June 16, 2010, 05:23 PM
|
|
قصة تحت الشمس
تحت الشمس
بقلم يونس جلالي
تمالك نفسه أثناء نصب خلفه عناء المسير وجري متقطع تحت شمس ساطعة لتسيقه قدماه المتعبتان بعد ذالك بخطى ثابتة نحو شجرة وحيدة لمحتها عيناه الذابلتين وسط شارع انمحت فيه معالم الفصول وحلت بدلها سيارات ودراجات ملئت السمع والبصر بضجيجها اللامنتهي والصاخب ..تقدم بهدوء نحو الشجرة ليستنشق منها رائحة الربيع المغمورة وليستظل بظلها الوارف...رغم ضخامتها إلا أنها بدت كفرد غريب وضعيف وسط زحام السيارات والحافلات بدخانها الأسود الكثيف الذي تخلفه ورائها في لامبالاة عفوية ليطغى على الجو كأنه مصير محتوم ..لكنه ولحسن الحظ يمحى من على صفحات اليوم بعد أن يرخي الليل سدوله السوداء على المدينة الفاضلة والقابعة وسط الزحام البشري والآلي الهائل وفضلاته التي لا تنتهي ..تتدلى أغصان الشجرة الكثيفة إلى الأسفل لتدعي أنها لم ترى شيئا..أما أوراقها والتي سقطت بجانبها فإنها تحاول عمدا عكس أمها أن تخبر من حولها بكل شئ...عن أسرار الشارع المخفية تحت الأضواء وأصحابه بتجاوزاتهم الابليسية المتعمدة والسافرة...ساق الشجرة الغليظ والمصفح واقف وثابت في صمود حربي أمام تيارات الهواء الباردة/الحارة..
لكنه رغم هذا بدا خائفا وسط دخان السيارات والمصانع الكبيرة والتي تنذره تارة تلو الأخرى بفنائه القريب...ساق الشجرة لا يتحرك ولن يتحرك حتى يجثث عكس ساق الإنسان الذي يسير بحثا عن الظل والراحة وكساق الحيوان الذي يركض بحثا عن الحياة وهربا من أنياب الموت المفترسة ..ينظر في فضول صبياني إلى الشمس البهية لتعميه أشعتها الذهبية عن الحقيقة التافهة..حقيقة أن لا جديد تحت الشمس ..لم يجد طول حياته حلاوة معنوية في النظر إليها -الشمس- خلافا للنجوم التي هي كلمة كبيرة فرقت حروفها إلى أن أصبح من الصعب رؤيتها مع هذه الشمس المهيمنة على السماء الصافية في استبداد نهاري مشروع ومرغوب فيه.
لم يدري بعد هنيهة من استراحته القصيرة وهو ينظر بعينين واسعتين إلى الأوراق المترامية حول الشجرة في نشوة مزيفة أن تلك الشمس البازغة في السماء اختفت وراء غيوم سوداء استعمرت السماء في فجأة غريبة ...كأنها البشارة الصامتة لتحجب الأعين دون استئذان عن شمس دجنبر اللطيفة ولتبشر النفوس بمطر لطالما انتظرته في شوق وأمل بعد صيف جاف ضاع فيه اللبن والماء وسط العروق والأمعاء....
|