملة ونزاهتها، فإن رفاقه لا يماثلونه استقامة، ما يكشف عن ازدواجية المعايير في نظرة ديكنز الى هذه الفئة من أبناء المجتمع: فهو، بعد كل شيء، كان يرى أن الطبقة العاملة موزعة بين سذاجتها وبين طيبتها وبين خضوعها الى الديماغوجيين الذين يقودونها. طبعاً نعرف أن هذه النظرة الى البروليتاريا كانت تعتبر، في ذلك الحين، هرطقة في نظر الليبراليين وغيرهم من أصحاب النزعة الاجتماعية المادية والاشتراكية، لكن ديكنز لم يأبه لهذا: كتب ووصف ما كان يعايشه، فهل علينا أن نذكّر بأن الأزمان التالية أتت لتعطيه الحق على حساب كل الذين استصغروا، في هذا المجال، شأنه وشأن أفكاره ووسموه دائماً بالكاتب «البؤسوي»؟
على أية حال، لا بد هنا من طرح سؤال أساس: بعد هذا الوصف، هل يحق لنا اعتبار «أزمان حالكة» رواية، أم انها وكما يقترح بعض المؤرخين ونقاد الأدب، أقرب «الى أن تكون نصاً انتجه صحافي طليعي ذو قناعات ليبرالية انسانية»؟ مهما كان من شأن الجواب، فإن هذا العمل يبقى من بين أقوى ما كتب في ذلك الزمن، وكذلك من أجمل أعمال تشارلز ديكنز.
وتشارلز ديكنز الذي ولد عام 1812 ومات عام 1870، هو، بالطبع، واحد من أبرز الكتاب الروائيين الانكليز في زمنه، ولد لأسرة كانت انهارت اقتصادياً، وخاض منذ طفولته العمل في المصانع كما عرف الفاقة وهي تجارب عبّر عنها في بعض أهم رواياته مثل: «آمال كبيرة» و «دايفيد كوبرفيلد» و «أوليفر تويست»... وهي أبرز رواياته الاجتماعية. وهو كتب أيضاً أعمالاً هزلية (أبرزها «أوراق مستر بكويك») ومقالات اجتماعية وسياسية وزار بلداناً كثيرة كفرنسا وسويسرا، وخصوصاً الولايات المتحدة التي استقبلته استقبال الفاتحين، لكن حين غادرها لم يفته إعلان خيبة أمله إزاء «ديموقراطيتها».
__________________



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ويلات وطن..صراعات الشرق الاوسط وحرب لبنان - روبرت فيسك.. اريج الزهوور كتب السياسة و العلاقات الدوليه 2 March 23, 2014 04:42 PM
رسالة ماجستير: قياس التكاليف الاجتماعية ومدى مساهمتها بتحقيق الرفاهية الاجتماعية (فلسطينيه عاشقةالحرية) الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 7 October 19, 2011 03:02 AM
سلطة الطبقات بالصور،طريقة عمل سلطة الطبقات بالصور،خطوات تحضير سلطة الطبقات AHD Ashour وصفات الطبخ 1 December 26, 2009 05:02 AM
سلطة الطبقات بالصور،طريقة عمل سلطة الطبقات بالصور،خطوات تحضير سلطة الطبقات AHD Ashour وصفات الطبخ 2 December 23, 2009 10:38 AM


الساعة الآن 11:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر