فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم March 24, 2010, 07:35 AM
 
فارس الدعوة في العصر الحديث


الشيخ محمد الغزالي فارس الدعوة الإسلامية في العصر الحديث (العدد : 489)

(تمر في مثل هذا اليوم الذكرى العاشرة لوفاة فارس الدعوة الإسلامية في العصر الحديث الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته فقد ارتضاه الله وتوفاه إلى جواره الكريم ليلة السبت 20/شوال/1416ه الموافق 09/مارس/1996م، ودفن في المدينة المنورة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار من المهاجرين والأنصار)
> معرفتي بالشيخ محمد الغزالي:
تعود أول معرفة لي بالشيخ محمد الغزالي يرحمه الله إلى كتاب (نظرات في طريق الحياة الإسلامية) الصادر عن دولة قطر سنة 1400ه 1980م، الذي اقتنيته وقرأته بشغف سنة 1403ه 1983م، وأعجبت به أيما إعجاب، كما تعود أول رؤية عرفته فيها واستمعت إليه بدقة في ملتقى الفكر الإسلامي الثامن عشر بالجزائر العاصمة سنة 1404ه 1984م، وكان موضوع الملتقى (الصحوة الإسلامية والمجتمع الإسلامي المعاصر) بنزل الأوراسي، الذي دام أكثر من أسبوع، فشد اهتمامي دون سائر العلماء والشيوخ، ودخل إلى قلبي بسرعة البرق، وملك علي - يرحمه الله - بفكره وبيانه ومنهجه وأسلوبه مجامع فؤادي المشتاق إلى خطاب ديني تجديدي معاصر، على الرغم من تربيتي الدينية على يد لفيف من علماء الشام الأفاضل، وسماعي منهم وتتلمذي على حلقاتهم العامرة سنين عديدة 1392-1395ه 1972-1975م، في جامع زيد بن ثابت الأنصاري أيام المرحوم الشيح محمد عوض وأبناء الشيخ عبد الكريم الرفاعي، الذين أخذنا على أيديهم الفقه الشافعي، وجامع منجك بالميدان أيام المرحوم الشيخ حسن حبنكة الميداني، الذي أخذنا على يديه علم العقيدة، وغيرهم· غير أني وجدت في الشيخ محمد الغزالي ضالتي وحاجتي إلى خطاب آفاقي، وبلاغ تجديدي، مفعم بالروح الحيوية، والرؤية التجديدية الحدثية، وبالحياة الفاعلية، وبالحركية الاجتهادية، في فهم الأطر المرجعية المقدسة، وفي التعامل مع التراث الإسلامي·
وسعيت غاية جهدي لحضور ملتقى الفكر الإسلامي التاسع عشر بمدينة بجاية سنة 1405ه 1985م حول الغزو الثقافي والمجتمع الإسلامي المعاصر، وشد سمعي وقلبي وعقلي وروحي بخطابه الحيوي المفعم بروح الشباب، والصدق، والإخلاص، والغيرة على الإسلام والمسلمين، عندما ترأس المؤتمر، وناب عن الوفود بإلقاء كلمتهم وقت حضور الرئيس الجزائري (الشاذلي بن جديد) يحفظه الله ويرعاه والرئيس (ياسر عرفات) - يرحمه الله، وحاولت يومها التعرف على الدكتور عمار طالبي يحفظه الله ويرعاه، لألتحق بمسابقة الدخول إلى قسم الماجستير في الأدب الإسلامي في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، ولكني لم أوفق سنتها للالتحاق بالمسابقة حتى سنة 1407ه 1987م، فنجحت في المسابقة الكتابية والشفهية، ووفقت يومها للتعرف والتقرب من الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله· حيث صار الحبيب قريبا من الحبيب، وصرت طالبا في الجامعة الإسلامية أستمع لدروسه ومحاضراته ومناقشاته، وأتلذذ برؤيته الوقورة بعد أن حرمت طيلة عقد من الزمن من التلذذ برؤية شيوخي الأفاضل أمثال: الشيخ حسن حبنكة الميداني الذي ودعته سنة 1975م، والشيخ سعيد رمضان البوطي، وعبد الحميد ياسين شيخ مقرئي الشام·· يوم عدت إلى بلدي الجزائر· وصرت لا أضيع أمر التتلمذ والأخذ عنه في ملتقيات الفكر الإسلامي، فحضرت ملتقى الفكر الواحد والعشرين بمدينة (معسكر - عاصمة الأمير عبد القادر سنوات 1832-1842م) حول الحياة الروحية في الإسلام سنة 1407ه 1987م· والملتقى الثاني والعشرين بمدينة الجزائر سنة 1408ه 1988م، والملتقى الثالث والعشرين بمدينة تبسة سنة 1409ه 1989م· ولولا واجب تأدية الخدمة العسكرية لما تغيبت عن حضور بقية الملتقيات، التي دعيت لحضورها، وهكذا صرت قريبا منه، أقرأ ما يكتب، وأتابع ما ينشر، أو ُينشر عنه، حتى غدوت - بفضل الله - مشبعا بفكره، ورؤيته، وأسلوبه، ومنهجه·
> مميزات الشيخ محمد الغزالي عن شيوخ عصره: أحب أن أنبه إلى أن الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله يعد من بين مجموعة من العلماء المسلمين المعاصرين من مجددي الإسلام في العصر الحديث، فهو ينتمي إلى جيل المجددين المعاصرين أمثال: حسن البنا، ومحمد الطاهر بن عاشور، ومحمد إقبال، وأبو الأعلى المودودي، وبديع الزمان سعيد النورسي، وسيد قطب، ومالك بن نبي، وإسماعيل راجي الفاروقي، وحسن حبنكة الميداني، ويوسف القرضاوي، وسعيد رمضان البوطي)·
وما يميز الشيخ محمد الغزالي عن غيره من العلماء والدعاة قديما وحديثا جملة من الأمور، أهمها:
1 - فهمه العميق والدقيق لروح الشريعة الإسلامية ولمقاصدها الحنيفية السمحة، وللمقاصد النبيلة التي أُنزلت من أجلها·
2 - فهمه لروح الشريعة الإسلامية المفعلة والمحركة لنهضة الأمة الإسلامية·
3 - إدراكه أزمة الأمة الإسلامية المعاصرة، ولأسباب تخلفها وتعثرها، وطرق نهضتها·
4 - إدراكه لروح بطرس الناسك القابعة في الحملات الاستعمارية الحديثة القديمة والحديثة·
5 - رآه الاستشرافية الآفاقية الناهضة، والمستقبلية الأكيدة، فقد نبه سنة 1400ه باقتطاع الصليبية العالمية سنة 1421ه 2000م لأجزاء مهمة من العالم الإسلامي (جزر الملوك وتيمور الشرقية بإندونيسيا)، وضمها للصليبية العالمية بفعل حملات التبشير المستمرة· وهو ما حصل بالفعل·
6 - دفاعه المستميت عن الإسلام والتنبيه إلى خطر المتحدثين باسمه من: (متحدث جاهل) و (منافق عليم اللسان) و (سياسي صاحب هوى)·
7 - تنبيهه لخطر المتحدثين الجهال باسم الإسلام، ممن لا فقه لهم، ولا علم عندهم، ولا موهبة علمية لهم·
8 - شجاعته النادرة، وتصديه المتميز للجامدين والمعاندين والمقلدين، وتضحيته المتميزة أمام جحافل الفقهاء البله والمغفلين من المتحدثين باسم الإسلام، وتقديمه للفتاوى الجرئية التي تعاني منها الأمة، والتي تحمل من أجلها الكثير·
9 - تكوينه للنخب وللبؤر الدعوية المتميزة، ممن حملت المشعل الدعوي الناهض من بعده·
10- جرأته في الحق، ولو في وجه السلاطين والملوك والرؤساء·
11- حكمته وعقلانيته ورشده المتميز في خدمة الإسلام والمسلمين محليا وإقليميا وعالميا·
12- تصديه - بالكتابة والتأليف، وكل أشكال الاتصال والتعبير والنقد - لما يصيب الإسلام والمسلمين، ولما يتهددهم، على الصعيدين الداخلي والخارجي·
13- تصديه بكل الوسائل الناجحة والناجعة والمتوفرة لكل علل وأمراض المسلمين، والتنبيه على خطرها القاتل عندما تستشري فيهم·
14- تأسيه الصادق والحقيقي والواقعي بالمنهج النبوي الصحيح، وبتطبيقاته العملية الموروثة عن جيل الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين·
15- وقوفه الحازم في وجه المقلدين والجامدين والمعوقين والمخذّلين·
> منهجه الدعوي:
يعد الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله من بين مجموعة قليلة من العلماء المسلمين المعاصرين ممن تخصص في العمل الدعوي، وممن قعّد في أساليبها ومناهجها ووسائلها وأسسها، وقد أعطاه الله فتحا عظيما وجليا في علومها، فأبدع وقعّد ونظّر لها، وكان يرى أن سبب نكبة الإسلام والمسلمين من عدوين، أحدهما: خارجي قوي وجبار، وهو خطير على الإسلام تجب مقاومته· وعدو داخلي أخطر من الخارجي، وهو سبب بلاء الأمة الإسلامية، إذ يقدم الإسلام ويعرضه عليهم أسوأ عرض، ويشوه صورته بين الناس، ولا يقيل عثرات المذنبين، ولا تيه التائهين، ولا خطأ المخطئين، ولا إسراف المسرفين على أنفسهم وغيرهم، بل يحمل عليهم بجهله وكبريائه، ونفخته الكاذبة، فيفسد صورة الإسلام وسماحته في قلوبهم وصدورهم· ولذا كرّس حياته في سبيل تقديم الإسلام إلى هذه الأصناف أفضل تقديم، وعرضه على الناس أحسن عرض·
وقد كان يرحمه الله يركز في العمل الدعوي على القواعد والأركان الدعوية التالية: (فقه الذات، وفقه المرجعية، وفقه لب التراث ومقصده، وفقه الآخر المحتاج للإسلام)، فشكل مدرسة دعوية متميزة من بين قلائل من العلماء ممن خدموا الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، ومن بين قلائل قدموا لها الخدمات الجليلة النظرية والعملية، فقد جسّد روح التجديد الدعوي الذي بثته ونشرته مدرسة المنار ومدرسة الإخوان المسلمين، فهو منهما، وهو مجدد ضمنهما، ومبدع فيهما·
فأثر يرحمه الله أيما تأثير في الساحة الدعوية الإسلامية عموما، والجزائرية خصوصا، وقد لقي فكره وطرحه الامتداد العميق لدى شباب الصحوة الإسلامية في الجزائر، وأنا واحد منهم· وصارت كتبه تدرس في جامعات ومعاهد وكليات الشريعة الإسلامية الجزائرية، وأنا واحد ممن اعتمد تدريس كتبه في الحصص التطبيقية في مادة الدعوة الإسلامية في كلية الشريعة، فكتبه: (مع الله دراسة في الدعوة والدعاة، والدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر، وهموم داعية) من أجل كتب الدعوة في العصر الحديث·
ولما اقتربنا منه يرحمه الله وجدناه إنسانا مسلما أنموذجا، وزاهدا من الطراز الرفيع، ومتصوفا زاهدا ممن يقتفون عمل الجيل الأول، عازفا عن الشهرة وكل رواسب الجاهلية· كما وجدناه يرحمه الله ركنا راسخا للإسلام ولأهله، وطودا باذخا من الأطواد الشامخة، ونورا من عطاء الله ماضيا، يفكر، ويدبر، ويحتال، ويمكر وينتصر للإسلام، فكان بحق من المفكرين الواعين، ومن علماء الطراز الأول المتميز، وداعية موهوب القدرات والملكات، يجذب سامعيه، ويأخذ بمجامع عقولهم ومشاعرهم، إذا تكلم ورمق بنظره الثاقب، وإذا حلل بفكره القاطع، فجمع خصال وصفات العلماء العاملين، فهو: الأفغاني إذا خاطب، وهو محمد عبدة إذا حلل وناظر، وهو رشيد رضا إذ فسر، وهو حسن البنا إذا علّم وأرشد، وهو ابن باديس إذا كتب ودقق، وهو العربي التبسي إذا صال وجأر وانفعل، وهو النورسي إذا قنت وتصّوف، وهو الأمير عبد القادر إذا فرى· وهو، وهو·· وهو أولا وآخرا: الشيخ محمد الغزالي المتميز بشخصيته الفريدة·
وقد وصفه صديقه وحبيبه وصفيه الشيخ الأستاذ الدكتور العلامة الصادق المجاهد الشيخ يوسف القرضاوي يحفظه الله ويرعاه في ذكرى تأبينه، فقال: (لقد ترك الشيخ محمد الغزالي بصمات واضحة على العقل الإسلامي، لا يمحوها اختلاف الليل والنهار، بما ألف من عشرات الكتب، وما أنشأ من مئات المقالات، وما أقام من آلاف الدروس والخطب والمحاضرات، وما أذيع له من أحاديث لا تحصر في الإذاعات والتلفازات·· لقد عاش الشيخ الغزالي حياته كلها: حر الفكر والضمير، حر القلم واللسان، ولم يعبّد نفسه لأحد، إلاّ لربه الذي خلقه فسواه· ولم يبع ضميره، ولا قلمه لمخلوق كان، وكم حاول أصحاب السلطان أن يشتروه، ولكنهم لم يقدروا على ثمنه، وكيف يمكن أن يشترى، من يريد الله والجنة·· ولقد ُلوح له بالمناصب، التي يسيل لها لعاب الكثيرين من عبيد الدنيا، ولكن الشيخ لم تلن له قناة، ولم يُغره وعد، كما لم يثنه وعيد·· وهو مقاتل عنيد لا يستسلم ولا يطأطىء·· ولا يلين·· وقف في وجه الاستعمار، وكشف عن حقيقته ودوافعه، وقف في وجه الصهيونية التي اغتصبت فلسطين الأرض المقدسة، وفي وجه التنصير والاستشراق والتبشير، الذي أراد أن يسلخ المسلمين من عقيدتهم)·
ترك يرحمه الله معالم دعوية سامقة وواضحة في خدمة الإسلام، وفي طريقة تزيينه وعرضه على الناس، فكان يرحمه الله يحسن عرض الإسلام وتقديمه أحسن عرض، ويكره جرّه من ذيله، وليّ نصوصه، والضجر والضيق برحابتها على سماحة الشارع العظيم· وهو من رجال انتقاهم الله لخدمة هذا الدين، فخدموه بالفعل، كل حسب منهجه وفهمه ومواهبه، فإن أصابوا فهم مجزيون، وإن أخطأوا فهم مجزيون أيضا، على منهج الإسلام في الإحسان للمصيب وللمخطئ من العلماء المجتهدين، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: {من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد }، ولكن على الأتباع التأدب، والتخلق، والتعمق في الفهم، وعليهم التأسي بسيرتهم· فقد أكرمه الله بصحبة الصحابة والتابعين فكان نزيلهم الجديد في بقيع المدينة ليلة السبت 20/شوال/1416ه الموافق 09/مارس/1996م، ودفن في المدينة المنورة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار من المهاجرين والأنصار، جزاء لخدمته العظيمة للإسلام، فليرحمه الله في الخالدين·



بقلم الكاتب: أحمد عيساوي - الجزائر
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحمد امين..زعماء الاصلاح فى العصر الحديث CVLMASTER كتب الادب العربي و الغربي 1 March 1, 2015 01:07 PM
دروس الحديث للصف اول متوسط شرح +ارشادات الحديث +حل الاسئلة الفصل الثاني Yana الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 4 April 27, 2012 04:48 PM
إقرأ وابكي دماً على مذابح أمتنا في العصر الحديث shadofex قناة الاخبار اليومية 2 November 15, 2009 10:58 PM
شعراء العصر الحديث ابتسام صبحى شعر و نثر 3 February 21, 2009 04:13 PM
الاكتاءب مرض العصر الحديث مفهومه و طرق علاجه aymen كتب الادارة و تطوير الذات 2 May 5, 2008 08:11 PM


الساعة الآن 09:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر