فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > شعر و نثر

شعر و نثر اكتب قصيده , من انشائك او من نِثار الانترنت , بالطبع , سيشاركك المتذوقين للشعر مشاعرك



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم April 4, 2010, 03:53 PM
 
الشوق والحنين إلى البقاع المقدسة في الشعر الأندلسي والمغربي

الشوق والحنين إلى البقاع المقدسة في الشعر الأندلسي والمغربي


بقلم: الأستاذ الدكتور الربعي بن سلامة*

*عميد كلية الآدب واللغات جامعة منتوري قسنطينة(الجزائر)




إذا كان جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تنبض قلوبهم بحب البقاع المقدسة، فيتشوقون إليها وتهفو نفوسهم إلى زيارتها لأداء فريضة الحج أو العمرة أو هما معا، فإن للأندلسيين والمغاربة وضعهم التاريخي/ الجغرافي الذي يجعل شوقهم وحنينهم إلى تلك البقاع أكثر تميزا وأكثر حرارة من أشواق الآخرين؛ فالأندلسيون يشعرون بأنهم أبعد من غيرهم عن مركز العالم الإسلامي، وبأنهم مفصولون عنه ببحر متلاطم الأمواج، وبأنهم محاطون بأمم تناصبهم العداء وتنتظر ضعفهم أو غفلتهم للانقضاض عليهم. وإذا أضفنا إلى هذا الوضع التاريخي الجغرافي طبيعة المواصلات آنذاك وصعوبتها في البر والبحر وعرفنا أن مفهوم " الاستطاعة " يعني فيما يعنيه القدرة على تحمل أعباء الرحلة ماديا ومعنويا، وهي متطلبات وتكاليف لم يكن باستطاعة معظم الناس تحملها، وأمام شعور بعضهم بالعجز عن أداء هذا الواجب الشرعي فإنه لا يبقى لهم إلا الأمل والتمني؛ اللذان يحولان دون الاستسلام لليأس والقنوط، ويحافظان على جذوة الأشواق ويؤججان مشاعر الحنين لدى المؤمنين الذين لا يجوز لهم أن يقنطوا من رحمة الله، لأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.

وقد جمعت الظروف التاريخية بين الأندلسيين والمغاربة في الكثير من الأحيان، كما قربت بينهما الجغرافيا، ولذلك نراهم يشتركون في الكثير من ملامح هذا الغرض الأدبي؛ الذي ظهر عندهم في العديد من المناسبات كما ظهر من خلال الرحلات التي كان المغاربة والأندلسيون يحرصون على تدوينها، بعد عودتهم من البقاع المقدسة، ليمكنوا مواطنيهم من الاستمتاع بزيارة تلك البقاع بخيالهم ومشاعرهم، بعد أن عجزوا أو حالت الظروف بينهم وبين القيام بتلك الرحلة الحلم، وسيتضح لنا هذا بعد أن نستعرض بعض النماذج من أشعار الأندلسيين والمغاربة.


أولا: الشوق والحنين إلى البقاع المقدسة في الشعر الأندلسي

الأندلسيون كغيرهم من المسلمين يؤمنون بأن الحج ركن من الأركان التي يجب على كل مسلم تأديتها متى استطاع إلى ذلك سبيلا، ولكن الظروف التي ذكرنا بعضها تحول بين بعضهم وبين أداء هذا الواجب المقدس؛ الذي يلح عليهم مرتين كل سنة، إذ كان من عادة الأندلسيين أن يحتفلوا بالمولد النبوي الشريف، وهي مناسبة ترحل فيها عقولهم ومشاعرهم إلى تلك البقاع التي شهدت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم واحتضنت معجزاته، وشهدت فجر رسالته التي أخرجت العالم من الظلمات إلى النور، ولكن مناسبة توديع الحجاج وتشييع مواكبهم كانت أكثر إثارة لهذا النوع من المشاعر لدى المتخلفين وخاصة العاجزين منهم الذين تشتد بهم الأشواق ويجرفهم الحنين فتسافر قلوبهم وترحل أرواحهم مع الراحلين، ولا يبقى لهم إلا تلك الأجساد المحطمة التي أضناها الشوق وحالت الظروف بينها وبين الرحيل مع تلك المواكب المحظوظة.

ومن أوائل ما لدينا من شعر هذا الغرض تلك القصيدة التي خاطب بها الشاعر عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي ( ت 521 ه) مكة المكرمة1)

أمكةُ تفديكِ النفوسُ الكرائمُ ** ولا برحت تنهل فيك الغمائمُ
وكُفَّتْ أكُفُّ السوءِ عنْك وبُلِّغتْ ** مُناها قلوبٌ كي تراكِ حوائمُ
فإنك بيت الله والحرمُ الذي ** لِعِزَّته ذلَّ الملوك الأعاظمُ
وقد رُفعت منك القواعد بالتقى ** وشادتْكِ أَيْدٍ برّةٌ ومعاصمُ
وساويت في الفضل المقامَ كلاكُما ** تُنالُ به الزلفى وتُمْحى المآثمُ

وبعد أن دعا لمكة المكرمة وأشاد بمكانتها وعدد بعضا من فضائلها؛ التي من بينها أن زيارتها تمحو الآثام، انتقل إلى الحديث عن مشاعره الخاصة فقال:

أَلَهْفي لأِقْدار عدتْ عنكِ همتي ** فلم تنهض مني إليْكِ العزائمُ
فياليت شِعْري هلْ أُرى فيك داعيًا ** إذا ما دعتْ لله فيكِ الغمائمُ
وهلْ تَمْحُوَنْ عنِّي خطايا اقترفتُها ** خُطًى فيكِ لي أو يَعْمَلاتٌ رواسمُ
وهل لي من سقيا حجيجكِ شَرْبةٌ ** ومن زمزم يُرْوي بها النفسَ حائمُ
وهل لي في أجر الملبين مَقسِمٌ ** إذا بُذِلتْ للناس فيكِ المَقاسِمُ
وكم زارَ مغناكِ المعظّمَ مًجْرِمٌ ** فحُطتْ به عَنْه الخطايا العظائمُ
ومن أيْنَ لا يُضْحِي مُرَجِّيكِ آمنا ** وقد أمنت فيك الْمَهَا والحمائمُ
لئِن فاتني منكِ الذي أنا رائم ** فإن هوى نفسي عليك لدائمُ
وإنْ يحْمني حامي المقادير مُقدمًا ** عليك فإني بالفؤاد لقادم
عليكِ سلام الله ما طاف طائف ** بكعبتكِ العُليا وما قام قائمُ

ولا يخفى ما في هذه القطعة من أشواق عبر عنها الشاعر بالعديد من الوسائل منها قوله: "ألهفي لأقدار عدت عنك همتي" وقوله: "فيا ليت شعري "كما عبر عنها بالعديد من أدوات الاستفهام، التي تكررت في النص، ومنها "هل أُرى" و"هل تمحون عني" و"هل لي من سقيا" و"هل لي في أجر الملبين" فهذه الاستفهامات التي تكررت أربع مرات في أربعة أبيات متتالية لم تستخدم في محلها لأنها لم تكن تهدف إلى استفهام عن شيء مجهول وإنما استخدمت لغرض آخر هو تأكيد التمني وإبراز التلهف إلى زيارة تلك البقاع التي تُغْفر لزوارها الذنوب وتُحط عنهم الأوزار.

ومن الشعراء الذين أضناهم الشوق إلى بيت الله الحرام وتعذر عليهم الوصول إليه، يحي بن بقي أبو بكر المعروف بالسلاوي؛ الذي يقول: (2)

يا حُداة العيس مَهْلا فعسى ** يبلغُ الصبُّ لديكم أمَلا
لا أخاف الدهر إلا حاديا ** ظَلْتُ أخشاه وأخشى الجَمَلا
أودعوني حُرَقاً إذ ودّعوا ** غادروا القلب بها مشتعلا
آهِ من جسم غدا مُستوْطنا ** وفؤادٍ قد غدا مُرتحِلا
شُعْبة شَرْقا وأخرى مَغْرِباً ** منْ لهذين بأن يشتملا
يا رجالا بين أعلام مِنًى ** إلثِموا الأستار واسعَوْا رَمَلا
وقفوا في عرفاتٍ وقفة ** تمحو عن ذي زلة ما عمِلا
وإذا زرتمْ ولاحتْ يثربٌ ** فاكْحلوا بالنور منها المُقلا
تُرْبةٌ للوحي فيها أثرٌ ** غودِرَ البدْرُ بها قد أفلا
كيف أنتمْ سمح الله لكمْ ** كيْفَ ودعتمْ هناك الرُّسَلا
كيف لم تنضج قلوبٌ حُرقا ** كيف لمْ تجر عيونٌ هَمَلاَ؟
لَيْتَ أني تربَةُ الوادي إذا ** مرتِ العيسُ لثمتُ الأرْجُلاَ
لَوْ بوادي الدَّوْم مرت إبلي ** كنت أوطأتُ جفوني الإبلا
يا رسول الله شكوى رجُلٍ ** عذّرَ الدهرُ عليه السبلا
ليس بي أن أفقد الأهل ولا ** أفقد المالَ معا والخَوَلا
إنما بي حين يدنو أجلي ** لستُ ألقاكَ وألقى الأجلا

ويبدو أن ابن بقي قد قال هذه القصيدة بمناسبة توديع موكب الحجاج؛ الذي لم يسعفه الحظ في أن يكون واحدا من أفراده، ولكنه حينما ودع الوفد ودع معه روحه التي رحلت مع الحجاج وتركت جسمه يحترق على نار الشوق إلى تلك البقاع التي لم يسعد برؤيتها، ولذلك نراه يتتبع الحجاج وهم يؤدون مناسك الحج، منسكا منسكا، ويزورون مشاعره مشعرا مشعرا.

وهنا تشتد به الأشواق فتفقد الأماكن عنده أبعادها الجغرافية وطبيعتها الترابية، وتفقد المطايا طبيعتها الحيوانية لتكتسب أبعادا وقيما نفسية عاطفية تجعل الشاعر يتمنى أن لو كان ترابا تطؤه مطايا الحجاج وأرجلهم، ولو قدر لتلك المطايا أن تحمله إلى تلك البقاع لكانت جديرة بأن يوطئها جفونه، ولكن أسلوبه في قوله: " ليت أني تربة الوادي " وفي قوله " لو بوادي الدوْم مرت إبلي " يوحي بأن رجاءه كان قليلا لأنه استهل أمنيته ب ( ليت) وهي لا تعدو أن تكون واحدة من أدوات التمني، والتمني طلب لما يرجى تحققه، وختمها ب ( لو) وهي إلى اليأس أقرب منها إلى الأمل، لأنها حرف امتناع لامتناع. و لكنه وهو يقر بهذا العجز لا يستسلم لليأس، وإنما يفتح لنفسه بابا آخر من الأمل حين يجأر بالشكوى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا بأنه الشفيع المشفع الذي لا ترد شفاعته ولا يخيب من استجار به.

ومثله الأديب الرحالة محمد ابن جبير البلنسي الذي اشتد به الشوق إلى البقاع المقدسة يوم عرفات، فخاطب الحجاج مهنئا، ولكنه لم يستطع مفارقتهم بقلبه فتتبعهم بروحه وخياله وهم يؤدون مناسكهم، حيث يقول: (3)

يا وُفودَ الله فُزْتُمْ بالمُنى ** فهنيئا لكم أهل مِنَى
قدْ عرفنا عرَفاتٍ معكمْ ** فلهذا برح الشوقُ بنا
نحن بالمغرب نُجري ذِكْركمْ ** فغروبُ الدمع تَجْري هُتُنا
أنتم الأحباب نشكو بُعدكم ** هل شكوتم بُعدَنا من بَعْدِنا؟
علّنا نلقى خيالا منكم ** بلذيذ الذكر وهْنًا عَلّنا
لو حنا الدهرُ علينا لقضى ** باجتماعٍ بِكم بالمنحنى
لاحَ برْقٌ مَوْهنا من أرْضكمْ ** فلعَمْري ما هَنَا العيشُ هُنا
صَدَع الليْلَ وميضٌ وسنا ** فأبَيْنا أنْ نذوقَ الوَسَنا
ما عنا داعي الهوى لمَّا دعا ** غَيْرَ صبٍّ شفّه برْحُ العنا
كمْ جنَى الشوقُ علينا من أسًى ** عادَ في مرضاكم حُلو الجنَى
ولَكَمْ بالخيف من قلبٍ شَجٍ ** لمْ يزلْ، خوْفَ النوى، يشكو الضنى
ما ارتَضَى جانحة الصدرِ لهُ ** سكَنًا مُنْذُ به قَدْ سَكَنا
فَتُنادِيهِ على شَحْطِ النوى ** مَنْ لنَا بِقَلْبٍ مَلّنا
سرْ بنا يا حادِيَ العِيسِ عَسى ** أنْ نُلاقِي يوْمَ جمْعٍ سِرْبَنَا
شِمْ لنا البرْقَ إذا هبّ وقلْ ** جَمَعَ اللهُ بِجَمْع شَمْلَنا

ولا يختلف ابن جبير كثيرا عمن سبقوه، فأسلوبه يعتمد كثيرا على وسائل وأدوات التمني؛ التي لا يرجى من ورائها شيء كثير. ويبدو أن ابن جبير كان يدرك ذلك جيدا، ولكنه كان يتمتع بتباريح الأشواق لأنها تمكنه من العيش بخياله بين تلك الربوع التي تهفو إليها قلوب المؤمنين من مشارق الأرض ومغاربها، ويبدو استمتاعه بهذا الألم العذب واضحا من قوله:

كمْ جَنَى الشوْقُ علينا من أسًى ** عاد في مرْضاكم حُلو الجَنَى

حيث اعتمد في تصويره لكمية الأسى الذي تسببه الأشواق على (كَمْ) الخبرية التي توحي بأن هذا الأسى أكبر من أن يُتَصور أو يحتمل، ومع ذلك يجد فيه ابن جبير متعة كبرى لأنه يمكن روحه وخياله من قطع المسافات وقطع الفيافي لمعايشة الحجاج والتنقل معهم بين تلك المشاعر المقدسة.


إحدى مدن ألأندلس


رد مع اقتباس
  #2  
قديم April 4, 2010, 04:07 PM
 
رد: الشوق والحنين إلى البقاع المقدسة في الشعر الأندلسي والمغربي

شكرا لك

بارك الله فيك ولما أضفته لمعلوماتي

في ميزان حسناتك إن شاء الله
__________________
آه كم أعشق نفسي
حيث أنت فيها
أنت فيها حين أغفو
حين أصحو حين أمسي
أنت لحني حين أشدو
أنت في فكري وحسي
ملأُ هذا الكون حبي
وهو أورادي وأُنسي
وهو ينمو وغدا أكثر من يومي وأمسي
وأنا وأنت ضياء سارح
شلال شمسٍ
في المدىيسري
يا حياتي أنت مني جوهر يوقدحسي
أنت نفسي

*₪ Ξ وردة نديةΞ ₪

لكل من اشتاق للمرآة المعطاءة (تاما هوم)
امراة من زمن الحب


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي Rodi5 تحميل كتب مجانية 1 July 18, 2014 09:26 PM
كتب ومؤلفات العالم الأندلسي - أبن رشد بندر بن عبدالله كتب فكرية وفلسفية 20 December 9, 2010 03:11 AM


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر