#1
|
||
|
||
جبران خليل جبران والبنفسجه الطموحه
البنفسجة الطموحة كان فى حديقة منفردة بنفسجة جميلة الثنايا طيبة العرف ، تعيش مقتنعة بيت أترابها وتتمايل فرحة بين قامات الأعشاب . ففى صباح ، وقد تكللت بقطر الندى ، ورفعت رأسها وتنظرت حواليها فرأت وردة تتطاول نحو العلاء بقامة هيفاء ورأس يتسامى متشامخاً ، وكأنه شعلة من النار فوق مسرجة من الزمرد . ففتحت البنفسجة ثغرهل الأزرق وقالت متنهدة : ما أقل حظى بين الرياحين ، وما أوضع مقامى بين الأزهار ! فقد ابتدعتنى الطبيعة صغيرة ، وحقيرة أعيش ملتصقة بأديم الأرض ، ولا أستطيع أن أرفع قامتى نحو ازرقاق السماء أو أحول وجهى نحو الشمس مثلما تفعل الورود . سمعت الوردة ما قالته جارتها البنفسجة فاهتزت ضاحكة ..ثم قالت : ما أغباك بين الأزهار ! فأنت فى نعمة تجهلين قيمتها . فقد وهبتك الطبيعة من الطيب والظرف والجمال ما لم تهبه لكثير من الرياحين . فخلى عنك هذه الميول العوجاء والأمانى الشريرة ، وكونى قنوعة بما قسم لك ، واعلمى أن من خفض جناحه يرفع قدره ..و ان من طلب المزيد وقع فى النقصان . فأجابت البنفسجة قائلة : أنت تعزيننى أيتها الوردة لأنك نائلة ما أتمناه ، وتغمرين حقارتى بالحكم لأنك عظيمة ، وما أمر مواعظ السعداء فى قلوب التاعسين ! و ماأقسى القوى إذا وقف خطيبا بين الضعفاء . وسمعت الطبيعة ما دار بين الوردة والبنفسجة ..فاهتزت مستغربة ثم رفعت صوتها قائلة ! ماذا جرى لك يا ابنتى البنفسجة ؟ فقد عرفتك لطيفة بتواضعك ، عذبة بصغرك ، شريفة بمسكنتك ، فهل استهوتك المطامع القبيحة ، أم سلبت عقلك العظمة الفارغة ؟ فأجابت البنفسجة بصوت ملؤه التوسل والإستعطاف : أيتها الأم العظيمة بجبروتها ، الهائلة بحنانها ، أضرع اليك بكل ما فى قلبى من التوسل ، وما فى روحى من الرجاء أن تجيبى طلبى وتجعلينى وردة ولو يوما واحدا .. فقالت الطبيعة : انت لا تدرين ما تطلبين ، ولا تعلمين ما وراء العظمة الظاهرة من البلايا الخفية ، فإذا رفعت قامتك ، وأبدلت صورتك وجعلتك وردة تندمين حين لا ينفع الندم .. فقالت البنفسجة : حولى كيانى البنفسجي إلى وردة مديدة القامة مرفوعة الرأس ، ومهما يحل بي بعد ذلك يكن صنع رغائبى ومطامعى . فقالت الطبيعة : لقد أجبت طلبك أيتها البنفسجة الجاهلة المتمردة ، ولكن إذا دهمتك المصائب والمصاعب فلتكن شكواك من نفسك . ومدت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية ، ولمست عروق البنفسجة فتحولت بلحظة إلى وردة زاهية متعالية فوق الأزهار والرياحين . لما جاء عصر ذلك النهارد تلبد الفضاء بغيوم سوداء مبطنة بالإعصار . ثم هاجت سواكن الوجود فأبرقت وأرعدت وأخذت تحارب تلك الحدائق والبساتين بجيش عرمرم من الأمطار والأهواء . فكسرت الأغصان ولوت الأنصاب ، واقتلعت الأزهار المتشامخة ، ولم تبق إلا الرياحين الصغيرة التى تلتصق بالأرض أو تختبئ بين الصخور . أما تلك الحديقة المنفردة فقد قاست من هياج العناصر ما لم تقاسه حديقة أخرى . فلم تمر العاصفة ، وتنقشع الغيوم حتى أصبحت أزهارها هباءا منثورا ، ولم يسلم منها بعد تلك المعمعة الهوجاء سوى طائفة البنفسج المختبئة بجدار الحديقة. ورفعت إحدى صبايا البنفسج رأسها ، فرأت ما حل بأزهار الحديقة وأشجارها فابتسمت فرحا ثم نادت رفيقاتها قائلة : ألا فانظرن ما فعلته العاصفة بالرياحين المتشامخة تيها وإعجابا ً. وقالت بنفسجة أخرى : نحن نلتصق بالتراب ، ولكننا نسلم من غضب العواصف والأنواء. وقالت بنفسجة ثالثة : نحن حقيرات الأجسام غير أن الزوابع لا تستطيع التغلب علينا . ونظرت إذا ذاك مليكة طائفة البنفسج فرأت على مقربة منها الوردة التى كانت بالأمس بنفسجة وقد اقتلعتها العاصفة وبعثرت أوراقها الرياح ، وألقتها على الأعشاب المبللة فبانت كقتيل أرداه العدو بسهم . فرفعت مليكة البنفسج قامتها ، ومدت أوراقها ، ونادت رفيقاتها قائلة : تأملن ، وانظرن يا بناتى ..انظرن إلى البنفسجة التى غرتها المطامع ، فتحولت إلى وردة لتتشامخ ساعة ، ثم سقطت إلى الحضيض ..ليكن هذا المشهد أمثولة لكنَّ . عندئذ ارتعشت المحتضرة واستجمعت قواها الخائرة ، وبصوت متقطع قالت : ألا فاسمعن أيتها الجاهلات المقتنعات ، الخائفات من العواصف والإعصار ، لقد كنت بالأمس مثلكن ، أجلس بين أوراقى الخضراء مكتفية بما قسم لى ، وقد كان الأكتفاء حاجزا منيعاً يفصلنى عن زوابع الحياة وأهوائها ، ويجعل كيانى محدودا ً بما فيه السلامة ..متناهيا بما يساوره من الراحة والطمأنينة . ولقد كان بإمكانى أن اعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرنى الشتاء بثلوجه ، وأذهب كمن ذهب قبلى إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف اسرار الوجود ومخبآته غير ما عرفته طائفة البنفسج منذ وجد البنفسج على سطح الأرض...لقد كان بإمكانى الإنصراف الى المطامع ، والزهد فى الأمور التىتعلو بطبيعتها عن طبيعتى . ولكنى أصغيت فى سكينى الليل فسمعت العالم الأعلى يقول لهذا العالم " إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود " فتمردت نفسى على نفسى ، وهام وجدانى بمقام يعلو عن وجدانى ، ومازلت أتمرد على ذاتى ، وأتشوق إلى ما ليس لى ، حتى انقلب تمردى إلى قوة فعالة ، واستحال شوقى إلى إرادة مبدعة فطلبت إلى الطبيعة ، وماالطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية ، أن تحولنى إلى وردة ففعلت ، وطالما غيرت الطبيعة صورها ورسومها بأصابع الميل والتشويق . وسكتت الوردة هنيهة : ثم زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفوق : لقد عشت ساعة كوردة ..ولقد عشت ساعة كملكة ، لقد نظرت الى الكون من وراء عيون الورود ، وسمعت همس الأثير بآذان الورود ، وملست ثنايا النور بأوراق الورود ، فهل بينكن من تسطتيع أن تدعى شرفي ؟ ثم لوت عنقها ، وبصوت يكاد يكون لهاثا ، قالت : أنا أموت الآن . اموت وانا عالمة بما وراء المحيط الحدودى الذى ولدت فيه . وهذا هو القصد من الحياة . هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام والليالى . وأطبقت الوردة أوراقها وارتعشت قليلا ،،،ثم ماتت وعلى وجهها ابتسامة علوية ، ابتسامة من حققت الحياة أمانيه ، ابتسامة النصر والتغلب ، ابتسامة من الله ! -كن كما تُريد لا كما الاخرون يريدونك -اسعي لان تكون افضل والافضل -ثق بالله ثم نفسك انك تستطيع تحقيق اي شئ مهما كان هل علمتكم التجربه شئ آخر؟
|
#2
|
||
|
||
رد: جبران خليل جبران والبنفسجه الطموحه
ان اتغلب على كل ما يراودني
__________________
يُراقبني مِن بعيد ،
يراني أضحگُ كثيرًا : ) فيظُن أني نسيتهہ ! و يرحَل .. |
#3
|
||
|
||
رد: جبران خليل جبران والبنفسجه الطموحه
رائع يا اجمل احساس ( اننا لم نخلق انفسنا بايدينا ، لكن الذي اوجدنا ليس عبثا وانما ارادنا لشئ نعمله ، سبحانه وتعالى ) نحمد الله على نعمة القناعة
تحياتي |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
النبي - رائعة جبران خليل جبران | advocate | كتب الادب العربي و الغربي | 64 | February 19, 2013 07:47 PM |
اقوال في الحب بأقلام المشاهير افلاطون ارسطو جبران خليل جبران وغيرهم | صفو الايمان | كلام من القلب للقلب | 4 | September 11, 2012 02:57 PM |
مناجاة ارواح - جبران خليل جبران | advocate | الروايات والقصص العربية | 5 | September 18, 2009 11:42 PM |
عيسى ابن الانسان ........رائعة جبران خليل جبران !! | nebr | كتب الادب العربي و الغربي | 5 | July 4, 2009 10:45 AM |
البدائع والطرائف - جبران خليل جبران | advocate | كتب الادب العربي و الغربي | 6 | January 20, 2008 10:04 PM |