فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > بحوث علمية

بحوث علمية بحوث علمية , مدرسية , مقالات عروض بوربوينت , تحضير ,دروس و ملخصات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم October 28, 2007, 07:00 AM
 
هوس تأمين المستقبل





هَوَس تأمين المستقبلتمت الإضافة بتاريخ : 27/10/2007م
الموافق : 16 شوال 1428 ه
طارق حسن السقا
من المفاهيم التي يجب تدخل في بوتقة التغيير عند الكثيرين منا اليوم - وبالطبع أنا وأنت منهم - تغيير مفهومنا ونظرتنا للمستقبل. فكثير منا ينشغل بتأمين هذا المستقبل انشغالا لا حدود له , نصرف له جل وقتنا وجهدنا , بل و نستهلك حاضرنا كله لتأمين هذا المستقبل الذي قد لا يأتي , والذي قد لا نصل إليه .

إن تأمين المستقبل تحول إلى هوس , هوس شغل الناس جميعا , شغل الكبير والصغير, شغل الغني والفقير, شغل العالم والجاهل , شغلنا جميعا ؛ هوس تحول إلى داء , داء تكمن خطورته في كونه عطل أمورا كثيرة عند من ابتلاهم الله به . وأكثر من ابتلاهم الله بهوس تامين هذا المستقبل تجدهم دائما قلقين , حائرين , مضطربين , متسرعين , خائفين . وغالبا ما تجد أكثرهم يتنازلون , يفرطون , يقصرون , يذلون تارة و يداهنون تارة أخرى ؛ باختصار تجدهم ممن يستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير .
إن هذا المستقبل الذي يشغلنا , ويقلقنا , ونخافه هو ذلك المستقبل الذي قد لا تخرج ملامحه عن صور ذلك اليوم الذي فيه سيداهمنا العمر بإمراضه , وأعراضه , وعدم القدرة فيه على الحركة أو العمل ؛ أو ذلك اليوم الذي سيصدر فيه قرار إحالتنا إلى المعاش , أو إلى التقاعد ؛ أو ذلك اليوم الذي فيه سيتزوج (آخر العنقود ) وينصرف - مثل بقية إخوانه- لبيته , و أسرته الجديدة , ويتركنا فيما بين الوحدة و الشيخوخة ؛ أو ذلك اليوم الذي نصبح فيه بالنسبة لأبنائنا أشياءً هامشية خارج حدود الدائرة ؛ أو ذلك اليوم الذي سنفاجئ فيه بوفاة شريك الحياة ويعيش الواحد منا فيه بين تبعات الوحدة وجحود الأبناء . هذه الموروثات - وغيرها - أمور ورثناها وتسربت إلى حياتنا ساهمت بقدر كبير في جعلنا نخشى ذلك المجهول ونهابه , بل ونسعى مبكرين لتأمينه - ليس قدر استطاعتنا فحسب , بل بما هو فوق القدر وفوق الاستطاعة . مما يترتب على هذا من المخاطر ما لا ندرك عواقبه إلا بعد فوات الأوان .

إن المستقبل الحقيقي الذي يجب أن يشغلنا ليس هو ذلك اليوم الذي نعتقد . إن المستقبل الحقيقي للإنسان يبدأ من لحظة إغلاق قبره عليه , من لحظة مفارقة أهله وأحبابه له , من لحظة عودتهم إلى دورهم وأعمالهم وتركه بلا أنيس ولا رفيق , وحيدا تحت التراب , أنيسه الدود , في وحشة الليل , في ظلمة اللحود , يوم يحال بينه وبين العمل , أو يحال بينه وبين إدراك أو استدراك ما مضى وفات . إن المستقبل الحقيقي الذي يجب أن يشغلنا هو ما بعد الموت: يوم لا ينفع مال , ولا بنون , ولا حسب , ولا نسب , ولا أملاك , ولا ألقاب .( يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه* ). ( عبس 34:37)

إن تأمين ذلك المستقبل- والذي حتما سنلاقيه- لا يكون إلا بأمور يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد موته - وهي كثيرة- منها : ما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك أن النبي قال: (سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من عَلّم علماً ، أو أجرى نهراً ، أو حفر بئراً ، أو غرس نخلاً ، أو بنى مسجدا ً، أو ورّث مصحفاً ، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته ( (حسّنه الألباني في صحيح الجامع:3596)

إنك إذا ما نظرت إلى هذه الوسائل السبعة - التي تضمنها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , و التي تساهم في تامين مستقبل الإنسان الحقيقي بعد موته - ستجد أن جزءا كبيرا من مستقبل الإنسان بعد موته مرهون بتفانيه أثناء حياته في خدمة مجتمعه , لا بالانكباب على همه الشخصي ؛ ستجد أنها تحمل دعوة لكل مسلم بان يتحلى بالايجابية , و يتخلى عن السلبية تجاه أهله ,ومجتمعه , ودائرته التي يعيش فيها ؛ ستجد أنها تحمل دعوة بان يعيد كل إنسان تقييمه إلى فلسفته ونظرته إلى الحياة . فليس من مصلحة الإنسان في المجتمع أن يكسب بمفرده , بل يكسب ويكسب معه الآخرون ؛ وليس من مصلحته أن يأكل بمفرده , بل يأكل ويأكل معه الآخرون ؛ وليس من مصلحته أن يعلم بمفرده , بل يعلم ويعلم معه الآخرون ؛ وليس من مصلحته أن يأمن بمفرده , بل يأمن ويأمن معه الآخرون . هنا يأمن المجتمع على حاضره ومستقبله , وبالتالي يأمن أفراده أيضا على مستقبلهم في الدنيا والآخرة .

هذا الفهم هو الذي جعل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يلبي نداء الواقع على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما وقف ينادي في الناس :
من يشتري لنا بئر معونة , ويجعلها صدقة للمسلمين ,
سقاه الله يوم القيامة من العطش .
فعلى الفورقام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بشرائها وجعلها صدقة للمسلمين يشربون منها وينتفعون بها . ولما فعل هذا لم يكن - رضي الله عنه - منشغلا بالمستقبل الوهمي الذي يشغلنا اليوم , إنما كان مهموما بتأمين مستقبله الحقيقي . كان مهموما بفعل فعل يعود عليه نفعه ومردوده بعد موته .
نفس الفهم هو الذي جعل أبا هريرة - رضي الله عنه وأرضاه - لما دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم الغنائم على أصحابه يجلس غير مكترث بهذه القسمة , ولا بهذه الغنائم . فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له :
" يا أبا هريرة , ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ "
فرد عليه أبو هريرة رد المهموم بتأمين مستقبله الحقيقي :
يا رسول الله , أسالك أن تعلمني مما علمك الله.
يقول أبو هريرة :
فنزع رسول الله رداءه وفرشه , وجلسنا , وحدثني حتى
استوعبت حديثه ثم قال لي : "اجمعها فصرها إليك . "
فما أسمى همتك يا أبا هريرة . فلو طلب المال لحازه , ولو طلب نصيبه من الغنائم لناله , ولو فكر في تأمين مستقبله الوهمي لأمَنه . ولكنه طلب ما يبقي على ما يفنى . فلقد ذهب المال , وذهبت الغنائم , وبقى علم أبي هريرة الذي نقله للأمة تتعلم منه وتنهل حتى قيام الساعة. وهذا مما يصب في رصيده - رضي الله عنه وأرضاه - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
هذا الفهم – أيضا - هو الذي يجعل العقلاء في الأمة لا يكلون ولا يملون من الحديث عن حسن تربية الأبناء والاهتمام بهم . فحسن تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الإسلامية الصحيحة أحد أهم مراحل تامين المستقبل الحقيقي للإنسان بعد موته . فلقمان الحكيم - ذلك الرجل الصالح الذي خيره الله بين النبوة والحكمة ، فاختار الحكمة على النبوة- لما ذكره الله تعالى بأحسن الذكر، و امتن الله عليه بأنفع العلم , تجلت لنا هذه الحكمة , وهذا العلم من بوابة مواعظه ووصاياه التربوية لابنه , وحرصه الكبير على تنشئة الولد الصالح الذي هو أحد أهم روافد تأمين مستقبل الإنسان , بنص حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي قال فيه :
( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث:
صدقة جارية , أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له .) " رواه مسلم ".
وكان من كرم الله علينا أن قص علينا حكمة ذلك الرجل الصالح - لقمان - ليكون لنا فيها الأسوة والمثل , ولنسير على نهجه في عدم الكلل ولا الملل في نصح أبنائنا , ووعظهم بما يفيدهم , وتربيتهم على القيم النبيلة والفضائل السامية التي تسمو بهم , وبمجتمعاتهم . تربية نحوز بها رضا الله أولاً , ومن ثم الفوز باستحسان المجتمع الذي نعيش فيه. وهذا مما يساهم في تامين مستقبل الإنسان بعد موته .

إن تأمين مستقبلنا الحقيقي مهمة تتطلب منا إنفاذ كل الجهد , و بذل كل الوسع في كل ما نستجمعه من طاقات, ومواهب , ورغبات , ورؤى , وقدرات . إنها مهمة يجب أن تبرز إلى بؤرة اهتمامنا و تحظى بعنايتنا , ووقتنا , وتفكيرنا , وتخطيطنا . فيجب أن نقدر لهذا الأمر قدره . وليس معنى هذا إغفال تامين مستقبلنا القريب- والذي ذكرنا بعضا من صوره - بل نقدر لكل أمر قدره , ولا ننشغل بالذي هو أدنى عن الذي هو خير . ولا ينسينا هوس تأمين مستقبلنا الوهمي تأمين مستقبلنا الحقيقي , وليكن ذلك بفعل كل ما يرضي الله ورسوله , وفعل ما يعود نفعه على الناس في مجتمعاتنا التي نعيش فيها .
طارق حسن السقا
__________________
لاتستحى من إعطاء القليل فالحرمان أقل منه


العاب بنات
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المستقبل, تأمين, هوس



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تبيع تأمين على الحياه MODYX4 علم الإدارة والاتصال و إدارة التسويق و المبيعات 9 March 17, 2010 10:42 PM
هيئة السوق المالية تطرح 34.2مليون سهم من رأسمال شركتي تأمين للاكتتاب العام بو راكان علم الاقتصاد 2 May 6, 2007 10:27 AM
طرح 34 مليون سهم تأمين دون علاوة إصدار بعد 18 يوما بو راكان علم الاقتصاد 1 January 15, 2007 08:11 AM
13 شركة تأمين تنتظر موافقة هيئة سوق المال على الطرح للاكتتاب بو راكان علم الاقتصاد 3 November 16, 2006 01:23 AM


الساعة الآن 08:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر