فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم March 24, 2011, 01:47 PM
 
Wilted Rose ~|| .. مزارع الـ ح ـزن !!


مزارع الـ ح ـزن



ارتطمت حقيبتها بشدة على الرصيف نتيجة لاهتزاز كتفيها الصغيرين وجريها السريع تجاه مدرستها الابتدائية , حملتها من جديد وحملت معها لذاكره الحقيبة خوفاً أخر ويوماً أخر تضطر أن تجري فيه بجانب أصوات رصاصات اعتادتها أكثر من تغريد الكناريِ في قريتها الصغيرة ,أكملت السير تردد بخوف المعوذات التي حفظتها من شفاه والدتها . وفي مدرستها
سبق صوت لهاثها السريع صوت طرقات أصابعها الصغيرة على باب الفصل الكبير , رفعَ الجميع أعينهم نظرت معلمتها بألم ونطقت : تفضليِ , معلمتها تلك الشابة التيِ اتخذ الحزن من حياتها أرضاً خصبة لا ثمار فيها إلا لبذوره .. /
حنونة جداً هيَ مع طالباتها وقاسية جدا أمام من يحاول إيذاءهم أو حرمانهم من حقوقهم , واستمد منها طلابها القسوة والحنان , نشأت كمعظم صديقاتها الصغيرات يتيمة في منزل جدتها العجوز بعدَ تخرجها من مرحلتها الثانوية بتفوق , لم ينتظرها الفرح في المنزل الذي احتضن اجتهادها لكنها وجدت أكواما من حزن تنتظرها لتثير غبار الألم بعينيها وتتركها تبكي جدتها , فرحها , والعديد من أيامها .
بعدَ مدة نجحت قليلاً في نفض بعض الحزن والألم عن شرفات حياتها , ووجدها أحمد فتاة صالحة وزوجة مثالية ووجدته أملا تتمنى أن تعانق بهِ فرحة الأيام , وفي موعد الزفاف المحدد , زف إليها أحمد كأجمل عريس في كفن عاجي البياض وزفت هي للحزن بثياب كالحة السواد
معلمة سارة .. ؟
أعادها صوت أمل التي دخلت تواً وأدخلت معها كثيرا من شريط ذكرياتها لحدود فصلها , اقتربت من المقعد الخشبي للطفلة التي انفرجت عن شفتيها ابتسامة حزينة !
ابتسامة إنجاز لشيء اضطرت أن تنجزه !

أشارت بيديها الناعمتين إلى آخر اسم نقشته على طاولتها

:: إيمان حجو ::
وأتبعت حركه يديها بنظره عميقة لمعلمتها وأكملت الحديث الذي بدأته اليدان .. : معلمة .. البارحة استشهدت ابنة جارنا الصغيرة .. أمها وأمي بكتا كثيراً , وأنا أيضاً بكيت كثيراً .. وصليت كثيراً ودعوت لها كثيراً , آه هل ستكفيكِ طاولتك الصغيرة لتخليد أسماء الأطفال الشهداء الكثيرة .. حتى تخرجك يا أمل ؟!!
حدثت سارة نفسها بألم , وابتسمت للأمل بالألم نفسه : بارك الله فيكِ يا طفلتيِ , هيا لنبدأ الدرس يا أولاد , أمسكت سارة بالطبشور الأبيض ورسمت خارطة فلسطين الطويلة على السبورة

الحدود بالطبشور الأحمر .. السهول بالأخضر .. الجبال بالبني ..

وأمرت الطلاب بإعادة الرسم في كراريسهم
تركت وفاء القلم يسقط من كفها ! وضعت أحد يديها على الأخرى , واتخذت شكل اعتراض باديِ الشدة !
: أكمليِ الرسم يا وفاء
وجهت سارة لها الكلمات
وفاء بعفوية طفلة ثائرة : الخريطة خطأ !!! , أعادت سارة النظر بتمعن إلى سبورتها ولمّ تجد نظراتها موضع خطأ ترسو عليه ! , سألتها بغضب عفوي بارد عن الخطأ الذيِ تقصده , نهضت الطفلة من مقعدها واتجهت بخطوات واثقة إلى سبورة معلمتها والخارطة المرسومة ,
أمسكت بطبشوره صفراء فاقع لونها , وأشارت
هنا إسرائيل , هنا تل أبيب , وهنا رعنانا , وهنا معالوت و هنا وهنا ,,
لمّ يتبق من الخريطة سوى القليل جداً الذيِ يتبع فعلياً لِفلسطين , ولأبناء فلسطين, اتسعت عينا سارة بالدهشة , وأطلقت الروح سراح دمعه أخرى , عانت في داخلها الكثير
: عوديِ يا وفاء ,وارسمي فلسطين كما تشائين ..
غداً أحضروا رياضيات ! فقط رياضيات . انتبهوا في طريق العودة إلى المنزل , وابتعدوا عن الجنود اليهود ولا تثيروهم , وقبلوا رؤوس أمهاتكم حينَ تعودون وقبل مجيئكم صباحاً ,
ادرسوا جيداً وناموا مبكراً , أراكم غداً . قالت سارة ما تقوله نهاية كل يوم دراسي وتركت فصلها وتلت خطواتها سريعاً خطوات طلابها ..

بقيت وفاء وطفلتان , استمرا بمعاتبتها على إغضاب المعلمة الرقيقة , حتى اعتذرت منهم ووعدتهن بالاعتذار من الآنسة سارة في الغد , في المساء وفي منزل الطفلة الجميلة أمل أرخى الدفء سدوله على ضفاف الجمال في ذلك المنزل , عاد الأب كعادته متأخراً وفرحت الأسرة بعودته ولو متأخراً !

ترك أطفاله الثلاثة ألعابهم الصغيرة وعوالمهم الخيالية لينعموا بروعه وطن يقطن بين كتفيِ والدهم العريضين . ظلت نظرات الأم الحنون ترافق صغارها وزوجها بفرح وعلى شفاهها تغفوا تراتيل دعوة صادقه بأن يديم الله هذهِ النعمة
ودونَ أي تحذير سابق .. /
صرخت السماء بشدة صرخة مدوية , لم تنته إلا عندما انتهت حياة أسرة ..ومن بين الحطام
وجدَ المسعفون أمل سريعاً , حملوا الصغيرة في سيارة أجره لإيصالها إلى المشفى القريب , توقفت السيارة حملها أحدهم فتحت عينيها بتعب أزالت خصلاتها المبعثرة عن وجهها ولمحت الكثير من الأضواء والكاميرات والصحفيين , ابتسمت لتلك الوجوه التيِ تراها دوماً في شاشة أبيها وأطبقت الجفن مودعة كل صخب الحياة ..وفي فمها ابتسامه / لمّ يكن يستحقها أحدهم !
في الغد , كانَ النوم لا يزال يحيط بأعين الطلاب , فليلة البارحة حفلت بمهرجان قذائف مجنونه .
اضطرت سارة أن تتأخر عن مدرستها ,نظراً لازدحام الطرق بالمصورين و الإعلاميين , الذين يحاولون قدر إمكانهم تخليد الحدث بصورة جيدة لمحطاتهم , ووسائل إعلامهم المختلفة حتى ينجذب المشاهد للمشاهدة !!
انتظرت الآنسة سارة أمل قليلاً , أرادت أن تساعدها بنقش أسماء الأطفال الذين علمت أنهم استشهدوا البارحة , لكنها تأخرت جداً , بدأت بدرس الرياضيات وملامحها تنطق بالذعر على صغيرتها الغائبة ,لم يمض من الوقت الكثير عندما أتت مديره المدرسة وهمست للآنسة سارة بكلمات قليلة , ومضت , أسندت سارة رأسها إلى الجدار بقوة , وكأنها تريد أن تستمد من صلابته صلابة , ومن قوته قوة لكنّها لم تبدُ إلا كزهرة ميتة بعنق مكسور ..
استمر الصمت طويلاً , وشلالات دموع صامتة تنهمر على وجنتيِ سارة
همست وفاء الثائرة للطلاب المندهشين , أمل ماتت !
أدخل الجميع كتب الرياضيات في حقائبهم المنهكة
واتخذ كل طالب شكل حزن يناسبه .. رفعت سارة رأسها وجلست على مقعد أمل , أمسكت بالقلم الخاص بها على الطاولة . نقشت اسم أمل بخط أكبر قليلاً من باقي الأسماء , أطالت في عملها , ثم انفجرت بكاءً , فزع الأطفال , اقترب الجميع منها , وشاركوها كرنفال الحزن وفي طريق عودتها لمنزلها وقفت ساعات تحت دموع السماء الغزيرة , رجت الرحمن أن يغسلها من أحزانها و ألامها , لتستطيع أن تتنفس هذهِ الحياة , في منزلها أخرجت دفتر خواطرها الوفيّ الذيِ يشاركها الحزن منذ سنين


تسـقط قطرة .. فـ قطرة فـ أخرى
وتنبعث روحي في قطرة من مطر ..
أنهمر على أرضٍ معجونة بـ جسدي ..
و وطن أستوطن مشاعري أزماناً
لا أحد يفرح بـ سقوطي في ذلك الوطن ..
لا خيالات شفيفة ترافق نزولي على أجسادهم
ولا أصداء ضحكات أطفال تزهو بي
أدعو الأرض لـ نقيم عرس ابتهاج
فـ يغرد الكناري بحزن ,, وتعزف البلابل بأسى
الدوحة الحانية تبكي!
والأرض تنوح !
يا ألهــي .. بأي ظلام همّ يعيشون !
لم أعد قطرة مطر في ذاكْ الوطن
دمْ .. وأكفان .. وتراتيل صمودِ ..
اليوم ماتت زهرة كانت تنمو
بزهو في منابت الوجع
.. فهل ستصمد باقيِ الأزهار يا فلسطين .. !
هل ستبقين يا حبيبتي لـ من يتنفسون أمل العودة إليك والعيش بواحاتكِ !

آه يا فلسطين .. / يا وطن / يا قرية / يا غزة ..
كم أهوى الدعاء بأن أقتل في أرضكْ و انهمر بـ أجزائك !

كـ أنسانة / أو كـ مجرد قطرة مطر ..

ولـ ذلك .. الذي قدّ لا يحين .. أبقى أرفع الصوت لمالك السماء
أن أغمسها / و أغمسنا يا الله بـ برحمتك ..



أقفلت الدفتر على صفحة حزن جديدة !

واتكأت على كتف أحزانها القديمة تسامرها بأسى
لم تعد سارة في الغد إلى مدرستها وطلابها
انهمرت دمائها في الطريق ..
ونقش طلابها اسمها بجانب اسم صغيرتها أمل , وظلت أرواحهم تبكيها عمراً ..
و انتقلت مزارع الحزن إلى معلمة أخرى ترعاها وتحصدها .. وتورثها للآخرين بعد موتها !

.
.
.
.
.

راقتني حد البكاء ..}}
رد مع اقتباس
  #2  
قديم March 24, 2011, 02:02 PM
 
رد: ~|| .. مزارع الـ ح ـزن !!

اه ياوطن جريح ..أسد جريح
لكن سيقوم قريبا ان شاء الله

بارك الله فيكـِ عزيزتى برهافة


احترامى
__________________



رد مع اقتباس
  #3  
قديم March 24, 2011, 02:04 PM
 
رد: ~|| .. مزارع الـ ح ـزن !!

يسلمو اديك
وبارك الله بك
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مزارع وحصان Sma Elislam قصص البرمجة اللغوية العصبية 14 August 3, 2010 02:20 AM
من له حيله فل يحتال (قصة مزارع) صلووووحي روايات و قصص منشورة ومنقولة 4 August 18, 2009 10:38 PM
اجمل مزارع العالم في الصين... TrNeDo السياحة و السفر 10 April 24, 2008 06:19 PM


الساعة الآن 05:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر