فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم August 1, 2010, 09:02 PM
 
تعلم لا تعليب


رؤى
مجلة المعرفة العدد185رحمةً بعقولهم.. نُريده تعليمًا لا تعليبًا..
بقلم : لمياء صالح الجربوع 2010-07-31 19 /8 /1431 يذهلني تمادي بعض الأسر والمؤسسات التربوية وكذلك المربين في طريقتهم لتربية أبنائهم، إذ تعتمد في مجملها وتفاصيلها على حشو عقولهم بمفاهيمَ كثيرةٍ أكثرها خاطئة لا تمت للتربية الإسلامية الصحيحة بصلة، فهذه تؤدب طفلها وتخوفه بالنار: «لا تكذب تروح النار», وتلك تخوفه من الله بالنار «اللي ما يصلي!! الله يحطه بالنار», فكم من أم آلمها صغيرها بقوله البريء: «الله ما يحبني وبيوديني النار».!

رحمة بعقولهم الصغيرة التي لم ولن تعي كل هذا الإرهاب الفكري وهي في سن لا تكاد تنطق اسمها جيدًا، فمرحلة الطفولة المبكرة الممتدة من السنتين حتى سن السابعة هي مرحلة حساسة جدًا، يبدأ فيها عقل الطفل بالعمل بتفاوت مختلف، فهو يعمل بصورتين متغايرتين:
الأولى: تتمثل في عقلٍ باطن يعمل بدقة متناهية ويسجل كل ما يتلقاه من حواسه كصورٍ ورموزٍ تَعْلقُ في الذاكرة كبيانات أوليّة عن سلوك هذا الطفل المستقبلي، الذي لن يلبث أن يكبر فتتبلور هذه البيانات لتصبح سلوكًا وفعلاً قائمًا بذاته. فلا نعرف كيف خزّنها وكيف سيتعامل معها عقله الصغير، وعلى شكل أي صورة من صور التطرف ستظهر؟!
وتتمثل الثانية: في تجلّي العقل الظاهر الذي يعمل بشكل مناسب لسن الطفل، فيستقبل السلوك ويرسله على شكل ردة فعل واضحة ومناسبة اجتماعيًا للسلوك الذي تعرّض له، مثلًا: لو ضُرب طفلٌ على يديه دونما سبب مقنع وهو في سن الأربع سنوات فإن عقله الظاهر سيتعامل مع السلوك كفعل سلبي ويواجهه بسلوك سلبي آخر ظاهر على شكل بكاء، «فعل ورد فعل مباشر»، أما عقله الباطن فإنه سيُخزّن هذه الخبرة كخبرة سيئة آلمته لم يعرف سببها، وقد يتعامل عقله الباطن مع هذه الخبرة كالتالي: (ألم، خوف، ظلم)، (تسلط، قبح، كره)، لتظهر بعد مضي أعوام إذا ما تكررت هذه الخبرة عليه على شكل إرهاب فكري وتطرف سلوكي أيًا كان نوعه. فلا أحد منا يتمنى أن ينشأ طفله نشأة متطرفة جهلاً منا بأسس التربية الصحيحة، وتمسكًا بالموروث التربوي الارتجالي في تربية الأبناء.
إذ لا فائدة مرجوة من حشو عقول أطفالنا بمفاهيم دينية واجتماعية وحتى أكاديمية دون النظر لمدى قدرتهم على استيعاب ذلك، فرحمة أيها المربون بعقول أبنائنا، كفانا تعليبًا نغلّفه بغلاف الثقافة الواهن، ولنحرص على نشر الوعي العادل بأهمية الرسائل التي نبثها في عقولهم الصغيرة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة عندما قال: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر‏).
للأسف توقف فكر بعضهم عند كلمة مروهم واضربوهم، ولم يع بقية الحديث، وهذا راجع إلى (البرادايم) السلبي الناقص الذي يملكه، فخُزّنت الفكرة مبتورة ناقصة وبنفس الطريقة يريد أن يفرغها على أبنائه وهذا خطأ جسيم، إذ التربية دون وعي بالتفاصيل الصغيرة سيُدخلنا وأبناءنا متاهات يصعب علينا وعليهم الخروج منها، فقول رسولنا الكريم واضح وقائم على أسس تربوية صحيحة وثابتة علميًا عند علماء النفس فقد أُتبع أمر الصلاة بالتوقيت المناسب لذلك فقال لسبع، حيث أن الطفل الصغير في مرحلة الطفولة المبكرة لا يكتمل لديه الوعي الفكري للأمور الدينية المجردة، فهو يحتاج أن نُعلّمه كيف يحب الله بقولٍ متبوعٍ بسلوك.
نقول له على سبيل المثال: «نحن نحب الله، ولذلك نحن نصلي عرفانًا وشكرًا له على نعمه الكثيرة التي أعطانا إياها». ولتنمية العقيدة الدينية في نفس الطفل المسلم نحتاج لأن نفهم التسلسل الفكري لها، فنبدأ بالترغيب والقدوة الحسنة بالعبادة كسلوك ظاهر ومُمارس أمامه بشكل مستمر، فالصلاة مثلاً عبادة جليلة أستطيع أن أحوّلها إلى سلوك ملموس وإيجابي حتى يحبه ويمارسه بإقبال ورغبة للتقليد أولاً، ثم تخزينٍ لهذا السلوك كخبرة إيجابية يستدعيها عقله الباطن عندما يكبر لتتعمق لديه الفكرة وتزداد نضوجًا في وقتها، دون أن نتبعها بخبرة سلبية وذكر للنار والعقاب والعذاب، وغيرها من المصطلحات التي تُعدّ إرهاقًا أو إزهاقًا للفطرة الطاهرة التي فُطر عليها الطفل، فتخويف الطفل وبث الذعر في قلبه من خالقه سيجعله يرسم له صورة غير مناسبة يُخزّنها إما خوفًا دون وعي بماهيتها، أو كرهًا لها وبعدًا، ظنًا منه أن هذه الخبرة السيئة ستختفي من رأسه بمجرد نسيانها، فالعقل البشري كما الجسد لابد أن يبحث له عن حماية ليحتمي بها ويدافع بها عن نفسه إذا ما واجهته صعوبة في الفهم أو الوعي فما أن تواجهه خبرة سيئة حتى يحاول أن يبحث عن أخرى أيًا كان مصدرها، ليحتمي بها.
وقد يكون التطرف أحد صورها المستقبليّة التي سيعاقبه المجتمع عليها، بل وقد ينفر منه المجتمع وينفيه. فعلى من يقع اللوم في هذا التنشئة؟
المربي الفاضل هو أساس التربية الصالحة، فهو يحمل رسالة عظيمة تحتاج إلى مُمارسة فعليّة في أصولها ومبادئها والتعامل معها كمنجزٍ يومي في شخصه وتصرفاته، ومن ثمّ يُمكنه زرعها بشكل مُتقن و واعٍ في العقول الصغيرة المقبلة على الحياة، مع أهميّة إتاحة الفرصة الكافية لهم أن يختاروا طريقهم وفق منهجيّة واضحة، فالطفل هو ثروة المجتمع للحضارة والرقي، والعناية به تعتبر مسؤولية اجتماعية لابد أن يتشارك بها الجميع (البيت والمدرسة والمجتمع).
رحمة أيتها الأم وأيها الأب بطفلك الصغير، وبدل أن نقول له (لا تكذب تروح النار) نُبادر بقولنا (الصدق يُحبه الله، والله يحب الصادقين وأنت من الصادقين) وبدل أن نصفع فكره بقولنا (اللي ما يصلي يروح النار) نحتضنه بمحبة ونهمس له (هيا بنا أنا وأنت لِنُصلي حتى يحبنا الله) إذ نضفي بذلك لمسة إيجابية على مفاهيمنا، ونُظهر الاهتمام بالرسائل التي نرسلها لأبنائنا دون قصد منا فإننا إن لم نتدارك ذلك أصبحنا كمَن يزرع العنب في موسم الكستناء.
وكمجتمع إسلامي يسعى للحضارة والرقي بأبنائه يهمنا أن يصبح لدى المسلم قوة وقدرة على مواجهة التيارات بعقلانية ومنطق.
التربية الدينية للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة مثلاً ضرورة ملحة لنفسر له بعض الظواهر التي تمثل سرًا غامضًا بالنسبة له، والاهتمام بهذا الجانب يحتاج إلى احتواءٍ جيد وترسيخ للمفاهيم البسيطة في ذهن الطفل عبر منهجية القدوة الحسنة، وأن نتعامل مع عقله بحساسيّة بالغة، وألا نثقل عليه ونكلفه فوق طاقته بمفاهيم لم يحن الأوان بعد لأن يتشربها ويأخذها ليفهم بها الحياة من حوله، فيقتصر ذكرنا لله على المواقف التي تُرسّخ مفهوم الحب لدى الطفل عبر الأدلة المحسوسة المناسبة لفكره.
عقل الطفل كاللوحة البيضاء النقيّة ونحن من نرسم عليها ما نشاء، فلنحرص على أن تكون صورًا جميلة ومتقنة تسودها المحبة والجمال. والاهتمام بالإجابة على تساؤلاته البسيطة بأسلوبٍ أكثر رقة وبساطة وبطريقة محسوسة فهي بمثابة الرتوش الأخيرة لاكتمال الرسمة المُتقنة، حتى نحافظ على فطرته البريئة دونما ضرر.
فمهنة التعليم مهنة صعبة تحتاج إلى أن نعيد النظر فيها، وأن نبذل جهودًا كبيرة في نشر الوعي لأهمية ما نبثه في عقول أطفالنا من أفكارٍ ومفاهيمَ نُرغمه على حملها معه بصلاحها وعلّاتها، فالمعلم المتفاني هو من يراعي جيدًا كل رسالة يرسلها لتلامذته الصغار، فكم سمعنا عن معلمٍ استخدم الضرب كوسيلة لإرغام التلميذ على حفظ جدول الضرب، وعندما تسأل هذا التلميذ كيف نستفيد من جدول الضرب أو كيف استخرجنا النتيجة تجده لا يعلم عن ذلك شيئًا ومثله النشيد الوطني، ودعاء الصباح، وتعريف الجهاز التنفسي، وغيرها الكثير من المفاهيم التي لا تتعدى كونها مفردات ومفاهيم مقررة دراسيًا لا يعرف لماذا وكيف يوظفها في حياته العامة، وبالتالي لن يستفيد منها ولن يستدعيها عقله الباطن لأنها خُزّنت مبهمةً لهدف الحفظ والحفظ فقط!!
وإذا أصبح التعليم يعتمد اعتمادًا كليًا على الحفظ والإرغام على الترديد فإنه سيخرج من إطار التعليم إلى التعليب الذي لن يلبث أن يصبح متلقوه فيما بعد قنابل موقوتة تنفجر مخلفةً وراءها كمًا هائلاً من الضياع والاستغلال والانصياع لكل تافه وعقيم، بغرض الهروب من غزارة المعلومات غير المفهومة والتي يشعر التلميذ أنّه مرغمٌ عليها مع افتقاده لآليّة توظيفها في حياته العامة، لذلك لن يشعر بأهميتها رغم فائدتها العظيمة، فالهدف من التعليم هو الكيف وليس الكم حتى لا يقع أبناؤنا فريسة سهلة للفضائيات الهابطة والإلكترونيات الهزيلة والتي تُشبع رغباتٍ في داخلهم لا يحققها التعليمُ لهم. فتلاشت صورة المستقبل أمام أعينهم وأصبحوا مندفعين للنتائج السريعة والأهداف القصيرة المدى والتي لا تخرج عن كونها رغبات مادية بحتة.
وقد قدّر خبراءٌ في مجال الألعاب الإلكترونية حجم إنفاق الطفل السعودي على ألعاب الترفيه الإلكتروني بنحو 400 دولار سنويًا، وأنّ أسواق المملكة استوعبت حوالي مليون و800 ألف جهاز (بلاي ستيشن)، والأدهى أن ألعاب البلاي ستيشن لم تعد حكرًا على الصغار بل صارت هوس الكثير من الشباب متعديةً في ذلك إلى الكبار!!
فالألعاب الإلكترونيّة التي تستأثرُ بالطفل وحيدًا ومعزولاً عن المجتمع، تعدُّ أجهزة دمار شامل للعقل البشري والتي تعمل على تعطيل كل مهارات التفكير المتسلسل والمنطقي القائم على وقائع ملموسة يعيشها في حياته العامة، وبالتالي سيكون هذا الطفل قد مارس على نفسه أصنافًا من نماذج الاضطهاد العقلي للتفكير السليم، فقد يتعرض الطفل إلى إعاقة اجتماعيّة إذا أصبح مدمنًا على ألعاب الكمبيوتر.
وقد أظهرت دراسة دانمركية حديثة أن النمط السريع الذي يعيشه الأطفال الآن من خلال التكنولوجيا المتطورة وألعاب الكمبيوتر قد تُعيق تواصله مع الحياة الطبيعية التي تقل فيها سرعةُ الحصول على النتائج، وبالتالي سيفقد لذة تحقيق النجاح باستعجاله للنتائج، وسيتبقى لديه الإحساس بالفشل والإحباط، والفراغ النفسي والعاطفي، وانفصالٌ تام عن العالم الخارجي، وبعد عن الذات وهدر للوقت، والذي نتيجته أطفالٌ ضائعون و شبابٌ بلا هدف.
أصبح من الضروري أن نبحث سريعًا عن بدائلَ نرحم بها عقول أبنائنا وأبدانهم وأرواحهم من تكالب ألعاب التكنولوجيا المشبعة بالقتل والدماء والتعليم البائس المعتمد على الحشو والحفظ والتلقين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم September 5, 2010, 08:15 PM
 
رد: تعلم لا تعليب

يسلمو وبارك الله فيك
رزقك الله الجنة
احترامي
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل نحن في زمن تعليب المشاعر؟؟ Nuri Durani مقالات حادّه , مواضيع نقاش 6 September 5, 2009 10:16 PM
حتى&لو&تغليت&بغليك7 الفرفوشه1 شعر و نثر 4 July 7, 2009 04:20 PM


الساعة الآن 03:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر