فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > اقسام الحياة العامه > النصح و التوعيه

النصح و التوعيه مقالات , إرشادات , نصح , توعيه , فتاوي , احاديث , احكام فقهيه



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم February 2, 2010, 03:46 PM
 
مقتطفات من كتاب الاذان من صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

بَدْءُ الْأَذَانِ

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُؤًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ وَقَوْلُهُ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بدء الأذان‏)‏ أي ابتدائه‏.‏
وسقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ من رواية أبي ذر، وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة‏)‏ الآية‏)‏ يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا‏:‏ لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى، فنزلت ‏(‏وإذا ناديتم إلى الصلاة‏)‏ الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة‏)‏ يشير بذلك أيضا إلى الابتداء، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه‏.‏
واختلف في السنة التي فرض فيها‏:‏ فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى، وقيل بل كان في السنة الثانية، وروي عن ابن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية‏.‏
أخرجه أبو الشيخ‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني‏.‏
ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس والله أعلم‏.‏
وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا‏.‏
وقوله في آخره ‏"‏ يا بلال قم فناد بالصلاة ‏"‏ كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد، وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني عبد الله بن زيد، فذكر نحو حديث ابن عمر، وفي آخره ‏"‏ فبينما هم على ذلك أري عبد الله النداء ‏"‏ فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع، وفيه تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك ‏"‏ وفيه مجيء عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك، وقد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر، وإنما لم يخرجه البخاري لأنه على غير شرطه، وقد روي عن عبد الله بن زيد من طرق، وحكى ابن خزيمة عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا - ومنهم من وصله عن سعيد - عن عبد الله بن زيد، والمرسل أقوى إسنادا‏.‏
ووقع في الأوسط للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان، ووقع في الوسيط للغزالي أنه رآه بضعة عشر رجلا، وعبارة الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا، وأنكره ابن الصلاح ثم النووي، ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال‏:‏ أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بلال فقال له‏:‏ سبقك بها عمر‏.‏
‏(‏فائدتان‏)‏ الأولى‏:‏ وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال‏:‏ لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا‏.‏
وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك‏.‏
وللدار قطني في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة، وإسناده ضعيف أيضا‏.‏
ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا‏:‏ لما أسري بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت، وفيه من لا يعرف‏.‏
وللبزار وغيره من حديث علي قال‏:‏ لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها‏.‏
فذكر الحديث وفيه‏:‏ إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال‏:‏ الله أكبر، الله أكبر، وفي آخره‏:‏ ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء‏.‏
وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا‏.‏
ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة‏.‏
وأما قول القرطبي‏:‏ لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله‏:‏ لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه‏.‏

والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث‏.‏
وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد‏.‏
انتهى‏.‏
وقد حاول السهيلي صلى الله عليه وسلم الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، فقال بانيا على صحة صلى الله عليه وسلم الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال ‏"‏ إنها لرؤيا حق ‏"‏ وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفحم لشأنه‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
والثاني‏:‏ حسن بديع، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها‏.‏
لكن قد يقال‏:‏ فلم لا اقتصر على عمر‏؟‏ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤوله فإن لفظها ‏"‏ سبقك بها بلال ‏"‏ فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد‏.‏
ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه‏؟‏ وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة ا ه‏.‏
وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة، وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه ‏"‏ فأمر بلالا فأذن ‏"‏ فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله ‏"‏ أذن ‏"‏ أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به‏.‏
ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ أخذ الأذان من أذان إبراهيم ‏(‏وأذن في الناس بالحج‏)‏ الآية‏.‏
قال‏:‏ فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة‏.‏
‏(‏الفائدة الثانية‏)‏ ‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض‏.‏
وقد اختلف في ذلك، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه‏.‏ انتهى‏.‏
وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد، وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى‏)‏ كذا ساقه عبد الوارث مختصرا، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال ‏"‏ لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا ‏"‏ وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه ‏"‏ فقالوا لو اتخذنا ناقوسا‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك للنصارى‏.‏
فقالوا‏:‏ لو اتخذنا بوقا، فقال‏:‏ ذاك لليهود‏.‏
فقالوا‏:‏ لو رفعنا نارا، فقال‏:‏ ذاك للمجوس ‏"‏ فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه‏:‏ ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود‏.‏
وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيص على أن البوق لليهود‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر‏.‏
انتهى‏.‏
ورواية روح تغني عن هذا الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمر بلال‏)‏ هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه، لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا‏.‏
وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة ‏"‏ فأمر بلالا ‏"‏ بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بين في سياقه‏.‏
وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا ‏"‏ قال الحاكم‏:‏ صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة‏.‏
قلت‏:‏ ولم ينفرد به، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب، وطريق يحيى عند الدار قطني أيضا، ولم ينفرد به عبد الوهاب‏.‏
وقد رواه البلاذري من طريق ابن شهاب الحناط عن أبي قلابة‏:‏ وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره كما استدل به ابن المنذر وابن حبان، واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان‏.‏
وتعقب بأن الأمر إذا ورد بصفة الأذان لا بنفسه، وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن، وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية، والجمهور على أنه من السنن المؤكدة، وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك، وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن ابن عمر كان يقول‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ عن عبد الله بن عمر أنه قال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين قدموا المدينة‏)‏ أي من مكة في الهجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيتحينون‏)‏ بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون، أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها، والحين الوقت والزمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس ينادى لها‏)‏ بفتح الدال على البناء للمفعول، قال ابن مالك‏:‏ فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر، وقد أشار إليه سيبويه‏.‏
ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبر‏.‏
قلت‏:‏ ورواية مسلم تؤيد ذلك، فإن لفظه ‏"‏ ليس ينادى بها أحد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا‏)‏ لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك، واختصر الجواب في هذه الرواية، ووقع لابن ماجه من وجه آخر عن ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود‏.‏
ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى ‏"‏ وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه‏.‏
وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس عن عمومته عن سعيد بن منصور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بل بوقا‏)‏ أي بل اتخذوا بوقا، ووقع في بعض النسخ ‏"‏ بل قرنا ‏"‏ وهي رواية مسلم والنسائي‏.‏
والبوق والقرن معروفان، والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضا ‏"‏ الشبور ‏"‏ بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر أو لا‏)‏ الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره‏.‏
قال الطيبي‏:‏ الهمزة إنكار للجملة الأولى، أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رجلا‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ منكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينادى‏)‏ قال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال‏:‏ أولا تبعثون رجلا ينادي - أي يؤذن - للرؤيا المذكورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قم يا بلال ‏"‏ فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة، والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه فقال عمر‏.‏
قلت‏:‏ وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك، فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها، قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لقد رأيت مثل الذي رأى، فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه‏.‏
والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم‏.‏
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار‏.‏
قالوا‏:‏ ‏"‏ اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقال‏:‏ انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ‏"‏ الحديث‏.‏
وفيه ‏"‏ ذكروا القنع - بضم القاف وسكون النون يعني البوق - وذكروا الناقوس، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ ما منعك أن تخبرنا‏؟‏ قال‏:‏ سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ‏"‏ ترجم له أبو داود ‏"‏ بدء الأذان ‏"‏ وقال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ روى قصة عبد الله ابن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها‏.‏
قلت‏:‏ وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت، لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله ‏"‏ ما منعك أن تخبرنا ‏"‏ أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء، فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور، وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه، بخلاف ما وقع في روايته التي ذكر بها ‏"‏ فسمع عمر الصوت فخرج فقال ‏"‏ فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فناد بالصلاة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأذن بالصلاة ‏"‏ قال عياض‏:‏ المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع‏.‏
وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله ‏"‏ أذن ‏"‏ على الأذان المشروع، وطعن في صحة حديث ابن عمر وقال‏:‏ عجبا لأبي عيسى كيف صححه‏.‏
والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد‏.‏
انتهى‏.‏
ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه، وقد قال ابن مندة في حديث ابن عمر‏:‏ إنه مجمع على صحته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا بلال قم‏)‏ قال عياض وغيره‏:‏ فيه حجة لشرع الأذان قائما‏.‏
قلت‏:‏ وكذا احتج ابن خزيمة وابن المنذر، وتعقبه النووي بأن المراد بقوله ‏"‏ قم ‏"‏ أي اذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس، قال‏:‏ وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان‏.‏
انتهى‏.‏
وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ، فإن الصيغة محتملة للأمرين، وإن كان ما قاله أرجح‏.‏
ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز، إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي‏.‏
وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية، وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة، وأنه لو أذن قاعدا صح، والصواب ما قال ابن المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله ‏"‏ الصلاة جامعة ‏"‏ أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب‏.‏
وظن بعضهم أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول‏:‏ أحد أحد، فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان، إلا أن هذا الموضع ليس هو محلها‏.‏
وفي حديث ابن عمر دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون الاقتصار على الظواهر‏.‏
قاله ابن العربي، وعلى مراعاة المصالح والعمل بها، وذلك أنه لما شق عليهم التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم، أو التأخير فيفوتهم وقت الصلاة، نظروا في ذلك‏.‏

وفيه مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده، وفيه منقبة ظاهرة لعمر‏.‏
وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ سبقك بذلك الوحي ‏"‏ وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام، وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه، والله أعلم‏.‏

التعديل الأخير تم بواسطة Quiet Queen ; February 3, 2010 الساعة 11:49 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم February 2, 2010, 03:50 PM
 
فضل التأذين

فضل التأذين

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل التأذين‏)‏ راعى المصنف لفظ ‏"‏ التأذين ‏"‏ لوروده في حديث الباب‏.‏
وقال الزين ابن المنير‏:‏ التأذين يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة، وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك، كذا قال‏.‏
والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث ‏"‏ حتى لا يسمع التأذين ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ حتى لا يسمع صوته ‏"‏ فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة، مع أن ذلك هو الأصل في المصدر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا نودي للصلاة‏)‏ وللنسائي عن قتيبة عن مالك ‏"‏ بالصلاة ‏"‏ وهي رواية لمسلم أيضا، ويمكن حملهما على معنى واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له ضراط‏)‏ جملة اسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ وله ضراط ‏"‏ وهي للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق، قال عياض‏:‏ يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره، ويقويه رواية لمسلم ‏"‏ له حصاص ‏"‏ بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو‏.‏
قال الطيبي‏:‏ شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطا تقبيحا له‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس، وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي، ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى لا يسمع التأذين‏)‏ ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن، أو يصنع ذلك استخفافا كما يفعله السفهاء، ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها، ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث، واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله ‏"‏ حتى لا يسمع ‏"‏ ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت، وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال ‏"‏ حتى يكون مكان الروحاء ‏"‏ وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدينة والروحاء ستة وثلاثين ميلا، هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم، وأخرجه عن إسحاق عن جرير ولم يسق لفظه، ولفظ إسحاق في مسنده ‏"‏ حتى يكون بالروحاء، وهي ثلاثون ميلا من المدينة ‏"‏ فأدرجه في الخبر، والمعتمد رواية قتيبة، وسيأتي حديث أبي سعيد في ‏"‏ فضل رفع الصوت بالأذان ‏"‏ بعده‏.‏
قوله ‏(‏قضي‏)‏ بضم أوله، والمراد بالقضاء الفراغ أو الانتهاء، ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل، والمراد المنادى، واستدل به على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل، خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا ثوب‏)‏ بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع، وقيل من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره، قال الجمهور‏:‏ المراد بالتثويب هنا الإقامة، وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي والبيهقي وغيرهم، قال القرطبي‏:‏ ثوب بالصلاة إذا أقيمت، وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان، وكل من ردد صوتا فهو مثوب، ويدل عليه رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ فإذا سمع الإقامة ذهب ‏"‏ وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن بين الأذان والإقامة ‏"‏ حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة ‏"‏ وحكى ذلك ابن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به، لكن في سنن أبي داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة، فهذا يدل على أن له سلفا في الجملة، ويحتمل أن يكون الذي تفرد به القول الخاص‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ لا يعرف العامة التثويب إلا قول المؤذن في الأذان ‏"‏ الصلاة خير من النوم ‏"‏ لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبل‏)‏ زاد مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ فوسوس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبل حتى يخطر‏)‏ بضم الطاء، قال عياض‏:‏ كذا سمعناه من أكثر الرواة، وضبطناه عن المتقنين بالكسر، وهو الوجه، ومعناه يوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله، وضعف الحجري في نوادره الضم مطلقا وقال‏:‏ هو يخطر بالكسر في كل شيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين المرء ونفسه‏)‏ أي قلبه، وكذا هو للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق، قال الباجي‏:‏ المعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقول‏:‏ اذكر كذا اذكر كذا‏)‏ وقع في رواية كريمة بواو العطف ‏"‏ واذكر كذا ‏"‏ وهي لمسلم، وللمصنف في صلاة السهو ‏"‏ اذكر كذا وكذا ‏"‏ زاد مسلم من رواية عبد ربه عن الأعرج ‏"‏ فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما لم يكن يذكر‏)‏ أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة‏.‏
وفي رواية لمسلم ‏"‏ لما لم يكن يذكر من قبل‏"‏، ومن ثم استنبط أبو حنيفة للذي شكا إليه أنه دفن مالا ثم لم يهتد لمكانه أن يصلي ويحرص أن لا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا، ففعل، فذكر مكان المال في الحال‏.‏
قيل‏:‏ خصه بما يعلم دون ما لا يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده، والذي يظهر أنه لأعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم ليشتغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه، وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم، لكن هل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها‏؟‏ لا يبعد ذلك، لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يظل الرجل‏)‏ كذا للجمهور بالظاء المشالة المفتوحة، ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى، ووقع عند الأصيلي ‏"‏ يضل ‏"‏ بكسر الساقطة أي ينسى، ومنه قوله تعالى ‏(‏أن تضل إحداهما‏)‏ أو بفتحها، أي يخطئ ومنه قوله تعالى ‏(‏لا يضل ربي ولا ينسى‏)‏ والمشهور الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يدرى‏)‏ وفي رواية في صلاة السهو ‏"‏ إن يدري ‏"‏ بكسر همزة إن وهي نافية بمعنى لا، وحكى ابن عبد البر عن الأكثر في الموطأ فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ ليست رواية الفتح لشيء إلا مع رواية الضاد الساقطة فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر ومفعول ضل أن بإسقاط حرف الجر أي يضل عن درايته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كم صلى‏)‏ وللمصنف في بدء الخلق من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له كما يأتي بعد، ولعل البخاري أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور عقب هذا الحديث‏.‏
ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن اللفظ عام والمراد به خاص، وأن الذي يشهد من تصح منه الشهادة كما سيأتي القول فيه في الباب الذي بعده‏.‏
وقيل إن ذلك خاص بالمؤمنين فأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة، ورده لما جاء من الآثار بخلافه، وبالغ الزين بن المنير في تقرير الأول وهو مقام احتمال، وقيل يهرب نفورا عن سماع الأذان ثم يرجع موسوسا ليفسد على المصلي صلاته، فصار رجوعه من جنس فراره، والجامع بينهما الاستخفاف‏.‏
وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه، واعترض بأنه يعود قبل السجود، فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه، وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرا ثم يرجع ليفسد على المصلي سجده الذي أباه، وقيل إنما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق وإقامة الشريعة، واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي، وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلا، ولهذا قال لعبد الله بن زيد ‏"‏ ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ‏"‏ أي أقعد في المد والإطالة والإسماع ليعم الصوت ويطول أمد التأذين فيكثر الجمع ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ، وقد ييأس عن أن يردهم عما أعلنوا به ثم يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة‏.‏
وقد ترجم عليه أبو عوانة ‏"‏ الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه ‏"‏ وقيل لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفر من سماعها‏.‏
وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الخبيث من المفرط، فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقر به إذا كان وحده وهو نادر، وكذا إذا انضم إليه من هو مثله فإنه يكون أندر، أشار إليه ابن أبي جمرة نفع الله ببركته‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن بطال يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى، لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك، ففي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال ‏"‏ إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة ‏"‏ واستدل بهذا الحديث، وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ وردت في فضل الأذان أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى، واقتصر على هذا هنا، لأن هذا الخبر تضمن فضلا لا ينال بغير الأذان، بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات، والله أعلم‏.‏

التعديل الأخير تم بواسطة Quiet Queen ; February 3, 2010 الساعة 12:04 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم February 2, 2010, 03:54 PM
 
Love ما يقووول اذا سمع المنآدي

ما يقووول اذا سمع المنآدي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول إذا سماع المنادي‏)‏ هذا لفظ رواية أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في حديث الباب، وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي‏.‏
ثم ظاهر صنيعه يقتضي ترجيح ما عليه الجمهور، وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين، لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام، وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه، والخاص مقدم على العام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء بن زيد‏)‏ في رواية ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره، أخرجه أبو عوانة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث، وعلى مالك أيضا، لكنه اختلاف لا يقدح في صحته، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه‏.‏
وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي‏:‏ حديث مالك ومن تابعه أصح، ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه‏.‏
وقال الدار قطني‏:‏ إنه خطأ والصواب الرواية الأولى، وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم‏)‏ ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة، قاله النووي في شرح المهذب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقولوا مثل ما يقول المؤذن‏)‏ ادعى ابن وضاح أن قول ‏"‏ المؤذن ‏"‏ مدرج، وأن الحديث انتهى عند قوله ‏"‏ مثل ما يقول‏"‏‏.‏
وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يقول‏)‏ قال الكرماني‏:‏ قال ‏"‏ ما يقول ‏"‏ ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها‏.‏
قلت‏:‏ والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت ‏"‏ وأما أبو الفتح اليعمري فقال‏:‏ ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة، يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل‏.‏
قاله النووي في شرح المهذب بحثا‏.‏
وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة، وظاهر قوله مثل أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك ‏"‏ حي على الصلاة وحي على الفلاح ‏"‏ فيقول بدلهما ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ كذلك استدل به ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور‏.‏
وقال ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال‏:‏ فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة‏.‏
أجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة، وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة‏.‏
ولقائل أن يقول‏:‏ يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه‏.‏
ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ كما سيأتي في موضعه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا، فناسب أن يقول‏:‏ هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته‏.‏
ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عيد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله، حتى إذا قال ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ قالوا ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ وإذا قال ‏"‏ حي على الفلاح ‏"‏ قالوا ‏"‏ ما شاء الله‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وإلى هذا صار بعض الحنفية‏.‏
وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان، وروى عن سعيد بن جبير قال‏:‏ يقول في جواب الحيعلة‏:‏ سمعنا وأطعنا‏.‏
ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط، وقيل هما والتكبير، وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره، وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي، وحكوا أيضا خلافا‏:‏ هل يجيب في الترجيع أو لا، وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا‏.‏
قال النووي‏:‏ لم أر فيه شيئا لأصحابنا‏.‏
وقال ابن عبد السلام‏:‏ يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل، إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان‏.‏
وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل جهة، لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن، كذا قيل وفيه بحث، لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت، والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع‏.‏
نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول‏.‏
وأغرب ابن المنير فقال‏:‏ حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة‏.‏
وتعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة، وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت الأذان، وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته صلى الله عليه وسلم ويوجد الأذان من دونها‏.‏
ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا‏.‏
واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر، ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة، وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا، وقيل يجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع‏.‏
لكن قد يقال‏:‏ من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع، لأنها من ذكر الله، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وفرق ابن عبد السلام في فتاويه بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف، وهذا قاله بحثا، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ، وكذا في حال الجماع والخلاء، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم، ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك، واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة، قالوا‏:‏ إلا في كلمتي الإقامة فيقول ‏"‏ أقامها الله وأدامها ‏"‏ وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا، لكن قد يفرق بأن الأذان إعلام عام فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة، والإقامة إعلام خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضا‏.‏
واستدل به على وجوب إجابة المؤذن، حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب، واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره ‏"‏ إنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال‏:‏ على الفطرة، فلما تشهد قال‏:‏ خرج من النار ‏"‏ قال‏:‏ فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب‏.‏
وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك، قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع معاوية يوما فقال مثله - إلى قوله - وأشهد أن محمدا رسول الله‏)‏ هكذا أورد المتن هنا مختصرا، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه ‏"‏ كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال، ثم قال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم ‏"‏ ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا إسحاق أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه‏.‏
قال يحيى‏:‏ وحدثني بعض إخواننا ‏"‏ أنه لما قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وقال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم يقول‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
فأحال بقوله نحوه على الذي قبله، وقد عرفت أنه لم يسق لفظه كله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تاما، منها للإسماعيلي من طريق معاذ ابن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا عيسى بن طلحة قال ‏"‏ دخلنا على معاوية، فنادى مناد بالصلاة، فقال‏:‏ الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية الله أكبر الله أكبر‏.‏
فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏
فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏
فقال‏:‏ أشهد أن محمدا رسول الله، فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن محمدا رسول الله‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
الشرح‏:‏
قال يحيى فحدثني صاحب لنا ‏"‏ أنه لما قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
ثم قال هكذا سمعنا نبيكم‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
فاشتمل هذا السياق على فوائد‏:‏ أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه، ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري، ثالثها أن قوله في الرواية الأولى ‏"‏ أنه سمع معاوية يوما فقال مثله ‏"‏ فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله، رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له، خامسها أن قوله ‏"‏ قال يحيى ‏"‏ ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم، بل هو عنده بإسناد إسحاق‏.‏
وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين، ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه، كذلك صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه‏.‏
وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه، وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي، وفيه نظر، لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية، وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية‏؟‏ وقد غلب على ظني أنه علقمة ابن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه، وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة، وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين‏:‏ أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واه، والآخر عن علقمة بن وقاص عنه، وقد أخرجه النسائي واللفظ له، وابن خزيمة وغيرهما من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال ‏"‏ إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن، فقال معاوية كما قال، حتى إذا قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال حي على الفلاح قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ‏"‏ ورواه ابن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال‏:‏ كنت عند معاوية فذكر مثله، وأوضح سياقا منه، وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب، بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره، وأن ‏"‏ إلى ‏"‏ في قوله في الطريق الأولى ‏"‏ فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله ‏"‏ بمعنى ‏"‏ مع ‏"‏ كقوله تعالى ‏(‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏)‏ ‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدار قطني، ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها، لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا‏.‏
وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع - وهما في الطبراني وغيره - وعن أنس في البزار وغيره، والله تعالى أعلم‏.‏

التعديل الأخير تم بواسطة Quiet Queen ; February 3, 2010 الساعة 12:10 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نيل ارمسترونج و الاذان sally11 معلومات ثقافيه عامه 7 February 25, 2009 03:38 AM


الساعة الآن 09:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر