|
مقالات الكُتّاب مقالات وكتابات من الجرائد اليوميه و المجلات. |
![]() |
|
LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||
|
||
اترك لنفسك أثرًا في الحياة ولو بكلمة طيبة (سلمان العودة)
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "أثر" ـ: إنه من المهم أن يكون عند الإنسان فكرة أن يترك بصمة أو أثرًا بعد الموت، متسائلًا: ماذا لو أن الإنسان يفكر ما الذي سيحدث بعد عشرين سنة؟، لافتًا إلى أنه سيجد أن هناك أشياء كثيرة جدًا هو مهتم بها الآن، ولكنه بعد عشرين سنة لن يكون لها ذكر إطلاقًا، وستكون مجرد أشياء عابرة، ولكن هناك أشياء لها بقاء وأثر وخلود؛ ولذلك قال أحمد شوقي: دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني ولفت فضيلته الانتباه إلى أن الإنسان يمكن أن يؤسس له أثرًا في حياته ويرعاه، بحيث يكون هذا الأثر له بقاء وخلود حتى بعد مماته. وفيما يتعلق بأن مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- يقول: (من لم يزد شيئًا على الدنيا فهو زائد عليها)، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، لأن الإنسان في هذه الحالة يكون زائدًا على الدنيا، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون الإنسان له أثر وبصمة في الحياة، لافتًا إلى أننا لا نتحدث عن أثر خيالي، وذلك أن البعض عندما يسمعون كلمة (أثر)، يتخيل أنه أمام حاكم أو عالم مبتكر وعظيم وعبقري أو تاجر ملياردير، ولذلك هو لا يصنف نفسه ضمن هؤلاء. وأضاف فضيلته: ولكن علينا أن ننظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»، فربما كل واحد منا أو الكثير منا عنده ولد أو بنت، فالولد يطلق على الذكر والأنثى، وعندما تحسن تربيته، فإن هذا استثمار ضخم وعظيم، كما أن هذا الإنسان يمكن أن يكون مبدعًا أو عبقريًا أو وزيرًا أو حاكمًا أو تاجرًا أو متفوقًا في أي مجال من مجالات الحياة، ويحفظ الله تعالى اسمك وذكرك به أو يدعو لك ويكون عنده قدر من الخير والصلاح. وأردف الدكتور العودة أن الله تعالى يبارك ولو في القليل من المال، وذلك إذا كان هناك نية صالحة، وأفضل الصدقة جهد المقلّ، والنبي -عليه السلام- يقول: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ»، كما أننا يجب علينا أن نجزئ عملية الأثر، ولا نجعلها كأنها قضية نهائية لا يملكها إلا أفراد قلائل من الناس، ولكن نجعلها متاحة للفقير والمسكين والمغفل، والطفل الصغير والرجل والمرأة والموظف وغير الموظف والطالب والمعلم، فكل هؤلاء يمكن أن يصنعوا أثرًا وبصمة فيمن حولهم وربما هذا الأثر لا يستطيع أن يصنعه غيرك أحيانًا. معنى الأثر وأوضح الدكتور العودة أننا يمكننا أن نلتقط من ذلك معنى رائعًا وجميلًا لكلمة (أثر)، وهو أن يبقى الإنسان مع الناس، ويدخل ويسكن ويجلس معهم، لكن ليكن له أثر حميد فيهم، مؤكدًا أن هذا أفضل من أن تبتعد عنهم أو تنزوي وتكون حول المسجد، ولذلك جاء في حديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الأَبْعَدُ فَالأَبْعَدُ - أَفْضَلُ أَجْرًا - عَنِ الْمَسْجِدِ»، في حين أن الكثير من الناس يتصورون أن قربهم من المساجد يكون أفضل، مشيرًا إلى أن هذا قد يكون لكن في حالات خاصة. وأردف فضيلته: ولكن الأصل أن الإنسان الذي يريد أن يحدث بصمة على الناس عليه ألا ينزوي عنهم أو يبتعد أو يضع شروطًا معينة والناس يأتونه وفق هذه الشروط، وإنما عليه أن يندمج مع الناس ويختلط معهم ويُحدث الأثر فيهم، لافتًا إلى أن هذا ملموس من حديث: «دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ»، فمن ذلك آثار المشي وآثار التأثير على الناس أيضًا، ولهذا كره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُعروا المدينة، وهذا معنى ربما يكون مرتبطًا جدًا بكلمة الأثر. وذكر الشيخ سلمان أن كلمة (أثر) من حيث اللغة قد تطلق على بقية العلم، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ)(الأحقاف: من الآية4)، أي: أثر من علم سابق، مشيرًا إلى أننا الآن كثيرًا ما نجد أناسًا قد يستشهدون بأشياء يظنون أنها أحاديث نبوية، وعلى سبيل المثال، فإن كثيرًا من الناس يعتقدون أن مقولة "اطلبوا العلم ولو في الصين" حديث نبوي، أو (الأقربون أولى بالمعروف)، في حين أن هذه ليست أحاديث نبوية. وأشار فضيلته إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وهذا حديث متواتر، و«مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ». وأكد الدكتور العودة أن الرواية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شديدة؛ ولذلك فإنه من المخارج الجميلة أن يقول الإنسان: "وفي الأثر"، "اطلبوا العلم ولو في الصين"، مشيرًا إلى أن هذا الأثر قد يكون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة أو السلف أو الحكماء. وتابع فضيلته: ولكن بدلًا من أن يتورط الإنسان برواية وقد يكون خطيبًا على منبره أو متحدثًا في قناة أو في مجلس عام أو قد يكون شخصًا وزيرًا أو شهيرًا أو أميرًا وربما لا يدقق في مثل هذه المعاني، فإن اللجوء إلى كلمة "وفي الأثر" يُفترض أن يكون أولى وأفضل وأحسن. طول العمر وأضاف فضيلته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: فليطل الصلاة أو فليكثر من الصوم، وإنما قال: (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، فاعتبر طول العمر مرتبطًا بتكافل ذوي الرحم وتقاربهم. معانٍ ثلاثة لحديث فليصل رحمه المعنى الأول: أن المقصود أن يبارك الله في عمره فيكون العمر فيه بركة، وهذا معنى صحيح وإن كان ليس هو الظاهر. المعنى الثاني: وهو الظاهر أن المقصود (وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ)، أي: يُطوّل عمره، وهذا معنى مروي عن جماعة من السلف، والله -سبحانه وتعالى- يمحو ما يشاء ويُثبت، مشيرًا إلى أنه يوجد ما يسمى بـ"القضاء المبرم" و"القضاء المعلق" أو "القضاء المبدئي"، فقد يكون عند الملَك أن هذا الإنسان إن أطاع ووصل رحمه فعمره كذا، وإن لم يصل رحمه فعمره كذا مع أن هذا لا ينافي ما عند الله تعالى، فإن الله تعالى يعلم ويحيط بالأشياء، ويعلمها علمًا قطعيًا على نهاياتها، فيعلم ماذا سوف يكون إليه أمر هذا الإنسان من بر أو قطيعة، ومن صلة أو قطع، ولكن المقصود أن يطول عمر الإنسان بسبب البر. المعنى الثالث: وهو أن يكون المقصود من قوله: (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) أنه لا يتعلق فقط بالفرد، ولكن حتى الأسرة أو القبيلة أو الدولة أو الجماعة من الناس إذا كان بينهم تواصل وبر وإحسان للضعيف والفقير والصغير وتواصل بالمال والكلام الطيب فإن هذا مدعاة إلى أن يكون لهم استمرار وديمومة في الحياة. وفيما يتعلق بأن هذا المعنى الأخير له شواهد أخرى، منها "مجتمع العدل "، قال الشيخ سلمان: إن مجتمع العدل لا يلزم أن يكون دولة فقط، ولكن الأسرة والقبيلة أو الجماعة من الناس إذا كان بينهم صلة ومحبة وإحسان ورعاية للفقير والضعيف والمسكين وتلمّس الحاجات فإن هذا مدعاة إلى أن يبقوا ويستمروا، وذلك بخلاف آخرين ربما يكونون كثرةً ولكن بسبب القطيعة والعقوق والمفاصلة بينهم، فإنهم سرعان ما يتفرقون ويصبحون شتى، ولا يُعرفون بأنهم من أسرة واحدة. اقتفاء.. وأثر وأضاف فضيلته: بينما بالنسبة للكافرين والضالين قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (الصافات:70،69) مما يشير إلى أن هناك نوعًا من الإسراع والركض والعماية، فبمجرد أنهم كان لهم آباء أو أجداد حتى وإن كانوا ضالين، إلا أنهم يركضون وراءهم دون أن يفكروا أو يتأملوا أو يكون عندهم بصيرة وفرز ما بين النافع والضار والصالح وضده، فهذا فرق بين تأثير البيئة أو تأثير الآباء والأجداد إن كانوا صالحين أو غير صالحين. وذكر الشيخ سلمان أن هناك أثرًا موقوف على عثمان -رضي الله عنه-،: "ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه"، وهذا معنى رائع، يصلح أن يكون سيرة ودستورًا لنا، حيث يشير إلى أن الأشياء الباطنة الموجودة داخل قلب الإنسان وفي ضميره لها انعكاسات خارجية، فهو يريد أن يقول أنك "يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت لكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت". وأضاف فضيلته أن هذا يؤكد أن الإنسان إذا كان في داخله صفاء، وحب الخير للناس، والسلامة، والنية الطيبة، فإن هذا سيظهر في فلتات لسانه حتى لو لم يتقصّد إظهار ذلك وعلى صفحات وجهه، ولذلك فإنهم يقولون -أحيانًا- في السياسة أن ما يسمى بالكلمات التي هي أخطاء أو فلتة غير مقصودة من رئيس ربما تعبر عن السياسة -أحيانًا- أكثر مما يعبر خطاب مكتوب ومدروس، لأن الخطاب المدروس ربما يكون مقصودًا فيه إظهار شيء آخر، لكن هذه الفلتات تعبر عن المكنون وتعبر عن اللاوعي، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن الناس دائمًا سيكونون في مقام الخداع أو التمثيل، ولكن الذي في باطن قلوبهم سوف يظهر على ملامح الوجوه وعلى فلتات اللسان. صدقة جارية 1 ـ المال: فالإنسان الذي يملك أموالًا ضخمة تؤثر لأنها تورث من بعده ويظل اسمه خالدًا لفترة طويلة، وهذا ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ..)، فالصدقة لا تكون إلا عن مال، وخاصة إذا كانت صدقة جارية وبقيت، وهذا يشير إلى ضرورة حسن توظيف المال في المصالح العامة، وخدمة الناس، وفي المؤسسات المدنية والأهلية، وفي البرامج، والمشاريع، والتعليم، والطب، والإنفاق، وهذا معنى رائع وجميل. وأردف الدكتور العودة قائلًا: إنني يخطر في بالي سؤال مشروع، وهو: أنه يوجد في السعودية ربما أموال ضخمة وهائلة جدًا، ومجموعات من أرصدة مالية وكاش غير عادي، وبناءً عليه فإن هناك زكوات أيضًا (اثنين ونصف في المائة) وهو رقم غير قليل، ولكن السؤال: أين آثار هذه الزكاة؟!! وأوضح فضيلته أن الكثير من الناس عندهم تقوى ويخرجون هذه الزكاة، لكن أين آثارها الملموسة؟ مشيرًا إلى أن هذا السؤال ربما ليس من السهل الإجابة عليه، لافتًا إلى أن السبب قد يكون هو عدم الإفلاح في ترشيد المال ووضعه في مواضعه المناسبة، حيث دائمًا يكون في حالة استهلاك، حتى مال الزكاة. 2 ـ العلم: وهو شيء عظيم، فالإنسان ربما يخلد بكتاب ألّفه من مئات أو آلاف السنين، ما لا يخلد بحكم أو سلطان ولا بغيره، حيث تجد العلماء الذين لهم بصمة أو نظرية، ومنهم على سبيل المثال: الأئمة الأربعة، وابن خلدون ونظريته في العمران، وابن تيمية -رحمه الله، ورحمهم جميعًا- وأثره وتلاميذه، وأعداد كبيرة من المصنفين والمؤلفين، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ). وأشار فضيلته إلى أنه يدخل في هذا أيضًا العلم الدنيوي، ومن ذلك الذين قدّموا علومًا فيها مصالح للناس في البناء أو تشييد المدن أو ابتكارات الطيران أو السيارات أو في الأجهزة، فلو كان أحد من هؤلاء عنده نية طيبة لله -سبحانه وتعالى- وفي الدار الآخرة كم سيصله من الأجور؟!! 3 ـ التربية: وذلك يظهر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ)، حيث عبّر بالصلاح، مشيرًا إلى أن عادة صلاح الولد هو من صلاح الآباء ومن جهدهم في التربية، كما أن التعبير بالدعاء هو نموذج من إيصال الخير للابن، ولكن هناك ما هو أبعد من ذلك فهو يذكره بخير وربما تصدّق عنه، وعمل أعمالًا كثيرة، ويظل الدعاء هو من فعل الإنسان نفسه. 4 ـ العمران: حيث تجد الملوك غالبًا تبقى آثارهم في البناء الذي شيدوه، مثل قصر الحمراء أو الجامع الأموي أو بيت المقدس أو غيرها من المباني الضخمة أثر البيئة وأضاف فضيلته أن هذه البيئة ربما تكون قاسية وكريمة في الوقت ذاته، وعلى سبيل المثال، فإن البيئة ربما تكون قاسية وتجف فيها العاطفة نوعًا ما، ولكنها في نفس الوقت بيئة معطاءة، فلا يحتاج الإنسان إلى أن يبحث عن الرزق، حيث يجد أن ألوان الرزق موجودة من حوله، من النفط أو الخيرات. بيئة الإبداع وتابع فضيلته أن توظيف الحاكم أو الرئيس لكل الشعراء والمبدعين والرسامين والنحاتين والتجار من أجل الحديث عنه، يؤثر تأثيرًا سلبيًا في عدم تعبير الناس عن أنفسهم بشكل صحيح، بينما إذا كانت البيئة أيًا كانت سياسية أو اجتماعية تشجع الإنسان على أن يعبر عن نفسه وأن يتحدث عن انطباعاته بعيدًا عن النفاق، والتزلف، وبعيدًا عن أن يكون الإنسان مزدوجًا، وعنده وجهان؛ وجه يتحدث به أمام الناس والوجه الآخر يعبر به عن نفسه أو في مجالسه الخاصة، فإنها في هذه الحالة سوف تكون بيئة للإبداع. نجاح حقيقي ولفت فضيلته إلى أن النجاح الحقيقي هو ذلك النجاح الذي يستطيع الإنسان أن يُحقق فيه ما يريد في كل الظروف، وليس فقط في ظرف خاص، حتى لو تغيرت عليه الظروف فإن الإنسان ربما تكون لديه القدرة على أن يحقق النجاح، وبالتالي يدرك الإنسان أن نجاحه ليس من عنده هو فقط، ولكن البيئة والظروف التي حوله لها تأثير في النجاح. تأثير.. وتأثر وأكد فضيلته أن الإنسان يؤثر في البيئة ويتأثر بها من حوله، سواء في مشاعره، أو في أساطيره التي يتناقلها الناس، والتحديات، والإبداع، والمشاعر، بل حتى في عادات البيئة أو الأرض، حيث ربما يتعوّد الإنسان على أن يكون زارعًا أو صيادًا أو راعيًا أو صانعًا، فالعادات تختلف بين هذه المجتمعات بعضها وبعض، بل إن الإنسان يتأثر من حيث شكل الجسم وقوته البنية وطريقة اللفظ بالكلام، وغيرها أشياء كثيرة جدًا يتأثر فيها الإنسان بالبيئة من حوله. أعمق الناس أثرًا وأضاف فضيلته أن الإنسان الواعي ربما عنده مقاييس صحيحة للنجاح والفشل، ويدري أن النجاح والفشل ليس شيئًا دائمًا، وعلى سبيل المثال، فإن الذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما، ولذلك ينبغي أن ندرك أن هناك معايير صحيحة للفشل والنجاح، وألا نعتمد سياسة الهروب من مواجهة التبعات. وأوضح الدكتور العودة أن هناك أشخاصًا قد يكونون أساتذة جامعات أو أطباء أو تجارًا كبارًا، حيث تجد أن الواحد منهم إذا نجح تحدث بكثير من الإطراء لذاته، وتكلم عن سيرته الذاتية بحبور ضخم، وكأنه يريد أن يقول: إن النجاح راجع له هو ذاته، فيتكلم عن الصبر الذي صبره، وتضحياته، وإصراره، والصعوبات التي واجهها؛ ولذلك يكون حريصًا على أن يذكر بداياته، وكيف أنها كانت بدايات ضعيفة جدًا، وأن النهاية كانت ضخمة جدًا، حتى يبين الفارق الكبير ما بين البداية المحرقة والنهاية المشرقة. وأشار فضيلته إلى أنه يكون للإنسان فضل إذا كان كذلك، ولكن البيئة من حوله ينبغي أن يكون لها أثر في هذا النجاح، حتى لو كان أثرًا عكسيًا، فالبيئة هي التي تصنع التحدي في بعض الأحيان، وعلى سبيل المثال، فإن الابن الذي نشأ في بيت والده مدمن مخدرات وتحول هذا الابن إلى مهندس ناجح، ستجده يقول إنه شعر بمسؤوليته في البيت عن الأم والبنات والأسرة، ولذلك فإن هذا التحدي حفزه إلى أن ينجح في عمله، مما يشير إلى أن البيئة في كثير من الأحيان تكون محفزة ودافعة للنجاح. وأردف الشيخ سلمان أنه ليس من العدل أن نتحدث دائمًا عن البيئة بقدر من العيب أو الازدراء أو التنقص أو أن البيئة ليس فيها فائدة وأمل، مشيرًا إلى أننا لو نظرنا إلى تجارب العالم في الهند أو الصين أو فنلندا أو غيرها، وقارنّا حال التخلف بحال التقدم لوجدنا أن هناك قدرًا كبيرًا من التحدي والأمل. وتابع فضيلته أن الإنسان ربما إذا قرأ حال التخلف الذي كانت عليه هذه المجتمعات ربما ظن أنه لا أمل في النجاح، ولكن بقدرة الله -سبحانه وتعالى- ثم بجهود رجالها ومخلصيها وإصرارهم حققت هذه المجتمعات قدرًا من التفوق. وراثي.. وبيئي 1 ـ تأثير وراثي: أو ما يسمونه بالجانب البيولوجي أو الجينوم الذي ورثه الإنسان، سواء فيما يتعلق بالأشياء الجسدية، مثل: حدقة العين أو لون الجلد أو لون الشعر وغيرها من الأشياء الكثيرة الموروثة، وهذا قدر متفق عليه، أو قدر من الأشياء الحسية والمعنوية، مثل: طريقة الكلام، أو بعض الجوانب الفطرية المعنوية التي هي موروثة، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ». 2 ـ تأثير بيئي: سواء تأثير المجتمع أو تأثير الأسرة، خصوصًا في السنوات الأولى، أو تأثير المدرسة، أو تأثير الشارع والأصدقاء، وهذا أيضًا من المتفق عليه عند علماء النفس والاجتماع والتربية، لكن الشيء الغريب هو أن هؤلاء العلماء يقولون: إنه من الصعب الفصل بين تأثير الوراثة والجينات وتأثير البيئة أو تأثير المجتمع، كما أنهم يعتبرون أن الفصل بين الاثنين يعد نوعًا من التزييف، وأنه لا يمكن الفصل لأن هناك تداخلًا شديدًا جدًا بين هذه الأشياء، كما أنهم لا يعرفون على وجه الدقة والتحديد أيها أكثر تأثيرًا. خلوة مع النفس وأكد فضيلته أن الخلوة لها تأثير كبير على الإنسان، سواء كانت خلوة باعتكاف شرعي أو خلوة بقصد، مثل: أن يكون الإنسان عنده فاصل بينه وبين الناس، أو خلوة اضطرارية من خلال سجن يؤول إليه الإنسان، مما يعطيه فرصة لأن يعمل حفريات داخل نفسه، ويتعرف عليها، وعلى حسناته، وفضائله فينميها، وعلى عيوبه فيحاول أن يتخلص منها، وأن تكون لديه القدرة على تصحيح هذا العيب أو التخلص منه يقينًا. واستطرد الدكتور العودة: لقد رأيت أكثر الناس ليس عندهم القدرة على معرفة الأخطاء أو العيوب ومحاولة تصحيحها أو التخلص منها، ولكنني وجدت عندهم فكرة إلقاء التبعة على الآخرين في الفشل، وذلك لأنها أسهل، حيث إن القيام بعمل حفريات داخل النفس وتصحيح العيوب عملية صعبة، حيث إن الإنسان ربما بعد عشر سنوات من المجاهدة يقع مرة أخرى في هذا الخطأ، ويشعر الإنسان بأنه لا فائدة، مع أنه في الواقع هناك فائدة. وذكر فضيلته أن الإنسان يمكن أن يعرف بعكس الشيء الذي هو عليه في الحقيقة، وعلى سبيل المثال، فإنني أعرف شخصًا غضوبًا إلى حد أنه -أحيانًا- إذا غضب يغمى عليه، ولكن الذين من حوله يعرفون أنه مثال للحلم، وذلك لأنه من خلال إدراكه لهذا العيب في نفسه حاصره وضبطه وحاول أن يُقدّم العكس، ولا يكون في المواقف التي تدعوه إلى الغضب والانفعال، ونجح في ذلك بنسبة كبيرة. أثر.. وإخلاص وأضاف فضيلته: كما أن هناك كلمة تُنسب إلى بعض السلف أنه (من صحّ جنانه فصح لسانه)، مشيرًا إلى أنه عندما يكون الإنسان قلبه سليمًا كما قال تعالى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:89)، فإن أثر هذا يظهر على رأيه ولسانه وكلامه وعلى تأثيره على الآخرين؛ ولذلك فإن أعظم الناس تأثيرًا هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأوضح الدكتور العودة أنه ليس مطلوبًا من الإنسان أن يُظهر ما يقوم به، ولكن الأمر بالعكس، فكلما أخفى العمل التعبدي كان هذا أفضل، ولذلك فالله -سبحانه وتعالى- قال في الصدقات: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: من الآية271)، مما يشير إلى أن الأصل هو الإخفاء؛ حتى لا يتعرض العمل للرياء أو السمعة وقصد فعل الناس، لكن هناك أعمال لا يمكن إخفاؤها تمامًا لأنها مرتبطة بالناس. وضرب فضيلته مثالًا لذلك بالصدقات، حيث يجب على الإنسان أن يخفيها عن الناس بدلًا من أن يعلن في المجالس أو في الصحف، ولكن الناس الذين استفادوا منها ووصل إليهم معروف الإنسان وجميله، فإنهم عرفوا ذلك وتحدثوا عنه وتسامعوا به، مما يشير إلى أنه ليس هناك إخفاء مطلق، وإنما هو عدم تعمد إظهار هذا الفعل، لافتًا إلى أن الإنسان إذا قصد أن يُظهر الفعل ونيته إظهار القدوة والأسوة أو جمْع الناس عليه، مثل أن يتبنى مشروعًا ويدعو إليه عددًا من الأثرياء يشتركون معه فيه، فيكون الإظهار مقصودًا فيه حفز الناس، وهذا معنى مشروع أيضًا. وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن المبادرات المؤسسية في المجتمعات الناشئة يكون لها وقع كبير جدًا على حاضر ومستقبل هذه المجتمعات، قال الشيخ سلمان: إن الناس بحاجة إلى مثل هذه المبادرات، لافتًا إلى أن قيام الإنسان بمبادرة يعني أن هناك مجموعة سينضمون إليه، ودعوة الناس الذين لا يملكون أن يبادروا بأنفسهم إلى أن يشاركوا في مبادرة، وهذا شيء مهم. وأضاف فضيلته أن كثيرًا من الناس ربما لا يعرفون الطريق أو يظنون أن الطريق مغلق وأن الأبواب مسدودة، فإذا سمعوا أن هناك مبادرات أُعلنت ربما حفزهم هذا على أن يقوموا بمبادرات من قِبل أنفسهم، مشيرًا إلى أن مثل هذه المبادرات في مجتمعاتنا الناشئة، والتي تتطلع لنوع من تطوير الذات، يعد أمرًا في غاية الأهمية. فشل.. ونجاح وأضاف فضيلته: ولذلك على الإنسان أن يعتبر أن الفشل هو بداية النجاح، وأن يتقبله بروح رياضية، وذلك بدلًا من أن يشعر الإنسان بالحزن ويضحك الناس عليه، وعلى سبيل المثال، فإنه إذا عثر إنسان في الدرج وسقط، فإن الناس يضحكون عليه، كما تجد الإنسان يقوم وهو منتقع الوجه متغير اللون مطأطئ الرأس، لأنه أصبح أضحوكة، لكن لو أنه شاركهم الضحك وابتسم بصدق وحبور، واستطاع أن يحول الموقف إلى موقف عفوي وليس محرجًا، فإن هذا هو الأفضل. النية الصالحة وأضاف فضيلته أنه إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع أن يكون عند الإنسان عمل صالح يقصد فيه إظهار وتقديم نعمة الشكر، وعلى سبيل المثال، أن يحج الإنسان هذا العام بدافع الشكر، وألا يكون دافع الحج الأساسي الشوق إلى البيت الحرام، أو الطمع في الازدياد من الحسنات. وأردف الدكتور العودة: ولكن ينوي أن يحج وقصده الأساسي ودافعه الأكبر في الحج هو تقديم واجب الشكر لله -سبحانه وتعالى-، وأن يقول شكرًا بكل ما يستطيع بلسانه وعينه وقلبه وعقله وجوارحه كلها، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا)(سـبأ: من الآية13). وتابع فضيلته: إن هذا الإنسان سوف يتطلع إلى معنى آخر بعد الحج، وسينتظر المزيد، فإن التوفيق والرزق والنجاح ليس له حدود، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(إبراهيم: من الآية7)، لذا فإن الإنسان سينتظر بعد هذا العمل أو هذه العبادة التي يقوم بها المزيد من فضل الله تعالى وعطائه. كاريزما مهلكة؟!! وأضاف فضيلته: ولكن هذا الإنسان يكتشف بعد ذلك ربما في مواقف صعبة أنه انقاد إلى طريق غير سليم، مشيرًا إلى أن الآخرين الذين يزجون بهؤلاء الناس أو يدفعونه دفعًا إلى الهاوية هم مسئولون، ولكن الإنسان ذاته في الغالب هو الذي استجاب، (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)(إبراهيم: من الآية22) إيجابية.. وتفاؤل وأضاف فضيلته: ولذلك فإنه من المهم التربية على التفاؤل، وأن كل مشكلة لها حل التربية، وعلى النظر الإيجابي للمستقبل، وقراءة الأشياء والصفات الإيجابية عند الآخرين، مشيرًا إلى أن ذلك مما يحدث الأثر الإيجابي في نفس الإنسان. إحياء السُّنة وأضاف فضيلته: لكن قصر السُّنة على هذا المعنى خطأ كبير، مشيرًا إلى أنه من إحياء السُّنة التعامل الجيد مع الزوج، والأبناء، والأحفاد، والأطفال، وبشكل عام، كما تعامل النبي -عليه السلام- مع الحسن والحسين أو عبد الله بن الزبير أو غيرهم من صبيان المدينة. وأردف فضيلته أنه من إحياء السُّنة صفاء القلوب، والتعامل مع الخصوم، كما تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين في المدينة، أو كما تعامل مع المشركين الذين حاربهم بمكة وقال: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، مشيرًا إلى أن الاقتداء بهذه المعاني العظيمة والأخلاقية، هو من إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وتابع فضيلته: بل حتى المعاني الحياتية من معاني العيش والاستمتاع بطيبات الحياة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يترك طعامًا أو شرابًا أو طيبًا من الطيبات لأنه طيب وإنما إن وجده أخذه وإن لم يجده لم يتكلف البحث عنه، مشيرًا إلى أن السُّنة معنى عظيم وواسع ينبغي أن نوسعها بهذا الإطار ونجعل لكل أحد منها قدرًا. مخاطر السمنة وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: لقد كنت ذات مرة في مطار إحدى الدول العربية، حيث لاحظت أن الذين يعملون بالتنظيف كلهم من الوزن الثقيل، فخطر في بالي لأول وهلة أن هناك جمعية لتخفيف السمنة أو إحداث النحافة لهم من خلال تشغيلهم بهذه الأعمال. وأردف الدكتور العودة أن الشريعة حذرت من هذا المعنى أيضًا، فالسِمَن لم يأت في الشريعة في سياق المدح، وإنما هو في سياق أن ضده أولى منه، مشيرًا إلى أن كثرة استخدام الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة له تأثير كبير جدًا، وكذلك كثرة الجلوس على الأجهزة والألعاب وأمام الكمبيوتر والإنترنت والتلفاز، مؤكدًا على ضرورة تدريب الإنسان على الحركة، حتى الحركة الذاتية داخل البيت، وأنه بدلًا من أن يأمر الآخرين بالقيام بعمل ما فإنه يمكنه أن يقوم به. ولفت فضيلته الانتباه إلى أن هذا له تأثير نفسي إيجابي، حيث يجب على الإنسان أن يتعود على معرفة قدر النفس، وأن يقوم بخدمة نفسه داخل البيت من خلال إحضار القلم والورق والطعام والشراب والماء إلى غير ذلك، موضحًا أن هذا أفضل من أن تتعود على أن تأمر الآخرين بذلك، فهذا يؤثر إيجابيًا على نفسية الإنسان ويشعره بالاكتفاء ويحدث عنده حركة طبيعية. نوادٍ رياضية نسائية.. ولكن واستدرك فضيلته: ولكنهم يشيرون إلى أنه ليس هناك ضبط أو رقابة، وأن هذه الأندية ربما تستغل أحيانًا أو يكون فيها أعمال عديدة، يدخل فيها تزيين البنت أو تصفيف الشعر أو التجميل، وأحيانًا يكون فيها ممارسات ربما لا تكون مندرجة ضمن مهمة هذا النادي. حوار الأديان وأضاف فضيلته: وكذلك الحوار في مصالح الدنيا، وأن نتحاور من أجل أن تضع الحرب أوزارها، وأن يقوم السلام، مشيرًا إلى أن هذا مطلب شرعي، أو نتحاور من أجل دفع أمراض أو غوائل أو مصائب، أو مثلًا ثقب الأوزون أو الاحتباس الحراري وتأثيرات البيئة، ومصالح الدنيا، وهذا مطلب متفق عليه بلا خلاف بين أهل العلم. وأوضح الدكتور العودة أن الذي يظهر لي في قوله تعالى في الآية الكريمة: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى)، أن المقصود هو مجمل هذه الفئة أو الطائفة أو القوم، وأن هؤلاء لن يتحقق منهم الرضا كلهم عنك إلا باتباع ملتهم، وهذا صحيح، لكن قد يرضى بعضهم، بدليل أن بعضهم انتماؤهم إلى ملتهم ضعيف، وهم ربما يفكرون في الإسلام، ويسألون عنه. وتابع فضيلته أن هؤلاء اليوم هم يهود أو نصارى وغدًا هم مسلمون دخلوا في دين الله أفواجًا، وكذلك أهل الأوثان وغيرهم، فهم كانوا في الطريق، لكن أثناء هذا الطريق هم محسوبون على قومهم ومنسوبون إليهم، لافتًا إلى أنه ربما يظن أن الآية تشملهم ظاهرًا، أما في الحقيقة فإن المقصود مجمل هذه الطائفة، أو بمعنى آخر نقول: مجمل قياداتهم التي لها تأثير وسلطة سياسية ودينية وزمنية عليهم، في تمام الرضا. وأردف الشيخ سلمان: أما نحن فنجد اليوم أنه يوجد في الغرب مجموعات ربما مع الحق العربي وربما فئات كثيرة تدافع عن الإسلام والمسلمين، حيث نجد هذا في ألمانيا وبريطانيا وكندا وأمريكا، وعلى سبيل المثال، فقد حدثني الأسبوع الماضي ابني عبد الله، وهو في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقول: لقد استضفنا المفكر الأمريكي الشهير "ناعوم تشومسكي" في المدينة التي هم فيها، وأن القاعة كانت ممتلئة مكتظة، فيقول: فنظرت فلم أجد عربيًا ولا مسلمًا في الحضور إلا قليلًا، في حين كانت الغالبية العظمى من أهل البلد من الأمريكان، حيث هاجم تشومسكي السياسة الأمريكية ودافع عن قضايا العرب والمسلمين بطريقة ربما لا يستطيعها كثير من العرب، وسط تصفيق وتأييد ضخم جدًا، وعلى الرغم من أن هذه ليست أغلبيات ساحقة، إلا أنها قوى موجودة، وأنها ربما لو دُعمت سياسيًا وعربيًا وإسلاميًا يكون لها تأثير أكبر. الشباب.. والالتزام الديني أولًا: أنه فيما يتعلق بمسألة ابتعاد الشباب عن الدين، فإنني أرى، والحمد لله، كثيرًا من الشباب عندهم التزام ومحبة للدين جيدة ومحمودة في هذا العصر الذي هو عصر المتغيرات والاستحواذ وتأثير كبير لوسائل الإعلام والتأثيرات الغربية الضخمة في مجتمعاتنا، حيث إنني أرى كثيرًا من الشباب عندهم أصل الولاء والمحبة للدين والمحافظة على ضروريات الدين، مثل الصلوات الخمس، والقيم الاجتماعية، مثل بر الوالدين وصلة الأرحام، وهذا معنى جميل ورائع، كما أن هناك تقصيرًا موجودًا يحتاج إلى معالجة. ثانيًا: أن ما يقلقني أنني خلال هذا الأسبوع كنت في قطر واستقبلت أربعة أو خمسة أو ستة اتصالات من السعودية وبعض دول الخليج، وكلها تتحدث عن شيء واحد ـ وأرجو ألا تكون ظاهرة، لكنها حالة موجودة ـ وهي "الإلحاد". وأوضح الدكتور العودة أن هناك شبابًا ربما في مقتبل العمر في مواقع إلكترونية، بل هناك شباب يتجمعون أحيانًا في استراحات، كما قد يكون هؤلاء إعلاميين أو معلمين أو غير ذلك، ويتركز لقاؤهم حول قضية الإلحاد، وكأن بعضهم يعزز هذا المعنى عند الآخرين، كما أن هناك بعض الشباب الموجودين خارج البلد لسفر أو لدراسة أو لغيرها، تجد أن هذه الأشياء أصبحت مؤثرة عليهم، وبعضهم يقدمون أنفسهم في الانترنت بقوة وبإقدام، كما أن بعضهم يستقبلون اتصالات ويجيبون عليها أيضًا. وأكد فضيلته أن هذا أمر خطير وبحاجة إلى معالجة، مشيرًا إلى أنه من واجب الدعاة والخطباء والمصلحين والأساتذة تعزيز الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-، لافتًا إلى أننا لا نكاد نسمع خطبة إلا ونجد حديثًا عن الله -عز وجل- ونعمِه وآلائه في الكون حيث يوجد في الإنسان الكثير من الأشياء مثل العين أو الأذن أو الفم أو الكلام أو القلب، والتي إذا نظرنا إليها سنجد أن هناك الكثير من الأدلة على وجود الله. وأردف الشيخ سلمان أنه على الإنسان أن ينظر إلى آثار رحمة الله، يقول تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ)(الروم: من الآية50)، وآثار أسماء الله الحسنى وصفاته في الكون، وأن هذه آثار رحمة الله، وآثار حكمة الله تعالى في الإنسان، وهذا شيء ضخم ومذهل، متسائلًا: أين يفر الإنسان من هذه الأدلة التي تحاصره في كل مكان؟ لافتًا إلى أنه لو كان الإلحاد مذهبًا، فإنه سيوجد الكثير من الأدلة على نقض الإلحاد. واستطرد فضيلته أنه لو تمنى إنسان الإلحاد، فكيف سيستطيع أن يدفع أدلة الشمس والقمر والأفلاك والكواكب والنجوم والسمع والبصر والإنسان والماضي والحاضر والتاريخ؟!، وكذلك أدلة الفطرة وأدلة العقل وأدلة القلب وأدلة النقل، وغيرها من الأشياء الضخمة التي تحتاج إلى أن يتحدث الناس عنها، وأن تكون مجالَ حديث الأب مع أبنائه والخطيب مع جمهوره والداعية مع جمهور الشاشة، وأن نبدِئ ونعيد حول مثل هذا، وألا نقول أن هذه قضايا مسلمة لا تحتاج إلى أن نتحدث عنها. ونبه الدكتور العودة إلى أهمية أن نجدد الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- في نفوس الناس، وأن نعمق هذا الإيمان خاصة في قلوب فئة الشباب، وذلك لأن الرجل الكبير ربما أمضى وقتًا كبيرًا في الإيمان بالله عز وجل، ولكن إيمانه أيضًا بحاجة إلى تجديد وتثبيت، لكن الشباب الذين هم في سن ثماني عشرة أو تسع عشرة، هم بحاجة أكبر، وذلك لأن عقلهم لتوِّه يتفتح على الشبهات من حوله، والشهوات التي لها إغراء وتأثير. وأضاف فضيلته: كما أن الشباب قد تدور بذهنه تساؤلات، فإذا لم يجد إجابات جيدة ولم يجد تعزيزًا لهذا الإيمان ربما يذهب بعيدًا، حتى لو رجع فيما بعد يصبح إيمانه قلقًا؛ لأنه مرَّ بمرحلة فيها قدر من الشك، بينما العكس أنه يمكن أن نجعل مثل هذه الأشياء سببًا لقوة الإيمان وتعزيزه بدلًا من أن يكون إيمانًا وراثيًا خامدًا ضعيفًا. تصدق.. وتنمية وأوضح الدكتور العودة أنه عندما يتصدق الإنسان بنية تكثير المال، فإن هذا إيمان، لأنه يعرف أن الذي يكثر المال هو الله، ولأنه يُصدِّق بوعد الله على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ»، فهذا الفعل فيه إيمان بالله خالق ومُقدّر الأشياء. وتابع فضيلته: ومثله لو قرأ القرآن وهو يريد أن يكون القرآن صحة نفسية له ودافعًا للتفاؤل والحياة وما أشبه ذلك، فهذا ليس من إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وإنما هو معنى سليم وصحيح، كما أن القرآن يكون لهذا وذاك. مقابلة.. وابتسامة وأضاف فضيلته: أنه من الجميل أن يتعوّد الإنسان على أن يبتسم وهو يقابل شخصًا للحظة عابرة وربما لا يلتقيه مرة أخرى، أو حتى يقابل شخصًا كل مرة وكلما قابله ابتسم له. التكبير في عشر ذي الحجة وأضاف فضيلته أن الصوت في العشر من ذي الحجة يكون بالتكبير المطلق والجهر به، فقد كان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق ويكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وكذلك التكبير المقيّد من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق في أدبار الصلوات المكتوبات "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، حيث يسمعه الكبار والصغار وحتى الجدران والبيئة والطبيعة من حولك، من خلال الصوت الجميل الذي تتجاوب أصداؤه في كل مكان. تلبية.. ومعانٍ ايجابية وذكر فضيلته أنه من الأعمال الطيبة في هذه الأيام أن يقوم الإنسان بصيامها، وإن لم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صامها، ولكن إن صامها الإنسان فحسن، وهذا من العمل الصالح، والمحافظة على الفرائض في الصلوات، وكذلك المحافظة على النوافل والذكر والنية الطيبة. وتساءل الشيخ سلمان: كم من الناس من يوصينا بالنية الطيبة، وكم من الناس من يوصينا بالتسامح في هذه العشر، وبأن نعيد العلاقة مع الناس الذين قاطعناهم بغير سبب أو حتى بسبب، فالقطيعة ليست خيرًا ولا فضيلة، يقول تعالى: (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(البقرة: من الآية27)، والله يأمر بصلة الأرحام والأقارب والجيران والأحبة والأصدقاء والناس جميعًا، والتأثير عليهم التأثير الإيجابي، مشيرًا إلى أننا يجب أن نتواصل من خلال هذه المعاني في هذه العشر مع الحج أيضًا، يقول صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» ويقول أيضًا: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». واستطرد فضيلته أن هذه معانٍ إيجابية رائعة في هذه العشر التي ربما هي أفضل أيام السنة، فيوم عرفة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، فالحاج يحج ويضحي لربه ويدعو وغير الحاج يصوم «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ»، كما صح بذلك الأثر عن النبي عليه الصلاة والسلام. |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كتاب افعل و لا حرج ( الشيخ سلمان العودة ) | بو راكان | كتب الادارة و تطوير الذات | 35 | October 22, 2012 06:07 AM |
كتاب المقالات الكاملة للشيخ سلمان العودة | حنون | كتب اسلاميه | 16 | July 5, 2012 01:02 AM |
عمر وجانه - دفاعاً عن الشيخ سلمان العودة | wagana | شخصيات عربية | 1 | May 16, 2009 11:48 AM |
كتاب افعل ولا حرج للشيخ سلمان العودة | بو راكان | كتب الادارة و تطوير الذات | 4 | May 17, 2008 12:18 AM |
كلمة الشيخ سلمان العودة | حنون | مقالات الكُتّاب | 1 | May 21, 2007 10:52 AM |