فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > مجلة العلوم الهندسية

مجلة العلوم الهندسية الهندسة , المعمارية, الميكانيكية, الكهربائية, الانشائية. برامج هندسية, مشاريع, تقارير, أبحاث



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم August 28, 2010, 05:40 PM
 
Icon2 إسهام سورية في نشوء فن عمارة مسيحي من القرن الأول حتى السادس ... بحث متكامل و رائع ..

بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



إسهام سورية في نشوء فن عمارة مسيحي من القرن الأول حتى السادس

إن المسيحية التي بدأت انتشارها من الشرق كانت ضد التيارات الثقافية اليونانية الوثنية وضد الوثنية الحاكمة . وجدت سورية في المسيحية وسيلة لتطوير نزعتها الاستقلالية عن الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية ، وتبدت فيها نزعة التجدد في فنونها وظهر في ميادين هذه الفنون أشكال لم تكن يونانية ولا رومانية بل كانت جديدة بالنسبة إلى الحياة الإبداعية العالمية وذات منحى محلي صرف .
بينما كان الغرب يسقط أمام الغارات البربرية وتضيع مدنيته وتزول عاداته الفنية قامت سورية بابتكار فن جديد، ساعدها على ذلك مخزونها الحضاري العريق الممتد لآلاف السنين عبر التاريخ من عمارة دينية ومدنية . وما الاقتصار في هذا البحث إلا على العمارة الدينية من القرن الأول حتى بداية السابع، إلا لأن شواهد هذه الأبنية تمكننا من إعطاء فكرة واضحة عن تلك العمارة ومساهمتها في بروز عناصر معمارية جديدة خاصة بسوريا .
على الرغم من أن الفن البيزنطي كان مزدهراَ في هذه الفترة وكانت سورية على تماس مباشر مع هذا الفن إلا أننا نجد غياباَ تاماَ للتأثيرات البيزنطية مما يدل على أن المهندسين السوريين كانوا على علم تام بما يفعلون من محاولتهم إبتكار فن سوري جديد بعيداَ عن القسطنطينية وإظهار عدم التبعية لها ( كنيسة القديس سمعان تمت دراستها في بيزنطة وكان التمويل خارجياَ ).
إن الكثير من عمارة المعابد الوثنية والمدنية في سورية، والتي وصفت كثيرا ًبأنها رومانية، كانت في الحقيقة تحمل الكثير من الخطوط العريضة المحلية السورية، والخلاصة إن سورية أبدعت الفن المسيحي الأول الذي اعتمد على المسيحية والهيلينستية والشرق . يقال أن الإمبراطور السوري فيليب العربي الذي حكم روما (244-249 م ) كان أول إمبراطور يعتنق المسيحية، حتى وإن لم يقم بإعلان عقيدته أو اعتبار المسيحية كديانة رسمية، وعندما أراد أن يزور الكنيسة في إنطاكية منعه الأسقف بحجة أن استلامه للسلطة كان عن طريق اغتيال سلفه أي أنه يحمل الخطيئة، وعلى هذا نستنتج أنه كان هناك كنائس يؤمها المؤمنون بشكل علني قبل اعتبار المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية أي قبل بداية القرن الرابع ... فما هي الكنيسة الأولى .
1) الكنائس الأولى قبل الانتشار العلني للمسيحية

بما أن الدين المسيحي لم يكن مسموحاً به فقد اضطر المسيحيون الأوائل إلى الاجتماع في أماكن لم تكن ظاهرة للعيان فقد اجتمعوا حيناً في المغاور أو في الجبال أو حتى حولوا بعض البيوت إلى ما كان يُسمى الكنائس الأولى . ولا شك أن أشكال الكنيسة الأولى تعددت بتعدد نماذج البيوت والمناطق التابعة لها، لا يهمنا من هذا الموضوع تعدد الأشكال وإنما ما كانت تحويه الكنيسة الأولى وعناصرها والتي كانت نواة للكنيسة التي سادت في فترة السلم اللاحقة .
والمثال على الكنيسة الدار هو كنيسة دورا أوروبوس ( نقلت هذه الكنيسة مع الفريسكات التي كانت تزينها إلى جامعة ييل وهي تعتبر أول كنيسة مؤرخة من القرن الثالث الميلادي (233-232) ، والظاهر أن الجالية المسيحية في تلك المدينة الواقعة على نهر الفرات أقامت مكاناً لإجراء طقوس العبادة في بيت خاص وعاشت فيه دون أن تُغيّر شيئاً فيه ثم أجرت بعض التعديلات الجزئية التي لم يظهر منها شيء لا من الشارع ولا من الباحة ولولا بعض الرسوم الجدارية التي بقيت عالقة ولولا القبة التي تعلو بناء المعمودية لما أُمكن التعرف على هذه الكنيسة بين أطلال المنازل التي كشفتها التنقيبات الأثرية، وخلاصة القول أن هذه الكنيسة بناء شيد في السنوات الأولى من القرن الثالث الميلادي (232-233) ويحوي عدة غرف نظمت حول الجهات الأربع لباحة مربعة ويشرف جداران خارجيان من البناء على شارعين يحيطان بالكنيسة أما الجداران الباقيان فكانا مشتركين مع أبنية أُخرى ويشرف الباب الخارجي على الشارع الشمالي ويبدأ بمدخل غير صريح شأن كثير من أبواب المنازل الشرقية التي ُتجعل هكذا لكي لا يرى المارة ما بداخلها هذا النوع من المداخل تم الحفاظ عليه من قبل المسيحيين .

يجد الداخل عندما يبلغ الباحة رواقا على يساره، كما يجد غرفا متعددة في بقية الجهات وبعض هذه الغرف قائم على طابقين، وكذلك فانه يجد على يمينه درجاً يُصعد منه إلى السطح والغرف العلوية . وكانت توجد أربع قاعات في الطابق الأرضي وما يُسمى الآن بالإيوان، ثلاث منها على طول الجنوبي وواحدا إلى الغرب في صدر الباحة وواحدا يشغل الزاوية الشمالية، ولم يبق شيء من الغرف العلوية . وقد صعب على الأثريين معرفة كيف كانت تستخدم هذه الأماكن ويظهر أن القاعة المستطيلة الطويلة وهي الشمالية الغربية التي مثلت على جدرانها بعض الصور المسيحية كانت دار المعمودية، وكان لها بابان في جدارها الجنوبي الأول يصلها بالباحة والثاني بالقاعة المجاورة . أما الكنيسة فإنها كانت تقع مواجه دار المعمودية على طول الجدار الجنوبي من الدار وهذه القاعة الأخيرة اكبر من بقية القاعات وقد وسعت فيما بعد أن أُزيل الجدار بينهما وبين القاعة التي تشغل الزاوية الجنوبية الغربية والظاهر أن ذلك كان في عام 232-233 كما تشير الكتابة التي وجدت على أحد الجدران، أما القاعة الجنوبية الغربية فإنها لم تضم إلى الكنيسة وبقيت محافظة على وحدتها وأخيرا فان قاعة الزاوية كانت هي قاعة الخدمة ( السكرستيا ) وفيها بعض ألدروج الجدارية التي حوت بلا شك الكتب الدينية .
ولا يمكننا أن نعين ما كان يجري في القاعة الرابعة من الطابق الأرضي المواجهة للغرب لأنه لم يعثر فيها على شيء ولعلها كانت مخصصة كمدرسة دينية أو مطعم للرهبان وأخيرا فانه يظن أن غرف الطابق الأول كانت لسكن رجال الدين وللحارس .
1) المباني المسيحية السورية الأولى

لمّا تمتعت المسيحية بالسلم في عهد الإمبراطور قِسطنطين، راح المسيحيون يبنون منشآتهم دون أن يحاولوا إخفاءها عن العيون، وقد شجعهم على ذلك ما أنشأه الإمبراطور قسطنطين وأمه هيلانة من الكنائس الضخمة في القدس وبيت لحم وإنطاكية والمدن السورية الرئيسية . أن دراسة الأبنية الدينية المسيحية يتم في المناطق خارج حدود المدن الرئيسية كدمشق وحلب وإنطاكية وذلك لأن اغلب المنشآت في هذه المدن تعرضت لتبدلات كثيرة على مر القرون لأسباب كثيرة ( تم تفكيك المعابد الوثنية وتحويلها إلى كنائس كذلك تم تحويل بعض الكنائس إلى جوامع ) ، وهذا ما يجعل الدراسة تقتصر على المناطق التابعة لهذه المدن التي ما زالت تحوي الكثير من بقايا هذه المنشآت . بداية توجهت الأنظار إلى المعابد الوثنية - على الأقل في بادئ الأمر - فوجدوا أنه لم يَكّنَ ممكناً أَنْ تتُحوّلَ إِلى أماكنِ عبادة مسيحيةِ، كذلك كَانَ يمكنُ أَنْ يَكُونَ هناك مقاومةَ هائلةَ من المؤسسة الوثنية التي كانت ما زالت قويةُ، حتى بعدما أصبحت المسيحية الدّين الرّسمي . لكن الأكثرَ أهمية، هو أن المعبد الوثني لا يلبي متطلبات الكنيسةِ المسيحيةِ حيث أن ممارسة العبادة الوثنية لم تكن بحاجة إلى مكان مسقوف كبير للاجتماع لأن الدخول إلى الغرفة المقدسة كان حكراَ على رجال الدين وليس للجمهور . على هذا الأساس صار من الضروري إنشاء كنيسة بعيداً عن مخطط الكنيسة الدار والمعبد الوثني، وأن يكون لها شخصية معمارية مستقلة، إن طراز البناء الذي ساد في بداية انتشار المسيحية كان طرازاً بسيطاً ليس قروياً صرفاً وليس مدينيا صرفاً، لا يُشابه أبدا الأوابد العظيمة التي تم بناؤها قبل انتشار المسيحية كالمعابد الضخمة الرومانية أو اليونانية أو المنشآت المدنية الضخمة في المناطق المحيطة بها كبصرى أو تدمر أو إنطاكية وأفاميا والتي بنيت بأيد سورية، هذا لا يعني بالضرورة أبدا إن المهندس السوري في ذلك الوقت لم يكن في مقدوره أن يجاري ما كان منتشراً حوله من منشآت أو الطرز الكلاسيكية ( على الرغم من وجود مدارس معمارية متخصصة وكانت هذه المدارس الثانية فقط بعد القسطنطينية ) ، ولكن ربما لأن الدين الجديد كان يتطلب البساطة في منشآته، أو أنه كان يبتعد عن تقليد الأبنية الدينية التي سبقته، ويتخذ منهج جديد يتميز به عن ما سبقه، أن المهندس السوري قام بتحوير جزء من هذه الطرز لتلائم بيئته السورية فنرى مثلا أن طراز ألدوريك تم تحويره بشكل بسيط وتمت زخرفته بشكل بعيد عن الزخرفة الكلاسيكية وما نماذج تيجان الأعمدة المتنوعة في كنيسة واحدة حتى في بداية إتخاذ اتجاه جديد في العمارة يدل على أن المهندس السوري لم يكن ناقلاً وإنما مبدعا، كذلك قام المهندس السوري بتحوير تاج العمود الكورنثي من ورقة الأكانتس إلى ورقة شجرة النخيل، كذلك تمت زخرفة تاج العمود الأيوني بشكل يختلف عما كان عليه في النظم الكلاسيكية لإعطاء الصبغة المحلية . ثم تطور الأمر بعد الإنتشار الواسع للمسيحية إلى زخرفة الكنيسة من الداخل والخارج وكانت قطع الفسيفساء قد إبتعدت كليا عن المواضيع الوثنية ورسومها الغير محتشمة واتخذت الأشكال التجريدية الهندسية الذي أعطاها طابعها المحلي كذلك بقايا الأبنية المزخرفة كانت تعبير عن الزخارف المحلية، حيث كانت الزخارف مستمدة من أوراق النباتات وليست هندسية، كذلك أُضيفت أشكال معمارية جديدة وأَبتَكِرت أساليب حديثة لزخرفتها مما منح الكنائس السورية القديمة مكانة بارزة في تاريخ العمارة .
إن التفريق بين الشمال السوري والجنوب يتم بسبب المواد التي كانت وما زالت متبعة وتختلف فيما بينها فبينما كان الشمال يستعمل الحجر الكلسي الطري، والأخشاب للتسقيف كان الجنوب يستخدم البازلت القاسي وهذا الإختلاف في المواد تبعه اختلاف في الأشكال المعمارية .
1) نماذج الأبنية التي أثرّت في العمارة الدينية المسيحية

كان هناك عدة نماذج معمارية تعود إلى الفترة ما قبل المسيحية في سورية والتي لعبت دوراً في تحديد شكل الكنائس الأولى للمنطقة . هذه الأبنية منها ما كان دينياً ومنها ما كان مدنياً .
أبسط هذه الأبنية والمحفوظة بشكل جيد هو بناء قيصرية في شكا وهو بناء بالتأكيد لا يعود إلى أبعد من القرن الثالث أي قبل فترة مرسوم قسطنطين وربما ينتمي إلى القرن الثاني والجزء المهم هو الجزء المتطاول أو المستطيل والذي قُسِم إلى أحد عشر مجاز بأقواس عرضية سقفت بواسطة بلاطات حجرية إن هناك أبواب جانبية صغيرة في الجهة الجنوبية . جميع الزخارف تعود إلى الفترة الرومانية، يبدو أن هذا المبنى حول إلى كنيسة في أوائل فترات التحول إلى المسيحية بعد مرسوم قسطنطين وذلك بأن حول المجاز الشرقي إلى الحرم المقدس أو إلى الهيكل حيث نقش فوق نجفة النافذة الشرقية ثلاث صلبان بشكل نافر .

النموذج الثاني من المباني ما قبل المسيحية هو ما يُسمى الآن بدير الراهب بُحيرة في بُصرى .

وهو بناء مستطيل كبير كان مفتوحاً على الشارع الرئيسي بواسطة قوس كبير وينتهي من الجهة الشرقية بحنية نصف دائرية ومسقوفة بنصف قبة من الحجر البركاني المغموس بالملاط، ولهذا البناء نوافذ علوية لإنارة الصالة وكان هذا البناء مسقوفاً بواسطة سقف خشبي . وقد حول المبنى إلى كنيسة بعد أن كان مكان اجتماع عام في الفترة ما قبل المسيحية . وهو بشكله العام بازيليك لكن لا يُشاهد أي أثر لأعمدة داخلية تقسم البناء إلى ثلاث أبهاء كما هو حال أبنية البازيليك المعروفة .
النموذج الثالث هو معبد الآلهة تيخة ( تايكة ) في الصنمين والذي يعود إلى العام 191 ، وهو عبارة عن معبد صغير مربع تقريباً ومزود في الجهة الشمالية بمدخل من ثلاث فتحات يسبقه صف من أربع أعمدة يليها درج، هذا البناء كان من طبقتين . أما الجهة المقابلة للمدخل الجنوبية من الداخل فكان هناك صف من أربعة أعمدة يليها مباشرة باتجاه الجنوب حنية مركزية محاطة بغرفتين جانبيتين مستطيلتين، الأعمدة كانت تحمل عتبات أفقية من جهة الغرف الجانبية، أما العتبة الوسطى فكان العمودان يحملان عتبة مقوسة على شكل الصدفة .


المهم أن المدخل الرئيسي وقسم الحنية كان مسقوفاً بسقف جملوني أما الوسط فكان مفتوحاً للسماء إلا إذا تم استعمال جوائز خشبية ذات طول استثنائي . في هذا المبنى تم إضافة قوس عرضي إلى الباحة الداخلية في القرون الوسطى وحول إلى جامع وتم سقفه بالبلاطات الحجرية.
النموذج الثالث من هذه المعابد، هو معبد الإله زوس في قنوات هذا المعبد له أهمية خاصة حيث بدلاً من الحنية الوسطى كان هناك حنية بشكل مستطيل محاط بغرفتين جانبيتين متصلتين معها ولكن الغير مألوف بالنسبة للمعابد الرومانية في هذه الفترة كان تقسيم الصحن الداخلي إلى ثلاث مجازات بواسطة صفين من الأعمدة ثلاث في كل جانب وهو ما يُعتبر أول معبد روماني في سوريا له شكل البازيليك ولكن هذا المعبد لم يحوي الشبابيك العلوية .
النموذج الرابع من القرن الثالث وما يُوجب تسميته بالبازيليكا هو أن المبنى مقسوم إلى ثلاثة أقسام بواسطة صف من الأعمدة أو الدعامات هذه الدعامات عوضاً عن أن تحمل أقواساً بالاتجاه الطولي للشكل فإنها كانت تحمل أقواساً عرضية، القوس الوسطي كان أكبر من القوسين الجانبيين وكان ارتفاعه في الوسط على ارتفاع طابقي البناء أما القوسين الجانبيين فكانت فتحتهما أصغر .

1) الكنيسة والبازيليك

يجب علينا أن نفرق بين كلمتي ( كنيسة ) وبازيليك فالكنيسة هي المبنى الذي مهما اختلفت أشكاله يجتمع المؤمنون ضمن جدرانه للقيام بشعائرهم الدينية فتعريف الكنيسة والحالة هذه لفظ يتعلق بوظيفة المبنى وكيفية استخدامه، أما البازيليك فهو نموذج من قاعة الاجتماعات السابقة للمسيحية تم تحويلها بما يتلاءم والاستخدام المسيحي، تنقسم إلى قسمين متميزين الأول قاعة مستطيلة يقسمها صفان من الركائز أو أعمدة إلى ثلاثة أبهاء غير متساوية والثاني معبد يستخدمه رجال الدين ويكون في الضلع الصغير .

إن القرن الرابع كان قرن التأسيس للمنشآت الدينية في سورية ومن البداية وحتى النهاية يجب تصنيفها بحسب الموقع الجغرافي . إن العمارة المسيحية في الجنوب كانت متأثرة بالعمارة النبطية والتي تتميز عن العمارة المسيحية السورية في الشمال .
1) العمارة المسيحية الأولى في جنوب سورية في القرن الرابع

إن دراسة مخططات الكنائس في سورية الجنوبية متنوعة ويجب دراستها تحت بنود محددة .
البند الأول : وهي الكنائس ذات الشكل المستطيل البسيط مع وجود أقواس عرضية لحمل السقف الحجري الأفقي وهو ما أصطلح على تسميته بالكنيسة القاعة . في هذا البند سنجد أنه كان ثلاث نماذج الأول الحنية النصف دائرية و المستطيلة والتي كانت بعرض الصحن المركزي أو أعرض، القسم الشرقي مقسم إلى ثلاث أقسام حنية مركزية نصف دائرية أو مستطيلة محاطة بغرفتين جانبيتين .
البند الثاني : الكنائس ذات الثلاثة مجازات مع وجود قوس عرضي لحمل السقف الحجري .
كنيسة أم الجمال :
هذه الكنيسة مؤرخة من العام 344 ، كما هو مذكور على نجفة الباب الوسطي في الواجهة الجنوبية . من دراسة مخططها نرى أنها مزيج من حنية دير الراهب بُحيرة والبناء العائد إلى قيصرية ذي الشكل المستطيل المقسوم إلى مجازات بواسطة أقواس عرضية مستندة إلى دعامات بارزة من الجدران الجانبية، وتنتهي بالجهة الشرقية بحنية نصف دارية عرضها أقل من عرض الصحن، هذه الحنية مفصولة عن صحن الكنيسة بواسطة قوس عرضي .

النموذج الثالث كنيسة Masechos في أمّ الِجمال : هذا النموذج من الكنائس المبكرة في الجنوب السوري يحوي على نموذجين من فترة ما قبل المسيحية، الأول القاعة الطويلة ذو الأقواس العرضية كما في نموذج شقا والثاني الهيكل المقسوم إلى ثلاثة أقسام كما في النموذج العائد إلى معبد تيخة ( تايكة ) ، بحنية وسطى عميقة بحيث أن عمق الحنية يُشكل بقية الدائرة، وغرفتين جانبيتين من طبقتين . والمدخل الرئيسي ذو رواق من أعمدة كما في المعبد أيضاً هذا الرواق مُغلق من الجهة الجنوبية ويطل على بابين من الجهة الغربية للكنيسة، والكنيسة مزودة كذلك بمدخل من الجهة الجنوبية .

النموذج الأخير وهو نموذج البازيليك أي ثلاث مجازات مزود بحنية . الكنيسة مقسومة بواسطة صفين من الأعمدة أو الركائز تحمل ثلاث أقواس عرضية القوس الوسطي بارتفاع كامل البناء أما الأقواس الجانبية فكانت على طابقين . الكنيسة مزودة بثلاث مداخل من الجهة الغربية، ومدخلان من الجهة الشرقية، أي أنها حافظت على طراز النظام الأولي ما قبل الكنيسة . الواجهات الجانبية ليس لها مداخل .

1) العمارة المسيحية في شمالي سورية في القرن الرابع

في المنطقة الشمالية كان التنوع قليل في مساقط الأبنية الدينية مقارنة مع المنطقة الجنوبية، ربما لأن التنوع في مساقط المعابد الوثنية في الشمال كان قليلا ( رويحة معبد الإله زوس في قمة الشيخ بركات ). التنوع كان في الأمور الصغيرة كعدد المجازات في الصحن أو نظام الأعمدة كالدوريك أو التوسكان أو الكورنثي وفي بعض الأحيان كان يتم الدمج بين هذه العناصر، أو كان هناك تنوع في توضع المداخل، وبعض التغير في النسب وهذا يعود إلى خبرة المصمم على أي حال فان الشكل البازيليكي المتطاول كان الشكل السائد في الشمال وطريقة تسقيفه كانت أيضا مختلفة عن الجنوب حيث كان التسقيف يتم بواسطة السقف الجملوني الخشبي . مع كل هذه التغييرات كان الشكل العام للبازيليكا مُحافظاً عليه، الأعمدة الحاملة للأقواس بالإتجاه الطولي، وجود الإنارة العلوية، وطريقة التسقيف الجملوني . هذه من الأمور الغير قابلة للتغيير أما كون الحنية غائرة ضمن المخطط العام أو بارزة خارج المستطيل فهذه من الأمور الشكلية ولكن التنوع الكبير كان في الأمور التي كانت تخدم الجماليات والعلاقة بين الفراغ والكتلة وتوزعها واستعمال الحليات المعمارية وأشكال الزخرفة على الأحجار والمعالجة الدقيقة للتفاصيل فان المهندسين الشماليين أظهروا بأنهم ذوو مهارة عالية وتخيل إبداعي خصب، من هنا نجد أن العمارة المسيحية في سورية الشمالية تختلف عما هي عليه في سورية الجنوبية من حيث عدم وجود نموذج الكنيسة القاعة وطرق تسقيفها، لقد إختار مهندسو الشمال البازيليك ذو الإتجاه الطولي لشكل كنائسهم فكيف تم التحويل من البازيليك الروماني إلى البازيليك السوري .
0.1) الأقواس والأعمدة

في الواقع تختلف قاعات البازيليك الهيلينستية والرومانية المدنية عن الكنائس المسيحية السورية فان الأعمدة الداخلية في زمرة المباني الكنسية كانت تحمل أقواسا ولا تحمل عوارض حجرية مسطحة كما هو الأمر في الزمرة الأولى ولا ريب أن هذا التطور كان مهما للغاية، فعلى الرغم من أن مخطط البناء لم يتغير إلا أن هيئة البناء الداخلية تحولت تماما . فبدلا من الأعمدة المرتفعة التي كانت تحمل الأطناف الثقيلة وتؤلف بتعاقبها شبه حاجز مستمر بين البهو الرئيسي والبهوين الجانبيين، صارت تقام أعمدة رشيقة ومتباعدة عن بعضها وتسهل تأمين الاتصال بين البهو المركزي والبهوين الجانبيين . وقد تحسن المنظور أيضا فبدلا من العوارض الحجرية المسطحة الأفقية التي تحبس النظر صار بإمكان المرء أن يرى ما وراء الجدار المفرغ .
ولا ريب أن الشمال السوري كان هو الموطن الأول لهذا الابتكار المعماري الذي جعل الأشكال المستديرة الخفيفة تسود بدلا من الأشكال المسطحة الغليظة، على الرغم من بعض الاستثناءات التي لابد منها، إذ تشاهد الأطناف المسطحة القائمة على الأعمدة في كنائس ( البارة من القرن الرابع ) و ( كنائس قرية القديس سمعان العمودي آخر القرن السادس وأول السابع ) وحتى في هذا الاستثناء يجدر أن يقال أن الكنائس المذكورة لم تستخدم الأطناف المسطحة إلا لتقليل ارتفاع البهوين الجانبيين وحتى يمكن إنشاء طابق المنابر فوقهما ويلاحظ أن المنابر ستعمم فيما بعد في جميع الكنائس السورية الشمالية والشرقية وذلك لأنها تسمح بعزل النساء عن الرجال أو استيعاب عدد أكبر من المؤمنين .
0.1) ارتكاز القوس على الأعمدة

احتاج استبدال الطنف بالقوس إلى بعض التجارب التي لا بد من ذكرها والظاهر انه وضعت في بادئ الأمر على عمودين كتلة حجرية فتحتها الداخلية مقطوعة على شكل نصف دائرة وحمّل كل من طرفي هذه الكتلة على اسطوانة حجرية جعلت فوق التاج وازدوجت الأسطوانة الحجرية أحيانا . ثم غيرت مواضع اتصال أجزاء القوس حتى أصبحت تدريجياَ على أشكال أنصاف قطر الدائرة، حتى تقرب الشكل من شكل القوس المجهز، ولم يكن ذلك في بدء الأمر طريقة جديدة في البناء وإنما شكلا من الأشكال ظل يتطور حتى أصبح تكاملا فنيا في أجزاء القوس المجهز . وُيفضل القوس عن الطنف من الناحية المعمارية بميزتين وهما الأول ميزة اقتصادية تنص على استخدام أعمدة أقل في بناء ذي أبعاد معينة أو مهما كان طول العمود قصيرا فانه يمكن استخدامه بتنظيم القوس الذي يعلوه ولا يخفى أن نحت الأعمدة وصقلها هو من الأعمال ذو التكاليف الباهظة وكلما كبر العمود زادت نفقاته ومما لاشك فيه أن اختراع القوس وجعله فوق الأعمدة خفف كثيرا من تكاليف البناء إلا أن استمرار المعماريين على استخدام الأطناف في العمارة المدنية الخاصة يدل على أن القوس لم ينتشر إلا في العمارة الدينية لميزته الاقتصادية والميزة الثانية هي فنية وتنص على الإقلال من نقاط الارتكاز من دعائم أو أعمدة في مساند معينة وتحسين الرؤية في الأبهاء الجانبية وما علينا إلا أن نقارن الأروقة ذات الأطناف في الدور الخاصة مع الأروقة ذات الأقواس المحمولة على أعمدة في بعض الكنائس، حتى تبين صفات التحسين الذي طرأ وقد ازدادت المسافة بين الأعمدة حتى وصلت إلى 6 ، 6 م في قلب لوزة و 8 ، 7 في رويحة بعد أن كانت 3 أمتار .


1) المداخل

إن الترتيب الثلاثي المتناظر للمداخل كان شائعاً في شكل تصميم البازيليكا في العمارة اللاتينية، يبدو أن هذا الترتيب لم يُأخذ بعين الاعتبار في المراحل الأوُلى من قبل البنائين السوريين حتى في الكنائس الكبيرة إلا في حالات خاصة ويبدو أنه لم يُتخذ حتى كترتيب طقسي احتفالي . من حيث التنوع وعدد المداخل فهذا يعود ولا شك إلى أن اتجاه الكنيسة الذي جعل طرفيها الطويلين على محور من الشرق إلى الغرب سبب نشوء شكل المستطيل المأخوذ من دور السكن، إلا انه يلاحظ أن نموذج الكنيسة التقليدي تغير هنا في هذه الفئة فبدلا من عدد من الأبواب الموزعة على طول واجهة دار السكن ابتداءً من الواجهة الجنوبية صار ُيدخل إلى الكنيسة من باب واحد ثم تطور الأمر إلى بابين من جهة الجنوب للكنيسة، ولعل وجود بابين في جهة واحدة يُستدل منه على أن الغاية كانت الفصل بين الرجال الذين يدخلون من الباب الشرقي للواجهة الجنوبية ( الذي كان أكثر زخرفة في العادة ) ، بينما تأخذ النساء الباب الآخر وهذان البابان متعامدان مع اتجاه الصلاة وهذا نتيجة محاولة التوفيق بين مخطط الكنيسة ومخطط دار السكن التقليدية . وأحياناً كثيرة كان يوجد أمام مثل هذه الأبواب الجانبية مداخل مسقوفة يحدها أحيانا عامودان يحملان سقفا بانحداريين أو على شكل اسطوانة حجرية وهذا ما يُمكن مشاهدته في كنيسة قلب لوزة وكنيسة المشّبك . ثم تطور الأمر إلى وجود ثلاثة أبواب في بعض الكنائس من جهة الجنوب ولعل هذا الأمر عائد إلى أن القرية لم تكن قد تنصرت بكاملها هنا يتم الفصل أيضاً بين الرجال المعمدين الذين يدخلون من الباب الشرقي ويجلسون قرابة الحنية والموعوظون الذين يدخلون من الباب الأوسط ويجلسون في الوسط ليسمعوا الكتاب المقدس ثم يتم خروجهم ثم النساء الذين يجلسون في الجهة الغربية . ثم تم إضافة المداخل من الجهة الغربية والشمالية الذي يبدو في البداية أنه كان مُخصص لرجال الدين لقربه من غرفة الخدمة، لكن نجد أنه قد تم المحافظة على المداخل الجانبية على الرغم من إضافة المدخل الرئيسي من جهة الغرب وهذا ما يدعو إلى التساؤل لماذا تم الاحتفاظ بالمداخل الجانبية على الرغم من وجود المدخل الرئيسي في الغرب منه يُستدل على أن الباب الغربي الرئيسي كان يتم استعماله في المناسبات الدينية الخاصة أو الاحتفالات الدينية حيث أن الباب الغربي يواجه الحنية أي المكان الرمزي لوجود السيد المسيح في الكنيسة وعليه فإن من يجب أن يواجه هذا المكان يجب أن يكون شخصية اعتبارية مهمة أي أسقُف الكنيسة أو من يمثله .
1) كنائس القرن الخامس

كانت عمارة هذا القرن عمارة تقدم وتطور بالنسبة للعمارة الدينية وربما كان هذا القرن الأكثر أهمية من ناحية التطور خلال الثلاثة قرون من تاريخ العمارة المسيحية . إن كل العناصر الإنشائية والمساقط والزخارف والتي وجدت في مبنى واحد في القرن السادس وجدت بشكلها المتطور والكامل في مبان منفردة في القرن الخامس . معظم العناصر التي تطورت في الكنائس في القرن الرابع وجدت طريقها إلى التطور في هذا القرن بعض هذه العناصر استخدمت بشكل مؤقت والباقي دام استعمالها حتى النهاية، كذلك تغيرت نسب المساقط الأفقية وظهرت أشكال تزيينية جديدة أما التقدم من الناحية الإنشائية فكان متواضعاَ نوعاَ ما . يُمكن القول أن القرن الخامس كان قرن التأكيد على العناصر الشرقية بالنسبة إلى تلك التي من مصدر كلاسيكي والنمو المطرد في الإستقلالية السورية بعيداَ عن أي تأثير أجنبي .
كنائس سورية الجنوبية :
نجد هنا عدة أنواع منها تلك التي تابعت نموذج الكنيسة الصالة العائدة للقرن الرابع مع الأقواس العرضية الحاملة للسقف الحجري مع تغيرات طفيفة تختلف عن تلك التي في القرن الرابع وخاصة في النسب والتي تظهر أقصر وأعرض
البند الثاني : كنائس ذات الشكل البازيليكي والتي إتبعت الشكل البازيليكي المتطاول الثلاث مجازات والتحميل الطولاني ظهرت في المنطقة الجنوبية في القرن الخامس ولكن طريقة الاستعمال الطولي في الجنوب تختلف عما هو عليه في الشمال، في إحدى النماذج الدعامات أو الأكتاف تحمل الأقواس في الثاني الأعمدة ولكن في كلا النموذجين لم توجد النوافذ العلوية ونلاحظ هنا أن المجازات الثلاثة تكاد تكون متماثلة في العرض . الجدران الجانبية بُنيت حتى ارتفاع القوس الوسطي، وقد غُطيت المجازات الجانبية بواسطة الألواح الحجرية المستوية، أو بسقف جملوني من الخشب .

1) كنائس القرن الخامس في الشمال

كنائس القرن الخامس في الشمال تُظهر تنوع كبير في المسقط الأفقي عن تلك التي في القرن الرابع . لذا من المناسب دراستها تحت عدة بنود أو نماذج :
النموذج الأول الكنائس التي ما زالت متقيدة بشكل البازيليكا البسيط للقرن السابق أي الأعمدة التي تقسم الصحن ولكن الصحن كان أعرض بقليل من سابقه في القرن الرابع والذي أصبح شائعاً في هذا القرن .
النموذج الثاني تلك التي على شكل دعامات مستطيلة، اثنان في كل طرف من الصحن تحمل ثلاثة أقواس عريضة، آخذة مكان عدة أعمدة تحمل أقواس ضيقة .
النموذج الثالث الكنائس العادية المؤلفة من بهو واحد .
في هذا القرن تم إضافت المدخل الرئيسي المسقوف أو ما يُسمى النارتكس يسبق الباب الرئيسي للكنيسة هذا المدخل كان محاطاَ أحياناً من الجهة الغربية ببرجين . وأحيانا مكونا من ثلاثة أروقة مكونة من ست دعامات أو أعمدة أو أربعة أعمدة متوضعة بين نهايتي الجدران الجانبية الشمالية والجنوبية . وأحيانا أروقة مسبوقة بعمودين بارزين عن الجدران الجانبية تحمل سقف جملوني حجري .
مع بداية القرن الخامس تم استبدال النوافذ العلوية والجانبية المستطيلة بالنوافذ ذات النجفة القوسية مع تغير في النسب كما تم زيادة عدد النوافذ العلوية بشكل تدريجي . مع منتصف القرن الخامس لم تعد تظهر النوافذ المستطيلة التي كانت تتوضع في منتصف القوس الذي يحملها أما النوافذ ذات النجفة القوسية فلم يكن لها توضع منتظم أي أنها لا تتبع نموذج معين .

إإن المهندسين السوريين اختاروا لكنائسهم الخطوط المنحنية ووقع هذا الاختيار إلى أن تتحول النوافذ التي كانت مستطيلة في بادئ الأمر أي في القرن الرابع إلى نوافذ تعلوها أقواس في القرن الخامس والسادس وتتألف كل قوس في البداية من ثلاثة أحجار متكاملة . ولم يكن في هذا التحول أية فائدة معمارية عملية كما أن النافذة المستديرة من الأعلى أكثر كلفة من النافذة المستطيلة ولكن ذلك يسمح بتوسيع الفراغ الذي منه يدخل الضوء إلى داخل البناء . ومهما يكن فان المهندسين السوريين كان همهم في تحويل النوافذ من مستطيلة إلى مستديرة من الأعلى تبديل شكل بشكل أو الحصول على جمالية من نوع خاص . إن السبب الذي دعا المهندسين لتفضيل الخطوط المنحية على الخطوط المستقيمة كان على أثر تغيير في الأذواق وظهور الرغبة في إبتكار زينة حديثة للكنائس .
وهذا النوع من الزخارف في الشبابيك لم يوجد إلا في الأبنية ذات الصفة الدينية .
أما من ناحية الزخرفة فإن التطور كان تدريجيا ولكن ثابت، بدءاً من النماذج البسيطة للزخارف المنحوتة في القرن الرابع وحتى الازدهار الكبير في الربع الأخير من القرن الخامس . الزخرفة الداخلية كانت في البداية مقتصرة على تيجان الأعمدة ونهاية الأقواس وأنصاف الأعمدة الملتصقة بالحنية، والزخارف على أقواس الحنية، تيجان الدعامات في الحنية زُخرفت بأسلوب أوراق النبات ولكن تيجان أنصاف الأعمدة الملتصق في نهاية الحنية قد زخرفت بأسلوب التدريجات المعمارية البارزة، ولكن الزخرفة الكلاسيكية الهلنستية والتي كانت تتوج تيجان دعامات الحنية وأنصاف الأعمدة إختفت في هذا القرن . الزخرفة الخارجية بمعزل عن الكورنيش العادي ( في الأعلى على طول الجدار ) والذي ساد في البداية فوق المداخل وخاصة المداخل الجانبية حيث كان مدخل الرجال، ثم لاحقاً تمت زخرفة النوافذ بذلك النوع المتدرج من الزخرفة ثم وصلت النوافذ معا بذلك الشريط الذي يزخرف النوافذ ثم أخيرا بإطار بارز يحيط بالنوافذ . وأخيراً فإن نهاية الزخرفة في الأبواب الخارجية mouldings) والنوافذ تأرجحت ما بين الشكل الحلزوني أو تلك التي على شكل ملفوف أو لولبي وهي والتي تميز أشكال الزخرفة في الشمال من سوريا .
كنيسة الشيخ سليمان : ليس هناك كنائس محدد تاريخها في منتصف القرن الخامس في كل المنطقة ولا واحدة من العام 431 حتى 473 م ولكن الكنائس المؤرخة في الربع الأخير من القرن الخامس ترينا تطوراً متقدماً وخاصة في التفاصيل الزخرفية، حتى أنه يجب السعي لملء الفراغ في الأبنية المؤرخة مع تلك الغير مؤرخة على أقل تقدير . إن كنيسة سيدتنا مريم في الشيخ سليمان هي واحدة من الكنائس التي يُصعب تأريخها، إن شكل ونسب المسقط الأفقي لهذه الكنيسة حتما يُؤرخ إلى القرن الرابع، ولكن تفاصيل الزخرفة الحالية بمعظمها تعود إلى القرن الخامس وهذه الكنيسة هي واحدة من أجمل الكنائس في سورية .

2) الكنائس السورية في القرن السادس

إن دراسة العمارة الدينية في سورية ككل خلال القرن السادس يجب أن تتضمن بدايات القرن السابع، إن ما يميز هذا القرن بشكل رئيسي التطور من الناحية الإنشائية أكثر من الناحية الزخرفية . هناك اتجاهين متعاكسين رئيسين في كنائس القرن السادس :
الاتجاه الأول اتجه ناحية التبسيط، الاتجاه الثاني نحو التحسين . الاتجاه الأول كان ذو نزعة عملية صرفة، يسعى جاهداً لتأمين المجتمعات السكانية الصغيرة بكنائس بسيطة، كذلك يسعى إلى حل المشاكل البسيطة المُحتملة للإنشاء . وفوق ذلك يُمكن أن تصرف كمية أكبر أو أصغر لإغناء النحت الزخرفي تبعا للغنى الفني لكل مجتمع . النتيجة كانت ظهور كنائس بازيليكية ذات حنية مستطيلة بين غرفتين مربعتين حوالي العام 500 والتي يُمكن أن تُسقف بسقف خشبي مائل أو بامتداد سقف الصحن الرئيسي والذي من نتيجته تخفيف النفقات والصعوبات بإنشاء النصف قبة والتي يُمكن تجنبها . هذا بعد أن تعود رجال الدين على الحنية المستطيلة في هذا البناء الصغير لم يعودوا يحسوا بالحاجة إلى حنية في الكنائس الكبيرة . هذا الشكل للحنية المستطيلة كان مألوفاً في المنطقة الجنوبية حيث كانت هناك نماذج أسبق تعود إلى الفترة ما قبل المسيحية . في المناطق الشمالية الشرقية الشكل المستطيل للحنية كان تقريباً غير معروف . من ناحية الزخرفة الداخلية والخارجية، هذه الكنائس ذات الشكل البسيط تختلف بشكل كبير فيما بينها خلال هذا القرن . خلال العقد الأول كان هناك على الأقل كنيسة واحدة مجردة من الزخارف كما في الأبنية العائدة للقرن الرابع، وفي أُخرى كانت تحوي كل غِنىً النحت الزخرفي الذي عرفته البلاد . في نهاية هذا القرن كانوا قد أنشأوا كنائس ذات المخطط البسيط وبنفس الحجم، ولكنهم كانوا يحملون النقيضين من الزخرفة المجردة إلى الغنية .
الاتجاه الثاني والذي يسعى إلى التحسين والإتقان، أصبح واضحاً، في التطور المنطقي لمبادىء الإنشاء . في المنطقة الجنوبية هذا التطور أخذ شكل التطور باتجاه التسقيف بالقبة في الإنشاء والذي نتج عنه المخطط المركزي .
في الشمال هذا الاتجاه عبر عن نفسه في التطور باتجاه التسقيف بالحجر . الخطوة الأولى لهذه الغاية كانت في تحويل الدعامات المستطيلة الطولانية إلى دعامات على شكل + ثم بتمديد العناصر الداخلية للدعامة نحو الأعلى حتى نوافذ الإنارة العلوية وذلك لتحمل بشكل متين القوس العرضي في الصحن المركزي والذي بني حتى مستوى باقي المنحنيات الجملونية المائلة والذي أعطى دعماً لتحمّل السقف الخشبي كما في رويحة، هذا الاتجاه دُعِم بسبب النقص المتزايد في الأخشاب الطويلة لتحمل السقف الجملوني والذي نتج عنه تقصير المجازات الداخلية للصحن حيث أن الأقواس الداخلية العرضانية بنيت بحيث قسمت المجاز الداخلي إلى مربعات . هذه الأقواس المرتفعة العرضانية تطلبت دعامات كبيرة مما نتج عنه تحول الدعامة التي على شكل حرف T إلى شكل متصالب . كذلك وضعت دعامات مستطيلة على جانبي جدران الممرات الجانبية، كذلك تم وضع أقواس عرضية في الممرات الجانبية هذه الأقواس لم يكن لها معنى في الحالات العادية ولكنها أثبتت فعاليتها أثناء الهزات الأرضية . هذا المنحى في البناء في القرن السادس لم يكن عاماً فقد بُنيت كنائس إتبعت النهج العائد للقرن الخامس، هذا يعني أن المهندسين لم يكن عليهم انتظار عام محدد حتى يقوموا بتغيير منهج البناء ولكن نجاح الوظيفة والشكل هو ما يُثبت وجوده حيث يعم انتشاره عندما يُعطى الوقت الكافي . أما في المناطق الشمالية الشرقية فلم يكن هناك منحى إلى التبسيط في المخططات على الرغم من استخدام الأعمدة مكان الدعامات المربعة أو المستطيلة في حمل أقواس الصحن المركزي . أما من ناحية الاتجاه نحو إتقان البنية الفوقية فقد تم أخذ الاتجاهين :
الاتجاه الأول التسقيف بالقبة متأثرين بالتأثيرات الفارسية والبيزنطية، الاتجاه الثاني استعمال الأقواس العرضية العالية كما في الشمال .
الاستعمال الشائع للقرميد المشوي بالشمس والتأكيد على القبة العالية المدببة في الأشكال البسيطة المعمارية المحلية، أدى إلى التطور الحتمي في استعمال القبة في الكنائس، كذلك فإن استعمال القرميد المشوي في هذا الجزء جلب التطور الإنشائي للقبة والعقد . هذا الظهور المفاجىء للقباب والعقود من القرميد جاء في أواخر القرن، والذي يبدو أنه لم يكن قد امتلك بعد أي تطور مستقبلي .
ولكن المرء لا بد وأن يتساءل عن النتائج التي كانت قد تظهر، لو أن هذه النماذج المتعددة في الإنشاء قد أجيز لها الوجود لفترة أطول، هناك احتمالية لكون مبادىء الأبنية ذات طابع الرومانسك في لومبارديا والنورماندي قد أنجزت في سوريا على الأقل قبل أربعمائة عام .
أما من الناحية الزخرفية لهذا القرن، فان مدرسة الجنوب والشمال الشرقي من سوريا أحرزت تقدماً بطئياً ولكن في الشمال كل الأشكال التزينية المبتكرة كانت قد إنصهرت وحملت لإعطاء احتمالات تعبيرية مستقبلية، من الجدير بالاهتمام كذلك ملاحظة، أنه بينما كانت في القرن الخامس العناصر التزينية الشرقية مؤكداً عليها، فقد تم في القرن السادس التأكيد على العناصر ذات الأصول الهيلينيستية، مثلا إن استعمال أنصاف الأعمدة البارزة من الجدار في زوايا البناء الخارجية، أو على الأقل استعمال التيجان الزاوية والتحزيزات الطولية العمودية تحتها لتحاكي تلك الأعمدة البارزة هذا الاتجاه قد قُوي كمبدأ كلاسيكي في الزخرفة وذلك بإضافة شكل حقيقي أو تقليدي لهذه الأنصاف من الأعمدة على مسافات منتظمة في الجدران ( هذا كان له ما يُشابهه في عمارة معبد بل في تدمر ) لتبدو كأنها حوامل حقيقية للأوزان . هذا النوع ألتزيني كان يُستعمل عادة في الأبنية المكونة من طابقين .
في هذه الفترة الطراز الكورنثي ساد على غيره من الطرز وبدأ يأخذ أشكال الفترة الهيلينستية أكثر من أشكال القرن الخامس .
أبواب عدد كبير من الكنائس كانت أشكالها إعادة لأشكال الأبواب الهيلينستية، بأن زخرفت بإطارات حجرية متدرجة، كذلك العارضة الحجرية فوق الباب والتي زخرفت بإفريز حجري له مسند أو كونسول . ويبدو أنه كان هناك حالة لإعادة إحياء الحوافز الكلاسيكية في العديد من كنائس هذا القرن كنهضة معمارية هيلينستية التي بدأت بالنمو مقابل الزخرفة الرومانية . صحيح أن معظم هذه العناصر التزينية كان قد تم استعمالها في القرن الخامس، خاصة في كنيسة القديس سمعان العمودي، ولكن بعض كنائس القرن السادس والأكثر خصوصية بعض الأضرحة البارزة لهذا القرن استعملت هذا النوع من الزخرفة بأشكالها الكلاسيكية الصرفة، وكأن المهندسين المعماريين شاهدوا أسلافهم يعبرون عن أنفسهم في بأسلوب شرقي وطني، حيث بدؤوا بدراسة الفن الكلاسيكي الهيلينستي السوري .
هذا الاتجاه لإحياء العمارة الهيلينستية السورية في الجنوب كان ضعيفا مقارنة مع المنطقة الشمالية باستثناء كاتدرائية بصرى .
3) الكنيسة ومقامات الشهداء

مقام الشهداء martyrdom يعني مبنى مقاما على ذكر ى أحد شهداء الكنيسة أو قديسيها ويحوي قبره، أو لتخليد مكان مقدس ويكون سقفه على شكل قبة . فاللفظ المذكور مبنى تذكاري ويكون تخطيطه غالبا ضمن مربع، أو يتخذ شكل مضلع منتظم أو شكلا مستديرا أو صليبا حرا لهذا فان اللفظ المذكور يمكن إطلاقه متضمنا المعنيين الديني والمعماري . ومن اللازم أن ُيعرف أن الكنيسة التي خصصت إلى أحد القديسين أو التي تحوي شيئا من ذخائر أحدهم لا تكون مقام الشهداء، ومن الضروري أيضا أن نفرق بين سلسلتين من المعابد المسيحية - الكنائس ومقامات الاستشهاد وبين النموذجين المعماريين - البازيليك المستطيل والمخطط المركزي - وسيبقى هذا التفريق قائما خلال القرن الخامس . ومن ثم سيمتزج النموذجان معا .
وقد بُدِأ بتكريم هؤلاء الشهداء منذ القرن الثالث الميلادي وكان الرومان في أثناء الاضطهاد الذي أنزلوه بالمسيحيين يُسلمون أجساد ضحاياهم أو ما بقي منها في بعض الأحيان إلى ذويهم، وكان الأهل يبادرون إلى دفن موتاهم خارج أسوار المدن في المقابر المخصصة لدفن الموتى، وبعد عصر قسطنطين أختلف الأمر حيث قام المسيحيون بنقل رفات شهدائهم إلى داخل المدن و بدؤوا يبنون لها المقامات حسب الأشكال المذكورة ولم تلبث أن نشأت عادات القيام بالطقوس والشعائر على شرف هؤلاء المُضطهدين الشُهداء، ومع الزمن اكتسبت قبور الشهداء كثيراً من الأهمية وأصبحت محجات يحج إليها الناس، وصار من اللازم إجراء الصلوات في المزارات كما كانت تُجرى في الكنائس .
لا بد من القول أن مباني المنشآت على مخطط الصليب الحر تحتاج إلى قبة مركزية متوسطة . وأن هذه القبة تحتاج إلى دعم لأنها تحدث ضغطاً يتجه إلى الخارج ويعمل على سحق الأقواس الأربعة التي ترتفع عليها القبة ومن اللازم لمقاومة هذا الضغط تقوية الأقواس ومنحها القوة اللازمة، وذلك عن طريق تضخيم دعائم الأقواس وتكبير كتلة البناء المحيط بهذه الأقواس، أو قرن الأقواس بعقود جانبية على شكل مهد من الأطراف الأربعة، وإما مقاومة ضغط القبة بضغط معاكس عن طريق إسناد أنصاف قباب على الأقواس الأربعة للقبة الرئيسية . هذه القباب اُتخذ مواد سقفها حسب المنطقة ففي الشمال تم استعمال الخشب أما في الجنوب فقد تم إستعمال الحجر البركاني المغموس بالملاط أما في الشمال الشرقي فقد تم استخدام القرميد المشوي .
4) كنيسة القديس سمعان

كما يقال في شمال سوريا أن كل الطرق تقود إلى كنيسة القديس سمعان كذلك يمكن القول في نهاية المطاف أن العمارة في شمال سوريا تقود إلى المجمع الضخم للقديس سمعان . هذا البناء الذي يحوي أغلب العناصر المعمارية المحلية وتأثيرات بيزنطية ونماذج معمارية تم استعمالها لأول مرة كورقة الأكانتس الملتوية على تاج العمود الكورنثي . شيد المجمع بدعم مالي من القسطنطينية وصمم فيها وذلك لإرضاء السكان المحليين الذين كانوا على خلاف مع القسطنطينية وذلك بتكريم قديس محلي الذي شاعت أخباره العالم القديم حتى فرنسا والذي نقلت رفاته بعد وفاته إلى إنطاكية ثم إلى القسطنطينية .
لما حاول المهندس المعمار أن يُشيد بعد وفاة القديس سمعان بناءً تذكارياً حول العمود الذي عاش فوقه القديس بعد، مزج بين منهاجين معماريين وهما بناء البازيليك وبناء المقام ولتحقيق ذلك أُضُطر إلى مزج ثلاثة نماذج معمارية وهي البناء المُثمّن والصليب والبازيليك . وكان يُراد من هذا البناء لأن يكون إطاراً للعمود وأن يُصلح للطواف بعد أن أصبح المكان حج منذ أيام حياة القديس،إختار المهندس الشكل المُثمّن لإحاطة العمود، كل ضلع من أضلاعه 10 ، 30 م، يتألف المثمن من ثماني ركائز زاوية تحمل ثمانية أقواس كبيرة وشكل الصليب إلى المُخطط العام وكان هذا أول بناء كنسي على شكل صليب ولو أنه كان هناك أبنية على شكل مخطط الصليب الحر في إنطاكية كما في بناء القوسية الذي بُني العام 381 فإن هذه المجموعة تؤلف تطورياً معماريا مهما في تاريخ العمارة في سوريا . ومن المُهم ملاحظة أن المدخل الرئيسي لهذه المجموعة كان من الجنوب وذلك بسبب طبيعة الأرض المحيطة من الغرب المكونة من منحدر شديد الميلان .


*
*
*
*
*
*
*
صانع الابتسامة ..

مشاكس عقلاني

رد مع اقتباس
  #2  
قديم August 28, 2010, 11:15 PM
 
رد: إسهام سورية في نشوء فن عمارة مسيحي من القرن الأول حتى السادس ... بحث متكامل و رائع ..


البحث يبدو في غاية الأهمية...لي عودة إن شاء الله...
__________________




اللهم اني اسألك الجنة و ما قرب إليها من قول أو عمل، و أعوذ بك من النار و ما قرب إليها من قول أو عمل، و أسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا...



رد مع اقتباس
  #3  
قديم September 3, 2010, 12:24 AM
 
رد: إسهام سورية في نشوء فن عمارة مسيحي من القرن الأول حتى السادس ... بحث متكامل و رائع ..

شكراً على الموضوع المفيد صانع الابتسامة
دائماً تنورنا بالكثير من المعلومات المهمة
من المعروف أن بلدان الشام بشكل عام وسوريا بشكل خاص مهد للكثير من الحضارات
تقبل مروري (^_^)
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إسهال الأطفال *** كيفية معالجته في المنزل *** هشام سعدان الطب البديل 0 August 17, 2010 03:13 PM
سورية وتركيا تعتزم إقامة بنك مشترك في سورية مُصعب اخبار الاسهم السعودية اليومية والاقتصاد العالمي 0 June 13, 2010 02:54 AM
ملخص خواص المواد مع الحل النموذجي ( للصف الأول الثانوي الباب السادس ) ف2 Yana الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 1 February 16, 2010 07:58 PM
Effects of Technology موضوع رائع و متكامل said8686 تعليم اللغات الاجنبية 1 February 28, 2009 05:37 PM


الساعة الآن 10:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر