فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم December 5, 2010, 06:43 PM
 
رجال لا تعرف الدّعة


بسم الله الرّحمن الرّحيم

رجال لا تعرف الدّعة

جاء في لسان العرب ، الدّعة : الخصب في العيش والرّاحة ورجل الهادئ : الساكن والتدعة.
ويقال ذو واداعة ودعة ، يودع دعة ووداعة فهو وديع أي ساكن . ورجل متّدع أي صاحب
دعة وراحة.
قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
هذا شعار المسلم السياسي المسؤول، شعار ينبغي أن يقذف في قلوبنا الاحساس بالمسؤولية
والخوف على مصائرنا من خزي الدّنيا وعذاب الآخرة . وما خلقنا الله عبثا ولا من أجل الأكل والشرب
والنّوم التناسل. فتلك مهمّة البهائم لتكون في خدمة البشر .
أمّا الانسا ن، فقد خلقه الله تعالى لمهمّة أسمى وأرفع وأعلى ، هي عبادة الله تعالى وخلافته
في الأرض وتطبيق حكمه . قال الله تعالى
وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة
فعن الهجنج بن قيس قال : قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه " والله إنّي لأقدم نفسي على الجماع
رجاء أن يخرج الله منّي نسمة تسبّح الله" .روي في كتاب السنن الكبرى للبيهقي.

وهذه المهمّة السّامية والعظيمة في آن واحد، ألا وهي اسئتئناف الحياة الاسلامية، يحتاج همّة
عالية ويقظة دائمة وشعورا بالمسؤولية لا يتوانى ولا يضعف بقدر حجم هذه المهمّة وبقدر حاجيّاتها
وتبعاتها . يقول ربّ العزّة وهو أصدق القائلين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون
َ الأنفال24

ذلك أنّ الانسان يكون أشبه بالميّت خارج دائرة الإلتزام والعمل بما يرضي ربّه، ويحمل همّ الأمّة
على كاهله، ويحزن لمصابها ويفرح لنصرها ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، تكون مجسّاته
متيقّظة ليلا نهار على حال الأمّة يراقبها ويعيش معها لحظة بلحظة، فإذا سمع بمجازر نيجريا
وكوسوفا وتقسيم السودان حزن وتفطّر قلبه ، وهبّ هبّة الأسد ناصحا واعظا ، مذكّرا أبناء
قطره أن يهتمّوا بمشاكل المسلمين. ولو شيك مسلم في بلاد الواق واق ، بعكس من يسير بلا
اتّجاه ، لا غاية ولا هدف محدّد سوى تلبية الشّهوات واتّباع الهوى ، شأنه شأن الأنعام بل أضلّ
سبيلا ، كما قال ربّ العزّة: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً الفرقان
44
فالنقلة النوعيّة والميلاد الجديد يحدث للإنسان حينما يلتزم بدينه ويدخل في دائرة الإسلام
حينئذ يحسّ بثقل المسؤولية وتبعات هذا الانتماء ، متجسّدا في تلك الأوامر الربّانية والتوجيهات
النبويّة المتتالية في القيام بما عليه من واجبات .

والغريب العجيب أنّ المرء يحسّ بالسّعادة والرّاحة وهو يقدّم هذه التضحيات ويستنفذ الطّاقات
دون أن يأخذ أيّ أجر ماديّ على ما يقدّمه في سبيل دينه . وهذه لعمري قاعدة ومنطق لا
تجده إلاّ في هذه الدّين العظيم.

وكلّنا يعلم ويتذكّر قيود بيعة العقبة الثانية والمقابل الذّي كان ينتظره الأنصار من وراء هذه
البيعة ، فكان سؤالهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" فما لنا إن نحن بايعناك " فكان يقول
" لكم الجنّة ".
من هنا ينبغي أن نتعلّم أنّ الإلتزام بهذا الدّين وبالإنتماء إلى دائرته لا يجب أن يكون مبنيّا
على مصالح ماديّة أو شخصيّة ، بل يكون المسلم مرتبطا بالله عزّ وجلّ أوّلا وآخرا، لا ينتظر
أجرا من أحد ، بل هو الذّي عليه أن يقدّم كلّ ما يملك للحفاظ على دينه وعقيدته ، كي يكون
من الرّابحين في تجارته مع الله عزّ وجلّ حيث قال:

إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
التوبة111

رحم الله سميّة وياسر ، الذّان شمّا رائحة الجنّة ووثقا بالله ووعده ، ولم ينتظرا أن تكتحل أعينهم
بيوم يعيشون فيه في ظلال النّصر والتمكين ، كما يدعو الواحد منّا اليوم. فعندما ابتلي رضي الله
عنهما ، كان كما يجب أن يكون المؤمن حقّا. نسأل الله العفو والعافية والثّبات وحسم الختام
أن أدعو الله أن يمتّعني بالعيش في ظلّ الخلافة جيّد، ولكنّ الأجود أن أدعو الله أن يرضي عنّي
ويتوفّني مسلما صادق الايمان مستقيما على أمره ، في اللّحظة التّي أحياها عاملا لاستئناف
الحياة الإسلامية، ولو لم تكتحل العيون برؤية الخلافة.

روى يوسف بن عطيّة عن المعلميّ بن زياد ، كان هرم بن حيّان يخرج في بعض اللّيالي وينادي
بأعلى صوته :" عجبت من الجنّة كيف نام طالبها ، وعجبت من النّار كيف نام هاربها " ثمّ يقول
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ الأعراف97
وقال أبو الجوزاء :" لو ولّيت من أمر النّاس شيئا ، اتخذّت منارا على الطريق ، وأقمت عليها
رجالا ينادون في النّاس ، النّار النّار ". ( اخرجه الامام أحمد في كتاب الزهد).
لله درّهم من سلف، وما أبهى منظرهم وهم على هذه الحال ، بل قل ما أسعد جليسهم
ورفيقهم . تركوا الدّيار والأهل والعشيرة والأموال ، وهاجروا في سبيل الله من أجل نصرة
دينه في شتّى بقاع الآرض ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا . لم تستطع الدّنيا أن تأسرهم
ولم تلههم شهواتها ولا متاعها الزّائل عن ابتغاء المتاع الحقيقي ، جنّة عرضها السّماوات
والأرض اعدّت للمتقين.

إنّها أمانة ثقيلة عباد الله ، تحتاج إلى رجال عظام كأسلافنا الكرام ، الذّين طلّقوا النّوم
والدّعة والرّاحة ورضوا لأنفسهم متاعا ونوما قليلا ، عسى أن يشفع لهم عند ربّهم ويعوّضهم
ما فاتهم من خير وأجر وثواب ، طالما ضيّعوه وحرموا في أيّام خالية.
لقد فهموا معنى الحياة وأدركوا أنّ ما فيها ينفذ وأنّ ما عند الله باق . علموا أن لا خير في
نوم عميق وراحة متواصلة واسترخاء عن أداء الواجبات، وكلّ ذلك مهلكة للنّفس وترك للثغور
وخذلان للحقّ الذّي بايعوا الله على نصرته ونشره بين النّاس، فلا يجتمع متناقضان كما لا يجعل
لرجل من قلبين في جوفه ، قلب يريد الدّنيا ومتاعها الزّائل وقلب يبتغى الآخرة ومتاعها المقيم

فنقول للمسلمين الصادقين من أبناء هذه الأمّة : لقد انتهى عهد النّوم وحلّ محلّه عهد اليقظة
والمثابرة والكدّ والجدّ ، فكلّ ما حولنا يدعو إلى ذلك وإنّها مهمّة الأنبياء والمرسلين ولن ينتصر
هذا الدّين إلاّ برجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ولا يقيّدهم نوم ولا راحة عن الدّعوة
لاستئناف حياة اسلامية كريمة على منهاج النبوّة ، حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين كله للّه.
دولة واحدة تحت راية خليفة واحد يحكمنا بكتاب الله وسنّة المصطفى عليه الصّلاة والسّلام .
فكونوا يرحمكم الله من العاملين لها وكونوا من جنود الله الذّين لا يعرفون الدّعة.

أبو عبد الله الترابيّ





ثمّ تكون خلافة على منهاج النبوّة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم December 7, 2010, 01:27 AM
 
رد: رجال لا تعرف الدّعة

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
عبد الرحمن
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رخام وجرانيت رخام صناعي رخام تركي رخام ايطالي Yana بحوث علمية 4 September 5, 2010 08:21 PM
تخيل انك ريال وفي يدين البخيل وتخيل انك كريم وفي يدينك ريال عالي طموحي شعر و نثر 6 March 31, 2010 01:17 PM
رجاء رجاء رجاء قاطعوهم لهؤلاء الكفرة tatiprint النصح و التوعيه 1 January 12, 2010 06:18 PM


الساعة الآن 01:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر