فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > بحوث علمية

بحوث علمية بحوث علمية , مدرسية , مقالات عروض بوربوينت , تحضير ,دروس و ملخصات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم February 10, 2010, 10:11 AM
 
الإصلاح التربوي للدكتور علي أسعد وطفة الباحث التربوي محمد عباس محمد عرابي

٤٤٣د
.علي أسعد وطفة

استاذ علم الاجتماع التربوي المساعد
في كلية التربية بجامعةدمشق
:

يقول عمانويل كانت
: ثمة اكتشافين أساسيين يحق للمرء أن يعدهما من أصعب الأمور هما : فن حكم الناس وفن تربيتهم

تشكل مسألة الإصلاح التربوي في النظام التعليمي واحدة من القضايا الساخنة في مجال الحياة السياسية والاجتماعية للعالم المعاص ر
. وتحفل اليوم الساحة العالمية بالنشاطات السياسية والمؤتمرات التربوية التي تسعى إلى بناء منطق جديد يكفل للتربية المدرسية أن تتجاوز التحديات ا لتي تحيط ا ويمنحها القدرة على مواكبة عصف الحضارة التكنولوجية المتقدمة، وعلى احتواء التفجر المعرفي بما ينطوي عليه من خصائص التسارع والتقادم والتنوع .

لقد تجاوز تطور الثقافة الإنسانية التكنولوجية حدود كل تصور، وفاق ومضات كل خيال، وفي خضم هذه التغيرات الع ا صفة التي أحاطت باتمع الإنساني بدأت الأنظمة التربوية تتصدع وتتداعى أمام هذا المد الحضاري الأسطوري الذي يهدد المعايير والأسس التقليدية التي قامت عليها المؤسسات التربوية التقليدية
.

وإزاء هذه التحديات الجديدة أخذت الإنسانية على عاتقها مسؤولية إعادة بناء أ نظمتها التعليمية، لتكون قادرة على التواصل مع تطور الحياة، بروح متفائلة وطاقات
متجددة تتيح لهذه اتمعات القدرة على الإحاطة بإفرازات الحضارة المادية واندفاعاا .

لقد وجدت اتمعات الإنسانية في الإصلاح التربوي منطلقا لإصلاح أحوالها والنهوض بطاقاا،
وفي ك ل مرة يدق فيها ناقوس الخطر تستنهض هذه اتمعات أنظمتها التربوية بالإصلاح من أجل مواجهة الخطر وبناء الإنسان القادر على تجاوز محن الحضارة والمشاركة في بنائها.

وفي نسق التحديات الحضارية الجديدة ما زال الإصلاح التربوي يشكل هاجس اتمعات الإنسانية، وما زال الحلم في بناء تربية متجددة قادرة على تجاوز قهر الإنسان وتصفية معاناته والانتقال به إلى عالم العدالة والقوة والمساواة يحتل مكانة هامة في وجدان القيادات السياسية والتربوية في اتمعات الإنسانية المعاصرة
.

من مفهوم الأزمة التربوية إلى مفهوم الإصلاح التربوي
:

يعد مفهوما الإصلاح التربوي والأزمة التربوية من المفاهيم المركزية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويعدان من أكثر المفاهيم شيوعا وتداولا في الأدبيات التربوية المعاصرة ولا سيما في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد شهدت الساحة الفكرية في مجال التربية و العلوم الاجتماعية ولادة متسارعة لعدد كبير من المؤلفات والمقالات التي تنطلق من هذين المفهومين لدراسة وتحليل الأنظمة التربوية المعاصرة
. وتأسيسا على ذلك بدأ هذان المفهومان يشكلان أداة هامة من أدوات التحليل السوسيولوجي والتربوي، ومدخلا منهجيا من مداخل البحث وا لتقصي في مجال القضايا التربوية والاجتماعية.

يشير مفهوم الأزمة في مجال التربية إلى
حالة عطالة أو جمود تنال جانبا أو جوانب متعددة في النظام التربوي فتفقده التواز ن وتؤدي إلى خلل في مدى قدرته على أداء وظيفته، وضعف في قدرته على تحقيق الغايات الأساسية التي يؤدي ها. وقد تعود الأزمة إلى أسباب خارجية أو إلى أسباب داخلية أو إلى كلاهما في آن واحد . ويمكن للأزمة أن تكون جزئية أو كلي ة ، أن تكون ممتدة عبر الزمن أو آنية في .دورته. ويمكن للحلول المناسبة أن تتم من داخل النظام التربوي أو من خارجه أو من كلاهما معا ١فالأزمة قد تنبع من عطالة في جزء من النظام التربوي مثل : الإدارة، أو المناهج، أو الخطة الدراسي ة . كما يمكن أن تتمثل في عطالة تصيب مجموعة من العوامل الداخلية للنظام . وفي كل الأحوال فإن ما يعتري الجزء من عطالة أو تقصير يؤدي إلى شلل عام في مستويات النظام التربوي . وغالبا م ا تكون الأزمة التربوية ناشئة عن مجموعة عوامل تاريخية وثقافية واجتماعية ولا سيما التحولات السريعة التي تؤدي إلى خلل في وظيفة النظام وفي سير عمله (٢). وبعبارة أخرى تتمثل الأزمة التربوية في عدد من المشكلات

.
١ انظر: أحمد زكي بدوي: معجم العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، ١٩٧٨٢ Madeleine Grawitz: Lexique des sciences sociales , Dalloze, Paris, 1983.

والتحديات التي يواجها النظام التربوي والتي تؤدي به إلى عطالة وظيفية تتباين في مستوى شدا ودرجتها
.

وتأسيسا على مفهوم الأزمة التربوية يتنامى اليوم استخدام مفهوم الإصلاح التربوي والذي يشير إلى
منظومة من الإجراءات التربوية التي دف إلى إخراج النظام التربوي من أزمته إلى حالة جديدة من التوازن والتكامل الذي يضمن له استمرارية وتوازنا في أداء وظيفته بصورة منتظمة . وقد يتجه الإصلاح إلى إجراء تغييرات نوعية في جميع جوانب النظام التربوي المراد إصلاحه، كما يمكن للإصلاح أن يتم في جانب من جوانب النظام التربوي . ويمكن القول في هذا السياق أن مفهوم إصلاح وإجراءاته مرهونة بمستوى ودرجة الأزمة التي يعاني منها النظام التربوي أو التعليمي.

وقد يأتي الإصلاح التربوي في شكل
تجديدات وتعديلات جزئي ة وقد يتم في صورة تغييرات جذرية تتناول جميع العوامل التي تتعلق بالوضعية التربوية، بما تنطوي عليه من سياسات وأهداف وعناصر مختلفة. وغني عن البيان أن الإصلاح يكون جوهريا وجذريا عندما يتم في سياق تحولات اجتماعية شاملة، ويكون جزئيا عندما يتم في إطار البنى والسياسات الاجتماعية القائمة في إطار اتمع . هذا ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من الإصلاح التربوي وهي : النوع الذي يركز على أهمية تحقيق التوازن النس بي، والإصلاح الذي يأخذ طابع التغيير التدريج ي ، وأخيرا الإصلاح الذي يأخذ اتجاه التغيير الجذري ٣. وتتحدد هذه الصيغة على منوال الأزمة أو المشكلات التي يواجهها اتمع أو النظام التربوي في نسق الحياة الاجتماعية.

جوهر الأزمة التربوية العالمية وأبعادها
:

تعاني الأنظمة التربوية المعاصرة من أزمة تربوية، وتنبع هذه الأزمة من إشكالية
الوظائف والأدوار التي تؤديها هذه الأنظمة، وتتمثل هذه الأزمة في إشكالية العلاقة القائمة بين المدرسة وبين اتمع. فالمدرسة ليست عالما مستقلا يوجد في فراغ، بل نظام تتحدد وظيفته وصيرورته في جملة من العمليات الاجتماعية المتكاملة في إطار النظام الاجتماعي الشامل.

٣
انظر : مكتب التربية العربي لدول الخليج : الإصلاحات التربوية، مطبعة مكتبة التربية العربي لدول الخليج، .الرياض، ١٩٨٤

وتمثل
العلاقة بين المدرسة والتغير الاجتماعي أحد وجوه الأزمة التربوية المعاصرة . وتتجسد هذه الإشكالية في الثورات العلمية التكنولوجية التي شهدا وتشهدها الإنسانية في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي أدت إلى وجود هوة عميقة بين الحياة المدرسية والحياة الاجتماعي ة . لقد فقدت المدرسة قدرا على مواكبة هذه التغيرات المتسارعة والمتواترة في مختلف االات الاجتماعية والثقافية. وفي إطار هذه التغيرات بدأت المدرسة تفقد كثيرا من ت ألقها وحيويتها، على مستوى الأدوار والوظائف التي تؤديها داخل اتمع .

وتتمثل إحدى وجوه الأزمة التربوية المعاصرة في أن التربية تستهدف المستقبل بينما هي مصممة على أساس الماضي وهنا تبرز مفارقة
التضارب بين الماضي الذي تقوم عليه وبين المستقبل الذي تعد له . لقد تحولت المدرسة في إطار التغيرات الجارية إلى متحف تاريخي يعيش فيه الأطفال والتلاميذ على إكراه منهم ٤. ويعبر مارشال ماك لوهان عن هذه الإشكالية بقوله " يبدو العالم الخارجي أكثر غنى وجمالا وتنوعا من عالم المدرسة، وذلك بما يشتمل عليه من أدوات اتصال وترفي ه كالراديو والتلفزيون والسينما وليس غريبا أن يقول الأطفال : إننا لا نريد أن نذهب إلى المدرسة لننسى ما تعلمناه خارجه ا"٥. فالتعليم يتم اليوم وبالدرجة الأولى خارج جدران المدرسة إذ تبين الدراسات الجارية أن الطفل يكسب في كل دقيقة يعيشها خارج المدرسة عشرة أ ضعاف ما يمكن له أن يتعلمه .داخل المدرسة ٦فالتربية المدرسية تكرس ما هو قائم و تترع إلى المحافظة، وهذا من شأنه أن يكرس الهوة العميقة التي تقوم بينها وبين اتمع، أو بين الحياة المدرسية والحياة الاجتماعي ة . لقد أشار دوركهايم إلى الترعة المحافظة للمدرسة حيث يقول : " إن التربية نزاعة إلى أن تستمر كما هي " وأكد

٤
هوغ دي جوفنيل : ماذا عن التربية للمستقبل، ي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مستقبل التربية وتربية ٢٦ تشرين -المستقبل، التقرير النهائي للحلقة الدراسية التي عقدها المعهد الدولي للتخطيط التربوي، باريس من ٢٣

.(
٢٧٨-الأول أكتوبر ١٩٧٨.(صص ٢٦٨.٥ انظر علي وطفة : علم الاجتماع التربوي، جامعة دمشق، مطبعة الاتحاد، دمشق ١٩٩٣.١٩٩٦ ،٦ علي وطفة : الإلكترونيات والاغتراب النفسي، مجلة الطيران المدني في السعودية، عدد ١٩

من جهة ثانية بأنه على البيداغوجيا
( علم التربية ) يمكن أن تساعد على انبثاق بعض ضروب التجديد .٧يقول عبد الله عبد الدايم في هذا السياق : " لقد أصبح العمل التربوي في المدر س ة نسق من الجهود المنظمة التي تستهدف خنق قابليات الإنسان بدلا من خلقها، وإفقار قوى الإبداع اللازمة ." للمجتمع بدلا من تغذيتها وإغنائها٨ويمكن لنا في هذا السياق أن نحدد الجوانب الأساسية للأزمة التربوية المعاصرة :
-
غياب الصلة العميقة بين مناهج المدرسة وبين التجربة الحياتية للأطفال والناشئة، فالمدرسة كما

.
يقال تشغل نفسها اليوم أكثر مما يجب في تعليم الصيادين مهارات السير على الأقدام٩- ينطلق العمل المدرسي من مبدأ حشو الذاكرة والاستظهار ويسجل غياب ملحوظا لمبدأ التغذية الراجعة والعمل على بناء الفكر النقدي الفاعل عند التلاميذ.

٣
- تعاني العلاقات المدرسية من إكراه العلاقات البيروقراطية وانحسار التفاعل التربوي بين المعلمين والتلاميذ والطلاب والإدارة، كما تعاني من غياب عنصر المبادرة و مبدأ المسؤولية في العمل التربوي.

٤
- لم تستطع المدرسة احتواء معطيات التطور التكنولوجي المتدفق، وما زالت هذه المعطيات بعيدة عن متناول حركتها ونشاطها.

ويشكل البعد الزمني لعملية إنتاج المعرفة الإنسانية وتوزيعها الخلفية الأساسية للأزمة التربوية في العالم المعاصر
. ويتمثل هذا في الإيقاع المتسارع لإنتاج المعرفة العلمية وتطور ها. لقد بدأت عملية

٧
غي أفانزيني، الجمود والتجديد في التربية المدرسية، ترجمة عبد الله عبد الدايم، دار العلم للملايين، بيروت، . (٣٤٠)١٩٨١٨ عبد الله عبد الدايم، من التسيير الذاتي للمجتمع إلى التسيير الذاتي للمدرسة، المعلم العربي، السنة السادسة

.(
٩)والعشرون، العدد الخامس، أيار، ١٩٧٣٩ هارولد لنستون :مستقبل التربية نظرة عالمية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مستقبل التربية وتربية ٢٦ تشرين -المستقبل، التقرير النهائي للحلقة الدراسية التي عقدها المعهد الدولي للتخطيط الت ربوي، باريس من ٢٣ .(٢٩٤-الأول أكتوبر ١٩٧٨.(صص ٢٧٩

إنتاج المعرفة تأخذ سمة التقادم والفورية والزوالية والتنوع على حد تعبير آلان توفلر
(١٠)، وهذا يشير إلى تعاظم أهمية الثورات المعرفية الإنسانية التي تتضاعف كل سبع سنوات تقريبا حسب التقديرات الإحصائية الجارية . كانت المدرسة في الماضي تشكل مسرح ا تتجدد على خشبته المعرفة الإنسانية، وكانت ينبوعا للعطاء العلمي المتجدد، وكان الناس يأتون إليها لينهلوا الجديد والمتجدد من هذه المعرفة العلمية. أما اليوم فإن المعرفة الإنسانية بدأت تأخذ طابعا مؤسسيا مختلفا تماما : فآلاف المؤسسا ت الصناعية والإنتاجية والتجار ي ة تنتج المعرفة اليوم، وتعمل في الوقت نفسه على نشرها إعلاميا وتجاريا بعيدا عن أجواء المدرسة الرتيبة . وجميعنا يعرف اليوم على سبيل المثال أن محلا تجاريا مصغرا يتاجر بالبرامج الخاصة بالحاسوب يمكنه أن ينشر المعرفة التكنولوجية في مجال الحاسوب أكثر بعشرات المرات من المدرسة . ففي مثل هذا المتجر نجد الجديد المتجدد في كل لحظة ، وما أن يغيب المرء يوما أو أكثر ويعود حتى يجد عند البائع نفسه معلومات جديدة وبرامج جديدة . ولو انتظرنا المدرسة لتعمل على نشر هذه المعرفة لاحتجنا إلى زمن طويل جدا.

ومن أجل تحديد جوهر الأزمة العا لم ية التربوية يمكن لنا إيراد هذه النقاط التي تبين لنا الحدود الفاصلة في العلاقة بين اتمع والمدرسة في مجال المعرفة العلمية
:

لم تعد المدرسة المنتج الوحيد للمعرفة كما كان الحال سابقا حيث ظهرت آلاف المؤسسات العلمية والتجارية المنتجة للمعرفة والموزعة لها.

لم تعد المدرسة هي التي تنشر المعرفة وحدها فالمؤسسات السابقة تعمل على نشرها بسرعة مذهلة من خلال وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي والمؤسسات التدريبية التابعة لها ومن هنا يقال لقد ولى زمن التمدرس .

المعرفة تتطور بإيقاعات مذهلة مما يجعل المدرسة بأساليبها التقليدية عاجزة عن مواكبة تطور هذه المعرفة إنتاجا وتوزيعا .

وإزاء هذه الإشكالية بدأت المدرسة تلعب دورا سلبيا في قضايا التثقيف والمعرفة، فهي، بدلا من أن تعمل على تقديم المعرفة الجديدة والمستجدة إلى الطلاب والتلاميذ، تحاصر الطلاب والتلاميذ بمناهجها وأساليبها القديمة وتحرمهم من التواصل مع المعرفة والحياة الاجتماعية التي تتصف بغناها وتجارا
. لقد تحولت المدرسة إلى سجن كبير يحرم الطلاب من غنى الحياة الاجتماعية والمعرفية الذي يتألق

.
١٠ آلفين توفلر: صدمة المستقبل أو المتغيرات في عالم الغد، ترجمة محمد علي ناصيف. ضة مصر، القاهرة ١٩٩٠

ويزدهر خارج جدرا ا
. وهنا يقول بعض الأطفال احتجاجا على هذا الواقع : إننا نأتي إلى المدرسة

.
(لننسى ما تعلمناه خارجها (١١لقد أصبحت المدرسة وبحكم التطور المذهل للمعرفة والتكنولوجيا خارج اتمع وغير قادرة على مواكبته، لا بل أصبحت المدرسة تحت تأثير هذا التطور مؤسسة تناهض تيار الحياة الاجتماعية بحكم رتابتها في بناء المعرفة، وعدم قدرا على م واكبة الزمن . وبعبارة أخرى يمكن القول أن دورة المعرفة، إنتاجا وانتشارا وتوزيعا، أصبحت اليوم تتم خارج جدران المدرسة وتلك هي خلاصة الأزمة التربوية للمدرسة المعاصرة وللأنظمة التربية العالمية الراهنة.

وتكمن إحدى أهم صيغ الأزمة التربوية للمدرسة في أن المدرسة م عنية بأداء وظيفتين متناقضتين في الجوهر وظيفة المحافظة من جهة ووظيفة التجديد من جهة ثاني ة
. إذ يترتب على المدرسة القيام بوظيفة المحافظة على القيم وعلى تدجين روادها وفقا لمعايير أيديولوجية سائدة في اتمع من جهة، كما يترتب عليها في ظل التموجات التكنولوجية أن تواكب الجديد والمتجدد في عالم التكنولوجيا والثقافة والقيم من جهة أخرى . ومن هنا تنشأ إحدى كبريات الأزمة التربوية في العالم إذ كيف تستطيع المدرسة أن توفق بين هذين الاتجاهين في المتناقضين وظيفيا في إطار العملية التربوية.

وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول إن إص لاح المدرسة والأنظمة التعليمية القائمة يمكن أ ن يتم من خلال تحقيق الدمج الوظيفي والمعرفي والاجتماعي بين المدرسة واتمع ، ومن خلال هدم الحواجز التي تقوم بين الطرفين، وإعطاء المدرسة دورا أكثر أهمية وتسارعا في نشر المعرفة وانتاجها وإعداد الكفاءات العلمية في ميادين الحياة المختلفة
.

ملامح الأزمة العالمية للتربية والتعليم
:

تعيش أغلب الأنظمة التعليمية العالمية، إن لم يكن جميعها، أزمة تربوية ذات طابع شمو لي ، ومن منطلق هذه الأزمة، وفي مواجهتها، تضع الأمم، المتقدمة والنامية منها، أنظمتها التعليمية موضع النقد حيث تدور التساؤلات حول
: هويتها الثقافية، وجدواها الحضارية، والمشروعية التاريخية لوجودها، ومدى قدرا على تلبية احتياجات العصر وتجسيد طموحات الإنسان والشعوب في عصر أصبح قانونه الوحيد الثابت هو : التغير الدائم ! وفي سياق ذلك كله تبذل هذه الأمم مساعيها من

.
١١ علي وطفة : علم الاجتماع التربوي، جامعة دمشق، مطابع الاتحاد، دمشق، ١٩٩١

أجل إعادة بناء أنظمتها التربوية بصورة مستمرة ودائمة تنسجم مع تطلعاا المستقبلية في العصور القادمة
.

ومن هذا المنطلق تشهد الساحة الفكرية اليوم، وكما كان الحال في الأمس، ميلاد نظريات عديدة، تبحث في ماهية الأنظمة التعليمية، وفي وظيفتها وجدواها، وفي إمكانية تطوير ها، لتلحق بركب الحضارة الإنسانية المتسارعة
. وفي هذا السياق يرى عدد كبير من المفكرين أن المدرسة وجدت في عصور سابقة لتلبي حاجات اقتصادية واجتماعية اقتضتها طبيعة التطور في اتمع الصناعي الأول، حيث وظفت المدرسة في مجال تأهيل الطبقة العاملة والإداريين والاختص اصين بما ينسجم مع حاجة اتمع ومتطلباته . ولذلك فإن مناهج المدرسة وأساليب عملها وقيمها اليوم تجسد مرحلة ماضوية من مراحل تطور اتمع الإنساني يتمثل في اتمع الصناعي الأول مجتمع الإنتاج الكبير . فالمدرسة موروث من الماضي، وهي في هذا السياق تعمل على بناء الإ نسان وفقا لروح الماضي ومنطق اتمعات الصناعية الأولى . وإذا كانت الحضارة الإنسانية قد تجاوزت مرحلة اتمع الصناعي الأول بمؤسساته فإﻧﻬا تطرح اليوم مسألة مدى مشروعية المدرسة بأشكالها الحالية ومدى قدرا على المشاركة في ﻧﻬضة اتمعات الإنسانية وتطلعاا المستقبلية.

وتأسيسا على ذلك ظهرت مجموعة من النظريات والكتابات التي ترى بأن المدرسة فقدت مشروعية وجودها في عصر تجاوز حدود المعطيات التي أدت إلى ولادا
. ومن أبرز هذه الكتابات يشار إلى كتاب وكتاب بودلو ؛ Une societe sans école ١٢ مجتمع من غير مدرسةIvan Illich إيفان إليتش ،L’école Capitaliste en France ١٣المدرسة الرأسمالية في فرنساBaudelot et Establet واستابليه١٤؛ وكتاب La Reproduction إعادة الإنتاج Bourdieu et Passeron وكتاب بورديو وباسرون١٥ وعلى هذا .L’Inegalité des chances تكافؤ الفرص التعليمية Pierre Boudon بيير بودونالأساس ظهر جيل جديد من الكتاب والمفكرين يدعو إلى إعادة النظر في المدرسة وفي بنيتها على أساس من معطيات حضارية جديدة.

١٢
Illiche Ivan, Une societe sans ecole, Seuil, Paris, 1971.

١٣
Baudelot (C.) et Establet (R.), L'ecole capitaliste en France, Paris, Maspero,(1971).

١٤
Bourdieu.(p.) et Passeron (J. C.), La reproduction, Paris.Minuit, 1970.

١٥
David Cooper: Mort de la Famille , Point , Paris , 1972.

صورة الأزمة التربوية في العالم العربي
:

يقتضي المنهج الشمولي أن ننظر في النظام التعليمي العربي في سياقه العالمي، وفي ضوء الإشك اليات والتحديات التي يواجهها التعليم، في بلدان العالم المتقدم والنامي
. ومن ينظر في الأنظمة التعليمية في البلدان المتقدمة يشهد صورة أزمة قوامها عدد كبير من الإشكاليات والتحديات التي تواجه مسيرة هذه الأنظمة ودد وجوده ا . وتصبح هذه الصورة قاتمة أكثر كلما اتج هنا من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، أو كما يقال اليوم من بلدان الشمال إلى بلدان الجنوب.

إذا كان التعليم في البلدان المتقدمة يعاني من أزمة حقيقية فإن هذه الأزمة تأخذ أبعادا مأساوية مترامية الأطراف في البلدان النامية ولا سيما في البلدان العربية
. فالأنظمة التربوية في اتمعات المتقدمة تتصدى اليوم لمشكلات ما بعد الحضارة الصناعية، ولكنها ما زالت في البلدان النامية تعاني من مشكلات سابقة للحضارة الصناعية الأولى . وإذا كانت مشكلات المستقبل والمستقبل البعيد جدا هي هاجس البلدان المتقدمة، فإن مشكلات الماض ي والماضي البعيد ما زالت تشكل محور اهتمام الشعوب في البلدان العربية . ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الأزمة التربوية في البلدان العربية هي أزمة تتميز بالدقة والخصوصية. فالتعليم في الوطن العربي لم يصل إلى المستوى الذي يمكنه فيه أن يعد أناسا من أجل الحاضر، أو م ن أجل المستقبل البعيد، وذلك لأن الأنظمة التربوية في هذا الوطن ما زالت تستمد نسغ وجودها وأنظمتها من قلب الماضي وما زال الماضي يشكل محور اهتمامها .

وفي معرض المقارنة بين إشكالية التربية في العالم المتقدم وهذه في العالم النامي يتبدى تباين نوعي صارخ بين مضام ين واتجاهات ووظائف ومحددات هذين النظامين حيث يمكن الإشارة إلى الفروق التالية
:

بيان مقارن بين مضامين واتجاهات
الأنظمة التعليمية في البلدان المتقدمة والنامية
اتجاه التربية والتعليم
في البلدان النامية
اتجاه التربية والتعليم
في البلدان المتقدمة
التأكيد على خبرات الماضي في مضمون التعليم ومقرراته
١
التأكيد على الاتجاهات المستقبلية البعيدة المدى في مضمون التعليم
غياب منهجية التخطيط الاستراتيجي وربط التربية بالتنمية الشاملة
٢
حضور منهجية التخطيط الشامل وربط التربية بخطط والتنمية الاجتماعية الشاملة
تعليم يعمل على بناء الذاكرة ويركز على مبدأ الحفظ والاستظهار
.

٣
تعليم يتجه إلى بناء العقل والتفكير المنطقي ويمكن من اكتساب المهارات العقلية العليا
تعليم نظري بالدرجة الأولى وتغيب فيه إمكانية التعامل مع التجربة
٤
تعليم تجريبي ويعمل على بناء عقل تجريبي يمتلك القدرة على بناء التجربة وتوظيفها
نظام جامد وغير مرن لا يربط بين مضمون التعليم واحتياجات اتمع
٥
نظام مرن وقابل للتغيير وفقا لاحتياجات اتمع وتطلعاته
تعليم لا تتحقق فيه الفرص التعليمية المتساوية لجميع الملتحقين
٦
تعليم ديمقراطي تتسع فيه دائرة ديمقراطية التعليم وإلزاميته
تتم صياغة أهدافه ومنطلقاته من قبل النخبة والسلطة السياسية
٧
يشارك اتمع بمختلف فئاته في صياغة أهدافه ومنطلقاته
يعتمد على التلقين والتوجيه المباشر وقلة المشاركة وإبداء الرأي
٨
يقوم على تكوين التفكير العقلاني من خلال المناقشة والحوار المباشر والمشاركة
يفصل بين التعليم النظامي والتعليم المهني ويفصل بين المعرفة النظرية والعملية
٩
يواصل بين التعليم المهني والتعليم النظامي ويوائم بين المعرفة النظرية والعملية
وهنا يتبين لنا إلى أي حد يترتب على الدول النامية أن تبذل جهودا مضاعفة من أجل إصلاح أنظمتها التعليمية، لأﻧﻬا مطالبة اليوم بتجاوز المسافات الشاسعة التي قطعتها الأنظمة التربوية المتقدمة
. وفي هذا السياق يمكن القول أن أغلب الأنظمة التربوية في البلدان النامية هي أقرب إلى الأنظمة التربوية التي كانت سائدة في منتصف القرن التاسع عشر . ومن هذا المن ط لق يجب على الدول النامية أن تبذل طاقات هائلة في ميدان إصلاح التعليم وتطويره . وإذا كان يترتب على البلدان المتقدمة أن تضاعف جهودها لبناء أنظمتها التعليمية فإن على الدول النامية أن تبذل أضعافا مضاعفة من الجهود في سبيل تجاوز مواطن الضعف والقصور في أنظمتها التعليمية والتربوية.

حركات الإصلاح العالمية في مجال التربية والتعليم
:

شهد القرن التاسع عشر، ولا سيما في النصف الثاني منه، حركات إصلاح واسعة في مجال التربية والتعليم
. لقد أثار إطلاق الاتحاد السوفييتي لقمره الصناعي الأول سبوتنيك عام ١٩٥٧ قلق البلدان الغربية، و لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ، التي بدأت نشاطا نقديا واسعا للبحث عن مواطن الضعف في أنظمتها التعليمية والتربوية، مفترضة أن النظام التعليمي في الاتحاد السوفييتي، يمتلك جوانب قوة خاصة أتاحت له مثل هذا التطور . وعلى أثر ذلك نشطت عمليات التجسس العلمي والتر بوي بين الدول الكبرى وشكلت هذه المحاولات التجسسية التربوية أساسا لنشوء وتطور علم تربوي يدعى التربية المقارنة الذي يعد اليوم من أكثر العلوم التربوية أهمية وخطورة في مجال التربية والتعليم.

ومن أهم المبادرات الإصلاحية التي عرفها القرن الماضي هي الإصلاحات الت ربوية التي عرفتها اليابان في عصر ميجي في عام ١٨٧٠
. ومن الأهمية بمكان الإشارة بأن ميجي هذا قد أرسل بعثة لدراسة النظام التعليمي في مصر في عهد محمد علي في عام ١٨٨٢، أي بعد عامين من قيام ثورته، حيث كان التعليم العالي قد بدأ في مصر منذ ١٨٣٠، أي قبل أربعين عاما حيث كانت اليابان تعيش في عصر الظلام . وبعد عشر سنوات، استطاعت اليابان أن تعمم التعليم الابتدائي ليشمل كل الأطفال في عمر الدخول إلى المدرسة الابتدائية، وهذا هو الأمر الذي لم نستطع نحن أن ننفذه بعد أكثر من ١٢٠

.
سنة من قدوم البعثة اليابانية إلى مصر ١٦عام 1984)، في الولايات المتحدة A Nation at Risk) لقد شكل ظهور كتاب أمة في خطرالأمريكية، منطلق صحوة علمية تربوية في أمريكا، امتد صداها إلى مختلف بلدان العالم 17. لقد تحسست السياسة التربوية في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مستمر ودائم خطورة وأهمية العملية التربوية في بناء الإنسان، وفي الحفاظ على موقع الولايات الأمريكية المتميز في سلم الحضارة الإنسانية . ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان التي تعد من أهم المبادرات الحديثة للأنظمة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي دعا بم وجبها إلى تشكيل لجنة رئاسية عالية المستوى لإعادة النظر في الاستراتيجيات والسياسات التربوية الكفيلة بتطوير النظام التربوي في الولايات المتحدة، وذلك من أجل المحافظة على موقع أمريكا المتميز في صدارة الحضارة الإنسانية المعاصرة . وقد أحدث تقرير هذه اللجنة هزة في الرأي العام الأمريكي . وانطلاقا من ذلك انبرت مؤسسات اتمع الأمريكي لتقصي مواطن الضعف في النظام التعليمي الذي يشكل منطلق قوة أمريكا ونفوذها.

ومن ثم تلاحقت المبادرات العالمية في اليابان وأوروبا والهند وإسرائيل وبلدان أخرى على منوال ما حدث في الولايات الم تحدة الأمريكية لتقصي جوانب الضعف والقوة في أنظمتها التعليمية
. ومن أجل هذه الغاية خصص رؤساء دول السوق الأوروبية المشتركة اجتماع قمة منفردة في عام ١٩٨٦، عرفت باسم يوريكا، لدراسة مخاطر التلكؤ العلمي والتكنولوجي على دولهم، وبحثوا في أهمية إيجاد الوسائل الكفيلة بمجاة هذه التحديات والمخاطر، وكان التعليم أحد أهم هذه القضايا التي طرحت في هذه القمة.

.
١٦ نادر فرجاني : مجتمعاتنا نسخ مشوهة للمجتمعات الغربية، الباحث العربي، يناير (كانون الثاني ) ١٩٩٧١٧ مكتب التربية العربي لدول الخليج : الإصلاح التربوي في الولايات المتحدة الأمريكية، مطبعة مكتب التربي ة العربي .لدول الخليج، الرياض ١٩٨٨

وقد عرفت الولايات المتحدة الأمريكية أهم حركة إصلاح تربوي في عام ١٩٨٩ حيث عقدت قمة رئاسية حول أوضاع التعليم، حضرها وشارك فيها الرئيس الأمريكي جورج بوش في الفترة الواقعة بي ٢٨ سبتمبر
(أيلول)، في مدينة تشارلوتزفيل في ولاية فرجينا، وأطلق على هذه القمة قمة الرئيس -٢٧ وحكام الولايات للتربي ة . وصدر لاحقا على أساس هذه القمة بيانا في ١٨ نيسان ( إبريل) عام ١٩٩١وثيقة بعنوان : أمريكا عام ٢٠٠٠ استراتيجية للتربي ة تضمنت ملامح ح ر كة إصلاح تربوي شاملة تعد

.
أمريكا لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين ١٨ومع ذلك كله يقال : إن العرب لم يأخذوا تحديات القرن القادم أو التحديات المعاصرة إلى الآن على محمل الجد ، ولم يأخذ أغلب صانعو القرار في هذا الوطن، أن التعليم يشكل الخط الأول في مواجهة التحديات المستقبلية . فالسياسيون العرب لا يستجيبون كفاية لنداءات المربين وخبراء التعليم في الوطن العربي، إجراء الإصلاحات التربوية الضرورية والمشاركة في بناء القرار التربوي لأن اتخاذه مهمة اجتماعية متكاملة وهو أخطر من أن يترك للتربويين وحدهم مثلما أن الحرب أخطر من أن .تترك للعسكريين وحدهم١٩واقع التعليم العربي وإشكالياته المعاصرة :

بعيدا عن الخوض في إحصاءات جامدة تمل لها القلوب، ودون أن نستغرق في وصف أدبي تعافه العقول، نقول بأن التعليم في الوطن العربي يعاني من صعوبات تربوية حقيقية وشأنه في ذلك شأن أغلب الأ نظمة التربوية في بلدان العالم
. فهناك إشكاليات تتعلق بالأهداف، والمعلمين، والمناهج، والبناء المدرسي، والإدارة ومستوى الطلاب . وتلك هي النتائج التي تؤكدها أغلب الدراسات والبحوث الجارية حول التعليم في الوطن العربي.

الوطن العربي بأقطاره المختلفة يواجه تحديات تا ريخية ومصيرية كبرى، ويشكل التحدي التربوي واحدا من التحديات التي تقع في قلب التحديات الكبرى للوطن العربي
. فالتعليم العربي على حد تعبير أحد الباحثين " يواجه العديد من المعضلات التي عطلته عن القيام بدوره الطبيعي في بناء اتمع وأدت

١٨
عزت عبد الموجود : أمريكا عام ٢٠٠٠ استراتيجية للتربية، مركز البحوث التربوية في جامعة قطر، الدوحة .(١٩٩٢. (ص:١٩.١٩ المعهد العربي للتخطيط وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين " الكارثة والأمل "، مرجع سابق ص: ٤ ١٩

إلى تخلفه
٢٠. هذا وتشير ال د راسات الجارية في ميدان التربية والتعليم إلى عدد كبير من المشكلات التي :يعاني منها التعليم نذكر منها٢١١.غياب ديمقراطية التعليم .

٢
.ضعف توزيع الخدمات التعليمية وتركزها في مناطق الندرة السكانية وتقلصها في المناطق المكتظة.

٣
.افتقار التخطيط إلى الدراسات والبحوث ا لمستقبلية حيث لا تقوم إدارة البحوث العربية بأداء وظيفته الأساسية وهي البحث والاستقصاء في الواقع التربوي.

٤
.ضعف مستوى خريجي النظام التعليمي بصورة عامة ولا سيما في مجال الرياضيات واللغة العربية ، وهو ضعف يعود، بالدرجة الأولى ، إلى ضعف المناهج والمستوى التعلي مي وطرق التدريس في مختلف

.
المراحل التعليمية ٢٢٥.ازدحام الصفوف بالطلاب في أغلب المدارس المدارس العربية.

٦
.ضعف مستوى إعداد المعلمين وانخفاض مستوى تأهيلهم العلمي .

٧
.جمود المناهج وأساليب التدريس وضعف بنية العلاقات التفاعلية بين أطراف العملية التربوية .
.
٨.تدني مستوى الكتاب المدرسي ونقص التجهيزات المدرسية ونقص المكتبات٢٣وفي هذا السياق يمكن لنا القول أن الدراسات التي أجريت حول التعليم في الوطن العربي، رغم أهميتها وتعددها، لم تغط جوانب هامة في بنية النظام، فهناك نقص كبير في الدراسات التي تبحث الجوانب التربوية في التع ليم المدرسي، وهناك ربما غياب للدراسات التي تباشر مسألة العلاقة بين المؤسسات التربوية، وغياب تقريبي أيضا للدراسات التي تتناول مسألة البنية الداخلية للعلاقات التربوية في داخل المدرسة، وغياب للدراسات الجارية حول مسألة التكامل بين المدرسة والمؤسسات الدينية، والأسرة، وجماعة الأقران ونحن نفترض في المقابل أن كل علاقة بين مؤسسة وأخرى يطرح مشكلة تربوية تضيف إلى لون الأزمة عمقا.

الضرورة التاريخية للإصلاح التربوي في الوطن العربي
:

٢٠
علي عبد الله المناعي : من يعلق الجرس ؟ التربية التي نريد تربية مستقبلية، قطر، وثيقة غير منشورة . الدوحة، .(١٩٩٦ ( ص: ٩٢١ المرجع السابق.
.(
٢٢ المرجع السابق: (ص:١٢.٢٣ محمد منير مرسي : الإصلاح والتجديد التربوي في العصر الحديث، عالم الكتب، القاهرة، ١٩٩٢.ص٢٦٥

يشهد العالم اليوم تحولات سياسية واجتماعية بالغة الأهمية والخطورة، وهي تحولات تفرض نفسه ا تحديات جديدة في مواجهة التنمية في البلدان العربية
. وهذا بدوره يجعل من الإصلاح التربوي ضرورة تاريخية ملحة تملي على هذه الدول العمل المتواصل والتفاني في بناء أنظمتها التربوية في مواجهة التحديات المصيرية القائم ة . ومن أهم التحولات السياسية المعاصرة التي تأخذ في المدى البعيد صورة تحديات عالمية يمكن أن يشار إلى التحولات التالية:
.
قيام السوق الأوروبية المشتركة كخطوة نحو توحيد أوروبا وازدياد أهميته ككتلة اقتصادية في العالم٢٤سقوط الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى وانتهاء الحرب الباردة.

ظهور النمور الآسيوية كقوة اقتصادية هائلة: الصين، تايلاند، تايوان كوريا الجنوبية.

تنامي اليابان كقوة اقتصادية متزايدة في العالم.

اشتداد وطأة الصراع العسكري في الشرق الأوسط.

تسرب السلاح النووي إلى أماكن متعددة في العالم.

تفاقم حدة التضخم والركود في الدول الصناعية وتصديره إلى الدول النامية.

إقامة المزيد من العوائق أمام صادرات البلدان النامية. تزايد المديونية الخارجية للدول النامية.

عدم التزام الدول المتقدمة بتقديم قدر كاف من المعرفة المتفق عليها دوليا إلى الدول المحتاجة أثناء قيامها بعملية التنمية.

ازدياد موجة التقدم العلمي والتكنولوجي في الدول المتقدمة واحتكار هذه التكنولوجيا وعدم السماح بتصديرها إلى الخارج.

اتساع حجم النشاطات الخاصة بالشركات المتعددة الجنسية بالشكل الذي يؤثر سلبا على اتجاهات التنمية في البلدان النامية.

تمثل هذه التحولات نوعا من التحديات التي تض رب جذورها في العمق التربوي وفي مستوى النظام التعليمي
. ومن هذا المنطلق يترتب على النظام التعليمي أن يتحمل مسؤوليات جسام ترتبط برفع إمكانيات اتمع القيمية والعلمية لمواجهة التحديات الصارخة التي دد الوجود الحضاري والثقافي للأمم الضعيفة.

٢٤
محمد متولي نعيم ة : القيمة الاقتصادية للتعليم في الوطن العربي، الوضع الراهن واحتمالات المستقبل، الدار المصرية .اللبنانية، القاهرة، ١٩٩٦

وفي خضم هذه الأحد اث الجسام التي تشهدها الأمة العربية، تقتضي الضرورة التاريخية، في هذه المرحلة التاريخية الحرجة ، التي يتحول فيها المستقبل أمواجا عاتية تترنح لها سفن الحضارات الكبيرة، وز صدماا قلاع الوجود القيمي للإنسان المعاصر، أن يعمل أبناء هذه الأمة على تطوير أنظمته م التعليمية بما يناسب عصر ما فوق التصنيع وبما يجعل هذه الأمة قادرة على مواجهة صدمات الحضارة
. ومن أجل هذه الغاية يجب أن نبحث عن وسائلنا وأن نحدد غاياتنا في عمق المستقبل بدلا من .أن نبحث عنها في الماضي٢٥لكل مجتمع موقف فلسفي محدد من الماضي والحاضر والمستقبل ، وأغلب اتمعات المعاصرة تعطي اليوم للمستقبل أهمية كبيرة متنامية، وعلى خلاف هذا كله ما زال الماضي يحتل أهمية كبيرة في حياة اتمعات العربية ففي هذه اتمعات يزحف الماضي إلى الحاضر ويعيد نفسه في المستقبل . ولا بد لنا من أجل أن نلحق بالأمم المتقدمة أن نعيد بناء موقفنا من الزمن حيث يجب أن نرسم موقفا جديدا من الزمن يعطي للحاضر أهميته وللمستقبل ضرورت ه ويشكل مثل هذا الموقف الجديد من الزمن ضرورة إصلاحية تاريخية في مختلف اتجاهات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا سيما في مجال التربية والتعليم.

لقد بقي الإصلاح التربوي في الوطن العربي بعيدا عن مقاربة مفهوم الزمن وبقي يمثل محاولات متفرقة جزئية لا تمس جوهر العملية التعليمية السائدة
. وبقيت هذه المحاولات نوعا من المبادرات .التي تخشى الهدم حتى لو كان من أجل إقامة بناء راسخ متين٢٦ إن السبب الأساسي في قصور مح اولات الإصلاح التربوي في البلاد العربية، أو التردد في تبني الاستراتيجيات الإصلاحية بصورا الشمولية يكمن في أن النظام التربوي نظام فرعي من نظام كلي شامل هو النظام الاجتماعي الاقتصادي السائد ٢٧. ونتيجة للنظرة الجزئية في سياسة الإصلاح نجد أن

.
٢٥ آلفين توفلر: صدمة المستقبل أو المتغيرات في عالم الغد، ترجمة محمد علي ناصيف. ضة مصر، القاهرة ١٩٩٠٢٦ محمد متولي نعيم ة : القيمة الاقتصادية للتعليم في الوطن العربي، الوضع الراهن واحتمالات المستقبل، الدار المصرية

.(
اللبنانية، القاهرة، ١٩٩٦.(ص:٢٠٥.(٢٧ المرجع السابق (ص:٢٠٦

جهود أساتذة الجا م عة والباحثين والمناهج والكتب الدراسية وأساليب التدريس المعدلة تخرج للمجتمع
.دون جدوى٢٨تحديات الإصلاح التربوي العربي :

يواجه الإصلاح التربوي العربي عددا كبيرا من التحديات التي تثقل خطواته وتشل قدرته على الانطلاق
. فالوطن العربي يعاني من التاءات الثلاثة : التبعية والتجزئة والتخلف وهو الثالوث الذي يشكل قدر هذه الأمة في المرحلة الراهنة ويعيق حركة نمائها ويجعل من حركة وضها وتطورها محفوفا بالخطر . ومن هذا المنطلق الشمولي يمكن القول أن الإصلاح يجري في سياق تاريخي بالغ الصعوبة والتعقيد، وبالتالي يمكننا في قلب هذ ه الرؤية الشمولية يمكن أن نميز حالات مجهرية تتمثل في منظومة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القيمية . وهذه التحديات تمثل في الوقت نفسه منطلقات للعمل الإصلاحي في مجال التربية والتعليم وفي االات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة . ولا بد لنا من القول في هذا السياق : إن الإصلاح التربوي العربي، لا يمكن أن يتحقق فعليا، وأن يصل إلى غاياته، إلا في موكب من الإصلاحات الاجتماعية الشاملة، التي يجب أن تتم في ميدان الإدارة والاقتصاد والحياة السياسية والاجتماعية في مختلف تجلياا وإسقاطاا . وهذا يع ني بالضرورة أن الإصلاح التربوي لن يتم بصورته الطبيعية ما لم يتم في إطار رؤية شمولية للواقع السياسي والاجتماعي برمته .

على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الدول العربية سياسيا وتربويا واجتماعيا، ما زال النظام لأغلب التعليمي يراوح في مكانه، وما زالت الصع وبات تمنعه من الانطلاق، والتحرر من أثقاله التاريخي ة
. والسؤال الكبير لماذا لم يستطع التعليم أن ينهض رغم هذه الجهود الكبيرة التي بذلت في مختلف المستويات ؟ والإجابة عن هذا السؤال الكبير ليست بالأمر اليسير . وقبل أن نرسم الإجابة حول هذا التساؤل الكبير لا بد لنا من استعراض بعض الأسباب والعوامل الأساسية التي تؤدي إلى إخفاق برامج الإصلاح التربوي أو نجاحها .

أولا
: تحديات اقتصادية :

.(
٢٨ المرجع السابق ( ص:٢٠٧

يدخل الواقع الاقتصادي العربي بصعوباته وإشكالياته في قلب الأزمة التربوية ويشكل في الوقت نفسه جزءا من بنيته ا
. وتنسحب هذه الحالة على أغلب بلدان الوطن العربي حتى البلدان العربية النفطية التي بدأت تعاني، في الآونة الأخيرة، من عجز في الموازنة العامة . هذا وتبين المتابعات الخاصة بالإصلاحات التربوية أن بعض البلدان العربية النفطية أجلت كثيرا من مشاريعها التربوية بانتظار تحسن الواقع الاقتصادي، وتحس ن الموازنات العام ة . وإذا كان هذا هو لسان الحال في البلدان العربية النفطية فإن الواقع يأخذ طابعا مأساويا في البلدان العربية التقليدية التي ترزح تحت ديون كبيرة متراكمة وتعاني إلى حد كبير من شلل اقتصادي شامل ينعكس على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة.

ومن الطبيعي جدا أن ينعكس هذا الواقع الاقتصادي عل إمكانيات الإصلاح التربوي
. فالأسباب الاقتصادية توجد في بنية الأسباب التي أعاقت حركة الإصلاحات التربوية، في الوطن العربي حيث بقيت أغلب المشاريع والخطط التربوية العربية معلقة بسبب التحديات الاقتصادية ال تي تجعل أغلب المحاولات الإصلاحية حبرا على ورق .

ثانيا
: تحديات علمية :

ينطلق الإصلاح التربوي من واقع الدراسات والأبحاث الجارية حول النظام التعليمي القائم
. فالدراسات الجارية هي التي تحدد مواطن القوة والضعف والقصور في النظام التعليمي، وهي التي تبين الصعوبات والتحديات التي تعيق ﻧﻬضة التعليم وتطوره . وهي بالتالي التي تشكل قاعدة الإصلاحات والمشاريع الإصلاحية الممكن ة . ويمكن تسجيل عدد كبير من الملاحظات التي تقلل من مشروعية الدراسات الجارية بوصفها المقدمات الأساسية للإصلاح التربوي ومنها :

-
لم تأخذ الدراسات الجار ية طابعا شمولي ا بمعنى أﻧﻬا كانت دائما وأبدا تقتصر على دراسة جانب دون الآخر في النظام التعليمي، وهذا يضعف من شأن هذه الدراسات عندما تكون الغاية يئة اال لإصلاح تربوي شامل.
-
أغلب الدراسات التي أجريت بوحي من وزارات التربية والتعليم لم يأخذ طابعا منهجيا أكاديمي ا وبقيت هذه الدراسات أقرب التقارير منها إلى البحوث العلمية المتكاملة.

-
يلاحظ غياب التنسيق المطلوب بين الجامعات العربية ووزارات التربية في مجال إجراء البحوث والدراسات وهذا مما لا شك فيه ينعكس سلبا على وضعية التعليم وإمكانية التطوير والإصلاح.
-
قلما اتجهت هذه الدراسات إلى تناول العمق التربو ي للنظام التعليمي الذي يسجل غيابا نسبيا في الدراسات التي أجريت حول الأنظمة التربوية العربية . لا توجد دراسات كافية حول اتجاهات
التلاميذ وحاجام وصعوبام وتفاعلام في داخل المدرسة
. ومن هنا يمكن القول أن الاتجا ه نحو دراسة قضايا التعليم كان هو الغالب في أكثر الأحيان ومن هنا أيضا أهملت الجوانب التربوية التي تعد أساس أي إصلاح تربوي ممكن.

-
غياب نسق الأولويات في تحديد المشكلات : يضع الباحثون العرب غالبا نتائج أبحاثهم في سلة واحدة حيث تضيع الحدود الفاصلة بين التحديات الكبرى والمشكلات الصغير ة . فغالبا ما تخرج هذه الدراسات بمئات التوصيات التي لا تتباين في أهميتها . فرجال السياسة يعرفون اللغة الواضحة والمحدد ة وفي هذا السياق يتحركون وتولد لديهم القناعة في بناء ما يمكن بناؤه ويصلح ما يمكن إصلاحه . وباعتقادنا أن وضع الأشياء الم تباينة في كيس واحد يشكل واحدا من أهم المعوقات على طريق التطوير التربوي في الوطن العربي.

ثالثا
: تحديات في مستوى التخطيط التربوي :

يشكل التخطيط منطلق الإصلاح التربوي في العالم المتقدم، ومن يبحث في مضامين الجهود الإصلاحية، التي أشرنا إليها في البلدان المتق دمة، يجد أﻧﻬا تقوم على أساس التخطيط والتنظيم المتكامل
. وغني عن البيان أن التخطيط يضمن للنظام التعليمي القدرة على تحقيق التكامل والتوازن في مسار تطوره الدائم.

وفي هذا المستوى يمكن القول أن التخطيط للإصلاح التربوي في الوطن العربي يأخذ طابعا تراجيديا
. فأغلب الإصلاحات التربوية في الوطن العربي تأتي بصورة اعتباطية والأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا الميدان. ويمكننا أن نورد مثالا من جمهورية مصر العربية وهي إحدى أهم الدول العربية، وأكثرها عراقة في ميدان الإصلاح التربوي : يورد الدكتور محمد منير مرسي في كتابه الإصلاح والتجديد التربوي في العصر الحديث أن قرار خفض مدة الدراسة في المرحلة الابتدائية في مصر من ست سنوات إلى خمس في عام ١٩٨٩، جاء بناء على مجرد رأي استشاري من اليونسكو، قدم للسيد وزير التربية والتعليم في جمهورية مصر العربية . وهذا يعني غياب الحد الأدنى من التخطيط لعملية .الإصلاح في أحد أهم البلدان العربية ٢٩

.
٢٩ محمد منير مرسي :الاصلاح والتجديد التربوي في العصر الحديث، عالم الكتب، القاهرة، ١٩٩٢.ص ٢٥٤

ويمن أن نسوق أمثلة عديدة في مستوى الجمهورية العربية السورية التي يفتقر فيها الإصلاح التربوي إلى الحدود الدنيا أيضا من التخطيط والدراسات
. لقد اتخذ قرار في سوريا يعد من أهم القرارات المصيرية في تاريخ التربية والتع ليم في سورية قوامه، تحويل نسبة ٦٠% من الطلاب الناجحين في الشهادة الإعدادية إلى التعليم الفني والمهني، وعلى حدود علمنا لا توجد أية دراسات راهنة أو مستقبلية تبحث في نتائج مثل هذا القرار الخطير جدا، ونحن نعتقد ( ونتمنى أن نكون مخطئين في اعتقادنا هذ ا) أن هذا ا لقرار يعبر عن رأي فئة من العاملين في وزارة التربية الذين يثقون بقرارام إلى حد كبير، وفي كل الأحوال ما نستطيع أن نؤكده أن هذا القرار لم تشارك في دراسته كلية التربية في جامعة دمشق وهي المؤسسة التي ينتظم فيها الخبراء والمفكرون في مجال التربية.

وفي هذا ال س ياق يمكن الإشارة إلى مجموعة من التحديات في مستوى التخطيط والتي انعكست سلبا على طبيعة العمل التربوي في مسيرته التنموية خلال الفترة الماضية زمنها
:

-
آلية التخطيط ودينامينه : يأتي النشاط التخطيطي بتوجيهات الإدارات العليا غالبا، وهي صورة معكوسة لما يحدث عادة في البلدان المتقدم ة . فالمشاريع التخطيطية تطرح في المؤسسات الاجتماعية المعنية وفي برامج الأحزاب السياسية وتأخذ اتجاها صاعدا حيث تصل القضايا المعنية ناضجة إلى المستويات السياسية العليا، وعندها تتخذ القرارات السياسية المناسبة لإجراء الدراسات والأبحاث المطلوبة . وعلى خلاف هذا يتم التخطيط في البلدان النامية بصورة معكوسة فغالبا ما تأتي المبادرات من قبل القيادات السياسية العلي ا. وهذا ينعكس سلبا على نتائج النشاط التخطيطي ويؤدي إلى بناء خطط هزيلة غير قادرة على أداء الغاية التربوية المنشودة .

-
وجود نقص كبير جدا في الخ براء والخبرات الضرورية للتخطيط في المستوى التربو ي . وعلى حد علمنا لا يوجد عدد كاف من الخبراء المتخصصين في مجال التخطيط التربوي في المؤسسات التربوية المعنية.

-
غياب منهجية التخطيط التكاملي داخل النظام التربوي : وهذا يعني أن التخطيط التربوي يأخذ جوانب منفصلة من جوانب الحياة التربوية ويضع لها خططا بصورة منفصلة عن مجريات الحياة التربوية برمتها وبعيدا عن صيغة الأهداف التربوي ة . على سبيل المثال يلاحظ أن الخطط التربوية مثل خطط المخابر والبناء المدرسي غير متكاملة مع بعضها البعض، أو مع الجوانب الأخرى التي تتصل بالمعلم ين
والمناهج والتصورات المستقبلية إلى آخره
. فالمعنيين بالأمر يخططون لكل جانب من جوانب الحياة التعليمية بصورة منفصلة تماما عن الجوانب الأخرى.

-
غياب منهجية التخطيط التكاملي بين التربية وخطط التنمية : يلاحظ بصورة عامة غياب التنسيق بين التخطيط التربوي القائم و استراتيجيات التنمية التي تعتمدها الدولة في المستويات الاقتصادية والاجتماعية. وبصورة عامة يمكن القول إن أي عمل تخطيطي تربوي أو غيره لا يأخذ بعين الاعتبار الصيغة التكاملية سيطرح نفسه عبئا على عملية التنمية في المستقبل، وسيشكل في ﻧﻬاية الأمر نوعا من الهدر الاقتصادي .

-
تجاهل العلاقة بين المدرسة والمؤسسات التربوية الأخرى : يسعى الإصلاح التربوي إلى بناء المدرسة ويتجاهل أهمية المؤسسات التربوية الأخرى كالأسرة وجماعات الأقران والمساجد وهي مؤسسات تربوية لا تقل أهمية عن المدرسة في بناء الشخصية وبناء الإنسان . مما لا شك فيه أن المدرسة لا تعمل منفصلة عن الأسرة والمؤسسات التربوية الأخرى، ومع ذلك لا نجد في الإصلاحات التربوية ما يشير إلى الاهتمام بالصلة الحقيقية بين المدرسة والأسرة والمساجد.

-
عدم الاستفادة من التجارب العالمية الإصلاحية المعاصرة : تشكل التجارب التنموية العالمية في مجال التربية والتخطيط التربوي خزانا معرفيا ومنهجيا بالغ الأهمية في مجال التخطيط التربوي . ومع ذلك يبين الواقع أن نتائج هذه التجارب لم توظف بعد في خدمة التنمية والتخطيط في مجال التعليم بصورة .عامة في الوطن العربي.٣٠رابعا : تحديات ثقافية القيمية :

يرى عدد كبير من الكتاب الغربيين أن النمط الثقافي السائد في البلدان النامية يعيق عملية التنمية
. في هذا الخصوص : إن اتجاهات السكان في الدول النامية نحو الحياة Gunnar Myrdal يقول ميردالوالعمل تعتبر معوقا للتنمية ا تتميز ه من عدم احترام للنظام وانتشار الخرا فات والحاجة إلى اليقظة لم ب

.
٣٠ انظر: مكتب التربية العربي لدول الخليج: أمة في خطر، ترجمة يوسف عبد المعطي، ١٩٨٤وانظر أيض ا: البيت البيض : أمريكا عام ٢٠٠٠، استراتيجية للتربية، ١٩٩٠، ترجمة محمد عزت عبد الموجود، جامعة .قطر، مركز البحوث، الدوحة، ١٩٩٢

والتكيف والطموح والاستعداد للتغيير والتجريب واحتقار العمل اليدوي والخضوع للاستغلال
.وعدم الرغبة في التعاون وغير ذلك٣١تشكل التحديات الاجتماعية والثقافية للواقع الذي نعيش فيه منطلق الإصلاح التربوي، وفي نسق هذه التحديات يمكن تحديد الدور الذي يمكن للتربية أن تؤديه في عملية النهضة التنموية الشاملة ولا سيما في مجال التنمية الثقافية.

يجب أن ننطلق في تحقيق الإصلاح التربوي من رؤية شمولية تكاملية، ويعني ذلك أنه يتوجب علينا إذا أردنا إصلاح الأنظمة التربوية في ا ل وطن العربي أن ننطلق من صورة الحياة الواقعية ومن المتغيرات
.(
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتقانية والحضارية السائدة في اتمع (٣٢لقد بينت مختلف الاتجاهات الفكرية والتاريخية بأن النهضة الحضارية مرهونة بفعالية النظام القيمي في اتمعات الإنساني ة . ويشهد تاريخ الحضارات الإنسانية بأن النهوض الحضاري في مختلف تعرجات التاريخ ومنعطفاته، كان مرهونا بتحولات نوعية في أنظمة القيم الثقافية والاجتماعية السائدة . فالقيم هي نوابض الفعل الإنساني ومن غيرها لا يمكن للمجتمعات الإنسانية أن تسعى إلى أمجادها الحضارية.

تبين الدراسات الاجتماعية الجارية في الوطن العربي أن الثقافة العربية مشحونة بعدد كبير من القيم السلبية التي تشكل نسقا من التحديات التنموية الشاملة
. فالثقافة العربية تعاني من هجين قيمي يتمثل في احتقار العمل اليدوي، رفض عمل المرأة، سيطرة الانتماء القبلي والعائلي ، هيمنة قيم ااملة والواسطة، قيم المسايرة والطموح، حب المظاهر والتفاخر والإتكالية ٣٣. وتبين الدراسات الجارية أن الأسرة العربية بصورة عامة تعاني من غلاء المهور، والطلاق، وتعدد الزوجات، وضعف .الروابط الأسرية، وضيق فرص مشاركة المرأة في العمل وفي النشاطات الاجتماعية٣٤

.
٣١ يحي حسن درويش : الجوانب الاجتماعية للتنمية والتخطيط، معهد التخطيط القومي، القاهرة ١٩٨٨٣٢ علي عبد الله المناعي : من يعلق الجرس ؟ التربية التي نريد تربية مستقبلية، قطر، وثيقة غير منشورة . الدوحة، .١٩٩٦٣٣ عبد العزيز عبد الرحمن كمال & عبد الباسط محمد عب د المعطي & عبد العزيز عبد القادر المغيصب & أمينة علي كاظم & سبيكة محمد خالد الخاطر، كلثم علي غانم الغانم : دراسة تحليلية لبعض ظواهر اتمع القطري ومشكلاته الاجتماعية والنفسية في ضوء ما هو متاح من بحوث، جامعة قطر، من غير تاريخ ).
.
٣٤ المرجع السابق: ص ٣٦

ومن قلب هذه الإشكاليات القيمية يجب على التربية أن تنطلق، ومن هنا أيضا يجب على نسق الأهداف التربوية أن يتحدد لمواجهة هذه التحديات الثقافية والاجتماعية
. وهذا يعني أن المدرسة يجب أن تساهم بمناهجها وأدبياا وفعالياا لمعالجة هذه القضايا وبناء نسق ق يمي جديد يركز على أهمية العمل والتفاني في الدقة والاقتصاد والتوفير والمشاركة وغير ذلك من القيم التي ترتبط بالتنمية وتشكل شرطا أساسيا من شرطها . وباختصار يجب على الإصلاح التربوي أن ينطلق من أهمية إزاحة القيم السلبية لصالح قيم إيجابية تنموية قادرة على بناء ا لمخارج إلى الحضارة والتقد م . ويجب أن ينعكس هذا في الأهداف التربوية وفي مناهج التعليم بالضرورة.

منطلقات الإصلاح التربوي في الوطن العربي وأبعاده
:

تقدم بيانات اليونسكو صورة محزنة للتعليم العربي في البلدان الغنية والفقيرة منها
. فالتعليم العربي بمناهجه ومقدماته وفعالياته تعليم تقليدي، لا يمكنه أن يشكل منطلقا لبلدان تريد أن تنهض وأن تنمو وتتقدم ؛ وذلك لأنه تعليم ينطلق من الماضي ويتمحور حوله ولا يرتبط بالواقع أو يعبر عنه .

وإذا أردنا أن نرسم صورة مصغرة لإشكالية هذا التعليم وأزمته ن قول بأن إشكاليته تكمن في جدل الزمن والواقع والوظيفة والطموح
. فالتعليم في البلاد العربية يعيش زمنا غير زمنه، وهو لا يرتبط بواقع الحياة واتجاهاا، كما أن وظيفته ما زالت بعيدة عن تأدية دور واضح في إطار الحياة الاجتماعية والاقتصادية . ومن هنا يترتب النظر، ومن منطلق علمي، إلى واقع التعليم وإمكانيات إصلاحه من خلال الأبعاد التالية :

أولا
: البعد المستقبلي للإصلاح التربوي في البلدان العربية :

"
يتوقف مصير العرب في المستقبل على الكيفية التربوية التي سيعدون ا أبناءهم في القرن الحادي والعشرين . فالمستقبل هو حا ض ن الثورات المعرفية التي تتضاعف كل سبع سنوات تقريبا "

٣٥
. ومن هذا المنطلق فإن القدرة على تنظيم وتوظيف التدفق المعرفي الهائل الذي نشهده اليوم وسنشهده في الغد يعد المحك الأساسي للتقدم في القرن القادم . ومن هنا يترتب على الأنظمة العربية التربوية. ومن هذا المنطل ق يجب التخطيط لتربية عربية مستقبلية تعبر عن طموح العرب في عصر التحولات الحضارية القادم.

ثانيا
: بعد التخطيط العلمي المتكامل لجوانب الحياة التربوية : يشكل التخطيط العلمي التكاملي في داخل مكونات النظام التربوي ، وبين النظام التربوي وخطط التنمية الاجتماعية الشاملة ضرورة حيوية لبناء أنظمة تعليمية قادرة على خدمة مجتمعاا في تحقيق النهوض الحضاري الشامل . وغني عن البيان أن العفوية والاعتباط والارتجال في بناء الإصلاح التربوي يعد من أخطر ما يمكن للمجتمع أن يقع فيه . فالمشكلات والتحديات التي نواجهها اليوم هي نتائج قرارات خاطئة اتخذت في الزمن الماضي.

ثالثا
: البعد الواقعي والحياتي للتربية : لا يمكن للتربية أن تمارس دورها ووظيفتها ما لم ترتبط بالواقع وتعبر عنه، ومن هنا يجب هدم الحواجز التي تقوم بين المدرسة والتعليم والحياة . والغاية هي مدرسة للحياة وليس حياة للمدرس ة منفصلة عن الواقع وتجلياته . فمن الخطر كل الخطر أن تتحول المدرسة إلى متحف تاريخي يعيش فيه الأطفال على إكراه منهم. ٧رابعا : البعد الوظيفي للتربية والتعليم أو الموقف من الإنسان : ويتمثل هذا الجانب في إعداد أجيال قادرة على المشاركة في بناء الوطن والحضارة . ومن أجل هذه الغاية يجب على المدرسة العربية أن تعمل على بناء الإنسان المبدع المفكر الناقد الخلاق الواثق بنفسه المؤمن بوطنه وأمته . وأن تحرر روادها من قهر التبعية والسلبية والقصور والإحساس بالدونية .

ظلال استراتيجية تربوية لتحقيق الإصلاح التربوي في الوطن العربي
:

ولا بد لنا في اية الأمر من أن نركز على القضايا الاستراتيجية التالية التي يمكنها أن ترسم صورة متقدمة لإمكانيات تعليم عربي قادر وفاعل وهي
٣٥
ا لمعهد العربي للتخطيط وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين " الكارثة والأمل " التقرير التلخيصي لمشروع .٣٠- نيسان (أبريل ) ١٩٩٢-مستقبل التعليم في الوطن العربي " تحرير سعد الدين ابراهيم، القاهرة -١٨

١
- بناء قاعدة واسعة للتعليم من رياض الأطفال ودور الحضانة تعتمد أحدث المناهج في مجال تربية الأطفال وتعليمهم وإع دادهم للمستقبل ( ولا نستطيع في هذا السياق أن نفصل في أهمية رياض الأطفال ولكن يمكن القول أن أفضل الأنظمة التربوية هي هذه التي تبني الأطفال قبل مرحلة دخولهم إلى المدرسة الابتدائية ).

٢
-التأكيد على تدريس الرياضيات والعلوم التطبيقية في المدرسة وزيادة الحصص ا لم قررة للطلاب في مجال العلوم الدقيقة والتطبيقية . ( الأنظمة العالمية تتبارى في مدى تركيز أنظمتها وقدرا على تدريس الرياضيات والعلوم التطبيقية).

٣
- التركيز على التكنولوجيا في العمل التربوي من زاويتين : توظيف هذه التكنولوجيا في التعليم ( استخدام الحاسوب والتل ف زيون والأنترنيت كأداة تعليمية ) ومن ثم توظيف هذه التكنولوجيا موضوعا للتعليم من جهة أخرى، ويتمثل ذلك في مادة الحاسوب والأنترنيت وغير ذلك من المواد التكنولوجية المتاحة.

٤
- التأكيد على أهمية التنمية الثقافية والقيمي ة : إعادة توظيف مواد التربية الدينية واللغ ة العربية والتاريخ والفلسفة لتعزيز قيم : العمل، العلم، الطموح، الإنجاز، قيمة المهن، وغير ذلك من القيم التي تصب في مجال التعزيز الإيجابي للوجود الحضاري.

٥
- تبني أساليب ديمقراطية حرة في مجال العلاقات التربوية القائمة بين المعلمين والتلاميذ والإدارة وهذا بالض رورة يصب في مجال بناء العقل الحر المبدع، لأن الحرية هي المناخ الضروري للإبداع . ويتطلب ذلك بناء جيل من المعلمين يرفضون العلاقات التقليدية الأبوية في إطار الحياة المدرسية ويعملون على بناء علاقات إنسانية متكاملة بعيدة عن التسلط والإكراه التي تتنافى مع إمكانيات البناء التربوي.

٦
- التنسيق بين المدرسة والمؤسسات التربوية : كالأسرة والمساجد في العمل التربوي والعمل على تحقيق التواصل القيمي والحضاري بين هذه المؤسسات : يمكن للمساجد أن تسهم إلى جانب المدارس في التركيز على قيم العمل وطلب العلم والإنجاز والطموح بالدرجة ا لأولى وذلك تعزيزا لدور المدرسة في هذا السياق
٧
- هدم الهوة القائمة بين المدرسة والحياة الاجتماعية والاقتصادية : فتح محاور اتصال بين المدرسة وبين المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية المنتجة : مشاركة هذه المؤسسات في تدريب الطلاب وتأهيلهم
في بعض االا ت
. مشاركة أولياء الأمور في نشاطات العمل المدرس ي . ويقتضي هذا المبدأ إدخال المدرسة في اتمع وإدخال اتمع في فعاليات المدرسة.

٨
- العمل على تفادي الأساليب التربوية التقليدية ( طرق تدريس. الامتحانات، العلاقات التربوية داخل المؤسسات التعليمية ) التي تركز على الحفظ والا ستظهار والعمل بكل الأساليب الممكنة لجعل المدرسة مؤسسة تعتمد على مبدأ بناء العقل وتطوير إمكانيات الطلاب في تمثل العمليات العقلية المنطقية العالية في التحليل والتركيب والمناقشة والاستنتاج والاستدلال واعتماد مختلف الأساليب الممكنة في هذا اال.

خلاصة ورؤية إجمالية
: من الإصلاح إلى التجديد.

ينبئ بيان الواقع أن المصلحين العرب في مجال التربية والتعليم ما زالوا ينظرون إلى الإصلاح التربوي على أنه مجرد إصلاح في الكتب والدروس والبناء والمخابر
. أما الإصلاح الحقيق ي المطلوب في غمرة التحولات التاريخية الجدية فهو تعام ل حضاري مع متطلبات المرحلة التاريخي ة وسعي إلى بناء قدرة

.
الشعوب العربية على الدخول في التنافس الحضاري الثقافي مع الأمم والشعوب الأخرى ٣٦فتدفق الإصلاحات التربوية في الوطن العربي لم يؤت أكله، وبقي جزئيا وقاصرا وشكليا ، ولم يستطع أن يدخل في عمق القضية الحضارية الثقافية للوجود الحضاري . فما زالت السياسات التربوية القائمة في الوطن العربي سياسات ضبابية ، تجعل من القراءة في معانيها أشبه ما تكون بالقراءة في الخطوط الهيروغليفية ، وهي في أحسن أحوالها خطب ارتجلتها قرائح الموهوبين وبقيت بعيدة عن مماحكات العقل الحصيف والفكر الناقد .

لقد بقيت السياسات التربوية المعتمدة في الوطن العربي محاولات مقهورة للحفا ظ على الوضع القائم بأبعاده السياسية والاجتماعية والأيديولوجية ، وبقي حال السياسيين العرب حال من يجدف بعكس التيار الذي يمثل اندفاعات الحضارة الإنسانية وطفراا
. ومع ذلك كله فإن المحافظة على الوضع القائم هو أشبه ما يكون اليوم بعملية انتحار حضاري شامل، وتلك هي الحقيقة التي يجب على السياسيين العرب أن يدركوها بكل ما يملكون من موهبة الإدراك .

٣٦
خلدون النقي ب : أين الخلل في العملية التربوية في الكوي ت ودول الخليج ، جريدة الخليج ، الأربعاء . ١٩٩٧، العدد ٦٥٦٩/٥/١٤

لقد بدأت الأمم ، التي تريد أ ن تشارك في سبق الحضارة، والصعود في مدارجها، تتجاوز وضعية الإصلاح التربوي إلى وضعية التجديد والتثوير وتحقيق التحولات النوعية في مختلف في مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية
. وظهرت اليوم ملامح العصر الذي تتخلى فيه مفاهيم الإصلاح التر ب وي لمفاهيم التجديد والتحولات النوعية . فالعصر الذي نعيش فيه هو عصر الطفرات والتحولات النوعية المستمرة والانتقال إلى عمق هذا العصر يتطلب من الأمم والشعوب أن تركب أمواج الحضارة على إيقاعات متسارعة تكافئ ومض الطفرات الحضارية وخطفاا.

عندما يستعرض المرء تجارب الحياة التربوية في الوطن العر بي لا يجد في متاهات هذه التجارب محاولات تتعلق بالتجديد التربوي أو تجارب تتعلق بالابتكار
. فالتجديد التربوي ما زال لغة مجهولة وصماء في السياسات التربوية في الوطن العربي . وليس في هذا الأمر من غرابة وذلك لأن الإصلاح التربوي نفسه ما زال تجربة تعاني من قصورها الشامل في مختلف أرجاء الوطن العربي .

فالدول التي تسجل حضورها في مواقع متقدمة للحضارة تعتمد اليوم الإصلاح الجذري الذي يتكامل في مقومات وجوده ، وفي نسق علاقاته بالمصير الحضاري لهذه الأمم ، وذلك في مختلف مجالات الحياة ولا سيما ا لتعليم والتربية
. ومن ينظر في تجارا يرى بوضوح لا غبار فيه أن هذه التجارب التربوية تعتمد على عطاءات العلم والعقل والخبرة التربوية الشاملة وترتبط بإرادة أمم تقارع زمن الخوف وتحديات الحضارة .

لقد تبين لنا في ضوء الخبرة والعمل في ميدان التربية ومن خلال تأمل نا في تجارب الإصلاح العربية أن الإصلاح التربوي
- وهذا ينسحب ربما على مختلف جوانب الحياة الأخرى - يعاني من أمور خطيرة نعلن منها ما يلي :

١
- تجهض إرادة أصحاب القرار من سياسيين وإداريين عطاءات عقل الخبراء والمفكرين، وتعطل إمكانيات النهوض التربوي على أسس عل م ية متوازنة ورصينة . فالعلماء والمفكرون العرب ينظمون ويخططون وأصحاب القرار يعملون ، عن غير قصد ربما، على إلغاء عطاءات هذه العقول بشطحات .قلم أو جراته كما يقال ٣٧

٣٧
هذه حقيقة لمسناها في مستوى خطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية ويمكن الرجوع في هذا المستوى إلى كتابات علي الكواري ولا سيما في كتابه التنمية والتنمية البديلة ويمكن الرجوع إلى مقالة محمد محمود الإمام : التخطيط

٢
- غياب الرؤية التكاملية للتخطيط بصورة عامة، وفي مجال العمل التربوي على نحو خاص . فالرؤية الجز ئية اتزأة ما زالت تسيطر على مختلف محاولات النهوض والتطوير التربوي في البلدان العربية ، وهذا ينسحب أيضا على االات الأخرى للحياة السياسية والاقتصادية والإدارية . وغني عن البيان أن هذه الخطط ، إذا كانت جديرة ذه التسمية، غير مترابطة داخليا فيما يتعلق بع ناصرها الداخلية، أو فيما يتعلق بالتناسق الممكن بين هذه الخطط والخطط التنويه الشاملة للمجتمعات العربية .

٣
- غياب الرؤية المستقبلي ة : ذكرنا في طيات هذه المقالة أن موقف العقل العربي ما زال سلبيا من حركة الزمن وهو يتحرك في رمال الزمن الماضي بالدرجة الأولى، فالماضي كما يقال يزحف إلى الحاضر ويعيد إنتاج نفسه في المستقب ل . والمستقبل اليوم هو المعادلة الصعبة ، وبالتالي فإن تحديد الموقف الفلسفي من الزمن ما زال يطرح نفسه بإلحاح على العقل العربي إذا كان هذا العقل يريد فعلا أن يواجه حركة التاريخ التي تتجاوز الحاضر والماضي إلى آفاق مستقبلية بعيدة المدى .

٤
- غياب الموقف الفلسفي الواضح من صورة الإنسان الغاية الذي يجب على التربية أن تعمل على بنائه . فالإنسان الذي تعده المدرسة العربية والتربية العربية عموما إنسان اغترابي سل بي لا يمتلك القدرة على مواجهة التحديات الحضارية أو ا لقدرة على تمثل معطياا . وهنا يترتب على المخططين في مجال التربية العمل على تحديد الموقف الفلسفي من الإنسان . فاتمعات الغربية والتي قطعت شوطا كبيرا في ميدان المشاركة الحضارية حددت صورة الإنسان الغاية منذ زمن بعيد وصورته هي : الإنسان المبدع والناقد وا لم توازن الإنسان العالم التكنولوجي الحر الذي أعد للمشاركة في بناء الحضارة وتمثل معطياا. إن تكنولوجيا الغد لا تحتاج إلى ملايين الرجال السطحي التعليم المستعدين للعمل المتساوق في أعمال لا ﻧﻬائية التكرار ، ولكنها تتطلب رجالا قادرين على إصدار أحكام حاسمة رجالا يستطيعون أن يشقوا طريقهم وسط البيئات الجديد ة ، ويستطيعون أن يحددوا موقع العلاقات الجديدة في الواقع

التكاملي على المستوى الشامل
: تجربة مجلس التعاون ومتطلبات نجاحها ، التعاون ، السنة الثانية ، العدد السابع ، . (٧٥-يوليو ١٩٨٧ (صص ١٥

السريع التغير ، إﻧﻬا تتطلب رجالا من ذلك النوع الذي وصفه س
.ب.سنو بأﻧﻬم يحملون المستقبل فير

.
عظامهم ٣٨٥-غياب الأهداف التربوية الواضحة :

فالأهداف التربوية ا ل عربية هي ظلال مقولات خطابية مسجعة رنانة لا حياة فيها
. وهي نوع من الحلى المزيفة التي توضع على صدور الأنظمة التعليمية العربية . ومن هذا المنطلق لا نستطيع فعليا أن نتحدث عن أهداف تربوية عربية لأن هذه الأهداف ما زالت سجينة الزنزانات النظرية وبقيت مجرد .شعارات ترتفع عن الواقع وتنأى عن همومه٣٩وفي النهاية يمكن القول أن التربية العربية تحتا ج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إمكانيات جديدة تتمثل في حركة تجديد تربوي شاملة تتجاوز حدود الإصلاح المبتور، وتأخذ باعتبارها أولويات ورؤى جديدة تنطلق من الواقع في صورته كما يقدمها العلم، وتبدأ برسم الأهداف الواضحة والسياسات الجريئة، التي تحدد الموقف من الإنسان والزمن والحضارة بصورة علمية تكفل للإنسان العربي من جهة وللمجتمعات العربية من جهة أخرى أن تشارك في بناء الحضارة والصعود في مدارجها . والله ولي التوفيق.

􀀕􀀕:􀀕􀁠􀁦􀀔􀁦􀀆􀀕􀁡􀀥􀀍􀀥􀀚􀁜
" يعيش المجتمع العربي أزمة حضارية ناجمة عن وضعها المتخللف في النظام

"
العالمي ٤٠ تحت عنوان : لماذا لم يستجب التعليم في الوطن العربي لمتطلبات المجتم ع ٤١يشير الدكتور أحمد الخطاب إلى مجموعة من الأسباب الأساسية لقصور التعليم

٣٨
آلفين توفلر : صدمة المستقبل أو المتغيرات في عالم الغد ، ترجمة محمد علي ناصيف ، ضة مصر ، القاهرة ١٩٩٠ . (٤٢٣ ).٣٩ علي وطفة : رؤية نقدية لوثيقة الأهداف التربوية المطورة في دولة قطر، الدوحة، ١٩٩٦

ول
/ 􀑧٤٠ أحمد مجدي حجازي : أمية المثقف العربي :الإبداع وأزمة الفكر السوسيولوجي ، المستقبل العربي ، عدد ١٥١، أيل ٤٠

.
١١٣) ص١٠٠-سبتمبر ، ١٩٩١(صص ٩٧

ويجعل من طغيان مفهوم التعليم على حساب مفهوم التربية واحدا من الأسباب الرئيسية لتخلف الأنظمة التربوية والتعليمية العربية عن ركب اللحاق بموكب الحضارة التربوية في العالم، ويشير في سياق ذلك إلى ضبابية استخدام مفهومي التربية والتعليم ويقول في هذا الصدد
إن المدرسة ب ح كم ما أصابها من جمودية مزمنة أصبحت لا تفرق بين التربية والتعليم (...) وإن المدرسة نسيت بالتدريج .”المهمة التي خلقت من أجلها ألا وهي التربية من خلال التعليم ٤٢تشير بعض المعطيات الإحصائية التي يقدمها العلماء في مجال التربية والاقتصاد " أن ٧٥% من النمو الاق تصادي في الدول المتقدمة يعود إلى عبقرية الإنسان وزيادة
انتاجه ، وأن ٢٥
% من هذا النمو يعود إلى زيادة الألات وتطورها " ٤٣􀀕
􀀕

٤١ الحطاب، أحمد : الصفات التي يجب أن تتسم بها التربية للاستجابة لمتطلبات المجتمع خلال ،القرن الواحد والعشرين، مكتب اليونيسكو الإقليمي للتربية في الوطن العربي، العدد ٣٥ .(يونيو/حزيران ١٩٨٩. (ص: ١٤ و١٥.(٤٢ المرجع السابق (ص: ١٤. (٢١٠-٤٣ صديقة عبد الوهاب : التخطيط والخطط الدراسية في التدريس ، آفاق تربوية ، العدد الرابع ،١٩٩٤(صص: ١٩٩
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اعتماد الطفل على نفسه للكاتب التربوي محمد عباس عرابي محمس عربي مقالات الكُتّاب 1 June 29, 2010 07:09 AM
تخريب الأطفال ليس تخريبا للباحث التربوي محمد عباس محمد عرابي محمس عربي علم النفس 1 June 29, 2010 07:08 AM
الإصلاح التربوي للدكتور علي واطفة اختيار الباحث التربوي محمد عباس محمد عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 February 10, 2010 10:08 AM
فوائد الرزمة التعليميةللكاتب التربوي محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 6 June 25, 2009 03:56 AM
تدريس الشعر للطلاب للباحث التربوي محمد عباس محمد عرابي محمس عربي بحوث علمية 1 May 14, 2009 07:03 PM


الساعة الآن 04:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر