فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > شعر و نثر

شعر و نثر اكتب قصيده , من انشائك او من نِثار الانترنت , بالطبع , سيشاركك المتذوقين للشعر مشاعرك



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم September 27, 2009, 02:31 AM
 
خالتي...أمي الثانية

خالتي...
أوّلُ شخص أذكرُه في طفولتي...
لقدْ غادرتْ منزلَ والديْها لتستقرَّ في منزلنا... وصارتْ فردًا من عائلتِنَا.
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت أمّي الثانية. لقد جاءتْ لتعتنيَ بي وتغمرَني برعايتِها وحنانِها.
عشتُ طفولتي بالقرب منْ امرأتين : خالتي وأمّي. ويا لهما منْ امرأتين!... ويا لها منْ طفولةٍ!...
كنتُ أكثرَ أطفال العالم حظًا.
كلُّ طفل يتمنّى أن تكونَ لهُ أمٌّ لا تفارقهُ أبدًا. أمَّا أنا، فكانتْ لي أمّان: خالتي ووالدتي.
وأعْترفُ بسرٍّ صغير – لو علمتْ به والدتي لما غضبتْ ولما استغربتْ أيضًا – وهو أنّي كنتُ أحسُّ بحنان خالتي أكثرَ من حنان أمّي.
كانتا تتنافسان على حبّي، ولكنني، كأيﱢ طفل لم يبلغْ السّادسة من عمره بعدُ، كنتُ أريدُ منْ كلّ شيءٍ جميل أكثرَ، و كنتُ أريدُ أنْ يكونَ كلُّ شيءٍ لِي وحدِي. كنتُ، طبعًا، أريدُ أنْ أحتكرَ أمِّي لنفسي. غيرَ أنَّ والدتي أحبَّتْ جميعَ أبنائِها، وغمرتْهم بحنانِها دونَ تمييز. أمّا خالتي، فكانت تغدقُ عليﱠ بعطفها وحبِّها أكثر من حبِّها لإخوتي... أو هكذا كنت أشعرُ.
وربَّما كان كلُّ فردٍ منْ أفرادِ عائلتي يحسﱡ بحبِّها له أكثر من أيﱢ شخص آخر، لأنها – و بكل صدق – أقربُ إلى الملاك منها إلى البشر.
وكيف لا تكونُ ملاكا، من نافستْ أمًّا على حبِّ أبنائها، ومن قبل أن تصيرَ أمًّا حتّى؟!
ومنْ غيرُها، يقدرُ على أن يكون للطفل بمثابة أمٍّهِ في حضورها كما في غيابها؟

*****

في سنة 1985، تزوَّجتْ خالتي، وكان عُمُري آنذاكَ ستُّ سنواتٍ. وكانتْ نهاية لمرحلةٍ من طفولتي، وبداية لمرحلةٍ جديدة... مرحلة الابن مع أمِّه الوحيدة!
ما أغربَ أنْ يعيش ابنٌ مع أمٍّ واحدة!!... ولكن... هيهاتَ... لن أعيشَ مع أمٍّ واحدة.
كنت قد بدأتُ سنتي الدراسيّة الأولى. وطبْعًا، تقلّصتْ فترة وجودي في المنزل. وملأت المدرسة جزءًا من حياتي، فعوَّضتني عن غياب أمِّي الثانية (خالتي)، أو هكذا بدا الأمرُ. ولكن ما إن أهلّتْ أوّل عطلة لي، وهي عطلة الشتاء التي تدوم أسبوعين، حتى بدأتُ أستعدُّ وأخطط لتقضيتها قربَ خالتي.
وفي اليوم الأول من العطلة، ذهبتُ إلى منزل خالتي الجديد. كان يقعُ في منطقة ريفيّة، تبعدُ عنا قرابة الخمسة والثلاثين كيلومترا.
ووصلتُ. ولقيتُ ترحابا كبيرا من أهل المنزل. وترحابا أكبر من خالتي. كانت فرحتها بقدومي لا تضاهيها فرحة. فرحة الأم بقدوم ابنها بعد فراق طويل.
ولم أشعرْ ببرودة الطقس في ذلك المكان، رغم تحذيرات أمّي المتواصلة عن اختلافه وشدّته مقارنة به عندنا في المدينة. وكيف أشعر بالبرد مع ذلك التّرحاب الحارّ وذلك الحنان الذي تغمرني به خالتي دائما؟
منذ ذلك اليوم، صرتُ أحبُّ الرِّيفَ، وأحنُّ إليهِ، وأشتاقُ إليه، وأتوقُ للعيش بين أحضانه. ومنْ لا يعشقُ العيش بين أحضان أمِّه؟
كنتُ آنذاكَ أرْفلُ في ثوب من السّعادة. وتاجٌ من الفخر أحمله فوق رأسي.
أجلْ... كنتُ سعيدًا... وكنتُ فخورًا بنفسِي، لاسِيَّمَا عندما أستمعُ لخالتي وهي تقدِّمُني لشخصٍ مَّا لا يعرفُنِي:
- هذا ابنُ أختي. حملهُ الشوقُ إليَّ والحنينُ. لقدْ ترك المدينةَ بصخبها ومرحِها، وأتى إليَّ ليُقضّي عطلتََهُ بالقرب منِّي! إنَّهُ مثل ابني، ويا لسعادتي بهكذا ابن!
وتظلُّ تفتخِرُ بي، وبحبِّي لها، وبتعلقي بها، وبأنّنِي الوحيدُ الذي يتذكّرُها، ويهرعُ لزيارتِها في أوَّل فرصةٍ تُتاحُ لهُ. طبعًا، لم أكن الوحيدَ الذي يزورُها، ولكن... كنتُ أحبُّ أنْ تَضَعَني في هكذا مرتبةٍ لديها.
كانت جبال الإكليل والسعتر تحيط بنا، وأشجار التين والزيتون والتين الشّوكي تطلُّ عليْنا من كل جانب. والدّجاجات تمرح بيننا مع كتاكيتها. وخبز الطابونة... ما ألذﱠ ذلك الخبز الذي تبرعُ خالتي في إعداده!
يا الله! ما أجملَ تلك الأيّام التي استوحتْ جمالها من صفاتِ خالتي!
وما أبهى ذلك المكان الذي كنتُ أرى فيهِ بهاءَ خالتي!
وما أطيبَ أهلَ ذلك المنزل الذينَ كنتُ أحسُّ بالقرب منهُمْ بطيبَةِ خالتي!
والحنان... لا أدْري كيفَ سأصِفُ ذلك الفيْضَ من الحنان الذي غمرَني طيلة بقائي بالقرب منْ خالتي؟
و فجْأةً، انتهتْ عطلتي... لمْ أدر كيفَ انقضى أسبوعان بهذه السُّرعةِ، ولا كيف قضّيْتُ عطلةً بأكملها في منزل خالتي. وعدتُ إلى منزلنا، تاركا قلبي وعقلي وكياني مع خالتي التي ودّعتني، مع وعدٍ منها بزيارتنا في أقرب فرصة.
ظللتُ أنتظرُ بشوق متى تفي بوعدها وتأتي لتقضّي بضعة أيام عندنا. ويا لسعادتي عندما عدتُ ذاتَ يوم من المدرسةِ، ووجدتُها جالسة في فناء المنزل. كنت كمنْ عثرَ على كنز ثمين في أشدﱢ أيامه فقرًا. ويا له من كنز. خالتي كنزٌ نفيسٌ بين نساءِ جيلها، و في نظر كلّ من يعرفها، كبيرًا كان أو صغيرًا.
و مرّت الأيّامُ و الشهورُ، و توالت العطلُ، و توالت معها زياراتي إلى الرّيفِ، وازدادَ تعلقي بذلك المكان، كما ازدادَ تعلقي بخالتي، حتى و هي بعيدةٌ عنّا.

*****

وتوالت السَّنواتُ. وارتقيتُ درجاتَ دراستي بنجاح. كنتُ أجتهدُ في المدرسةِ حتَّى أكافأ على حسن نتائجي بالذهاب إلى خالتي في كل عطلةٍ.
صارتْ خالتي أمّا لثلاثة أبناءٍ، وصرتُ مراهقا يدرسُ في المعهد الثانوي. وكنتُ أعتبرُ أبناءَها إخوة لي. و كيفَ لا، وهي أمِّي الثانية؟ أمِّي التي لم تنجبني. أمّي التي أحبّتْني صغيرًا وكبيرًا.
وفي الأعيادِ... كنت كلَّ صباح عيد الفطر أستعدﱡ للذهاب إلى الرّيف لأهنّئ خالتي وأتمنّى لها عيدا سعيدا، قبل حتّى أن أهنّئ بقيّة أفراد العائلة الذين يقطنون بالقرب منا.
أذكر مرّة عتابَ عمِّي عندما قال لي : " كيف تذهب إلى الرّيف البعيدِ لتهنّئَ خالتكَ بالعيدِ قبلي، رغم أنّي أسكنُ بالقرب منكَ " ؟ أجبْتُهُ بأنّ خالتي أقربُ إليَّ منْ حبل الوريد، ولن يثنيني عن الذهاب إليها لا بعدُ المسافاتِ، ولا كثرة الأقارب التي تحيط بنا. ولنْ أعتبرَهُ عيدًا ما دُمْتُ لمْ أزرْ خالتي بعدُ".

*****

هكذا كانتْ طفولتي. وهكذا كانتْ دراستي وعُطلي. و هكذا كانتْ أعيادي. كلُّ شيء في حياتي آنذاك كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بخالتي.

التعديل الأخير تم بواسطة abdelkader15 ; September 27, 2009 الساعة 04:43 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نثر في حالتي من الضياع ,,! مجرد فتاة شعر و نثر 2 November 16, 2008 09:44 PM
بنت خالتى الملك الاول افتح قلبك 15 July 22, 2008 06:33 AM
يالبى قلب @نصراويه حدي@ شعر و نثر 0 June 29, 2008 03:43 PM
ترضيك حالتي ترضيك حالتي الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 7 November 22, 2007 12:08 AM


الساعة الآن 06:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر