فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > بحوث علمية

بحوث علمية بحوث علمية , مدرسية , مقالات عروض بوربوينت , تحضير ,دروس و ملخصات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم February 23, 2010, 10:43 AM
 
لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا للباحث مختار الغوث تقديم محمد عباس محمدعرابي

لماذا تقدمت اليابان والصين وتخلفنا؟ : بقلم : مختار الغوث تقديم الباحث محمد عباس محمد عرابي.
هنا شعور محبط منتشر في أوساط شبابنا أننا متخلفون وغيرنا متقدم ألا بعدا لكل أمر محبط يعوق طريقنا الذي ضللناه في عتمة ليل سرعن ما تنقشع لنعود وبجدية للاقتداء بأجيانا التي وضعت بذور النهضة والتقدم للعالم أجمع وتركتها أجيالن المتأخرة وتعهدها غرنا فتقدموا وفي هذا المقال القيم يتعمق الأستاذ الفاضل مختار الغوث في الإجابة عن هذا السؤال
لماذا تقدمت اليابان والصين وتخلفنا؟ : «لبسنا قشرة الحضارة .. والروح جاهلية!» مركزا على الجوانب التعليمية فهيا بنا نقرأ هذا المقال القيم
إن مما يستوقف الباحث في أمر التعليم إعراض الطلاب عن تعلم شيء يفيدهم إفادة حقيقية، ويخرج بهم عن الأنماط الشكلية المحصورة في التلقين والحفظ، من غير فهم ولا وعي، وإصرارهم على التمادي في هذه الحال، مهما حاول المرء إقناعهم بخلافها؛ لأن للتعليم في نظرهم غاية محدودة، ليس منها التعلم، وإنما الحصول على الشهادة لغاية مادية واجتماعية. ومن الشائع المتعالم كثرة الصدود -في الجامعات التي تتيح للطلاب التخير من الأساتذة- عن الأساتذة المتميزين في علمهم وأخلاقهم، الذين لا يعطون الدرجات إلا عن استحقاق، ولا ينزلون بالمادة عما ينبغي أن تكون عليه الدراسة الجامعية، والإقبال على الذين يذهبون في التعليم مذهبًا مناقضًا لمذهب أولئك، وينحون بالمادة العلمية منحى غير أكاديمي، يقبلون عليهم من التخصصات كلها، حين يتاح لهم تسجيل مادتهم مادة حرة؛ ليرفعوا بما يَح�'بُونهم من الدرجات معدلاتهم. وقبل التسجيل تراهم يتساءلون عن أستاذ المادة، كيف يعطي الدرجات، ولا يسألون عن المادة نفسها، ما أهميتها، وما الذي يمكن أن يفيدوا منها، كأنما يسجلون الأستاذ لا المادة. وإنني لأذكر مرة دخلت فيها على أحد أساتذة النحو الكبار المرموقين في الوطن العربي كله، وهو رجل أديب إلى ذلك ومثقف، وأستاذ أساتذة، وعضو في أكثر من مجمع لغوي، دخلت عليه في قاعة دراسية -وكنت أرجو أن أدرس عليه، فلم يُقدَر لي، فدخلت عليه مستمعًا مستفيدًا- فوجدت عنده طالبًا واحدًا فردًا! ولقد أذكر إذ سمعت أحد رفقائه من أساتذتنا يحذر الطلاب منه، يقول لهم: لا تسجلوا عند هذا القصير؛ فترسبوا! مع أن تدريسه للنحو كان في غاية التيسير والبعد عن الطرق المعتادة، وكانت أسئلته أسئلة تطبيقية في غاية السهولة، وهو إلى ذلك رجل مسن�'ٌ، قد عرك التعليم والحياة وعركاه. على حين تجد القاعات تغص بالطلاب عند من لا يرسب عنده أحد!!
لقد وجدت إجماعًا على ذلك الإعراض والإصرار ممن عل�'َمتهم وتعلمت معهم، بل وجدت ثلة كبيرة ممن يمتهنون التعليم لا ترى للتعليم غاية سوى هاتين، وترى نظرة الطالب إلى التعليم هذه النظرة أمرًا مشروعًا، أو ليس سيئًا؛ لأن المجتمع فرض عليه هذا، وليس في وسع المدرس ولا الطالب مقاومته. ولقد كان ينبغي أن يكون للتعليم ومن يمتهنه شأن غير هذا: أن يكون هو الذي يغير السلبيات، ويوجه الناس إلى ما ينبغي أن يتجهوا إليه، فإذا سايرهم وحط�'َ في هواهم فقدَ معناه، وغايته الكبرى، وغدا مرفقًا يصدر رخص العمل، بغض النظر عن أهلية العامل!!
وتفشي هذه النظرة في عقول الناس هو الذي جر على التعليم كل ما يؤخذ عليه من عيوب. فقد أُقصيت الحياة -بسببها- عن العلم وما تضعه وزارات التربية والتعليم في مناهجها من فلسفة وأهداف. وصارت الحياة تدار على أوجه من العادة والتقاليد، وما يجد�' من أهواء، وما يعرض من أمور، ولا تدار على أسس فلسفية علمية، خَط�'َط لها المربون وأرادوا أن تُبنى عليها الحياة والفكر والسلوك. وغدت مهمة الطالب أن يستظهر من المقررات الدراسية ما لا يفهمه، ويعو�'ِل في نيل الشهادة على البحث عن مظان�'ِ أسئلة الامتحان في الكتب، فيقتصر عليها، أو يجمع أسئلة امتحانات المادة في الأعوام الخالية من رفقائه. ورأى المدرسون ذلك منهم فركنوا إلى التساهل في كل شيء، كأنما يحط�'ُون في أهوائهم، فدرجوا على تكرار الأسئلة في كل امتحان، لا يغيرون منها إلا الورق. يعمد أحدهم إلى الورقة القديمة فينسخ ما فيها في ورقة جديدة، ثم يعطيها الطلاب، وقد استعدوا لها من قبل، والأسئلة التي تنجو من التكرار لا تعنى إلا بشيء واحد، هو امتحان الذاكرة، ولا تقيس فهم الطالب ولا ذكاءه ولا استيعابه للمادة، أي إنها عارية من صفات الأسئلة التربوية، بعيدة من تحقيق الغاية التي من أجلها يُمتَحن الطالب. هذا إلى أن المقررات ترد�'َد كل فصل وعام على وتيرة واحدة، لا يختلف عرض، ولا تجد�'ُ فكرة، ولا تتطور نظرة، إلا أن تغير الكتب من قبل الوزارات بعد أعوام. وهذا في ذاته يستوجب تكرار الأسئلة، ولو لم يتعمد المدرس تكرارها.
وأث�'َر هذا في المدرس أيضًا، فقد هجر العلم والقراءة، واقتصر على حفظ المقررات التي يرددها بحرفها كل عام وفصل، فتقارب مستواه العلمي ومستوى تلاميذه، أما مستواه الفكري فلا يختلف في شيء عن مستوى فكر مجتمعه، وحياتُه وسلوكه مثلُ ذلك.
وجر�'َت هذه النظرة على التعليم العالي أن طلاب الدراسات العليا لا يتقدمون إليها رغبة في الاستزادة من العلم، بل طمعًا في زيادة الرواتب، ورفع الرتب الوظيفية، أو السمعة الاجتماعية، وإذا نال أحدهم الشهادة التي كان من المفروض أن تكون مفتاح التعلم، واعترافًا من الهيئة العلمية التي أعطته إياها بقدرته على التحصيل والبحث والتحليل والاستنتاج، إذا نالها عزف عن العلم، واستغنى عنه باللقب والمنصب؛ لأنه يرى هذه الشهادة خاتمة المطاف. ولا عجب أن نرى جامعات عربية تسمى الماجستير والدكتوراه «العالمية»، وإذا كان هذا تفكير الأستاذ الجامعي وفعله، وهو الذي يفرض أن يكون الشخصية المثالية والقدوة العلمية والفكرية والأخلاقية في المجتمع، فإن كل خطأ آخر في التعليم تتقاصر شناعته دون هذا.
وليس بمستغرب أن تدخل منزل أستاذ فلا تجد فيه كتابًا واحدًا في تخصصه إلا الكتاب المقرر، أو أن يتخلص من كان ذا مكتبة من مكتبته إذا تقاعد، وسن التقاعد هو سن النضج العقلي والعلمي. ويتعلق بهذا أن من يُبقُون بينهم وبين العلم أسبابًا، من أساتذة الجامعة، إنما يبقونها لمصلحة مادية، أيضًا هي الترقيات، فإذا بلغ غاية سلم الترقية هجر القراءة والعلم هجرًا غير جميل. ونتيجة هذا أن ما يكتب من البحوث لا يضيف إلى العلم والمعرفة جديدًا، ولا يشعر بعلم ولا أصالة عند كاتبه، هذا إلى أنه منبت�' الصلة بالحياة، ولم ينبع من قراءة ولا إحساس بأهمية الموضوع، وإنما يعمد إليه صاحبه متكلفا مرغما، وينهيه كيفما اتفق.
ولقد تجد كاتبًا يعمد إلى رسالته أو كتاب له فيقتص منهما فصلاً أو بابًا ثم يمده طولاً وعرضًا، ويوش�'ِحه بما ليست له قيمة علمية، ثم يصدره سفرًا ضخمًا باسم جديد، وخلال أعوام يلمع اسمه وتذيع كتبه، التي يعسر التمييز بينها، كما يعسر التمييز بين التوائم، لولا اختلاف أسمائها، وأقبح من هذا أن يكون الكتاب مسلوخًا من كتب غيره.
هذا عن التعليم وأثره في الحياة العلمية، أما أثره في الحياة العملية، فلا يقل عن ذلك، فقد تربى المسلم المعاصر على الاستهلاك في حياته كلها: فهو مستهلك للأفكار والعادات والتقاليد والأخيلة والألفاظ، بل مستهلك للعواطف والمشاعر، كما أنه مستهلك للأزياء والأطعمة والآلات وسائر الأشياء؛ لأن عقله الذي لو حرره التعليم من أسر التقليد، لأنتج وأبدع، جم�'َده التعليم منذ الصغر، بصر�'فه عن التفكير، وغل�'َب عليه ذاكرته، فحشاها بفتات من المعلومات، أرغمه على استظهارها إرغامًا، فكبر لا يفهم، ولا يريد أن يفهم، ولا يستطيع الاستقلال، ووجد الأشياء جاهزة، فاستوردها واستهلكها، فزادت عقله جمودًا وموتًا، وزادت حسه وذوقه بلادة. وحين يستعرض المرء الشباب الجامعيين وما يظهرون فيه من الهيئات والأزياء يعلم أن التعليم لم يصنع بالعقول ما كان ينبغي أن يصنع، وإنما تركها خاوية نهبًا لكل جديد، كائنة ما كانت قيمته، يتلونون كما تتلون الغول، مرة في هيئة امرأة، ومرة في هيئة امرئ غير سوي، من غير اعتداد بما ينبغي أن تكون عليه الرجولة، لأنهم لم يؤتوا موازين من القيم والعقل يزنون بها الأشياء قبل الإقدام عليها، وإنما تركوا رجالاً جوفًا، أو صبيانًا في أعمار الرجال، أينما تذهب بهم ريح النزوات والجديد يذهبوا!!
أما من حيث الأخلاق فالمسلم اليوم ليس لديه من الأخلاق بالمعنى الفلسفي إلا بقية ورثها من أسلافه، تضعف أو تقوى على قدر تقواه وتعلمه الشرعي الذي اكتسبه اكتسابًا ذاتيًا. وحيث عُدم هذا التعليم أو قل، لم تجد للوازع الأخلاقي أثرًا. فقد يغش ويزور ويخون الأمانة (بمعناها الكبير) ويبيع وطنه، كل ذلك من أجل مصلحته الشخصية، أي إن الأثَرة قد غلبت عليه، وإن كان يتشدق بالإيثار، وحب الوطن والوطنية، ويتغنى بالأخلاق الفاضلة، ويستزري بتخلف المسلمين، ويشيد بحياة الشعوب الصناعية، من حيث الدقة واحترام الإنسان وتكريمه، والنظام والانضباط والإخلاص والجد والتفكير والعقلانية والإنصاف واحترام الوقت، والتفتح، إلخ. يمدح هذه كلها ولكنه لا يأتيها، ومن اتصف منا بها أو ببعضها استطال الناس في عرضه، وأطلقوا العنان لألسنتهم بذمه، بأنه متشدد أو متحجر، وما شئت من تلك الأوصاف التي عهدنا أن نُغرق في مثلها من لا نرضى عنه.
ولقد يستطيع المرء أن يقول غير مبالغ: إن حياتنا بدع من حيوات الأمم المتقدمة: فلا نحن بنيناها على شرعنا، ولا نحن بنيناها على أسس عقلية، بحيث تقو�'ِم لنا حياتنا الدنيا كما تقومها لهذه الأمم؛ لأننا لا ندري على أي الجانبين نميل. والسبب في هذه السلبية في شؤون حياتنا كلها هو ما في تعليمنا من سلبيات، فالحياة مرآة للتعليم وفلسفته، فكما يكون التعليم تكون الحياة. والتعليم في بلادنا العربية والإسلامية ليست له فلسفة ولا غاية واضحة، فنحن ما زلنا لا ندري: أغاية التعليم حفظ المتون القديمة والقوانين والنظريات، أم تنمية ملكات الإنسان وتزويده المناهج التي تؤهله للبحث والاطلاع وتعليم نفسه بنفسه، بحيث يستطيع حل كل مشكلة علمية واجهته في الحياة، وإعداده إعدادًا صحيحًا، بحيث يقام على أسس علمية وفلسفية تمكنه من فهم جوهر الحياة والإنسان والكون وكيف يكون سلوكه إزاء هذه، أي إعداده ليكون امرأ صالحًا نافعًا في مجتمع مثالي، ويبدو أن عدم وضوح الهدف في هذه القضية ينتاب العقل المسلم منذ فتح عينه أول مرة على الاستعمار إلى اليوم، ولذلك لم يصنع شيئًا سوى الحيرة والمحاكاة الشكلية، على حين خطت دول أخرى عرفت الغرب بعدنا بزمن خطوات عظيمة على طريق التقدم، وبعضها -كاليابان- بلغ من التقدم الصناعي والعلمي ما لم تبلغه الدول التي تعلم منها، وكذلك كورية الجنوبية وتايوان. فمحمد علي باشا حاكم مصر مثلاً بدأ بعث طلابه إلى فرنسا قبل اليابان بسنين عدة، لكنه لم يكن يعرف الغاية التي أرسلهم من أجلها، أو الغاية التي ينبغي أن يرسلوا من أجلها، فلم يتخير من يبتعث، فلم تصنع بعوثه شيئًا سوى أن امتلأت قلوبها بالحيرة والشك والإعجاب الأعمى بمظاهر المدنية الفرنسية. ومن الغريب أن بعض الذين أرسلهم كان يرسله ليدرس القانون والآداب، ومصر غنية عن الآداب والقانون؛ لأنها دولة مسلمة، قانونها الشريعة الإسلامية، عربية لا تعوزها الآداب الفرنسية، وليس تخلفها في القانون والآداب، وإنما في العلوم التطبيقية والصناعية، فكان ينبغي أن تكون البعوث كلها من أجل دراسة هذه ونقلها. ولما لم تكن الأمور واضحة تولت فرنسة صناعة هذه البعوث على عينها، ثم أعادتها إلى مصر لتكون جيشا يحقق ما عجز عنه نابليون(2). أما اليابان مثلاً فكانت الأمور واضحة لها والغايات جلية، حددت غاياتها بأنها «استعارة الوسائل والأدوات الفنية والعلوم الحديثة والمصانع... مع تبني نظام أخلاقي وسياسي يكفل الحفاظ على الخصوصية اليابانية... وقد أرسلت إلى الغرب بشخصيات يابانية تتمتع بحنكة كبيرة بحيث لا تبهرها مظاهر الحداثة السائدة في أوروبا والولايات المتحدة، وتقوم بانتقاء وتحديد أكثر هذه المظاهر ملاءمة مع التقاليد اليابانية»(3). فلما رجعت شرعت في البناء، ولما رجعت البعوث العربية شرعت في توطين الثقافة الفرنسية وشكليات العادات والسلوك والأذواق، ورأت أن بوابة التقدم خلع الروح الإسلامية وتقمص قشور الحضارة الغربية التي لا تقدم ولا تؤخر؛ لأن ما درسوه هنالك كان من خصوصيات الأمم التي لا يفيد نقلها، ولا يقتبسها إلا من يريد مسخ أمته. ولما لم يكونوا يعرفون سوى هذا أوقعوا المجتمعات في حيرة وبلبلة وصراع لا ينتهي. وقد أوجز نزار قباني هذا في قوله:
خلاصة القضية
توجز في عبارة:
لقد لبسنا قشرة الحضارة
والروح جاهلية
ولقد قارن المفكر الجزائري العظيم مالك بن نبي حالنا بحال اليابان مقارنة ظريفة فقال: «حين كان الطالب الياباني يذهب إلى الغرب في أواخر القرن الماضي كان يذهب ليتعلم التقنية مع الحفاظ المتشدد على أخلاق بلاده، كما سيذهب بعده ذلك التلميذ الصيني المتواضع (نسيان هماسين) ليتعلم في مختبر جوليو كوري بباريس، وليعود لبلاده بالمعلومات النووية التي تدهش العالم اليوم. بينما غالبًا ما يحدث للطالب الذي يذهب من بلادنا أن يعود بشهادة، ولكن بعد أن يترك روحه في مقاهي أو خمارات الحي اللاتيني، أو في النوادي الوجودية بسان جرمان»(4)، «فنحن قد مررنا في طريقنا مر الكرام، تستوقفنا الزهور التي في جنباتها مرة، ونتسلى بالطيور أخرى، ونصغي إلى صوت أوروبا أحيانًا، ونشيد البلابل الأوروبية، أما الياباني فقد فكر في خطته تفكيرًا علميًا، وخطط لها تخطيطًا فنيًا، وبعث في الأنفس حقيقة فكرة عامة جعلت كل ياباني يتصل بالمجتمع الياباني كما تتصل النحلة بخليتها... إن اليابان قد بنى مجتمعًا متحضرًا، فهو قد دخل الأشياء من أبوابها، وطلب الأشياء كحاجة، ودرس الحضارة الغربية بالنسبة لحاجاته، وليس بالنسبة لشهواته؛ فلم يصبح من زبائن الحضارة الغربية يدفع لها أمواله وأخلاقه»(5)، «وقف من الحضارة الغربية موقف التلميذ، ووقفنا منها موقف الزبون، إنه استورد منها الأفكار بوجه خاص، ونحن استوردنا منها الأشياء بوجه خاص، إنه كان... ينشئ حضارة، وكنا نشتري بضاعة»(6).
وفي الحق أن فقدان الغايات وعدم تحديد الأهداف قضية تعم الحياة العربية كلها، وكذلك العناية بشكليات الأمور ومظاهرها. وقد كتب طه حسين منذ عقود غير قليلة مقالة، عنوانها (الوسائل والغايات)، تدور حول هذه القضية، يقول فيها: إن مصر تبني الجامعات لا لتعلم أبناءها وتنور شعبها، ولكن ليقال إن مصر بلد متقدم، والدليل على ذلك أن فيها جامعات، وتبني المستشفيات لا لتعالج شعبها وتقضي على المرض، لكن ليقال إنها بلد كأوروبا؛ لأن بها مستشفيات.
وهذه الشكلية والمظهرية أظهر في التعليم منها في غيره، أذكر أنني كنت في إحدى المراحل الدراسية في جمعية من جمعيات النشاط المدرسي، فكان مشرفاها يُحضِران محاضر اجتماعات الأعوام الخالية، فننقلها في دفتر محاضر هذا العام، فقلت لهما مرة: لماذا نحضر كل يوم لنكتب شيئًا لم نفعله؟ فقالا: إن الأمر كله شكلي، ومن الخير لنا أن ننسخ ما ننسخ حتى إذا سئلنا احتججنا بهذه المحاضر على أننا نعمل! وهذا المثال يوجز الحياة التعليمية في البلاد العربية كلها، كما ينفذها ويراها كثير من المدرسين في مراحل التعليم كلها.
ومن مظاهر الشكلية كثرة حاملي الألقاب العلمية ممن لا تتوافر فيهم صفة حملتها في الدول الصناعية ممن سماهم مالك بن نبي رحمة الله عليه (المتعالمين) وقال فيهم: «اليوم أصبحنا نرى مرضًا جديدًا مستعصيًا هو التعالم، وإن شئت فقل الحرفية في التعلم، والصعوبة كل الصعوبة في مداواته،... فقد أتيح لجيلنا أن يرى خلال النصف الأخير من القرن الماضي ظهور نموذجين من الأفراد في مجتمعنا: حاملي المرقعات من الثياب البالية، وحاملي اللافتات العلمية، فإذا كنا ندرك بسهولة كيف نداوي المريض الأول فإن مداواتنا للمريض الثاني لا سبيل إليها، لأن عقل هذا المريض لم يتقن العلم ليصيره ضميرًا فعالاً، بل ليجعله آلة للعيش، وسلمًا يصعد به إلى منصة البرلمان. وهكذا يصبح العلم مِس�'خةً وعملة زائفة غير قابلة للصرف. وإن هذا النوع من الجهل لأدهى وأمر من الجهل المطلق»(7).
وهذا يجيب عن سؤال كان قد طرحه كاتب عربي منذ أكثر من عشرين، هو: أن البلاد العربية فيها من حملة المؤهلات العلمية العالية عدد وفير، فلم لم تنتج ولم تلتحق بالدول المتقدمة؟
إن حمل اللافتات العلمية وحده لا يغني من العلم والتقدم فتيلا. وهو أشبه شيء بممثل في مسرحية يضع في عنقه سماعة، وعلى صدره صدارًا أبيض كالذي يلبسه الأطباء، ثم يجلس في حجرة مؤثثة بالأدوات الطبية، فيخيل إلى من يراه أنه طبيب، وهو إنما يمثل، ولا شأن له بالطب. فمن يؤمل من حاملي اللافتات العلمية الذين نعتهم مالك بن نبي إنتاجًا أو صناعة للحياة، كمن يرجو البرء عند ممثلي أدوار الأطباء.
ينبغي أن يكون التعليم تثقيفًا للعقل، بالمعنى اللغوي، أي تقويمًا وإصلاحًا، وتبصيرًا بحقائق الكون والحياة، ومصباحًا يهدي الفكر إلى المثُل الإنسانية العليا التي طمح الحكماء إلى إقامتها في الأرض، وأن يكون المعلم هو الدليل وحامل المصباح أمام الأجيال، لا أن يكون ملقنًا يميت العقول، وينفث في الروع بفعاله فلسفة تُضل�' وتهدم، وتجور بمن يقتدي به عن سبيل التعليم التي أنشئت المؤسسات الضخمة، وأنفقت الأموال الطائلة من أجلها، وعلقت عليها الأمم كل آمالها. ولن يتأتى لهذا التعليم وجود في بلداننا ما لم توضع له أسس وغايات واضحة، وتجعل مناهج تعليمنا وسائل لبلوغها، ولن توضع هذه الأسس إلا إذا وكل أمرها إلى أهله الذين لهم من العقل وفرة، وفي الحياة تجربة، وفي العلم منزلة، وفي الحكمة باع، ومن الضمير والنزاهة والنضج نصيب، ثم يوكل تنفيذها إلى معلمين كواضعي الأسس التعليمية نزاهة وتربية أخلاقية وعقلاً واستنارة فكر.
وإلى أن يتحقق ذلك يبقى على المعلم أن يستشعر مهمة التعليم، وأن يلقي في خلد تلاميذه أنه «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، وأن للإنسانية جوهرًا ومعنى غير المادة، ليس يغذيه إلا العلم والحق والخير والفضيلة والجمال، فمن لم يسع في درك هذه، وأنفد العمر في طلب حاجات الجسم المادية، فهو في سبيل الحيوانية يعمه.

الهوامش:
(1) في مهب المعركة، مالك بن نبي، ص141 .
(2) انظر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، محمود شاكر، ص140 وما بعدها .
(3) التقليدية والحداثة في التجربة اليابانية، رشيد عبدالغفار، ص112.
(4) بين التيه والرشاد ،مال ك بن نبي، ص107.
(5) تأملات، مالك بن نبي، ص163 وما بعدها. .
(6) الهامش السابق، ص185.
(7) شروط النهضة ،مالك بن نبي، ص84.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دور الإعلام في إبراز رحمة الإسلام للباحث محمد عباس محمد عرابي محمس عربي بحوث علمية 2 April 7, 2010 09:21 PM
السؤال في القرآن الكريم للباحث عمران نزال تقديم الباحث محمد عباس محمد عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 February 23, 2010 07:55 AM
واجبنا نحو الأديب العربي الكبير علي أحمد باكثير للباحث محمد عباس محمد عرابي محمس عربي الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 1 February 23, 2010 12:49 AM
دعوة لتطوير مناهج الأدب للباحث علي زعلة تقديم محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 February 20, 2010 09:07 AM
تقويم كتاب الأدب للصف الثالث الثانوي للباحث حسن الحازمي تقديم محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 February 20, 2010 08:38 AM


الساعة الآن 10:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر